كانت ثلاثة أسابيع تفصل بين الدور الأول للانتخابات الرئاسية المبكرة (15 سبتمبر/أيلول 2019) والانتخابات التشريعية (6 أكتوبر/تشرين الأول 2019) كفيلة ليس فقط بتداخل الاستحقاقين الانتخابين بل وكذا الحملتين، بل بتأكيد التلازم بين النتيجتين انعكاسًا لمزاج شعبي عام في فترة زمنية محددة، وقد كانت للانتخابات الرئاسية تأثيرًا بينًا على التشريعية، بما حملته الأولى من موجات انتخابية لفائدة قوى صاعدة ثبتتها في التشريعية، أو بما أقرته من انخفاض شعبية لأحزاب، في الحكم أو المعارضة، فلم تكن التشريعية إلا الضربة القاضية بعد النكسة الأولى.
فيما يلي عرض تحليلي لنتائج الدور الأول للانتخابات الرئاسية، وكذا التشريعية، برصد للقوى السياسية، الفائزة منها أو المنهزمة، بالعودة للأسباب المفترضة لنتائجها وبالخصوص حول التوزيع الجغرافي للأصوات.
اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: الانتخابات الرئاسية في تونس.. قراءة في نتائج الدور الأول
قيس سعيّد (الأول في الرئاسية): المستقلّ الذي زحف من الهامش
تصدّر أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد نتائج الدور الأول للرئاسيات بنسبة 18.4 في المائة، فيما اُعتبر نتيجة "مفاجأة" و"مزلزلة"، غير أنها تظل نتيجة متوقعة انطلاقًا من أرقام نوايا التصويت التي تصدرها مراكز سبر الأراء منذ سنة على الأقل، بيد أن عدم جديّة تعامل بعض الأطراف السياسية مع الأرقام والاستخفاف خصوصًا بقدرة أستاذ قانون لا يقود حزبًا، ولا يملك ماكينة انتخابية، ولا يتلقى تمويلًا، في تحقيق اختراق انتخابي، عدا عن توقع المواطنين غير المتابعين للشأن السياسي لصعود شخصية ربما يعرفونها ولكن ظلوا يرونها على هامش الفعل السياسي، هو ما جعل التعامل مع تصدّر قيس سعيّد يبدو وكأنه مفاجأة.
تقدّم سعيّد على هامش العملية السياسية، في مجالها الرسمي أي من موقع الحكم أو المعارضة، أو من بوابة الأحزاب، فهو أستاذ يُستضاف منذ ما بعد 2011 في البرامج الإعلامية من موقع الخبرة العلمية للإدلاء بمواقفه في مسائل قانونية، بيد أنه اكتسب ميزة، عن بقية الخبراء، من منطلق انخراطه في العمل الميداني التوعوي المصاحب لأنشطة "الشباب الثوري"، على غرار "اعتصام القصبة" ومتابعة قضايا شهداء الثورة وجرحاها ومن ثمّ مسار رفض تنظيم الانتخابات التأسيسية عام 2011 بعنوان لزوم البناء من الأسفل للأعلى، أي تكوين مجالس محلية قاعدية بنظام الأفراد وثم المرور للهياكل الجهوية وصولًا للمركز، وهو المشروع الذي مثل لاحقًا، حينما تقدم للانتخابات الرئاسية عام 2019، العنوان التصديري لحملته الانتخابية التي حملت شعار "الشعب يريد" وتفصيلها منح الشعب الآليات القانونية لممارسة السلطة، بما يعنيه طرحًا تغيير منظومة دستور 2014.
تصدّر قيس سعيّد في 3 من أصل 5 دوائر انتخابية في تونس الكبرى، وصفاقس، وسيدي بوزيد مهد الثورة، والمهدية وتوزر وهو بذلك المرشح الوحيد الذي تصدر دوائر في شمال البلاد ووسطها وجنوبها
نشط قيس سعيّد ترويجًا لمشروعه عبر حملات "تفسيرية"، كما يسميها، طيلة السنوات الماضية تواصلًا مع الشباب في الجهات الذي يديرون بأنفسهم الحوار، كما يؤكد دائمًا أستاذ القانون. ولكن سعيّد، لم يكن يظهر للعموم في خرجاته الإعلامية، إلا كرجل من النخبة يقول كلامًا "ليس كبقية النخبة"، بتأكيده الدائم على ضرورة تحقيق أهداف الثورة واعتقاده بالالتفاف عليها في خطاب "تثويري" على خلاف الخطاب "المهادن" أو "المحافظ" سياسيًا من بقية الخبراء، وهو الذي دعاهم ذات مرة ليكونوا "في خدمة مطالب الشعب وليسوا أوصياء عليه". وبالتوازي مع هذا الخطاب، أعلن سعيّد عن مواقف محافظة من المسائل الأكثر إثارة للجدل مجتمعيًا وفي مقدمتها مسألة المساواة في الميراث، وهو الذي يؤكد على الاختلاف بين "العدالة" و"المساواة"، ويعتبر أن طرح هذا الموضوع "فتنة واستجابة لطلب أوروبي" (حوار على قناة "حنبعل" في 23 مارس/آذار 2019). وهذا الموقف جعله في صورة النخبوي "الذي انحاز إلى معتقدات الشعب".
وتعزّز صعود "نجم" سعيّد بتمثله لرجل يمثل نقيضًا لطبقة غارقة في الفساد السياسي، استحوذت على أجهزة الدولة ولا تهتم بشؤون المواطنين الذين تدهور وضعهم الاجتماعي، وهو رجل يتحدث من منطلق "الكفاءة" في ميدانه، ولكن قبلها رجل النزاهة والتعفف، وهو الذي "مارس" التعفف، ولم يزعمه، حينما يؤكد دائمًا على معطى رفضه لمقترح تولي رئاسة الحكومة عام 2013 وثم وزارة العدل، عدا عن رفضه لأي شكل من أشكال التمويل لحملته الانتخابية بما فيها التمويل العمومي القانوني، وهو ما جعله المرشح الأكثر تمثيلًا لنظافة اليد بعيون العديد من التونسيين.
وحافظ سعيّد، خلال حملته الرئاسية، على "تعهداته" بعدم تكوين فريق حملة انتخابية تقليدي مثل بقية المترشحين، مؤكدًا أن الشباب المتطوع هو الذي يقوده الحملة بمبادرة منه في الجهات، وقد اكتفى سعيّد، خلال حملته في الدور الأول، بجولات ميدانية في المدن تقوم على التجوال والحديث مع المواطنين، وتوزيع البيانات الانتخابية التي طبعها الشباب من أموالهم الخاصة، ولم يظهر يقود تجمعًا انتخابيًا استعراضيًا مثل بقية المترشحين، ولم يصرف مليمًا وحيدًا في حمى الدعاية الفايسبوكية، التي ميّزت الانتخابات التونسية الأخيرة. بذلك، كان تصدرّه للنتائج الرئاسية هزيمة للماكينات الانتخابية التي تقوم على دعم رجال الأعمال و"أثرياء" البلاد، وكان انتصارًا لرجل كان على هامش العمل السياسي ليصبح في منصب رئيس الدولة.
واللافت في نتائجه الانتخابية أن قيس سعيّد تصدّر النتائج في 10 دوائر انتخابية من أصل 33 دائرة (منها 6 في الخارج)، تتوزع جميعًا بين شمال البلاد وجنوبها. وقد تصدّر النتائج في دائرة "تونس 1" التي تمثل "قلب العاصمة" وحيث تنتشر الأحياء الأكثر تهميشًا في العاصمة (على خلاف دائرة "تونس 2" التي تمثل الأحياء الأكثر ترفيهًا التي تصدّرها عبد الكريم الزبيدي وثم يوسف الشاهد وحلّ سعيّد ثالثًا فيها).
