22-مايو-2020

أزمة متفاقمة أثرت على إنتاجية شركة فسفاط قفصة (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

يزداد وضع شركة "فسفاط قفصة" تأزمًا عامًا بعد آخر بتعمّق مشاكلها من إضرابات وجدل انتدابات وأزمات تصرّف أثرت على التوازنات المالية للشركة ومردوديتها الإنتاجية. عملت حكومات ما بعد الثورة على التخفيف من حدّة الاحتقان في الجهة والسيطرة على غضب مواطنيها حتى على حساب التوازنات المالية للشركة، من خلال فتح باب المناظرات على مصراعيه ما أدى لارتفاع عدد عمالها من قرابة 9 آلاف عام 2010 إلى حوالي 30 ألف حاليًا.

تطرح أزمة نقل الفسفاط شبهات فساد بل وإجرام بخصوص فرضية دور الشركات الخاصة للنقل في تمديد هذه الأزمة

ولكن عجزت هذه الحكومات عن حلّ أخطر مشاكل الشركة التي أثرت على مردودية إنتاجها وهو مشكل نقل الفسفاط ما أدى إلى تراجع مساهمة قطاع المناجم إجمالًا في الناتج المحلي الإجمالي من 0.8 في المائة سنة 2010 إلى 0.5 في المائة سنة 2019.

وتطرح أزمة نقل الفسفاط شبهات فساد بل وإجرام بخصوص فرضية دور الشركات الخاصة للنقل في تمديد هذه الأزمة عبر الأعمال التخريبية للسكك الحديدية أو لقاطرات النقل على غرار حادثة حرق قاطرة ومحاولة حرق أخرى خلال الأيام الماضية.

أرقام حول معضلة نقل الفسفاط

تعاني شركة فسفاط قفصة معضلة مستمرّة منذ سنوات في نقل المادة المستخرجة لا سيما نحو المجمع الكيميائي، بسبب تعطل النقل عبر السكك الحديدية بسبب الاعتصامات من جهة أو بسبب محدودية حجم الكميات المنقولة وهو ما يؤدي إلى الاستعانة بشاحنات الخواص لأداء هذه المهمة.

اقرأ/ي أيضًا: ملف خاص: "الأليكا".. وجهات نظر متباينة

وتراجعت كمية الفسفاط المنقولة بواسطة القاطرات، وفق آخر المعطيات الرسمية، من 7.3 مليون طن سنة 2010 إلى 3 مليون طن سنة 2019. فيما ارتفعت الكميات المنقولة عبر الشاحنات من 240 ألف طن سنة 2010 إلى 1.4 مليون طن سنة 2019.  ولكن ظلت كمية بحجم 3 مليون طن من فسفاط الحوض المنجمي دون نقل ما أدى بالتتابع إلى انخفاض كبير في إنتاجية الشركة.

ولا تتحمل السكة الحديدية بين قفصة وقابس أكثر من 5 قطارات في اليوم، وهي تتكفل بنقل مليون طن في السنة فيما لا تزال السكة الحديدية بين الرديف والمتلوي على مستوى جبل ثالجة مقطوعة منذ فيضانات 2017.

ولمواجهة أزمة النقل، أبرمت تونس سنة 2016 صفقة لشراء 20 قاطرة من مزود أمريكي، وأعلنت وزارة النقل وقتها أنّ هذه الصفقة ستمكن من نقل الفسفاط باستعمال السكك الحديدية بشكل كلي. وقد تسلمت الشركة الوطنية للسكك الحديدية 10 قاطرات من المصنع الأمريكي الكترو موتيف ديزل كدفعة أولى.

أعمال تخريبية

تتعرض السكك الحديدية، في المقابل، إلى أعمال تخريبية بصفة مستمرة بسبب بناء جدران خلال الاعتصامات لمنع القاطرات من المرور إلى المجمع الكيميائي، وطالت مؤخرًا الأعمال التخريبية القاطرات على غرار ما جد يوم 15 ماي/أيار 2020 من حرق قاطرة لنقل الفسفاط في المظيلة تبلغ قيمتها 7 مليون دينار لتفتح فرقة الأبحاث والتفتيش بالحرس الوطني تحقيقًا في الغرض.

تتعرض السكك الحديدية المخصصة لنقل الفسفاط إلى أعمال تخريبية بصفة مستمرة 

وقد أكدت شركة فسفاط قفصة أن المعاينات الفنية الأولية تبين وجود "قرائن قوية تدعم شبهة الفعل الإجرامي بصيغة الحرق المتعمد" للقاطرة إثر معاينة وجود خلع في خزان القاطرة ومشاهدة الحراس لأشخاص حاملين لعجلات مطاطية قبيل الحادثة.

وبعيد أيام، تم فتح بحث تحقيقي آخر إثر محاولة حرق قاطرة بمستودع صيانة وإصلاح قاطرات تابعة لشركة فسفاط قفصة من قبل شابين تم التفطن إليهما من قبل أعوان حراسة.

