13-يوليو-2020

جزء من حكومة الفخفاخ يوم حصولها على مصادقة مجلس النواب في 27 فيفري الماضي (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

عاد الحديث عن إسقاط حكومة إلياس الفخفاخ إلى الواجهة خلال الأيام الأخيرة في تونس، خاصة بعد صدور مخرجات مجلس شورى حركة النهضة، مساء الأحد 12 جويلية/ يوليو 2020، والتي جاء فيها إقرار تكليف رئيس الحركة راشد الغنوشي للانطلاق في مشاورات مع رئيس الجمهورية قيس سعيّد وبقية الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية للتوصل لاتفاق حول مشهد حكومي جديد.

وورد عن مجلس الشورى أيضًا "اعتبار أن الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الراهنة في البلاد لا يمكن أن تتصدى لها حكومة تُلاحق رئيسها شبهات تضارب مصالح"، في إشارة طبعًا لشبهة تضارب المصالح والفساد التي تواجه إلياس الفخفاخ.

في هذا السياق، ينص الدستور التونسي على عدد من السيناريوهات التي قد تؤدي لتغيير رئيس الحكومة. وإليكم عرضًا موجزًا لها:


  • السيناريو الأول

يتمثل السيناريو الأول في تقديم رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ لاستقالته وفي هذه الحالة تعني استقالته استقالة الحكومة كاملة ويكون حينها لرئيس الجمهورية أحقية أن يختار من جديد الشخصية الأقدر لخلافة رئيس الحكومة المستقيل، وفق ما ينص عليه الفصل 98 من الدستور التونسي.

وقد جاء في الفقرة الأولى من هذا الفصل "تُعَدّ استقالة رئيس الحكومة استقالة للحكومة بكاملها. وتقدم الاستقالة كتابة إلى رئيس الجمهورية الذي يُعلم بها رئيس مجلس نواب الشعب".

وهو سيناريو غير متوقع نظرًا لتأكيدات رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ المتتالية صحة الإجراءات التي قام بها في علاقة بالشركات التي يملك أسهمًا فيها وهي على تعامل مع مؤسسات الدولة أو حتى في بقية الملفات التي كُشفت مؤخرًا وتنظر فيها حاليًا لجنة تحقيق برلمانية إضافة إلى مسارات تحقيق أخرى إدارية وقضائية.

  • السيناريو الثاني

في السيناريو الثاني المطروح، يتوجه رئيس الحكومة إلى البرلمان لطلب تجديد الثقة، ويكون الأمر بيد البرلمان إما عبر تجديد الثقة له أو سحبها. وقد شهدت تونس سيناريو مماثلًا مع رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد، الذي توجه نحو تفعيل هذا الطرح، الذي تنص عليه الفقرة الثانية من الفصل 98 من الدستور، والتي ورد فيها "يمكن لرئيس الحكومة أن يطرح على مجلس نواب الشعب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها، ويتم التصويت بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس نواب الشعب، فإن لم يُجدد المجلس الثقة في الحكومة اعتبرت مستقيلة".

يدرك رئيس الحكومة أنه لا يحظى حاليًا بدعم أكبر كتلة في البرلمان إضافة إلى معارضة شديدة لحكومته من كتلتي قلب تونس وائتلاف الكرامة وبالتالي فإن عرض حكومته على تجديد الثقة في البرلمان مغامرة مفخخة قد تعصف بها

يُذكر أنه في وضعية رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد، فإن البرلمان رفض تجديد الثقة له ولحكومته. ومن جديد يعود الخيار لرئيس الجمهورية لتكليف "الشخصية الأقدر لتكوين حكومة طبق مقتضيات الفصل 89 من الدستور". 

وفي وضعية الحال، لا يبدو أن هذا السيناريو مرجحًا أيضًا، إذ يدرك رئيس الحكومة الحالي أنه لا يحظى حاليًا بدعم أكبر كتلة في البرلمان، كتلة حركة النهضة بـ54 نائبًا، إضافة إلى معارضة شديدة لحكومته من كتلتي قلب تونس 27 نائبًا وائتلاف الكرامة 19 نائبًا وبالتالي فإن عرض حكومته على تجديد الثقة في البرلمان مغامرة مفخخة قد تعصف بها مباشرة.

  • السيناريو الثالث

من المُتوقع أن يكون هذا السيناريو الأقرب في الوضعية الراهنة. ويتعلق السيناريو الثالث بتقديم عدد من النواب للائحة سحب ثقة من رئيس الحكومة وفق ما ينص عليه الفصل 97 من الدستور، وهو سيناريو أكثر تعقيدًا، إذ يتم سحب الثقة في هذه الحالة وفق مراحل.

في المرحلة الأولى، يتم تقديم لائحة لسحب الثقة من طرف 73 نائب على الأقل. بعد 15 يومًا من إمضائها وإيداعها لدى مكتب مجلس نواب الشعب، يتم عرضها على التصويت في الجلسة العامة ولابد أن تحظى حينها بمصادقة 109 نائباً لسحب الثقة من رئيس الحكومة ولابد أيضًا، وفي ذات التصويت، تعيين رئيس حكومة جديد يحظى من جانبه بدعم 109 نائبًا في ذات الجلسة العامة.

أما إذا لم تتحصل لائحة سحب الثقة على أصوات 109 نائبًا فإن رئيس الحكومة الحالي يواصل مهامه بشكل عادي، وإذا سُحبت منه الثقة، فإن رئيس الحكومة الجديد المكلّف في ذات الجلسة، ينطلق في مشاورات تكوين حكومة جديدة.