وتصدّر سعيّد في 3 من أصل 5 دوائر انتخابية في تونس الكبرى، ودائرتي صفاقس، ثاني أكبر مدن البلاد والتي تعتبر عادة معقلًا للإسلاميين، كما تصدّر في سيدي بوزيد، وسط تونس ومهد الثورة، وفي ولاية المهدية، في الساحل، رغم أن المرشح عبد الكريم الزبيدي الذي حل رابعًا أصيل الولاية. وحلّ أولًا في توزر، أقصى جنوب غرب تونس. وهو بذلك المرشح الوحيد الذي تصدر دوائر في الشمال، والوسط شرقًا (منطقة الساحل) وغربًا، عدًا عن الجنوب، وهو ما يؤكد توزع جمهوره الانتخابي بين مختلف جهات البلاد، ما يبيّن مدى تعبيره إلى حد ما عن مرشح عابر للجهات (وذلك على خلاف انتخابات الدورين الأول والثاني في 2014 حينما انقسمت البلاد إلى جزئين عبر خط واضح بين شمال وساحل صوّت للسبسي، ووسط وجنوب صوّت للمرزوقي).
حركة النهضة (الأول تشريعيًا والثالث رئاسيًا): هزيمة رئاسية واستعادة تشريعية
حلّ مرشح حركة النهضة في الانتخابات الرئاسية عبد الفتاح مورو في المرتبة الثالثة بنسبة 12.8 في المائة من الأصوات (435 ألف صوت)، لكن بعد 3 أسابيع تصدّرت الانتخابات التشريعية بنسبة (561 ألف صوت) أي بزيادة 126 ألف ناخبًا بين الرئاسية، رغم خسارتها، والتشريعية، وهو ما يبيّن أن جزءًا من كتلتها الانتخابية لم تختر مرشحها في الرئاسية، والأرجح أنها انتخبت قيس سعيّد. ولم يتصدّر مورو، في الدور الأولى، إلا 7 دوائر منها 5 في الخارج حيث لم يحل في المرتبة الأولى إلا في محافظتين فقط هما قابس ومدنين (الجنوب الشرقي) مركز ثقل الخزان التقليدي للنهضة (صرح رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي مثلًا سابقًا أن حزبه لا يستحق القيام بحملة انتخابية في الجنوب).
وتأتي هزيمة النهضة في الرئاسية للتأكيد على عدم قدرة الإسلاميين بعد على تصدير شخصية منهم قابلة للتصعيد لرئاسة الجمهورية أي باختراقها لدائرة غير الإسلاميين، وذلك رغم أن عبد الفتاح مورو كان هو الشخصية الأقدر، أو المأمول، أن تؤمن هذا الاختراق، باعتبار أنه لم يكن من "قيادات المواجهة" ضد نظام بن علي (استقال من الحركة بداية التسعينيات ولم تشمله "العشرية السوداء")، وهو ما جعله الأكثر قدرة على تقديم خطاب يجنح نحو التوافق بدل الصدام بعد الثورة، عدا على خطابته المتميزة وروحه الفكاهية وحرصه الدائم على ارتداء اللباس التقليدي التونسي، ما جعل الاعتقاد، سابقًا أنه الشخصية الإسلامية الوحيدة القادرة، الآن، على بلوغ منصب رئاسة الجمهورية في تونس.
النهضة هو الحزب الوحيد الذي تحصل على مقعد وحيد على الأقل في جميع الدوائر الانتخابية، وهو أكثر حزب صعّد نائبين اثنين في دائرة وحيدة (17 دائرة)، وأيضًا الحزب الوحيد الذي صعّد أكثر من 3 نواب في دائرة وحيدة
اقرأ/ي أيضًا: بعد نتائج الدور الأول للانتخابات الرئاسية التونسية.. حركة النهضة إلى أين؟
ولكن لم يتحقق هذا الاعتقاد، نهاية، لأسباب عديدة أولها أن مورو ظهر كمرشح مزدوج للسلطة (مرشح حركة النهضة/نائب رئيس البرلمان) في موجة انتخابية رافضة لكل "وجوه السلطة"، عدا أن حركة النهضة اتخذت قرار ترشيح مورو في آخر أسابيع، فلم يكن يظهر سابقًا في مرآة التونسيين ضمن السباق الانتخابي وهو ما جعل الحزب يكابد لاحقًا للترويج لمرشحه، والذي يُنظر إليه، بالخصوص، من الجمهور "الأكثر ثورية"، بين النهضويين وخارجهم، كشخصية مهادنة "أكثر من اللازم" (مورو أعلن مثلًا أنه صوت للسبسي عام 2014).
لكن لم تكن حركة النهضة تراهن، ضمن استراتيجياتها، على رئاسة الجمهورية خاصة في نظام شبه برلماني، السلطة التنفيذية فيه محورها حكومة هي وليدة توازنات البرلمان، وقد أعلن رئيس النهضة قبل أشهر فقط أن حزبه يبحث عن "عصفور نادر" أي شخصية توافقية غير إسلامية لترشيحه، غير أن الدفع بترشيح مورو، في آخر وقت أي قبيل أيام من فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية، مردّة تغيّر الروزنامة الانتخابية بتسبيق الرئاسية على التشريعية، وهو ما جعل النهضة في موقع الاضطرار لدفع شخصية أمام غياب هذا العصفور، وفي مشهد انتخابي ضبابي لم تتوضح توازناته.
بذلك كان رهان النهضة أساسًا على التشريعيات، ويتبيّن هذا الرهان في الأنشطة الدعائية اللافتة طيلة حملتها الانتخابية عبر التجمعات الشعبية الكبرى خاصة، وقد اعترف رئيس الحزب راشد الغنوشي، في الأسبوع الأخير من الحملة التشريعية، أن حزب "ٌقلب تونس" يتفوق على حزبه في استطلاعات الرأي، غير أن المنحي التنازلي لهذا الحزب (انظر الفقرة الموالية) جعل النهضة تتصدّر بالنهاية التشريعيات بتحصيل 52 مقعدًا من أصل 217 مقعدًا أي بنسبة 24 في المائة متقدمة على حزب قلب تونس الذي تحصل على 38 مقعدًا فقط. ورغم تصدر النهضة، استمر نزيف مقاعدها البرلمانية بعد كل انتخابات (89 مقعدًا عام 2011 ثم 69 مقعدًا في 2014 و52 مقعدًا في 2019) بتراجع عدد ناخبيها (1.5 مليون ناخب عام 2011 ثم 950 ألف ناخب عام 2014 ثم 560 ألف ناخب عام 2019 وذلك رغم ارتفاع عدد الناخبين المسجلين في كل انتخابات عن سابقتها). وتفسّر حركة النهضة هذا النزيف بتجربة الحكم، وهي الموجودة في السلطة منذ نهاية 2011، ولكنها تؤكد أنها الحزب الوحيد الذي ظل مستقرًا طيلة السنوات الأخيرة. واللافت حقيقة أن الحديث عن هذا النزيف يظلّ محدودًا من باب المقارنة بين الانتخابات البلدية قبل سنة ونصف (ماي/آيار 2018) حينما تصدّرت النهضة النتائج بتحصيل 517 ألف ناخبًا، وبالتالي فهي أضافت ما يزيد عن 40 ألف ناخبًا في التشريعيات، وهو عدد ضئيل أولًا، ويأتي رغم الزيادة بـ1.5 مليون ناخب جديد ثانيًا، ولكن يبين محدودية إطلاقية الحديث عن النزيف المستمر لناخبي النهضة.
