27-مارس-2018

جدل منتظر حول تغيير النظام الانتخابي (getty)

يبدو الحديث عن نظام الاقتراع لدى البعض حديثًا عن مسألة قانونية تقنية صرفة، غير أن المسألة في صميمها سياسية بامتياز، حيث يؤثر النظام الانتخابي في تحديد النتائج ومنه في وزن الفاعلين السياسيين.  ولذلك حينما دعا الرئيس الباجي قايد السبسي في خطاب عيد الإستقلال مؤخرًا للنظر في تنقيح النظام الانتخابي، تتالت بسرعة ردود الأفعال خاصة من الأحزاب المتوسطة والصغيرة، فهي مسألة حياة أو موت بالنسبة للعديد منها، فلقد رمى السبسي بحجرة في بركة خلنا أنها لن تتحرّك منذ التوافق على نظام الاقتراع الحالي في صيف 2011، ولكن يبدو أن المحيطين حوله أقنعوه بأن الفشل في إدارة البلاد منذ 2014 يعود للنظام السياسي ولنظام الاقتراع.

بذلك من المنتظر أن يتمثّل الجدل حول نظام الاقتراع الجديد واحدة من أهم القضايا الخلافية في المشهد السياسي خلال الفترة القادمة، وذلك الأصل بغض النظر إن كنا في سياق انتقال ديمقراطي أو ديمقراطية ثابتة. فلو نلقي نظرة على الدول التي سبقتنا عقودًا في الديمقراطية، نجد أن الحديث عن النظام الانتخابي لا يزال حديثًا خلافيًا لليوم بين الفاعلين السياسيين. ولكن نلاحظ في الأثناء كذلك اختلافات في أنظمة الاقتراع المعتمدة إذ لا يوجد نظام أفضل من آخر، بقدر ما يوجد نظام يتلاءم أكثر مع المناخ السياسي وخصوصيته، وإجمالًا لكلّ نظام مزايا وعيوب.

المنتظر أن يتمثّل الجدل حول نظام الاقتراع الجديد واحدة من أهم القضايا الخلافية في المشهد السياسي التونسي خلال الفترة القادمة

اقرأ/ي أيضًا: هل طريق السبسي مفتوحة لتغيير نظام الحكم أو النظام الانتخابي؟

ففي الولايات المتحدة وفي الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فازت هيلاري كلينتون على حساب دونالد ترامب على مستوى الأصوات الشعبية، ولكن نظام المجمع الانتخابي المعتمد جعل ترامب رئيسًا، وهو ما جعل أصوات تتعالى لتغيير هذا النظام الذي لا يزال يعتبره جزء كبير من الأمريكيين عادلًا لما يحققه من توازن في تأثير الولايات الأمريكية الخمسين. فيما تعتمد بريطانيا نظام يبدو غير عادل وهو نظام الأغلبية على الأفراد وعلى دورة واحدة بمعنى يفوز بالمقعد من يفوز بأكثر الأصوات وإن لم يبلغ الأغلبية المطلقة، وقد رفض ثلثي البريطانيين في استفتاء شعبي سنة 2011 تغييره. وتوجد في هذه الدول حملات شعبية للقيام بالإصلاحات الانتخابية تعمل على تكوين لوبيات على غرار جمعية الإصلاح الانتخابي، التي تنشط في بريطانيا منذ 1884 وتهدف لاعتماد النظام النسبي.

وفي تونس، اعتمدنا منذ انتخابات التأسيسي في 2011 نظام التمثيل النسبي مع أكبر البقايا لما يحققه من تمثيلية منوّعة لمختلف الحساسيات الاديولوجية والسياسية وذلك مراعاة لخصوصية الانتقال الديمقراطي، وهو ما واصلنا اعتماده في تشريعيات 2014 ولكن يبدو أننا سنمضي لانتخابات 2019 بنظام آخر.

