05-يوليو-2020

أثارت شبهة تضارب المصالح لرئيس الحكومة تساؤلات حول مضامين قانون التصريح بالمكاسب (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)/



ليس مستجدًا إثارة شبهات تضارب مصالح فيما يتعلق بأعضاء الحكومة، فمع كلّ حكومة جديدة تكشف هيئات رقابية أو جمعيات مدنية شبهات تضارب مصالح وفساد تهم أحد النواب أو الوزراء، ما يطرح جدلًا في الوسط السياسي، وأيضًا جملة من التساؤلات عن مضامين وربما ثغرات بعض القوانين وتأخر نشر بعض الأوامر الحكومة من جهة، والإفلات من العقاب من جهة أخرى.

ففي ماي/أيار الماضي، وجهت مصالح وزير الدولة لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية والحوكمة مكافحة الفساد مراسلات إلى مؤسسات عمومية لوضع حد للتعاقد مع عضوين في مجلس نواب الشعب "لما في هذا التعاقد من تضارب مصالح" مع توجيه مراسلة إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في ذات الإطار.

ومؤخرًا طالت شبهات تضارب المصالح رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ بعد إثارة تعاقد شركة يملك فيها أسهمًا مع الدولة في مجال إدارة النفايات في قضية دفعت نحو فتح ثلاثة تحقيقات: قضائية وبرلمانية وإدارية، ولازالت تداعياتها مستمرة قد تؤدي لإسقاط الحكومة التي بالكاد تشكلت في فيفري/شباط الماضي.

طالت شبهات تضارب المصالح رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ بعد إثارة تعاقد شركة يملك فيها أسهمًا مع الدولة في مجال إدارة النفايات

ونفى رئيس الحكومة أمام بالبرلمان الاتهامات الموجّهة إليه مشيرًا إلى أنه قام بالتصريح بالمكاسب لدى هيئة مكافحة الفساد وتخلى عن المسؤولية في مجلس إدارة إحدى الشركات منذ شهرين وتحديدًا في 15 أفريل/نيسان مضيفًا أنه قرر التخلي طوعًا عن مساهماته في إحدى الشركات رفعًا لكل الشبهات، وفق قوله. واعتبر أنّ "هذا التشكيك لا يمسّ فقط من شخص رئيس الحكومة بل يطال مصداقية الصفقات العمومية ككلّ ونزاهة هيئة الطلب العمومي وهو أمر غير مقبول".

وبعد أيام، أكد رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب، في إفادة أمام لجنة برلمانية، أن رئيس الحكومة في "وضعية تضارب مصالح" مضيفًا أن تصريح الفخفاخ، إثر تعيينه رئيسًا للحكومة، بامتلاكه مساهمات في 5 شركات (لم يسمّها) لم يتضمّن أن الشركات كلها أو بعضها تتعامل مع الدولة تجاريًا.

اقرأ/ي أيضًا: "إلياس الفخفاخ أمام شبهة تضارب مصالح".. القصة الكاملة

وأضاف الطبيب أن الهيئة بلغها إشعاران تضمنا "اتهامات بشبهة الفساد لرئيس الحكومة وتضارب المصالح واستغلال النفوذ وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع". مؤكدًا أن الفصل 18 من قانون تصريح المكاسب يطالب الفخفاخ بإحالة التصرف في مساهماته بهذه الشركات لشخص آخر في غضون شهرين من توليه لمهامه "لكنّه لم يقم بذلك" إلى غاية تاريخ تقديم الإفادة. وقال إن الفخفاخ بقي "وكيلًا لشركتين وعضو مجلس إدارة لشركة من أصل 5، حتى تاريخ قريب وهي وضعية مخالفة للقانون والدستور، وهذه المعطيات لم تُبلغ لنا إلا بتاريخ 25 جوان الماضي عبر مراسلة منه"، وفق قوله.

وأشارت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، في نشريتها الأسبوعية نهاية جوان/ يونيو 2020، في نفس السياق، إلى أنّها رصدت 73 وضعية تضارب مصالح تهم رؤساء دواوين بالحكومة ورؤساء بلديات، مشيرة إلى أنها تولت إعداد وتوجيه 209 تنبيهًا فرديًا إلى الأشخاص المنصوص عليهم بالفئات والذين تخلفوا عن واجب التصريح، وذلك قصد تسوية وضعياتهم والتصريح بمكاسبهم ومصالحهم.