والنهضة هو الحزب الوحيد الذي تحصل على مقعد وحيد على الأقل في جميع الدوائر الانتخابية، وهو أكثر حزب صعّد نائبين اثنين في دائرة وحيدة (في 17 دائرة مقارنة بـ12 دائرة لحزب قلب تونس)، وهو الحزب الوحيد الذي صعّد أكثر من 3 نواب في دائرة وحيدة (في دائرتي قابس ومدنين في الجنوب الشرقي). وفي دائرة "تونس 1"، أين تصدر القائمة رئيس الحزب راشد الغنوشي، تصدرت النهضة بنسبة 22 في المائة بفارق 7 نقاط على "قلب تونس"، ولكنها حلت ثالثًا في دائرة "تونس 2" (المناطق المرفهة في العاصمة مقارنة بالدائرة الأولى)، كما اكتسحت كعادتها في جميع دوائر الجنوب، واللافت أنها تصدّرت الأصوات في دائرتي سوسة والمهدية وحلت ثانيًا في المنستير بفارق ألف صوت فقط عن الحزب الدستوري الحر، وهو ما يبين توغلها تصدرًا في مناطق الساحل المحسوب تقليديًا على أحزاب "العائلة الحداثية" التي دخلت للتشريعيات مشتتة.
قلب تونس (الثاني تشريعيًا ورئاسيًا): هزيمة بعد "أمل الفوز الكبير"
حلّ مرشّح حزب "قلب تونس" نبيل القروي ثانيًا في الدور الأول للانتخابات الرئاسية بنسبة 15.6 في المائة (525 ألف صوت)، وقد انتظم هذا الدور والمرشح في الإيقاف التحفظي بالسجن في علاقة بتورطه في قضية تهرب ضريبي وتبييض أموال. وبعد 3 أسابيع، حل الحزب مجددًا ثانيًا في التشريعيات (38 مقعدًا) بعدد متقاربين من الناخبين عن الرئاسية، وعليه يمكن الحديث عن كتلة انتخابية مستقرة بين الاستحقاقين (على خلاف حركة النهضة).
وفي الرئاسيات، تصدر نبيل القروي في 8 دوائر من أصل 33 دائرة، وحل في المرتبة الأولى بالخصوص في جميع دوائر الشمال الغربي (باجة وجندوبة وسليانة والكاف) متجاوزًا حاجز 30 في المائة في 3 دوائر منها، وبفوارق هامة عن منافسه سعيّد (فارق 13 نقطة في جندوبة و12 نقطة في الكاف مثلًا)، كما تصدّر في دائرة بنزرت (أقصى الشمال) وهو أصيل المدينة، إضافة لتجاوز بفارق بسيط (في حدود نقطة واحدة) سعيّد في دائرة "نابل 2" المتاخمة للعاصمة، وذلك إضافة للقيروان.
يعدّ القروي من الخاسرين رغم حصوله على المرتبة الثانية في التشريعيات، وذلك بالنظر للسقف الأعلى المحدد سابقًا، ليظل السؤال حول قدرته على مواصلة مشروعه من دائرة المعارضة كما أعلن وأيضًا الحفاظ على وحدة حزبه الوليد
وفي ذات المنحى تشريعيًا، تصدر الحزب في دوائر الشمال الغربي (في سليانة فقط بتأخر بـ0.1 نقطة عن النهضة)، كما تصدر الحزب في دائرتين في تونس الكبرى (تضم المناطق الأكثر رفاهية) في "تونس 2" وأريانة (تصدرهما عبد الكريم الزبيدي في الرئاسية)، وفي الساحل، يحل الحزب ثالثًا في المنستير، التي توصف أنها معقل "العائلة البورقيبية" في تونس، ولكن حل ثانيًا بفارق بسيط عن حركة النهضة في دائرتي سوسة والمهدية في الساحل أيضًا. وفي الجنوب، اكتفى الحزب بثلاثة مقاعد في الجنوب (قابس وقفصة ومدنين) بفضل أكبر البقايا دون الحصول على مقاعد في بقية الدوائر الثلاث (توزر وقبلي وتطاوين).
ويُفسر التصدر اللافت للقروي وحزبه في مناطق الشمال الغربي، أساسًا، لبنائه لشبكة ميدانية واسعة عبر العمل الخيري منذ 3 سنوات في المناطق الريفية. ومن هذا الباب، يُوجه الاتهام للقروي بتوظيفه للعمل الخيري أولًا وقناته الإعلامية ثانيًا (يقدم فيها برنامج خيري يومي) منذ 3 سنوات لبناء مشروعه السياسي الذي لم يتبلور حقيقة في شكل حزب إلا منذ أشهر فقط ضم وجوهًا من حزب نداء تونس (أهمها رئيس كتلتها البرلمانية الذي تحوم حوله شبهات فساد سفيان طوبال). وكانت نوايا التصويت، قبل أشهر، تعطي نبيل القروي في الرئاسية، وحزب قلب تونس في التشريعية المرتبة الأولى، غير أن منحى القروي كان في نزول مع إيقافه في قضية التهرب الضريبي، وثم كشف "فضيحة عقد اللوبيينغ" التي تبيّن طلبه من شركة علاقات عامة كندية يقودها عميل سابق في الموساد الإسرائيلي الضغط على عواصم غربية التدخل في الانتخابات التونسية (بالخصوص طلب "مساعدة مادية" من روسيا كما ورد في العقد المنشور في موقع وزارة العدل الأمريكية).
اقرأ/ي أيضًا: آري بن ميناشي: نبيل القروي يريد جعل تونس تحت دائرة الأمريكان وسأظل أساعده
وهذا العنصر زاد في تصوير نبيل القروي كممثل لمنظومة الفساد والمافيا السياسية رغم أنه سعى جاهدًا للظهور كـ"مضاد للمنظومة" في موجة انتخابية كشفت في الدور الأول عقابًا للطبقة السياسية، حكومة ومعارضة. وواقعًا إن نبيل القروي، لم يكن ليخرج من تمثله كجزء من المنظومة الحاكمة، وهو الذي كان قياديًا في حزب نداء تونس، وهو يُعتبر إحدى "ضحايا" صراع النفوذ داخل المنظومة بعد 2014، ولذلك سخّر قناته لمهاجمة رئيس الحكومة يوسف الشاهد، طيلة السنوات الأخيرة، وذلك مع محافظة على علاقة ودية مع الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، وبالتالي لم يكن القروي، حقيقة، بعيدًا عن السلطة ودوائرها ومحاولات التأثير من داخلها حتى الأشهر الأخيرة، رغم أنه عمل على بناء صورة تظهره معاديًا للسلطة ومحتكًا بالفقراء والمهمشين.
وكان نبيل القروي يؤمل السيطرة على السلطتين التنفيذية (رئاسة الجمهورية والحكومة) في انتخابات 2019 (هذا ما كانت تكشفه نوايا التصويت منذ أشهر، وقد قال مدير شركة العلاقات العامة آري بن ميناشي إن القروي أخبره في أوت/أغسطس 2019 أنه متأكد بنسبة 100 في المائة بفوزه في الانتخابات الرئاسية). ومع دراماتيكية التحولات الانتخابية خلال الشهرين الأخيرين، يجد نبيل القروي نفسه بعيدًا عن السلطة، مع حزب يمثل تجمع مصالح لأفراد لا يقوم على أرضية سياسية واضحة، ومع عدم قدرة القروي نفسه على البقاء بعيدًا عن السلطة بما هي غطاء حماية بالنسبة إليه، وهو الذي تلاحقه قضية تبييض الأموال والتهرب الضريبي، عدا عن قضية جديدة في علاقة بالاعتداء على الأمن الدولي الخارجي (في علاقة بفضيحة عقد اللوبيينغ)، ليكون في مأزق لم يكن ينتظره. وهو يعدّ من الخاسرين من انتخابات 2019، رغم حصوله على المرتبة الثانية في التشريعيات، وذلك بالنظر للسقف الأعلى المحدد سابقًا، ليظل السؤال حول قدرة القروي على مواصلة مشروعه السياسي من دائرة المعارضة كما أعلن، وأيضًا الحفاظ على وحدة حزبه الوليد، عدا عن تصفية القضايا التي تلاحقه.
