15-يوليو-2020

أزمة سياسية متصاعدة (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

مشروعان متوازيان مرتبطان يلخصان الأزمة السياسية في تونس طيلة الأسابيع الأخيرة بالخصوص: مشروع لسحب الثقة من حكومة إلياس الفخفاخ أعطى مجلس شورى النهضة صفارة البدء في إجراءاته، ومشروع لسحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي انطلقت 5 كتل نيابية في تنفيذ موجباته الإجرائية. هي أزمة حكومية في القصبة توازيها أزمة برلمانية في باردو، أزمتان متداخلتان غير منفصلتين إذ أن داعمي الحكومة هم أساسًا من أطلقوا مشروع سحب الثقة من الغنوشي، ومن يدعمون رئيس البرلمان هم ذاتهم، من المنتظر ووفق حسابات قابلة لإعادة التقدير، من يسعون لسحب الثقة من الحكومة.

اقرأ/ي أيضًا: هل لحكومة إلياس الفخفاخ مستقبل؟

عودة لجذور الأزمة السياسية

لم تزد نتائج الانتخابات التشريعية التي أفرزت مشهدًا برلمانيًا مشتتًا بسبب نظام الاقتراع النسبي بأكبر البقايا دون عتبة تعقيدًا للمشهد السياسي بتقارب التوزانات البرلمانية وهشاشة التحالفات إلا بعد فشل حركة النهضة في تمرير حكومة الجملي، ما جعل رئيس الجمهورية هو عنصرّ محدّد للحكومة الجديدة: اختيار إلياس الفخفاخ غير المدعوم من أكبر حزبين النهضة و"قلب تونس"، وتبني هندسة حكومية عنوانها حكومة بدون "قلب تونس"، وكانت المحصلة "حكومة الضرورة" بالنسبة لحركة النهضة باعتبار أن عدم المصادقة يقابلها دستوريًا انتخابات تشريعية مبكرة. حكومة مكوّنة من 4 كتل وهي النهضة (54 نائبًا) والكتلة الديمقراطية -التيار وحركة الشعب- (38 نائبًا) والإصلاح الوطني (16 نائبًا) و"تحيا تونس"  (14 نائبًا) مع نواب مستقلين وذلك بأغلبية بـ129 نائبًا (109 الأغلبية المطلوبة) مقابل 3 أحزاب معارضة ("قلب تونس" وائتلاف الكرامة والدستوري الحر)، لتكون بذلك أقل حكومة تحوز على الثقة بعد الثورة ولكن كان جواب الفخفاخ دائمًا: أفضّل حكومة بخط سياسي واضح بأغلبية بسيطة أفضل من حكومة "تضم الجميع" بأغلبية معزّزة.

 أثبتت مدة حياة الحكومة حتى الآن أن الائتلاف الحكومي الأغلبي لم يؤلف بين قلوب مكوّناته التي تختلف مركباتها الفكرية وتتباعد تقديراتها السياسية إلى غاية التضاد

لكن أثبتت مدة حياة الحكومة، منذ نهاية فيفري/فبراير 2020 حتى الآن، أن الائتلاف الحكومي الأغلبي لم يؤلف بين قلوب مكوّناته التي تختلف مركباتها الفكرية وتتباعد تقديراتها السياسية إلى غاية التضاد، والأهم لم يتحوّل الائتلاف الحكومي الأغلبي ببساطة إلى ائتلاف برلماني أغلبي. مساهمة اللوائح البرلمانية وبخصوص لائحة ليبيا في تصعيد التوتر بين النهضة وحركة الشعب (قومي)، وتنسيق النهضة داخل البرلمان مع كتلتين معارضتين هما "قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة" (تحديدًا داخل مكتب البرلمان الذي يحدّد أولويات عمل المؤسسة التشريعية) ما يخالف توجهات بقية الائتلاف الحكومي، الانتقادات المتتالية لكتل الائتلاف لأداء رئيس البرلمان راشد الغنوشي، جميعها دلت على أزمة داخل الائتلاف. في هذا الإطار، لم تعقد كتل الائتلاف أي اجتماع تنسيقي فيما بينها داخل البرلمان حتى الآن، وهو ما يلخّص أن الحكومة في قصبة لم تجد السند الأغلبي في البرلمان وظل مناخ عدم الثقة هو السائد (مثلًا الشذ والجذب بين النهضة والفخفاخ حول قانون تفويض البرلمان لرئيس الحكومة لإصدار مراسيم زمن أزمة كورونا قبل التوافق على صيغة توافقية في الساعات الأخيرة). كما فشل الائتلاف في الاتفاق على وثيقة التضامن الحكومي كان المبرمج توقيعها في رمضان الفارط. 

