13-يناير-2023
 احتجاجات في تونس ديسمبر 2022

صورة من احتجاجات في تونس في ديسمبر 2022 (ياسين محجوب/Nurphoto)

 

أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" مؤخرًا تقريرها حول تقييم سنة 2022 في عديد الدول حول العالم ومن بينها تونس. وأكدت المنظمة الحقوقية الدولية وغير الحكومية التي تأسست سنة 1978، أن "الانتهاكات الحقوقية الجسيمة استمرت في تونس وشملت القيود على حرية التعبير والعنف ضد النساء والقيود التعسفية بموجب قانون حالة الطوارئ".

"هيومن رايتس ووتش: "الانتهاكات الحقوقية الجسيمة استمرت في تونس وشملت القيود على حرية التعبير والعنف ضد النساء والقيود التعسفية بموجب قانون حالة الطوارئ"

وأضافت، في ذات التقرير، أن "السلطات التونسية اتخذت مجموعة من الإجراءات القمعية ضد المعارضين والمنتقدين والشخصيات السياسية، بما يشمل إجبارهم على عدم تغيير إقامتهم، وإخضاعهم لمنع السفر ومحاكمتهم - أحيانًا في محاكم عسكرية - لانتقادهم العلني للرئيس أو القوات الأمنية أو مسؤولين آخرين".

وذكّر تقرير المنظمة الحقوقية بمتابعة الرئيس التونسي قيس سعيّد، خلال هذه السنة، العمل بخارطة الطريق السياسية التي أعلنها عبر إجراء استفتاء دستوري في 25 جويلية/يوليو وانتخابات تشريعية مبكرة في 17 ديسمبر/كانون الأول وقبلهما استشارة إلكترونية.

"هيومن رايتس ووتش: "عملية الإصلاح الدستوري كانت غير شفافة وقاطعها جزء كبير من المعارضة والمجتمع المدني والدستور الجديد منح الرئيس سلطات شبه مطلقة دون حماية قوية لحقوق الإنسان"

لكنها اعتبرت أن "عملية الإصلاح الدستوري كانت غير شفافة وقاطعها جزء كبير من المعارضة والمجتمع المدني" وتابعت أن "الدستور الجديد، الذي نال الموافقة في 26 جويلية/يوليو، منح الرئيس سلطات شبه مطلقة دون حماية قوية لحقوق الإنسان".

 

 

1 ـ الدستور الجديد:

تقول المنظمة الحقوقية في هذا السياق إن الدستور الجديد اعتُمد بنسبة مشاركة لم تتجاوز 30.5⁒، ودخل حيز النفاذ في 17 أوت/أغسطس بعد إعلان النتائج النهائية.

وتوضح "نصّ الدستور الجديد على نظام رئاسي شبيه لما كانت عليه تونس قبل 2011، وركّز السلطات في يد الرئيس. كما أنشأ غرفة برلمانية ثانية إلى جانب "مجلس نواب الشعب"، تتكون من أعضاء منتخبين من قبل مجالس الجهات والأقاليم بدلًا من الاقتراع العام. وقلّص النصّ بشكل كبير من دور البرلمان مقارنة بدستور ما بعد الثورة".

هيومن رايتس ووتش: نصّ الدستور الجديد على نظام رئاسي شبيه لما كانت عليه تونس قبل 2011، وركّز السلطات في يد الرئيس وتضمّن العديد من الحقوق، لكنّه قضى على الضوابط والتوازنات اللازمة لحمايتها، ولم يضمن بالكامل استقلالية القضاء

وتابعت "تضمّن الدستور الجديد العديد من الحقوق، لكنّه قضى على الضوابط والتوازنات اللازمة لحمايتها، ولم يضمن بالكامل استقلالية القضاء و"المحكمة الدستورية" التي لم تر النور بعد".

يذكر أن "المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب" كانت قد أصدرت في سبتمبر/أيلول 2022، حُكما مهما نصّ على أنّ الإجراءات التي اتخذها سعيّد كانت غير متناسبة، وأمرت بإلغاء العديد من المراسيم، بما في ذلك المرسوم الذي عطّل العمل بالجزء الأكبر من دستور 2014، وأمرت بإنشاء المحكمة الدستورية في غضون عامين. 