"النداء التاريخي": الهزيمة الكبيرة في انتخابات 2019
ليس نبيل القروي وحزب "قلب تونس" من الخارجين عن عباءة ما يسمى النداء التاريخي، الفائز في انتخابات 2014 بقيادة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، على النحو السابق عرضه، والمقصود بالنداء التاريخي، في هذا المقام، هي الأحزاب التي أسستها قيادات انشقت عن حزب نداء تونس، والشخصيات الدائرة في فلكها.
في الانتخابات الرئاسية، حلّ وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي المدعوم من حزب نداء تونس في المرتبة الرابعة بنسبة 10.7 في المائة، وخلفه جاء رئيس الحكومة ورئيس حزب "تحيا تونس" يوسف الشاهد خامسًا بنسبة 7.38 في المائة. كما نالت قيادات أخرى نسبًا لا تُذكر (سعيد العايدي رئيس حزب "بني وطني" 0.3 في المائة، وأمين عام نداء تونس السابق ناجي جلول 0.2 في المائة، ورئيس حزب "مشروع تونس" محسن مرزوق 0.2 في المائة وهو الذي سحب ترشحه لفائدة الزبيدي قبل يومين من الاقتراع، وسلمى اللومي رئيسة حزب "الأمل" 0.1 في المائة).
اللافت أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد لم يتصدّر في أي دائرة انتخابية (المرشح الوحيد من بين 7 المرشحين الأوائل الذين لم يتصدر أي دائرة)، وحلّ ثانيًا في دائرة وحيدة فقط (تونس 2)
وتصدر الزبيدي النتائج في 4 دوائر (أريانة وتونس 2 وسوسة والمنستير) وهي دوائر الثقل الانتخابي لـ"العائلة البورقيبية"، واللافت أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد لم يتصدّر في أي دائرة انتخابية (المرشح الوحيد من بين 7 المرشحين الأوائل الذين لم يتصدر أي دائرة)، وحلّ ثانيًا في دائرة وحيدة فقط (تونس 2)، لتكون هزيمة قاسية لأكثر رؤساء الحكومات توليًا لمنصبه منذ ما بعد الثورة، دافعًا تكلفة تدهور الوضع الاجتماعي طيلة السنوات الماضية.
وفي الانتخابات التشريعية، حلّ حزب تحيا تونس في المرتبة السابعة بـ14 مقعدًا، ونال حزب مشروع تونس 4 مقاعد، وخلفه حركة نداء تونس بـ3 مقاعد، لتؤكد هذه النتائج تأكيدًا لهزيمة للرئاسيات. واللافت أن حزب رئيس الحكومة فشل في تحصيل ولو مقعد وحيد في دائرتين (أريانة ومنوبة) من أصل 5 دوائر في تونس الكبرى ودائرتين (المنستير والمهدية) من أصل 3 دوائر في الساحل، وحتى في دائرتي صفاقس، ثاني أكبر مدن البلاد، وأيضًا في جميع دوائر الخارج، في هزيمة ثقيلة لأكبر الأحزاب المنسلخة من حركة نداء تونس، والممثل "الرئيسي" للعائلة "الحداثية البورقيبة"، بحيث جعلت هزيمة رئيس الحكومة في الدور الأول، قبل 3 أسابيع من التشريعيات، رهانًا خاسرًا بنظر جزء كبير من ناخبيه المفترضين، وقد تجاوزه بالخصوص الحزب الدستوري الحر (17 مقعدًا) الذي يصدّر نفسه كالتعبيرة الجديدة للحزب الحاكم السابق المنحّل، بل وللحركة الدستورية للبلاد.
التيار الديمقراطي (الثالث تشريعيًا والعاشر رئاسيًا): نكسة رئاسية و"ريمونتادا" تشريعية
حقق حزب التيار الديمقراطي، الذي يتصدّر أحزاب العائلة الديمقراطية الاجتماعية/يسار الوسط، نتيجة لافتة في الانتخابات التشريعية بنيله 22 مقعدًا (3 مقاعد في 2014) وهي نتيجة إيجابية ومفاجأة إلى حد ما داخل الحزب، على اعتبار أن أمينه العام محمد عبو جاء في المرتبة العاشرة في الانتخابات الرئاسية قبل 3 أسابيع. ولكن تظل النتيجة المحققة في التشريعيات بغير المباغتةإطلاقًا على اعتبار أنه كان حل ثالثًا في بلديات 2018.
والحزب قدم طيلة السنوات الماضية كل من عنواني مكافحة الفساد وعلوية القانون كعنصرين جوهريين في خطابه، وبرزت بالخصوص، أمام العموم، نائبته سامية عبو عبر دورها الرقابي في الجلسات البرلمانية وكشفها لملفات فساد في مواجهة الوزراء. والحزب، المؤسس عام 2013 بعد الانشقاق عن حزب المؤتمر للمنصف المرزوقي، عمل في السنوات الأخيرة على تقديم عرض سياسي ما بعد أيديولوجي وبرامجي، بعنوان الخط الثالث، يدافع عن الهوية العربية الإسلامية لكن بأفق حقوقي كوني، يدعم الوحدة العربية لكن لا يتقاطع مع التيار القومي الداعم للأنظمة العربية الاستبدادية، لا يصف نفسه كحزب ثوري ولكنه يطرح مواقف ثورية، وكان حزمه خاصة في علاقة بملف مكافحة الفساد هو ما أكسبه شعبية متصاعدة في مناخ يعمه الفساد السياسي، ويتمثل خزانه الانتخابي أساسًا في الفئة الأكثر تعليمًا ومن الشريحة الشبابية (حل الحزب في المرتبة الثانية في مقاعد دوائر الخارج)، والموجودة أساسًا في المناطق المدينية الكبرى.
حزب التيار الديمقراطي لم ينل إلا مقعد وحيد في دوائر الشمال الغربي (في الكاف) من أصل 4 دوائر، كما نال مقعدًا وحيدًا في الجنوب (تحديدًا في قابس) المتميّز بطابعه المحافظ وبمزاج سياسي "ثوري"
اقرأ/ي أيضًا: زلزال الانتخابات في تونس من منظور أسئلة الأخلاق والسياسة والدّولة
وتؤكد نتائجه في التشريعيات هذا الخزان، ففي الدوائر الخمس لتونس الكبرى، حلّ في المرتبة الثالثة في تونس 1 وبن عروس ومنوبة، والمرتبة الرابعة في أريانة ومنوبة، كما حل في مدينة صفاقس، ثاني أكبر مدن البلاد، في المرتبة الثالثة في الدائرة الأولى والمرتبة الرابعة في الدائرة الثانية، كما جاء في مراتب متقدمة في الساحل (رابعًا في سوسة وخامسًا في المهدية) وكذلك في الدوائر المحيطة بالعاصمة (ثالثًا في نابل وبنزرت).