جدل الفصل 20 من قانون التصريح بالمكاسب 

ينصّ الفصل 20 من قانون التصريح بالمكاسب على أن 4 فئات منها رئيس الحكومة وأعضائها ورؤساء دواوينهم ومستشاريهم يحجّر عليهم أثناء ممارسة مهامهم التعاقد بغاية التجارة مع الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسّسات والمنشآت العمومية، فيما يحجّر على باقي الفئات أثناء ممارسة مهامهم التعاقد بغاية التجارة مع الهياكل التابعين لها.

وأثار هذا الفصل جدلًا في ظل تأكيد فريق أنه يحمل عدّة قراءات وتأويلات، وأشار رئيس الحكومة خلال الجلسة العامة في البرلمان إلى أنّ هذا الفصل "يحمل لبسًا ربما لم تنتبه له الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" مشيرًا إلى أنه سيتقدم بمبادرة تشريعية لتوضيح الفصل خاصة وأنه يحتمل 3 قراءات، حسب قوله. 

فيما أكد النائب عن كتلة حركة النهضة أسامة الصغير، في تصريحات إعلامية، أنّ المبادرة التي سيتقدّم بها رئيس الحكومة لتنقيح الفصل المذكور "لن يكون لها مفعول رجعي في علاقة بملف شبهة تضارب المصالح التي تحوم حول الفخفاخ".

وقد أشار مصدر مطلع لـ"ألترا تونس" إلى أنّ وزارة الوظيفة العمومية ومكافحة الفساد والإصلاح الاداري أنهت مؤخرًا تنقيح الفصل 20 من القانون المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، وقد أحالته على بعض الهيئات للاستشارة. وبيّن مصدرنا أنّ "هذا الفصل من القانون لا يتضمن أي عقوبات جزائية".  

أين الأمر المنظم لنشر التصاريح بالمكاسب للعموم؟

كلّما حلّ الحديث عن تضارب المصالح أو شبهات إثراء غير مشروع تتعلّق بمسؤول إلاّ وأثيرت مسألة تأخر نشر الأمر الحكومي المنظم لعملية نشر مضمون التصاريح بالمكاسب للعموم. وقد صدر على موقع بوابة المشاركة العمومية استشارة مفتوحة للعموم لمشروع هذا الأمر الحكومي الذي يستلزمه الفصل 8 من قانون التصريح على المكاسب والمصالح ومكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح. 

شوقي قداش لـ"ألترا تونس": تضمنت الاستشارة الثانية الموجهة من محمد عبو إلى الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية حول الأمر المتعلق بنشر التصاريح للعموم إضافة جزء خاص بتضارب المصالح

في هذا السياق، أكد لنا شوقي قداس، في حديث لـ"ألترا تونس"، أنّ وزير الدولة لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد محمد عبو  أرسل للهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية استشارة ثانية رغم سابق تقديم استشارة زمن حكومة يوسف الشاهد. وأوضح أنّ "إجراء الاستشارة جاء باقتراح من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي قدمت مشروع الأمر إلى رئاسة الحكومة التي أحالته بدوره إلينا لإبداء رأينا فيه، وهو رأي مطابق، يعني ما سنقرره نحن سيقع اعتماده والإمضاء عليه ونشره في الرائد الرسمي وهو ما حصل مرتين. بمعنى أننا أعطينا رأينا المطابق لعملية نشر مضمون التصريح بالمكاسب سابقًا في ديسمبر 2018، لكن لم يُمضى ولم يُنشر".

اقرأ/ي أيضًا: حكومة الفخفاخ.. في مواجهة ملفات مؤجلة وتركة ثقيلة

وبيّن محدثنا أنه تم تقديم الرأي المطابق مرة أخرى إثر استشارة ثانية من وزير الدولة وذلك منذ شهر تقريبًا "وهذا عادة لا يجب أن يحصل لأنّ استمرارية الدولة تقتضي مواصلة اعتماد الاستشارة الأولى، وعندما تطلب الحكومة رأينا كهيئة ويقع الموافقة على الرأي، فلا داعي للنظر في استشارة أخرى تطرحها حكومة أخرى".