 

 

2- القضاء

في هذا المجال، ذكرت هيومن رايتس ووتش أنه قد تم في 12 فيفري/شباط 2022، حلّ المجلس الأعلى للقضاء، "في خطوة قوّضت استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية". وكان هذا المجلس أعلى هيئة قضائية في البلاد، ومهمته الإشراف على تعيين القضاة وتأديبهم وترقيتهم. واستبدله الرئيس بهيئة مؤقتة عيّن هو جزءًا من أعضائها ومنح نفسه سلطة التدخل في تعيين القضاة ووكلاء الجمهورية وفي مساراتهم المهنية وإقالتهم، وفق ذات التقرير.

هيومن رايتس ووتش: أصدر سعيّد مرسومًا قوّض استقلالية القضاء بشكل أكبر ومنحه سلطة عزل القضاة بإجراءات موجزة وبموجب المرسوم نفسه عزل 57 قاضيًا

وقد حرم الدستور الجديد القضاة من حق الإضراب. لكن أهم حدث قضائي كان إصدار سعيّد مرسومًا، في 1 جوان/يونيو 2022، "قوّض استقلالية القضاء بشكل أكبر ومنحه سلطة عزل القضاة بإجراءات موجزة. وبموجب المرسوم نفسه، عزل 57 قاضيًا بتهمة الفساد وعرقلة التحقيقات".

يُذكر أنه، في 10 أوت/أغسطس الماضي، علّقت المحكمة الإدارية قرار الرئيس بشأن 49 من أصل 57 قاضيًا، وأمرت بإعادتهم إلى مناصبهم لكن لم تنفذ السلطات هذا القرار بعد.  

 

 

3ـ الانتخابات

تعرضت المنظمة الحقوقية الدولية لما أطلقت عليه "تفكيك" سعيّد عددًا من المؤسسات الوطنية، بما في ذلك هيئة الانتخابات (الهيئة العليا المستقلة للانتخابات) التي أعاد هيكلتها ثلاثة أشهر فقط قبل الاستفتاء إذ أصدر سعيّد مرسومًا غيّر بموجبه تركيبة الهيئة، ومنح لنفسه صلاحية التدخل في تسمية كل أعضائها.

وقبل الانتخابات التشريعية بثلاثة أشهر، عدّل القانون الانتخابي دون أي مشاورات أو نقاشات عامة. يقلّص "المرسوم عدد 55-2022"، الصادر في 15 سبتمبر/أيلول، عدد أعضاء البرلمان من 217 إلى 161، ويسمح للمقترعين بالتصويت على المترشحين الأفراد بدلاً من القائمات الحزبية، وهو تغيير يهدف إلى تقليص تأثير الأحزاب السياسية، بحسب مراقبين. وألغى القانون الجديد أيضًا مبدأ التناصف الجندري لضمان مشاركة متساوية للمرأة.

 

 

4 ـ الحريات

أكدت "هيومن رايتس ووتش" أن تونس شهدت تراجعًا كبيرًا في حرية التعبير والصحافة، وأوضحت، في تقريرها، أن السلطات التونسية قامت بـ"مضايقة واعتقال ومحاكمة النشطاء والمعارضين السياسيين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بتهم تتعلق بالتعبير، بما في ذلك انتقاد الرئيس سعيّد وقوات الأمن والجيش. وبعضهم حوكم في محاكم عسكريّة".

في سبتمبر 2022، أصدر سعيّد مرسومًًا جديدًا يتعلق بـ"مكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال" ويُعرف بالمرسوم 54، "يُمكن أن يقيّد بشدّة حريّة التعبير والصحافة والحق في الخصوصية"

ووفقًا للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، شهد العام الماضي ارتفاعًا في مضايقة الصحفيين واحتجازهم بسبب عملهم، وصار الوصول إلى المعلومات أكثر صعوبة. وفي 2022، تراجعت تونس في مؤشر حرية الصحافة لـ "مراسلون بلا حدود" من المرتبة 73 إلى المرتبة 94.

وفي 16 سبتمبر/أيلول 2022، أصدر الرئيس سعيّد مرسومًًا جديدًا يتعلق بـ"مكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال"، ويُعرف بالمرسوم 54، "يُمكن أن يقيّد بشدّة حريّة التعبير والصحافة والحق في الخصوصية"، وفق تقرير ذات المنظمة.

في سياق متصل، منعت قوات الأمن بشكل متكرر عدة مظاهرات من خلال منع الوصول إلى أماكن معيّنة، واستخدمت القوة المفرطة لتفريق المتظاهرين، بما في ذلك يوم 14 جانفي/يناير، في ذكرى ثورة 2011، لما منعت السلطات التجمعات العامة لأسباب صحيّة، وفي 22 جويلية/يوليو، أثناء مظاهرة ضدّ الاستفتاء الدستوري، كما نقلت "هيومن رايتس ووتش".