وعدا عن المناطق المدينية الكبرى في البلاد (أي تونس الكبرى والساحل وصفاقس)، حقق الحزب اختراقات إلى حد ما في الولايات الداخلية وتحديدًا في الوسط الغربي (الحصول على مقعد في كل من القيروان وسيدي بوزيد). غير أن الحزب لم ينل إلا مقعد وحيد في دوائر الشمال الغربي (في الكاف) من أصل 4 دوائر، كما نال مقعدًا وحيدًا في الجنوب (تحديدًا في قابس) المتميّز بطابعه المحافظ وبمزاج سياسي "ثوري"، وقد كان كل من النهضة وائتلاف الكرامة خصوصًا كفيلًا بالحيلولة دون امتداد التيار الديمقراطي في هذا المجال الجغرافي، عدا عن تبعات دفع الحزب ضريبة موقفه الداعم لمبدأ المساواة في الميراث، وهو ما جعله حزبًا "مغضوب عليه" لدى فئة واسعة من الجمهور المحافظ.
ائتلاف الكرامة (الرابع تشريعيًا والثامن رئاسيًا): محافظة اجتماعية و"ثورية" سياسية
تأسس "ائتلاف الكرامة" قبل بضع أشهر بمبادرة من المحامي الإسلامي سيف الدين مخلوف وجمع لفيفًا من الشخصيات المترشحة التي تقدمها نفسها كـ"ثورية" والمتميّزة بمحافظتها الشديدة (منها مثلًا الإمام السابق لجامع اللخمي رضا الجوادي)، وقد كانت حظوظ الائتلاف شبه منعدمة في مراكز استطلاعات الرأي، قبل بروز نجم مخلوف في السباق الرئاسي (حل ثامنًا قبل محمد عبو والمنصف المرزوقي خصوصًا) بخطاب يستعيد "مقولات الثورة" بأسلوب المواجهة شكلًا، وقوامه طرح ملف العلاقات مع فرنسا ومطالبتها بالاعتذار و"الكف عن نهب الثروات التونسية"، وكذلك محاسبة الاتحاد العام التونسي للشغل في علاقة بقضايا فساد تهم بعض قياداته لازالت لم يتم حسمها قضائيًا، وهما مسألتان لم يطرحها أي منافس سياسي، فكانا عنصر حصرية زاد من تميز ائتلاف الكرامة، الذي يعرّف نفسه كـ"حالة وعي"، في العرض السياسي أمام التونسيين.
وائتلاف الكرامة الذي يضم شخصيات مثيرة للجدل (منها بالخصوص الصحفيين ماهر زيد وراشد الخياري) يمثل تعبيرة سياسية متوترة كرد فعل على تجربة التوافق، معبرًا عن حالة غضب من الجمهور المحافظ و"الثوري" على تنازلات حركة النهضة طيلة السنوات الماضية، ليكون الائتلاف صوت غضب يعيد طرح "الحقائق المسكوت عنها" على الواجهة بعيدًا عن منطق الحسابات في الغرف المغلقة. كما جاء صعود الائتلاف، في جانب آخر، كرد فعل من المحافظين في سياق طرح الملف الهوياتي مع المساواة في الميراث، وتؤكد اليوم نتائج التشريعيات، وقبلها الرئيسيات (سعيّد معارض صريح للمساواة في الميراث)، على رفض شعبي "واسع" لهذا الطرح الذي قدمه الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي.
يتحوّل ائتلاف الكرامة الذي ظهر كطارئ انتخابي تشكل في بضع أسابيع إلى قوة (من المنتظر أن تتطور إلى حزب) إلى قوة محدّدة إلى حدّ ما في توازنات المشهد السياسي طيلة السنوات الخمس المقبلة
وهذا الائتلاف مثل، إجمالًا، موجة انتخابية متصاعدة طيلة الأسابيع الأخيرة خاصة بعد تصدر قيس سعيّد للنتائج، فيما بدا تصعيدًا لنخبة سياسية جديدة، لم تكن تظهر ضمن المعارضة في السنوات الخمس الماضية ببساطة لأنها لم تكن موجودة. وقد تحصل في التشريعيات على 21 مقعدًا ليكون القوة الرابعة في البلاد، ليتحوّل ما ظهر كطارئ انتخابي تشكل في بضع أسابيع إلى قوة (من المنتظر أن تتطور إلى حزب) إلى قوة محّددة إلى حد ما في توازنات المشهد السياسي طيلة السنوات الخمس المقبلة.
واللافت أن الائتلاف المستقل غير المتحزب، والذي لا يتحوّز على هياكل جهوية ومحلية ويعتمد على المتطوعين، حقق نتائج متقدمة بحصوله على 5 مقاعد في تونس الكبرى (بحساب مقعد في كل دائرة انتخابية) وحلوله ثالثًا في صفاقس وبنزرت، وفي مراتب متقدمة في الساحل (الرابع في المهدية والخامس في سوسة). كما حقق نتائج مذهلة في الجنوب (الثالث في مدنين وقبلي، والثاني في تطاوين)، كما كان ثالثًا في القيروان ورابعًا في سيدي بوزيد، وتحصل على مقعدين في دائرتي فرنسا بالخارج، فيما تحصل على مقعد وحيد في الشمال الغربي (في جندوبة تحديدًا) من جملة 4 دوائر، ولكنه يظلّ، بعد النهضة و"قلب تونس"، عمومًا أكثر كتلة نيابية منوّعة جغرافيًا.
وحول تحالفات الائتلاف، فقد أعلن استعداده المبدئي للتحالف مع حركة النهضة، وهو يؤكد واقعًا أن هذا الائتلاف هو أشبه بمجموعة ترفع سقفًا عاليًا داخل مجلس شورى الحركة تناكف المكتب التنفيذي للحزب (كتلة النهضة)، ومن هنا يمثل الائتلاف أشبه بالجناح "الغاضب" داخل النهضة من سياسة "التوافق" طيلة السنوات الماضية. ولكن سيعمل الائتلاف على المحافظة على رصيده المميّز والمتمايز عن النهضة في علاقة بعدة ملفات أهمها العلاقة مع فرنسا واتحاد الشغل، والحسم في مواجهة قوى "النظام القديم".
وفي نفس الإطار، تفاجأ جزء كبير من التونسيين، بما فيهم أشد المتابعين للوضع السياسي، بحصول حزب الرحمة على 3 مقاعد (نفس عدد مقاعد نداء تونس مثلًا) على اعتبار أن هذا الحزب الإسلامي، الذي يقوده الداعية سعيد الجزيري، لم يظهر في المشهد طيلة السنوات الأخيرة، وكان يُصنّف ضمن الأحزاب المجمّدة واقعًا لغياب أي نشاط فعلي بيّن، فكانت مفاجأة بحصوله على 3 مقاعد. غير أن هذه المفاجأة تنقشع إذ ما كان رئيس الحزب هو إعلامي قارّ في إذاعة "القرآن الكريم" التي يبلغ أثيرها تونس الكبرى فقط، وقد تحصل الحزب على مقاعده الثلاث في دوائر هذه المنطقة (تونس 1 وأريانة ومنوبة) وهو ما يبيّن مدى تأثير هذه الإذاعة في التحشيد لصالح الحزب (ولذلك أعلنت هيئة الانتخابات إسقاط مقعد رئيس الحزب في دائرة بن عروس –تونس الكبرى أيضًا- بسبب الإشهار السياسي).
الحزب الدستوري الحر (الخامس تشريعيًا والتاسع رئاسيًا): التجمع المنحلّ في ثوب جديد
لم يكن مفاجئًا أن يكسب الحزب الدستوري الحر 17 مقعدًا، وهو الحزب الذي يعتبره نفسه سليل "الحزب الحر الدستوري"، الذي قاد الحركة الوطنية، وبالخصوص سليل آخر نسخه أي حزب "التجمع الدستوري الديمقراطي" المنحل بعيد الثورة. ويقدم هذا الحزب خطابًا قوامه عدم الاعتراف بالثورة ويعتبرها مؤامرة أجنبية، والرفض الدستور الحالي رفضًا قطعيًا، والدفاع عن "إنجازات" النظام السابق، والمعاداة الإقصائية للإسلاميين، وهو ما جعله حتى محلّ انتقاد من قيادات سابقة في حزب التجمع. واكتسب الحزب شعبية متصاعدة، في السنوات الأخيرة، بظهوره كتعبيرة حزبية الأكثر تمثيلًا للنظام السابق في ظل موجة حنين لما قبل الثورة على وقع تدهور الوضع المعيشي.