وفي سياق متصل،كان تحفّظ النهضة، الممثلة بـ6 وزراء، على أداء الحكومة في مواضيع عدّة (نقدها غير المباشر لتعامل الحكومة مع بعض الملفات منها مثلًا ملف رجل الأعمال مروان المبروك، رفضها التعامل الأمني في احتجاجات تطاوين، إلخ). رئيس الكتلة الديمقراطية (ثاني أكبر كتلة داعمة للحكومة) هشام العجبوني صرّح، في المقابل، أن "تشويش" النهضة على الحكومة منذ انطلاق عملها لأنها "تهدد مصالح الحزب" في علاقة بالتعيينات وشبكاتها المحلية والإدارية ودوائر نفوذها، وفق قوله.

اقرأ/ي أيضًا: السيناريوهات القانونية لإسقاط حكومة الفخفاخ

في المقابل، تقدّر النهضة أن الحكومة الحالية غير قادرة على التصدي للأزمة الاجتماعية والاقتصادية خاصة بعد أزمة كورونا وتأمين انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية والهيئات الدستورية (تستلزم أغلبية الثلثين) بحكومة بحزام برلماني "ضعيف"، بل هي ترى نفسها "طرفًا ضعيفًا" في الحكومة (تصريح للناطق الرسمي باسم المكتب التنفيذي للنهضة). والتقدير أن النهضة تستهدف بتوسيع حزام الحكومة وبالخصوص إضافة "قلب تونس" تحقيق هدفين اثنين الأول في باردو والآخر في القصبة: عزل الحزب الدستوري الحر داخل البرلمان ومنع أي تقارب مع "قلب تونس (خصوصًا بعد أن مثلت لائحة ليبيا مؤشر تقارب بينهما)، وتعزيز موقعها داخل الحكومة مع حزب "قريب" منها في الخيارات العامة ما يوازيه تحجيم تأثير حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب.

في هذا المناخ المتوتّر، مثّل ملف شبهات تضارب المصالح لرئيس الحكومة إلياس الفخفاخ انعطافة في العلاقة بين النهضة ورئيس الحكومة، إذ اعتبرت النهضة أن هذا الملف يمثل رصاصة الرحمة على هذه الحكومة "التي فقدت شرعيتها السياسية والأخلاقية". في المقابل، يتشبث الفخفاخ، وقد تعهّد أمام البرلمان باستقالته حال ثبوت الشبهات، ومدعومًا ببقية الائتلاف الحكومي بأنه لا يمكن توظيف هذا الملف إلا بعد ثبوت التهمة وانتظار نتائج التحقيق الإداري خصوصًا مع الإشارة إلى وجود تحقيق برلماني وآخر قضائي.

5 محطات للتصعيد بين النهضة والفخفاخ

عرفت العلاقة بين حركة النهضة ورئيس الحكومة إلياس الفخفاخ تصعيدًا متبادلًا، إثر ذلك، فيما ظهر أن كل طرف يسعى للعب أوراق الضغط الي بيده وذلك قبل تصاعد الأزمة بوتيرة متسارعة في زمن وجيز في إطار إثبات كل طرف عدم قدرته أو عجزه على مواجهة الآخر، فاتجهت الأمور لمعركة كسر عظام في 5 محطات متتالية:

  • شورى النهضة 40 (27 و28 جوان/يونيو 2020):أكد المجلس على "مُتابعة التحقيقات الجارية في شبهات تضارب المصالح وعلى ضوء نتائجها سيتخذ القرار المناسب" مع "التأكيد على أهمية توسيع الحزام السياسي للحكومة".
  • تنفيذي النهضة (5 جويلية/يوليو 2020): قرّر المكتب التنفيذي دعوة مجلس الشورى للانعقاد باعتبار أن التحقيقات المرتبطة بشبهة تضارب المصالح "أضرت بصورة الائتلاف الحكومي" وهو "ما يستوجب إعادة تقدير موقف الحزب من الحكومة والائتلاف المكون لها".
  • شورى النهضة 41 (12 جويلية/يوليو 2020): كلّف المجلس رئيس الحركة راشد الغنوشي بـ"إجراء مشاورات مع رئيس الجمهورية قيس سعيّد والأحزاب والمنظمات للاتفاق على مشهد حكومي بديل" مع البقاء في حالة انعقاد مستمرّ لمتابعة مسار الخروج من الأزمة" وهو قرار يأتي "بعد الاستماع الى تقدير موقف من المكتب التنفيذي وتقرير عن قضية تضارب المصالح".
  • بيان رئاسة الحكومة (13 جويلية/يوليو 2020): أعلن رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ إجراء تحوير في تركيبة الحكومة سيتم الإعلان عنه خلال الأيام القليلة القادمة باعتبار "دعوة حركة النهضة لتشكيل مشهد حكومي جديد انتهاكًا صارخًا للعقد السياسي الذي يجمعها مع الأطراف الأخرى".
  • شورى النهضة -دورة استثنائية- (14 جويلية/يوليو): قرار سحب الثقة من حكومة إلياس الفخفاخ.

سحب الثقة من الغنوشي.. معركة الجبهة البرلمانية

في خضم التطورات في علاقة بالملف الحكومي، بدأت معركة أخرى في الجبهة البرلمانية انطلقت تحديدًا بعد بيان شورى النهضة 41 بعد إعلان 5 كتل (الكتلة الديمقراطية والإصلاح الوطني وحركة "تحيا تونس" والكتلة الوطنية والدستوري الحر) منها 3 منضوية في الائتلاف الحكومي، توجهها نحو سحب الثقة من رئيس البرلمان لـ"سوء تسييره للمؤسسة التشريعية" وخاصة بعد حادثة مرافق كتلة ائتلاف الكرامة.

في خضم التطورات في علاقة بالملف الحكومي، بدأت معركة في الجبهة البرلمانية انطلقت تحديدًا بعد بيان شورى النهضة 41 إعلان اتجاه 5 كتل منها 3 منضوية في الائتلاف الحكومي توجهها نحو سحب الثقة من رئيس البرلمان

اعتبرت حركة النهضة هذه الخطوة تحويلًا لأزمة الحكومة إلى أزمة داخل البرلمان، فيما ظهرت كتل الائتلاف الحكومي غير النهضة بالخصوص في طور الضغط عبر فتح معركة حول موقع النهضة في رئاسة البرلمان أمام تصعيدها المقابل ضد رئاسة الحكومة. وتتوفّر لدى الكتل الداعمة لسحب الثقة نسبة الثلث (73 نائبًا) الكفيلة بتقديم الطلب الرسمي وتحديد جلسة عامة للتصويت على سحب الثقة التي تستلزم أغلبية مطلقة (109 نائبًا).

وكانت النهضة قد ضمنت رئاسة البرلمان لرئيسها راشد الغنوشي بفضل تحالف في بداية المدة النيابية مع كتلتي "قلب تونس" وائتلاف الكرامة، مقابل حصول "قلب تونس" على خطة النائب الأول للبرلمان، فيما فشل مرشح ائتلاف الكرامة في نيل خطة النائب الثاني باعتبار عدم تحالفه مع "قلب تونس" لحساب مرشح كتلة "الإصلاح الوطني". ويحلّ ملف سحب الثقة تحت  عنوان عام أن تغيير المشهد الحكومي يقتضي تغييرًا للمشهد البرلماني أي إعادة ترتيب الأوراق من جديد بعد انتخابات 2019، لتبدأ مفاوضات جديدة تشمل الشقين الحكومي والبرلماني، وذلك في صورة سحب الثقة عمليًا من الحكومة من جهة، ورئاسة البرلمان من جهة أخرى.