ولكن أوضح قداش أن الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية "تفطنت أنه بالمقارنة بين الاستشارة الأولى والثانية، هناك سهو في الجزء الذي يهمّ التضارب في المصالح، يعني الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عندما قدمت المقترح الأول منذ سنة ونصف تقريبًا ضمنت فقط التصريح بالمكاسب ولم تخصص جزءًا خاصًا أو مقترحًا يهم تضارب المصالح. لكن الاستشارة الثانية التي قدمها محمد عبو تفطنا فيها إلى الإضافة حول تضارب المصالح، والتي لم يكن من الممكن تجاهلها. أعطينا رأينا كالعادة بالأخذ بعين الاعتبار المعطيات التي تهم تضارب المصالح وأرسلنا الرأي المطابق لرئاسة الحكومة من جديد لإمضائه ونشره بالرائد الرسمي وتطبيقه من طرف الهيئة الوطنية بمكافحة الفساد".

وفيما يتعلق بمسألة نشر التصاريح، اعتبر رئيس هيئة حماية المعطيات الشخصية أنه يحمل "حيفًا" مضيفًا: "ليس من المعقول عدم المساواة بين الأشخاص في نشر التصاريح والاكتفاء فقط بثمانية أصناف" مشيرًا بالقول: "حسب رأيي الخاص الذي دافعت عنه في العديد من المنابر، لا فائدة من نشر التصاريح سوى التشهير. فالتصاريح يجب أن تكون موجودة عند هيئة مكافحة الفساد ولكن نشرها للعموم يعتبر تشهيرًا. ويجب أن نكرس الشفافية ولكن في نفس الوقت نحمي المعطيات الشخصية، ولكل شخص الحق في الاطلاع على تصريح من تلك التصاريح كلها بمجرّد الاتجاه إلى الهيئة". 

أمر حكومي لتنظيم عملية نشر تقارير هيئات الرقابة

في نفس السياق، صدر في نهاية جوان/يونيو 2020 أمر حكومي يتعلق بتنظيم عملية نشر تقارير هيئات الرقابة وتقارير المتابعة الصادرة عنها، وربط نشطاء بينم توقيت نشر هذا الأمر وقضية تضارب المصالح التي تعلّقت برئيس الحكومة وببعض النواب.

وينصّ الأمر في فصله الأول على أن "تتولّى كل من هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية وهيئة الرقابة العامة للمالية وهيئة الرقابة العامة لأملاك الدولة والشؤون العقارية والهيئة العامة لمراقبة المصاريف العمومية وهيئة مراقبـي الدولة والهيئة العليا للطلب العمومي نشر تقاريرها الرقابية ضمن تقارير تأليفية سنوية يتم إعدادها طبقًا للمعايير المهنية الدولية المعمول بها في مجال الرقابة وذلك في أجل أقصاه الثلاثية الثانية من السنة الموالية للسنة التي شملها التقرير. وتنشر هذه التقارير على المواقع الإلكترونية الرسمية للوزارات التي ترجع لها الهيئات المذكورة بالنظر. كما يمكن لهذه الهيئات نشر تقارير خصوصية عند الاقتضاء".

شوقي قداش: ليس من المعقول عدم المساواة بين الأشخاص في نشر التصاريح والاكتفاء فقط بثمانية أصناف

فيما نصّ الأمر في فصله الثالث على أن "تراعى عند نشر التقارير المذكورة بالفصلين الأول و2 من هذا الأمر الحكومي المبادئ والمقتضيات التالية وهي: مقتضيات الأمن العام والدفاع الوطني والعلاقات الدولية، ووضوح المعطيات المضمنة بالتقارير وقابليتها للفهم، وحماية المعطيات الشخصية، وحماية المعطيات الاستراتيجية الخاصة بالهياكل والمنشآت التـي شملتها أعمال الرقابة والمتابعة". 

وفي حديثه لـ"ألترا تونس"، أشار رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية شوقي قداس إلى أنّ الهيئة أبدت رأيها في هذا الأمر قبل صدوره وأعطت رأيها المطابق والإجراءات الواجب اعتمادها خلال نشر التقارير لضمان حماية المعطيات الشخصية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ماذا تعرف عن مشروع مجلة القضاء الإداري؟

حرب اللوائح في البرلمان.. تأكيد مواقف أم تصفية حسابات؟