يقدم الحزب الدستوري الحر خطابًا قوامه عدم الاعتراف بالثورة ويعتبرها مؤامرة أجنبية، والرفض الدستور الحالي رفضًا قطعيًا، والدفاع عن "إنجازات" النظام السابق والمعاداة الإقصائية للإسلاميين
ويبيّن التوزيع الجغرافي لنتائج الحزب تركّزها في المدن الحضرية الكبرى ومنها بالخصوص المدن المحسوبة تاريخيًا على أنها مجال نفوذ تاريخي للحزب المنحل ومن ثم ما تسمّى "العائلة البورقيبية" والحديث أساسًا عن ولايات الساحل (حلّ أولًا في دائرة المنستير مولد الحبيب بورقيبة، وثالثًا في دائرتيْ سوسة والمهدية)، إضافة لتونس الكبرى (الحزب الثاني في دائرة تونس 2 وهي دائرة المناطق المرفهة في العاصمة والحزب الرابع في دائرة بن عروس) إضافة لمراتب متقدمة في الولايات المجاورة للعاصمة (الحزب الثالث في دائرتي نابل والحزب الخامس في دائرة بنزرت) مع حلوله خامسًا في دائرتيْ صفاقس.
وما ميّز الحزب الدستوري الحرّ لدى التونسيين (وما كان محلّ سخرية أيضًا) هي أنه يعتمد في عمله الميداني على الأنشطة الدعائية التي كان يعتمدها الحزب الحاكم قبل الثورة (توظيف الفن الشعبي/المظاهر الاحتفالية المبالغ فيها/الهتاف المدحي المتكرر لرئيسة الحزب في الاجتماعات إلخ)، ولكن الأهم، وما يهم في سياق تحليلي، أنه يوظف الشبكة الميدانية للحزب المنحل في الأرياف وأن أنصاره هم تحديدًا من الشمال الغربي ودواخل البلاد، غير أن التوزيع الجغرافي لنتائج الحزب تشكك في هذا القول.
ففي الشمال الغربي (4 ولايات)، حل الحزب ثالثًا في ولاية باجة على اعتبار أن رئيسته عبير موسي هي أصيلة المنطقة، وخامسًا في سليانة، ولكنه حلّ في مراتب متأخرة في ولاية الكاف (المرتبة العاشرة) وولاية جندوبة (المرتبة التاسعة)، وتواصلت نتائجه الضعيفة كلما تم الزحف نحو الوسط الغربي (المرتبة 25 في القصرين والمرتبة 15 في سيدي بوزيد والمرتبة 12 في القيروان) ولم يحقق الحزب أي مقعد في الوسط الغربي. وهو ما يبيّن أن الشبكات الموروثة عن التجمع المنحل لم تشتغل لفائدة هذا الحزب كما رُوّج سابقًا، وهي شبكات كانت تنشط في واقع زبوني سابقًا، ولكن من المرجح قد استثمرها اليوم، في المقابل، حزب "قلب تونس" وهو حزب انبنى في جوهره على شبكة جمعياتية خيرية في أرياف تونس ودواخلها الفقيرة على النحو السابق عرضه.
اقرأ/ي أيضًا: "اللّطخة" الانتخابية وإعادة ترتيب الأولويات.. السياسة بعيون الناس
حركة الشعب (السادس تشريعيًا ورئاسيًا): عودة للقوميين بفضل الصافي سعيد
تعدّ حركة الشعب من أهم الأحزاب المنتصرة في التشريعيات، وربما نتيجتها المحققة هي الأكثر مفاجأة للمتابعين بتصعيدها 15 نائبًا (3 نواب في انتخابات 2014)، وتأتي المفاجأة على اعتبار أن الحركة الناصرية كان صوتها خافتًا في الحركية السياسية طيلة السنوات الماضية إذ انضمت لاتفاق "قرطاج" عام 2016 ثم انسحبت منه لتنضم للمعارضة، وذلك في ظل حضور نيابي ضعيف لم يجعلها محرّكًا نشطا للعمل البرلماني من جهة المعارضة، عدا عن بروز نائبها أستاذ علم الاجتماع سالم لبيض، وزير التربية في حكومة الترويكا عام 2013، الذي عُرف بمداخلات الحازمة والجاذبة خطابًا ضد وزراء الحكومة أو خصومه في البرلمان خاصة في القضايا الجدلية.
غير أن الطفرة الانتخابية للحركة الناصرية يعود فضلها أساسًا لاستفادتها من الموجة الانتخابية الرئاسية، وهي لم تقدّم مرشحًا ولكنها دعمت المرشح المستقل الكاتب الصحفي الصافي سعيد الذي جاء سادسًا في الرئاسيات متخلفًا بنحو 10 آلاف صوت فقط عن رئيس الحكومة. وسعيد، الصحفي القومي الذي كان قريبًا من نظام القذافي وعرفه العموم بخرجاته الإعلامية التي استعرض فيها ثقافة موسوعية وعمق تحليلي لا يُسمع لدى منافسيه، عملت حركة الشعب على استثمار ناخبيه، لتظهر بصورة الحاملة لأفكاره، وهو، الصافي سعيد نفسه، قد شارك عمليًا في حملتها الانتخابية رغم أنه للمفارقة ترشّح كرئيس لقائمة مستقلة منافسة لذات الحركة في دائرة تونس 2، وقد حصّل مقعدًا نيابيًا بدوره.
الطفرة الانتخابية لحركة الشعب يعود فضلها أساسًا لاستفادتها من الموجة الانتخابية الرئاسية وهي لم تقدّم مرشحًا ولكنها دعمت المرشح المستقل الكاتب الصحفي الصافي سعيد الذي جاء سادسًا في الرئاسيات
ويتمركز وجود الحركة القومية تاريخيًا في جنوب تونس (معقل صالح بن يوسف الذي يُعرف بأنه الزعيم التاريخي/الروحي للقوميين وهو كان الغريم الرئيسي للحبيب بورقيبة في فترة الاستقلال وقد اغتاله عام 1961)، تحديدًا في الجنوب الغربي (دائرة قبلي أين ترشح أمينها العام زهير المغزاوي) والجنوب الشرقي (تحديدًا دائرة مدنين أين ترشح نائبها سالم لبيض)، غير أنها استطاعت في انتخابات 2019 توسيع قاعدة ناخبيها في معاقلها (كسبت مقعدين لأول مرة في مدنين). وتوسّعت نحو محافظات الشمال الغربي (الحزب الثالث في دوائر الكاف وجندوبة وباجة) وسيدي بوزيد (الحزب الثالث والملاحظة هنا أن الولاية تُعرف بهواها القومي والذي تبلور سابقًا كخزان انتخابي لفائدة حزب التيار الشعبي -مكون في الجبهة الشعبية- الذي كان يقوده الشهيد محمد البراهمي أصيل المنطقة)، كما حلّت في المرتبة الثانية في دائرة قفصة، والصافي سعيد أصيل هذه الدائرة وقد اكتسحها في الرئاسيات بأكثر من 53 في المائة من الأصوات وهو ما يؤكد أن الحركة استفادت أيّما استفادة من حصيلة الكاتب الصحفي في انتخابات منتصف سبتمبر/أيلول المنقضي.