تعتمد تونس حاليًا نظام التمثيل النسبي مع أكبر البقايا وهو أكثر أنظمة الاقتراع التي تحقق تمثيلية منوّعة ويقع اعتماده غالبًا في فترات الانتقال الديمقراطي

ونقدم في هذا التقرير عرضًا لأهم أنظمة الاقتراع مع عرض أبرز مزاياها وعيوبها، وذلك مع الاستئناس بأمثلة من نتائج انتخابات 2014 لمعرفة تغير النتيجة بحسب كل نظام. حيث سنعتمد نتائج ثلاث دوائر وهي تونس 1 وسوسة وقبلي، وهو اختيار يراعي التوزيع الجغرافي للدوائر (شمال ووسط وجنوب) واختلاف عدد مقاعدها (10 و8 و5) وتنوع التمثيلية (9 أحزاب في مجملها).

  • المثال من انتخابات 2014:

- تونس 1: تضمّ الدائرة 8 مقاعد، وقد بلغ عدد الأصوات المصرّح بها 077 168 صوتًا. توزعت المقاعد بين 5 أحزاب بتفصيل 3 مقاعد لكلّ من نداء تونس (295 60 صوتًا) وللنهضة (343 53 صوتًا) ومقعد وحيد لكلّ من الاتحاد الوطني الحرّ (714 13 صوتًا) والتيار الديمقراطي (5404 صوتًا) والجبهة الشعبية (5321 صوتًا).

- سوسة: تضم الدائرة 10 مقاعد، وقد بلغ عدد الأصوات المصرّح بها 984 209 صوتًا. توزعت المقاعد بين 4 أحزاب بتفصيل 5 مقاعد لنداء تونس (604 102 صوتًا) و3 مقاعد للنهضة (820 50 صوتًا) ومقعد وحيد لكل من آفاق تونس (360 12 صوتًا) والمبادرة (8626 صوتًا).

- قبلي: تضمّ الدائرة 5 مقاعد، وقد بلغ عدد الأصوات المصرّح بها 55610 صوتًا. توزّعت المقاعد بين 4 أحزاب بتفصيل مقعدين للنهضة (21944 صوت) ومقعد وحيد لكل من المؤتمر من أجل الجمهورية (8953 صوت) وحركة الشعب (8489 صوت)، ونداء تونس (5793 صوت).

1- نظام الاقتراع بالأغلبية:

ويكون نظام الاقتراع بالأغلبية إما على على القوائم أو على الأفراد.

1-1 نظام القوائم: يكون إما على دورة واحدة أو دورتين

1-1-1 الاقتراع على دورة واحدة 

هو نظام يؤدي لفوز القائمة التي تتحصل على أكبر عدد من الأصوات وإن دون بلوغ الأغلبية المطلقة. وهو نظام اعتمده نظام بن علي بالنسبة للمقاعد على مستوى الدوائر الوطنية. في صورة تطبيق هذا النظام بالعودة للدوائر التي اخترناها كعيّنة، سيفوز نداء تونس بجميع المقاعد في دائرتي تونس 1 وسوسة، فيما تفوز النهضة بجميع مقاعد دائرة قبلي، وستنخفض عدد الأحزاب الممثلة في هذه الدوائر الثلاثة من 9 أحزاب إلى حزبين فقط. ولا توجد اليوم أصوات تؤيد اعتماد هذا النظام لأنه يفرز فوزًا للأحزاب الكبيرة فقط، ويكرس الحزب الواحد أو الثنائية الحزبية، وهو نادر الاعتماد عالميًا، ولا توجد دعوات لاعتماده تونسيًا.

نظام الاقتراع بالأغلبية على القوائم في دورة واحدة يساعد على بروز الأحزاب الكبيرة ويكرس نظام الحزب الواحد أو الثنائية الحزبية

2-1-1 الاقتراع على دورتين

هو نظام تفوز فيه القائمة الحاصلة على 50 بالمائة +1، وفي صورة عدم تحقق ذلك في الدورة الأولى يتم اللجوء لدورة ثانية بين أكثر قائمتين تحصلتا على أصوات.

لو نعود للدوائر التي اخترناها، لا نجد أي قائمة حصلت على الأغلبية المطلقة. وعليه لو نعتمد نظام الأغلبية على دورتين، سنلتجأ لدورة ثانية في تونس 1 بين نداء تونس والنهضة، وفي سوسة كذلك بين هذين الحزبين، أما في قبلي ستكون الدورة الثانية بين النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية. والفائز في الدورة الثانية يفوز بكل مقاعد الدائرة.