وقد رجح البعض أن يكون الهدف من تخريب القاطرات والسكك الحديدية فسح المجال أمام الشركات الخاصة لنقل الفسفاط ليعود للسطح الحديث عن ملفات الفساد في هذا القطاع. إذ اعتبر الناشط السياسي طارق الكحلاوي أن المشتبه فيهم الأول في عملية الحرق هم المستفيدون من نقل الفسفاط. فيما وصف سمير عبد الله، القيادي السابق في حزب تحيا تونس، حرق القاطرة بأنه "خيانة وطنية وإرهاب في حق الدولة والشعب". من جهته، طالب النائب عن حركة أمل وعمل ياسين العياري، في رسالة إلى وزير الدفاع عماد الحزقي، دراسة إمكانية تأمين نقل الفسفاط من قبل الجيش التونسي

شركة فسفاط قفصة توضّح

بخصوص هذا الملف، تواصل "ألترا تونس" مع المكلف بالإعلام في شركة فسفاط قفصة علي الهوشاتي الذي اعتبر أن أي أعمال تخريبية قد تلحق بالسكك أو القاطرات أو أي منشئات عمومية هي محل أبحاث قضائية ستكشف المورطين. 

المكلف بالإعلام في شركة فسفاط قفصة: لا توجد بارونات لنقل الإنتاج كما يزعم البعض 

وحول فرضية تورّط شركات النقل الخاص في أعمال التخريب، أشار إلى أنّ العديد يتحدّث عن محاولة سيطرة هذه الشركات على نقل الفسفاط ولكن لا توجد بارونات لنقل الإنتاج كما يزعم البعض وفق قوله.

وأضاف أنّه وفق المعمول به في كلّ القطاعات، فإنّه يقع اعتماد تراتيب الصفقات العمومية في اختيار هذه الشركات، موضحًا أن شركة السكك الحديدية لا تتحمل نقل أكثر من 6 قاطرات في اليوم لذا يتم اللجوء إلى نقل الفسفاط عبر شاحنات تعود إلى 4 شركات خاصة.

اقرأ/ي أيضًا: هل تدفع أزمة كورونا تونس إلى مزيد التفكير في أمنها الغذائي؟

الشركات الخاصة أكبر مستفيد

نشرت منظمة "أنا يقظ"، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، تقريرًا أشارت فيه إلى أنّ الشركات الخاصة غنمت النصيب الأكبر من عائدات نقل الفسفاط. إذ من مجموع 378 مليون دينار قيمة صفقات نقل الفسفاط بين 2011 و2017، غنمت الشاحنات الخاصة 43 في المائة على حساب الناقليْن العموميين أي الشركة التونسية لنقل المواد المنجمية بنسبة 32 في المائة والشركة الوطنية للسكك الحديدية بنسبة 24 في المائة.

وبيّنت أنّه تكفّلت 32 شركة خاصة بنقل الفسفاط عبر الشاحنات من الحوض المنجمي إلى صفاقس وقابس في الفترة الممتدة بين 2011 و2017، محققة مداخيل بـ164 مليون دينار، وفق وثائق رسمية حصلت عليها "أنا يقظ" من شركة فسفاط قفصة والشركة الوطنية للسكك الحديدية.

 هناك من تحدث صراحة عن وجود احتجاجات مدفوعة الأجر من بعض أصحاب الشاحنات الخاصة وراء تعطيل الخط 13 على مستوى معتمدية منزل بوزيان

وقد حقّقت شركة "الإخوة رضواني لنقل البضائع SOFRATRAM" أعلى عائدات في نقل الفسفاط بلغت 31،4 مليون دينار وذلك إثر إمضائها لعقود مع شركة فسفاط قفصة بين 2011 و2017 تلاها مجمع الشركات الذي يشارك فيه النائب عن حركة "تحيا تونس" عن دائرة قفصة لطفي علي بإيرادات تجاوزت 23 مليون دينار. أما أضعف المداخيل من نصيب مجمع يضم أربع شركات بعقد قيمته 440 ألف دينار في جوان/يونيو 2017.

على صعيد آخر، أشارت المنظمة إلى أنّه بالتوازي مع هذه الصفقات المُبرمة بين شركة فسفاط قفصة والعشرات من الشركات الخاصة، كان النصيب الضعيف للشاحنات العمومية في نقل الفسفاط، وقدرت عائداته بـ122 مليون دينار بين 2011 و2017.

أما عن إمكانية ضلوع بعض الشركات الخاصة لنقل الفسفاط في تخريب القاطرات أو السكك الحديدية، فحسب أنا يقظ " تواترت اتهامات العديد من المستجوبين لبعض المستثمرين وعلى رأسهم نائب عن مدينة قفصة باستعمال ورقة الاحتجاجات لتعطيل القطار. البعض أشار الى لجوء النائب لطفي علي لشراء ذمم محتجين لمنع مرور القطار، بل هناك من تحدث صراحة عن وجود احتجاجات مدفوعة الأجر من بعض أصحاب الشاحنات الخاصة وراء تعطيل الخط 13 على مستوى معتمدية منزل بوزيان".

 

اقرأ/ي أيضًا:

فوزية باشا: 673 مليون دولار ديون الشركات الأجنبية النفطية لصالح تونس (حوار)

هل يستنزف الاستثمار الفلاحي الأجنبي الثروة المائية في تونس؟