ولكن الحركة حصدت على مقعد وحيد في تونس الكبرى (تحديدًا في دائرة منوبة) من أصل 5 دوائر (أضيف مقعد في دائرة بن عروس لاحقًا بعد إسقاط قائمة حزب الرحمة)، كما تحصلت على مقعدين في الساحل (تحديدًا في دائرة المهدية والمنستير)، وحلت في المرتبة السادسة في دائرتي صفاقس، وهو ما يؤكد أنها حافظت على انتشار خزانها الانتخابي أساسًا في ولايات الجنوب والولايات الداخلية مع اختراق جزئي في المراكز المدينية الكبرى في البلاد (العاصمة والساحل أساسًا).
ومن المنتظر إجمالًا أن تستثمر الحركة، التي صعدت بكتلة معتبرة فوق سحاب "الزلزال الرئاسي"، داخل البرلمان على تصدير الملفات دائم الطرح من التيار القومي، وأساسًا ملف العلاقات الخارجية وبالخصوص إعادة العلاقات مع النظام السوري، وإعادة تدقيق العلاقة مع الاتحاد الأوروبي وأساسًا فرنسا (قد تتعاون مع "ائتلاف الكرامة" في هذا الإطار الذي يطرح مراجعة العلاقات مع فرنسا ويدعو لاعتذارها عن عقود احتلالها لتونس).
لطفي المرايحي (التاسع تشريعيًا والسادس رئاسيًا): موجة رئاسية لم تمتد إلى التشريعية
من الفاعلين السياسيين الجدد الذين رفعتهم الموجة الانتخابية في الشهرين الماضيين هو لطفي المرايحي الذي يرأس الاتحاد الشعبي الجمهوري، وهو حزب غير ممثل في البرلمان السابق، يصنف ضمن الأحزاب الهامشية وغير الفاعلة طيلة السنوات الماضية، ولم يسمع جزء واسع من التونسيين بهذا الحزب، ولا يظهر ممثلوه في وسائل الإعلام. ولكن اكتشف التونسيون لطفي المرايحي، الطبيب المُغرم بالموسيقى الذي ألف كتبًا في الفكر والموسيقى، بمناسبة ترشحه للدور الأول، بخطاب يزاوج بين التركيز على المسألة الاقتصادية بطرحه لفكرة "الحمائية الاقتصادية الذكية"، التي يربطها بمسألة السيادة الوطنية، مع خطاب محافظ إلى حد ما مجتمعيًا، وذلك بعرض خطابي جاذب، جعل المرايحي "اكتشافًا" لتونسيين يسمعون رجل سياسة يقدم عرضًا ليس كبقية المنافسين.
اقرأ/ي أيضًا: في أزمة الديمقراطية التونسية المزدوجة: السياسة والميديا
وُلد بذلك المرايحي في خضم السباق الرئاسي ليحلّ، في نهاية المطاف، في المرتبة السادسة بنيله 221 ألف صوت (6.5 في المائة) أي بفارق 0.8 في المائة فقط عن رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي حل خامسًا، وهو ما يؤكد على مدى إقبال التونسيين في الدور الأول على "السياسيين الجدد" الذين لم يكن معروفين قبل شهرين فقط. وقد تصدر مرشح الاتحاد الشعبي الجمهوري في دائرة القصرين، وهو أصيل المنطقة، بنسبة 45.9% بفارق كبير على صاحب المرتبة الثانية نبيل القروي الذي نال 17.4%، وحل ثالثًا في دائرة الكاف المتاخمة للقصرين.
غير أن الموجة الانتخابية للمرايحي لم يستفد منها حزبه في التشريعيات الذي حلّ في المرتبة التاسعة بـ3 مقاعد منها مقعد في القصرين (وسط غرب)، والمنستير (وسط شرق/الساحل) وبن عروس (شمال/العاصمة). ولكن يظل المرايحي من المستفيدين من الانتخابات الأخيرة بخروجه، وخروج حزبه، من منطقة الظلّ إلى دائر الضوء، سواء كشخصية باتت اليوم معروفة لدى التونسيين، وثانيًا بتأمين حزبه لموقع في البرلمان لأول مرة ما يجعله يضمن ظهورًا مستمرًا طيلة السنوات المقبلة.
الجبهة الشعبية.. الاندثار؟
الجبهة الشعبية، الائتلاف المكوّن منذ 2012 الذي يضمّ أحزابًا ماركسية لينينية (حزب العمال وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد أساسًا) وتروتسكية (حزب اليسار العمالي) وأحزاب قومية عربية (حزب البعث والطليعة العربي الديمقراطي والتيار الشعبي)، والذي قدم الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي في 2013، وحلّ ثالثًا في الانتخابات الرئاسية عام 2014 (حصل حمة الهمامي على نسبة 7.9 في المائة) وكذا في الانتخابات التشريعية (15 مقعدًا)، دخلت انتخابات 2019، رئاسيات وتشريعيات، مشتتة على وقع انشطارها بين شق أول (يضم الحزب العمال والتيار الشعبي وحزب البعث) وشق ثان (يضم الوطنيين الديمقراطيين الموحد واليسار العمالي والطليعة العربي الديمقراطي).
يظل المرايحي من المستفيدين من الانتخابات الأخيرة بخروجه، وخروج حزبه، من منطقة الظلّ إلى دائر الضوء بتأمين حزبه لموقع في البرلمان لأول مرة ما يجعله يؤمن ظهورًا مستمرًا طيلة السنوات المقبلة
وفي الرئاسيات، حصل مرشح الشق الأول حمة الهمامي على نسبة 0.7 في المائة، وتقدّم عليه مرشح الشق الثاني منجي الرحوي بنسبة 0.1 في المائة فقط، وقد كان تحديد مرشح الجبهة للاستحقاق الرئاسي، في مارس/آذار الماضي، هي النقطة الذي فجرت الجبهة الشعبية وحلّت كتلتها البرلمانية. وفي التشريعيات، لم يحصل الشق الأول الذي دخل الانتخابات باسم "الجبهة" على أي مقعد، فيما حصل الشق الثاني الذي قدم قائمات باسم "حزب الجبهة الشعبية" على مقعد وحيد لمرشحه الرئاسي منجي الرحوي عن دائرة جندوبة. والملاحظ أن نتائج القائمتين في جلّ الدوائر كانت هزيلة، ولو يتم تجميع أصواتهما، لا تصل لسقف تأمين مقعد وحيد. وفي دائرة "تونس 1" بالخصوص، ترشحت إضافة للقائمتين، قائمة ثالثة ترأستها طليقة الشهيد شكري بلعيد بسمة الخلفاوي، وتجميع أصوات هذه القائمات الثلاث لا يكفي لتحصيل مقعد وحيد، فيما يبين مدى انهيار الجبهة الشعبية التي يعود تقدمها في انتخابات 2014 على وقع حرارة قضية الشهيدين. وقد حاولت الجبهة لاحقًا تصدير ملف الاغتيالات، كملف رئيسي، في خطابها الذي يقوم على اتهام حركة النهضة خاصة في علاق، تجاوزًا للملف الاجتماعي مع فشلها في الاحتكاك بالطبقة المهمشة وتصدير خطابها نحوها وبالتالي الفشل في بناء "الجبهة الشعبية" المأمولة.
المنصف المرزوقي.. هزيمة قاسية لرئيس سابق
حملت الانتخابات الرئاسية هزيمة قاسية، كانت منتظرة واقعًا، للرئيس السابق المنصف المرزوقي بحلوله في المرتبة 11 بـ3 في المائة فقط من الأصوات، متصدرًا دائرة انتخابية وحيدة هي قبلي، مسقط رأسه. وتأتي هذه الهزيمة على وقع تضرره من العناصر غير المنتظرة التي ظهرت في الأسابيع الأخيرة قبيل الاقتراع الرئاسي، أولها تقديم حركة النهضة لمرشح رئاسي من داخلها، وهو المرزوقي الذي بنى آماله على تكرار، إلى حد ما، لسيناريو 2014 بعدم تقديم الحزب الإسلامي لمرشح أو حتى دعمه لمرشح آخر في إطار "التوافق"، ليكون المرزوقي هو "عصفور" جمهور حركة النهضة، خاصة وقد عمل طيلة السنوات الخمس الماضية على مغازلته خاصة بإبراز موقف محافظ في علاقة بملف المساواة في الميراث.