منعت قوات الأمن في توسن سنة 2022 بشكل متكرر عدة مظاهرات من خلال منع الوصول إلى أماكن معيّنة واستخدمت القوة المفرطة لتفريق المتظاهرين

كما فرضت السلطات خلال السنة 2022، العشرات من قرارات حظر السفر التعسفي دون إشراف قضائي، مما قيّد حرية تنقل الناس. وذكرت المنظمة الحقوقية كمثال ما حصل من منع النائبتين السابقتين سيدة الونيسي وجميلة كسيكسي من مغادرة تونس.

 

 

5 ـ حقوق المرأة

أكدت "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها أن الرئيس سعيّد "لم يفعل شيئًا يُذكر للنهوض بحقوق المرأة. رغم أنّ تعيينه لنجلاء بودن كرئيسة حكومة في 2021 يُعتبر سابقة في شمال أفريقيا، إلا أنه لم يمنحها أي استقلالية سياسية تُذكر".

وأوضحت أنه "يستمر القانون التونسي في التمييز ضدّ المرأة في حقوق الميراث، وتفتقر تونس إلى سياسة تحمي حق الفتيات الحوامل في التعليم، مما يتسبب في إنفاذ غير منتظم لحقوقهن في التعليم عندما يفرض عليهنّ مسؤولو المدارس قيودًا تعسفية".

هيومن رايتس ووتش: قد تُستخدم بعض أحكام الدستور الجديد لتبرير فرض قيود على الحقوق، وخاصة حقوق المرأة، بناءً على تأويلات الشريعة، كما فعلت دول أخرى في المنطقة

وتابعت "رغم اعتماد قانون مكافحة العنف ضد المرأة في 2017، الذي نصّ على خدمات دعم جديدة وآليات وقاية وحماية للضحايا، إلا أنّ هناك العديد من أوجه القصور في تنفيذه، لا سيما في الطريقة التي تعالج بها الشرطة والسلطة القضائية شكاوى العنف الأسري. ويظل نقص التمويل الحكومي لإنفاذ القانون ثغرة كبيرة، وكذلك قلّة مراكز الإيواء التي تأوي النساء اللاتي لا يجدن مكانا يلجأن إليه. وقد تسبّب حلّ الرئيس سعيّد للبرلمان في منعه من مناقشة أو اعتماد أي تشريع من شأنه تعزيز حقوق المرأة".

وذكرت المنظمة أن دستور 2022 وإن أبقى على بعض أحكام دستور 2014، ونصّ على أن النساء والرجال "متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون دون أيّ تمييز"، إلا أنه نص على أنّ "تونس جزء من الأمة الإسلامية" وأنّ الدولة مسؤولة على تحقيق مقاصد الإسلام (الفصل 5). وقد تُستخدم هذه الأحكام لتبرير فرض قيود على الحقوق، وخاصة حقوق المرأة، بناءً على تأويلات الشريعة، كما فعلت دول أخرى في المنطقة، وفق تقدير المنظمة.   

6 ـ التوجه الجنسي والهوية الجندرية

ذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها المذكور حول تونس أن الفصل 230 من "المجلة الجزائية" (قانون العقوبات) يعاقب السلوك الجنسي المثلي بالتراضي بين الرجال والنساء بالسَّجن حتى 3 سنوات.

"هيومن رايتس ووتش" : الفصل 230 من "المجلة الجزائية" يعاقب السلوك الجنسي المثلي بالتراضي بين الرجال والنساء بالسَّجن حتى 3 سنوات

وشددت على أن "الأطراف التابعة للدولة في تونس قد قوضت حق المثليين/ات، ومزدوجي/ات التوجه الجنسي، ومتغيري/ات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم) في الخصوصية من خلال الاستهداف الرقمي.

ووثقت "هيومن رايتس ووتش" حالات أدى فيها الاستهداف الرقمي الحكومي إلى قمع تنظيم مجتمع الميم، فضلاً عن الاعتقالات التعسفية. نتيجة للمضايقات على الإنترنت، أفاد أفراد من مجتمع الميم أنهم أُجبروا على تغيير أماكن إقامتهم وأرقام هواتفهم، وحذف حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، والفرار من البلاد بسبب خطر الاضطهاد، وخضوعهم لعواقب وخيمة على الصحة النفسية، وفق ما نقلته المنظمة الحقوقية. وهنا رابط التقرير كاملًا: هنا