رئيس الجمهورية على الخط

يعدّ رئيس الجمهورية قيس سعيّد راعيًا لحكومة إلياس الفخفاخ، وتعدّ العلاقة المتوترة بين رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية حجرة عثرة بالنسبة لحركة النهضة لاستدراج سعيّد لمراجعة التركيبة الحكومية (آخر مظاهر التوتّر هو تصريح سعيّد في باريس ضد النهضة وثم إبعاد رئيس البرلمان من اجتماع عسكري أمني على مستوى القادة). 

اقرأ/ي أيضًا: هل تغيّر موقف رئيس الجمهورية من المشهد الليبي؟

قبل يوم واحد من اجتماع شورى النهضة 41 (الذي قرّر تكليف الغنوشي بمشاورات مع سعيّد والمنظمات الوطنية من أجل حكومة جديدة)، التقى الغنوشي برئيس الدولة، وأكدت قيادات داخل النهضة أن سعيّد يدعم مشاورات في هذا الاتجاه. ولكن إثر هذه التصريحات وقرار مجلس الشورى المذكور، خرج رئيس الدولة يوم الإثنين محاطًا برئيس الحكومة إلياس الفخفاخ وأمين عام اتحاد الشغل نورالدين الطبوبي مؤكدًا أنه "لن يقبل بأي مشاورات تهم تشكيل حكومة جديدة ما دامت الحكومة الحالية قائمة وكاملة الصلاحيات"مضيفًا "لن أقبل بالتشاور مع أي كان مادام الوضع القانوني على حاله. لن أقبل بالابتزاز ولا المساومة ولا العمل في الغرف المظلمة"، وواصفاً ما تم تداوله بـ"المغالطات والافتراء"، في إجابة واضحة موجّهة لحركة النهضة التي تدراكت قياداتها أن المقصود هو المشاورات السياسية وليس الدستورية. وكان إثر هذا التصريح صباح الإثنين، قرار رئيس الحكومة مساءً بالتحوير الحكومي باتجاه إبعاد وزراء النهضة في المساء، وهو ما دفع النهضة الثلاثاء لاتخاذ قرارها بسحب الثقة أمام "الحصار" من رأسي السلطة التنفيذية.

"توازن الرعب البرلماني"

تأتي هذه التطورات في علاقة ببدء إجراءات سحب الثقة في الشقين الحكومي والبرلماني في فسيفساء برلمانية أمام تقارب بين "ترويكا" النهضة و"قلب تونس" وائتلاف الكرامة (100 نائبًا) وكتل "سحب الثقة من الغنوشي" وهي 5 كتل (أكثر من 90 نائبًا)، وذلك دون احتساب المستقلّين الذين باتوا يمثلون رقمًا صعبًا في حالة المرور بقوّة في اتجاه سحب الثقة من رئيس الحكومة أو رئيس البرلمان دون ضمان الأغلبية بشكل ثابت قبل الجلسة العامة. وتأتي التخوفات، في هذا الجانب، من عزل حركة النهضة وائتلاف الكرامة حال انضمام "قلب تونس" إلى المعسكر المقابل خاصة في علاقة بالشق الحكومي، وهو ما يبقى مستبعدًا باعتبار أن السبب الدافع للأزمة هو رفض الفخفاخ منذ مشاورات الحكومة إضافة "قلب تونس" لحكومته، باعتبار أن رئيسها نبيل القروي تحوم حوله شبهات فساد، وقبلها باعتبار أن الحكومة مشكّلة على قاعدة الدور الثاني للانتخابات الرئاسية.