كما تضرر بحّدة المزاج الشعبي الرافض لـ"الوجوه القديمة"، خاصة وهو الذي كان رئيسًا للدولة، عدا وأنه ترشح مدعومًا من ائتلاف "تونس أخرى (يضم حزبه الحراك وحركة وفاء غير الممثلة برلمانيًا)، إذ قدمت الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية، المنتمية لعائلته السياسية ومن حلفائه السابقين، لمرشحين بدورهم وتحديدًا محمد عبو (التيار الديمقراطي) وإلياس الفخفاخ (التكتل الديمقراطي). وقد تعاظمت هزيمة المرزوقي بعدم نيل الائتلاف الذي يدعمه على أي مقعد في البرلمان الجديد بعد أن كان يمتلك 3 مقاعد، واللافت أن الائتلاف فشل في تحصيل مقعد حتى في مسقط رأس المرزوقي (قبلي) التي تصدر نتائجها قبل 3 أسابيع. ويظلّ السؤال حول إن ما كانت هذه الهزيمة ستكون موتًا سياسيًا لأول رئيس جمهورية انتخب ديمقراطيًا في تاريخ البلاد، أو ستدفعه إلى إعادة بناء مشروعه السياسي من بوابة "توحيد العائلة الديمقراطية الاجتماعية"، وهو توحيد قد يستوجب منه تعففًا عن موقع القيادة.
طقطقات سريعة
- تعبّر نتائج الدور الأول للرئاسيات عن مزاج انتخابي رافض للنخبة السياسية الفاعلة طيلة السنوات الماضية بتصعيد قيس سعيّد (مستقل دون حزب) ونبيل القروي (رئيس حزب حديث غير ممثّل في البرلمان)، مع هزيمة لمرشحي الأحزاب الحاكمة (مورو والشاهد) أو القادمين من السلطة التنفيذية (الزبيدي). وفي بقية ترتيب المترشحين، تقدّم كاتب صحفي مستقلّ (صاحب المرتبة السادسة الصافي سعيد) وطبيب رئيس حزب غير ممثل برلمانيًا (صاحب المرتبة السابعة لطفي المرايحي) ومحامي مستقل (صاحب المرتبة الثامنة سيف الدين مخلوف)، ورئيس حزب غير ممثل برلمانيًا (صاحبة المرتبة التاسعة عبير موسي) على قيادات المعارضة البرلمانية (محمد عبو والمنصف المرزوقي وحمة الهمامي وغيرهم) ورئيس حكومة سابق (مهدي جمعة الذي حلّ في المرتبة 12 وحمادي الجبالي الذي حل في المرتبة 20).
تؤكد نتائج الدور الأول للرئاسيات محورية المحدد الجهوي في اعتبارات الناخب، وهو محدّد رئيسي موجّه يتجاوز بقية المحددات، إذ تصدر عديد المترشحين النتائج في مدن مسقط الرأس بفوارق لافتة
- تؤكد نتائج الدور الأول للرئاسيات محورية المحدد الجهوي في اعتبارات الناخب، وهو محدّد رئيسي موجّه يتجاوز بقية المحددات، إذ تصدر عديد المترشحين النتائج في مدن مسقط الرأس بفوارق لافتة، وتحديدًا قيس سعيّد في "نابل 1" (شمال شرق) بنسبة 23 في المائة بفارق 15 نقطة عن أقرب منافسيه، ونبيل القروي في بنزرت (أقصى الشمال) بنسبة 28 في المائة بفارق نحو 10 نقاط عن أقرب منافسيه، ولطفي المرايحي في القصرين (وسط غرب) بنسبة 45 في المائة، والمنصف المرزوقي في قبلي (جنوب غرب) بنسبة 31 في المائة، والصافي سعيد في قفصة (جنوب غرب) بنسبة 53 في المائة، وحتى سيف الدين مخلوف في تطاوين (أقصى الجنوب) بنسبة 24.8 في المائة رغم أنها معقل تاريخي لحركة النهضة، وذلك بالنظر لأصول والدة مخلوف في هذه الدائرة الانتخابية.
- تبيّن نتائج الدور الأول للرئاسيات والتشريعيات، على حد سواء، هزيمة، إلى حد كبير، لـ"الماكينة الانتخابية"، بما تعنيه من حملة انتخابية بوسائل احترافية وإنفاق مرتفع. ففي الرئاسيات، كان المرشحين يوسف الشاهد (بـ89 صفحة) وعبد الكريم الزبيدي (بـ52 صفحة) ونبيل القروي (بـ22 صفحة) إضافة لمهدي جمعة هم أكثر 4 مترشحين استعمالًا للإشهار السياسي عبر صفحاتهم على "فيسبوك" (تقرير لمنظمة "أنا يقظ)، في المقابل، لا يملك قيس سعيّد صفحة رسمية، ولم يستعمل الإشهار السياسي على فيسبوك. وكذا في التشريعيات، مُنيت قائمات "عيش تونسي" (تقودها امرأة الأعمال ألفة التراس زوجة رجل الأعمال الفرنسي رويام رومبورغ من مموّلي حملة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون) بهزيمة قاسية بتحصيل مقعد وحيد في البرلمان (لألفة التراس في مسقط رأسها في بنزرت)، رغم إنفاقها طيلة السنتين الماضيتين لأموال باهضة وإعدادها لوثيقة وقعها مليون تونسي لـ"إصلاح حال البلاد"، كما يُدعى، باسم "وثيقة التوانسة"، وقد كانت "عيش تونسي" في مراتب متقدّمة في نوايا التصويت في التشريعيات قبل أشهر، قبل أن تسقط في التشريعيات خاصة بعد تأثرها بموجة الرئاسيات ولم تقدم "عيش تونسي" مرشحًا باسمها.
- يعكس التشتت البرلماني في نتائج الانتخابات التشريعية معضلة النظام الانتخابي (نظام التمثيل النسبي بالاقتراع على الأفراد دون عتبة)، وهو النظام المعتمد منذ انتخابات المجلس الوطني التأسيسي (بعنوان ضمان أكثر تمثيلية لصياغة الدستور الجديد للبرلمان)، وكانت قد دعت الأحزاب الكبرى لتعديله قبل التشريعيات الأخيرة، وقد تضمن تنقيح القانون الانتخابي (الذي لم يوقعه الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في آخر أيامه قبل وفاته في جويلية/يوليو 2019) إضافة عتبة 3 في المائة، التي لو تم اعتمادها لكانت الكتل الفائزة أكبر حجمًا (حركة النهضة مثلًا 71 بدل 58 مقعدًا، وقلب تونس 47 بدل 38 مقعدًا). ويمثل هذا التشتت البرلماني التحدي الأول لتكوين الحكومة الجديدة ومن ثمّ ضمان استقرار الأغلبية الحكومية خلال السنوات القادمة (حركة النهضة التي سُتكلف بتشكيل الحكومة تملك 52 مقعدًا وهي بحاجة لـ57 مقعدًا إضافيًا لتحصيل الأغلبية البرلمانية أي 109 من أصل 217 مقعدًا في البرلمان).
اقرأ/ي أيضًا:
فكرة الحكم المحلي من جمنة إلى قرطاج.. ملاحظات عن الدور الأول من الرئاسيات