ويتدخل رئيس الجمهورية من جديد في حال فشلت مباحثات رئيس الحكومة المكلّف وذلك وفق ما ورد في الفصل 89 من الدستور، "..عند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، يقوم رئيس الجمهورية في أجل عشرة أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر".

لائحة سحب ثقة من الحكومة تحمل أساسًا تصويت نواب النهضة وائتلاف الكرامة وقلب تونس هي من السيناريوهات القائمة لكنها لا تخلو من مخاطرة وتتطلب اتفاقات واسعة وصعبة داخل البرلمان

وإليكم الفصل 97 من الدستور: "يُمكن التصويت على لائحة لوم ضد الحكومة، بعد طلب معلل يقدم لرئيس مجلس نواب الشعب من ثلث الأعضاء على الأقل. ولا يقع التصويت على لائحة اللوم إلا بعد مُضيّ خمسة عشر يومًا على إيداعها لدى رئاسة المجلس. ويشترط لسحب الثقة من الحكومة موافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس، وتقديم مرشح بديل لرئيس الحكومة يُصادَق على ترشيحه في نفس التصويت، ويتمّ تكليفه من قبل رئيس الجمهورية بتكوين حكومة طبق أحكام الفصل 89. في صورة عدم تحقق الأغلبية المذكورة، لا يمكن أن تقدم لائحة اللوم مجددًا ضد الحكومة إلا بعد مُضي ستة أشهر..".

وإن كان هذا السيناريو الأقرب وفق التوازنات الراهنة في المشهد السياسي التونسي، عبر لائحة سحب ثقة تحمل أساسًا تصويت نواب النهضة وائتلاف الكرامة وقلب تونس (100 نائب)، فإنه لا يخلو من مخاطرة ويتطلب اتفاقات واسعة وصعبة بين الكتل المذكورة ونواب آخرين مستقلين أو من كتل أخرى للحصول على دعم الأغلبية المطلقة 109 صوتًا لتمرير اللائحة في الجلسة العامة واسم المرشح الجديد لرئاسة الحكومة. 

  • السيناريو الرابع

يستند هذا السيناريو للفصل 99 من الدستور، وهنا يتدخل رئيس الجمهورية في  عزل رئيس الحكومة إذ يطلب رئيس الجمهورية في هذه الحالة من مجلس نواب الشعب تجديد ثقته من عدمها في رئيس الحكومة. ويعود الأمر لمجلس النواب إما بتجديد الثقة لرئيس الحكومة بـ109 صوتًا أو برفض ذلك. ومن جديد، تعود أحقية التصرف لرئيس الجمهورية الذي سيقترح شخصية أخرى لرئاسة الحكومة من جديد.

وينص الفصل 99 على التالي "لرئيس الجمهورية أن يطلب من مجلس نواب الشعب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها، مرتين على الأكثر خلال كامل المدة الرئاسية، ويتم التصويت بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس نواب الشعب، فإن لم يجدد المجلس الثقة في الحكومة اعتبرت مستقيلة، وعندئذ يُكلف رئيس الجمهورية الشخصية الأقدر لتكوين حكومة في أجل أقصاه ثلاثون يومًا طبقًا للفقرات الأولى والخامسة والسادسة من الفصل 89…".


يُذكر أن مجلس نواب الشعب قد صادق يوم 27 فيفري/شباط 2020، على منح الثقة لحكومة إلياس الفخفاخ بعد تحصيلها على الأغلبية البرلمانية إثر تصويت 129 نائبًا لفائدتها مقابل معارضة 77 نائبًا وامتناع نائب وحيد.  وتكونت الحكومة حينها من ائتلاف يضمّ 6 أحزاب هي حركة النهضة، والتيار الديمقراطي، وحركة الشعب، وحركة "تحيا تونس، وحزب البديل التونسي وحركة نداء تونس. بينما عارضت هذه الحكومة كتل قلب تونس، ائتلاف الكرامة والحزب الدستوري الحر.

وضمت الحكومة 32 عضوًا (وزيران برتبة وزير دولة، و28 وزيرًا، وكتابتي دولة) من بينهم 6 نساء منهنّ أول وزيرة للعدل في تاريخ تونس وهي ثريا الجريبي. وتوزّع أعضاء الحكومة بين 17 مستقلًا و15 متحزبًا بتوزيع 6 وزراء من النهضة، و3 من التيار الديمقراطي، ووزيرين من كل من حركة الشعب وحركة "تحيا تونس"، وزير وحيد من كل من حزبي البديل التونسي وحركة نداء تونس.

هي سيناريوهات متنوعة قد تؤدي على اختلافها لإسقاط حكومة الفخفاخ، وقد اجتمعت في تمكينها الكتل ذات الحجم الأبرز برلمانيًا (النهضة في هذه الوضعية) وأيضًا رئيس الجمهورية من هامش التصرف الأكبر، لكنه يبقى هامشًا ضيقًا أمام النهضة، وقد ساهم في ذلك تشتيت النتائج خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة وتقلب مواقف الكتل والنواب حسب حسابات مختلفة بين فترة وأخرى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

اجتماع المجلس الأعلى للجيوش والقيادات الأمنية.. هل تم إقصاء راشد الغنوشي؟

شبهات تضارب المصالح.. جدل "الفصل 20" وترقب لأمر نشر التصاريح للعموم