وتتزامن هذه الحركية مع استمرار كتلة الدستوري الحرّ، المرتبطة رئيستها عبير موسي بأجندات المحور الإماراتي السعودي المصري الذي يستهدف الديمقراطية التونسية، في خيارها الصدامي تجاه النهضة داخل البرلمان (مع الإشارة أنها قدمت لائحة لتصنيف "الإخوان" كمنظمة إرهابية لم يتم تمريرها على الجلسة العامة)، وقد عطلت يوم الثلاثاء جلسة برلمانية عامة بما زاد الأجواء داخل البرلمان أكثر احتقانًا خاصة بالتوازي مع جمع إمضاءات سحب الثقة من الغنوشي. وقد أكد رئيس الكتلة الديمقراطية هشام العجبوني، في المقابل، أن الكتلة لا يمكن أن تتقارب مع الدستوري الحر وهو غير المعني أصلًا بأي دور في الشق الحكومي ولكنه المتأهب لإسقاط الغنوشي من رئاسة البرلمان، ما يمثّل، في هذا الإطار، عنصر إخراج بالخصوص للتيار الديمقراطي الحريص ألا يظهر في صورة "المتحالف" مع الحزب الدستوري، خاصة في ظل التوجسات المُعلنة من أصوات نهضوية من وجود محاولات لعزلها مقدّمة لتنفيذ أجندات إقليمية.

طقطقات سريعة حول آفاق الأزمة

تتعدّد الملاحظات بخصوص الأزمة السياسية الحالية التي يمكن عرضها إجمالًا بصفة موجزة:

- يمثل السيناريو الوحيد لتجاوز الأزمة ونزع فتيلها في التوصل إلى تسوية بين حركة النهضة وإلياس الفخفاخ برعاية رئيس الجمهورية قيس سعيّد (الذي استقبل قبيل قرار النهضة سحب الثقة من الحكومة وزيرين منها وهما لطفي زيتون وسليم شورى)، وذلك بعودة كل طرف خطوة للوراء (التراجع عن سحب الثقة عن الفخفاخ في الحكومة وعن الغنوشي في البرلمان) في مقايضة سياسية، وهو مسار صعب، على الأقل حتى الوقت الحاضر، لعاملين اثنين على الأقل: أولًا العلاقة المتوترة بين سعيّد والغنوشي وغياب عنصر الثقة بينهما بما يصعّب أي دور تحكيمي لرئيس الدولة إن شاء أصلًا لعب هذا الدور، وثانيًا أن قرار كل من الغنوشي والفخفاخ في أي اتجاه يرجع لتوازنات كل منهما (توازنات الغنوشي داخل النهضة مع الإشارة للاختلافات الداخلية المتصاعدة في علاقة بمؤتمر الحزب نهاية هذا العام، وتوازنات الفخفاخ في علاقة بمواقف بقية أطراف الائتلاف الحكومي متعدّد الأحزاب وتحديدًا في علاقة بمسألة سحب الثقة من الغنوشي حيث أنها رهين موقف الأحزاب وليس رئيس الحكومة).

 إن خيار النهضة بسحب الثقة من الفخفاخ يستلزم توفّر أغلبية مطلقة (109 نائبًا) والأهم ضمان نفس الأغلبية لتكليف رئيس الحكومة الجديد

- إن خيار النهضة بسحب الثقة من الفخفاخ يستلزم توفّر أغلبية مطلقة (109 نائبًا) والأهم ضمان نفس الأغلبية لتكليف رئيس الحكومة الجديد في نفس الجلسة البرلمانية، بمعنى أن على حركة النهضة إطلاق مسارين للتفاوض في نفس الوقت: إسقاط الحكومة والتوافق على حكومة جديدة من بوابة الاتفاق على رئيسها. وهذا ما يجعل مهمة النهضة عسيرة، فإن كان من الممكن توفير أغلبية إسقاط الحكومة، فمن العسير تأمينها لتكليف رئيس حكومة جديد، خاصة وأن النهضة ستسعى، في الحالتين، لضمان أغلبية مريحة بمعنى اجتذاب عناصر من الكتل البرلمانية المقابلة أي تلك المنخرطة حاليًا في سيناريو سحب الثقة من الغنوشي.