يشجع بذلك هذا النظام على التحالفات ويساعد على تشكيل أغلبية برلمانية، كما يمنح للناخب فرصة ثانية لترشيح من يناسبه، فيما تتمثل عيوبه في كلفة تنظيم دورتين انتخابيتين وانخفاض نسبة الإقبال في الدورة الثانية، وقطعًا في قطع الطريق على الأحزاب الصغيرة والمستقلين.

يدافع عن هذا النظام أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي.

اقرأ/ي أيضًا: مبادرة السبسي.. تباين في مواقف أساتذة القانون الدستوري

2-1 نظام الأفراد: يكون كذلك إما في دورة واحدة أو دورتين.

1-2-1 الاقتراع على دورة واحدة

الصورة الكلاسيكية هو نظام الفائز الواحد ويعني فوز المرشح الحائز على المرتبة الأولى في دائرة انتخابية أحادية وذلك سواء بلغ الأغلبية المطلقة أو لم يبلغ، وتعتمده حاليًا بريطانيا وكندا والهند وعديد الدول الأنغلوسكسونية.

هذا النظام هو أسهل الأنظمة بالنسبة للناخب فالخيار واضح فغالبًا يكون بين ممثليْ أكبر حزبين، وذلك يساهم في وجود أغلبية برلمانية واضحة، وله ميزة وهو خلق علاقة مباشرة بين الناخب وممثله، ولكن من أبرز عيوبه هو ضعف حضور الأحزاب الصغيرة والمستقلين، وانتشار المال السياسي حيث تفضل الأحزاب خاصة في الدول النامية لترشيح رجال أعمال، كما لا يضمن تمثيل عادل للشباب والنساء.

يفترض النظام الفردي لو يتم اعتماده في تونس إعادة تقسيم للدوائر الانتخابية لأنه يستلزم دوائر صغيرة

هذا وتوجد أشكال أخرى من نظام الاقتراع على الأفراد أهمها نظام الصوت البديل والذي يفترض ترتيب الناخب للمرشحين بطريقة تفاضلية ويفوز الحائز على الأغلبية المطلقة، وفي صورة عدم تحقق ذلك يتم استبعاد أقل المترشحين حصولًا على أصوات وتتم إعادة توزيع أصواته على بقية المرشحين كلّ بنسبة أصواته وتستمرّ العملية دواليك حتى يبلغ أحد المرشحين الأغلبية المطلقة. وهو نظام معقد تعتمده حاليًا أستراليا.

وإجمالًا يفترض النظام الفردي لو يتم اعتماده في تونس إعادة تقسيم للدوائر الانتخابية لأنه يستلزم دوائر صغيرة، ويصعب اعتماد الدوائر البلدية بما أنه توجد لدينا 350 دائرة وهو عدد مقاعد كبير بالنسبة لبرلمان في بلد عدد سكانه 12 مليون.

2-2-1 الاقتراع على دورتين

هو شبيه بالنظام السابق ولكنه في صورة عدم فوز أي مرشح على الأغلبية المطلقة في الدورة الأولى يتم اللجوء لدورة ثانية. وهو النظام التي تعتمده فرنسا مع إضافة شرط حصول المترشح للدورة الثانية على 12.5 بالمائة على الأقل من أصوات الناخبين.

يشجع هذا النظام على التحالفات الحزبية ويلائم المستقلين، كما يمنح للناخب فرصة لاختيار من يناسبه في الدورة الثانية، ولكن له نفس عيوب النظام السابق، كما يفترض اعتماده إعادة تنظيم الدوائر الانتخابية.

يؤيد اعتماد هذا النظام عديد أستاذة القانون الدستوري أبرزهم الصادق بلعيد، وحسين الديماسي، وأمين محفوظ، وهيكل بن محفوظ الذين قدموا عريضة للغرض.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف تفاعلت الأحزاب السياسية مع مقترح قائد السبسي؟

مرزوق: نظام الحكم أثبت فشله والنظام الانتخابي عاجز