- إن استقالة رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، أو عرض حكومته على جلسة لتجديد الثقة عدا عن صورة طلب رئيس الجمهورية تجديد الثقة في الحكومة، كلها 3 سيناريوهات يؤدي منتهاها، مع عدم تجديد الثقة في الحالتين الأخيرتين، لعودة الكرة إلى قيس سعيّد لاختيار رئيس الحكومة الجديد مقابل أن السيناريو الوحيد لقيام النهضة باختيار رئيس الحكومة هو سيناريو سحب الثقة التي أعلنت عنه، وهو ليس بالخيار المفضّل بالنسبة إليها على النحو المذكور، بل تفضّل أن يتجه الفخفاخ نحو الاستقالة (دعوة رئيس مجلس شورى النهضة عبد الكريم الهاروني)، بحيث يصبح سعيّد مسؤولًا عن "حسن" اختيار رئيس الحكومة الجديد. فيما تبقى سيناريوهات أخرى مطروحة منها دفع الأحزاب المكوّنة للحكومة غير النهضة لاستقالة الفخفاخ أو تجديد الثقة لحكومته، قبل انطلاق إجراءات سحب الثقة، أي عودة الكرة لرئاسة الجمهورية، وذلك لقطع الطريق على النهضة لتكليف رئيس الحكومة الجديد.

- إن سيناريو المضي في انتخابات تشريعية مبكرة في نهاية المطاف في صورة تكليف رئيس حكومة جديد وعدم قدرته على تأمين الأغلبية البرلمانية، هو سيناريو ممكن نظريًا ولكن مستبعد عمليًا باعتبار أنه يعني "هزيمة" بالنسبة لحركة النهضة وأغلب كتل البرلمان عدا الحزب الدستوري الحر الذي بيّن آخر استطلاع للرأي تصدّره للتشريعيات لأول مرة بنسبة 29 في المائة متقدمًا على حركة النهضة التي نالت 24.1 في المائة من الأصوات، ولكن قد لا تفاجئ النهضة في المضي نحو مغامرة تشريعية جديدة في ظل الاستقطاب الحاد بينها وبين الدستوري الحر، وهو ما يساهم في التجييش الانتخابي، وذلك أمام تشتت أحزاب "الوسط". ولكن هذا السيناريو أيضًا لا يعني خروجًا من الأزمة، وسببها الفيسفساء البرلمانية وتقارب التمثيلية بين الأحزاب، في ظل استمرار القانون الانتخابي الحالي، والذي يصعب تنقيحه في ظل التوازنات البرلمانية الحالية قبل التشريعيات المبكرة، مع الإشارة إلى أن رئيس الجمهورية يستعد لتقديم مشروع قانون لانتخاب النواب على الأفراد وليس القائمات وهو ما ترفضه جلّ الأحزاب وفي مقدمّتها حركة النهضة.

 -تأتي هذه الأزمة في خضم أزمة اقتصادية غير مسبوقة خاصة بعد أزمة كورونا (توقع نسبة نمو سلبي نسبة 6.5 في المائة وذلك للمرة الخامسة منذ الاستقلال وطلب تونس من 4 دول إرجاء مدفوعات قروض هذا العام) واحتجاجات اجتماعية متصاعدة (أزمة الكامور في تطاوين وأزمة الفسفاط في قفصة)، ومع تأكيد مصادر متعددة أن صندوق النقد الدولي يشترط استقرارًا حكوميًا في المفاوضات الجديدة، وربما هذا ما يفسّر التصعيد الأخير من النهضة تجاه الفخفاخ، برغبة في حسم الملف الحكومي قبل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية وبدء الموسم السياسي الجديد في الخريف المقبل.



اقرأ/ي أيضًا:

تونس في مجلس الأمن.. فرصة ثمينة أم اختبار عسير؟

اجتماع المجلس الأعلى للجيوش والقيادات الأمنية.. هل تم إقصاء راشد الغنوشي؟