07-أغسطس-2022
أي مستقبل للأحزاب السياسية تونس

محلل سياسي لـ"الترا تونس": الأحزاب هي أعلى مراحل التنظم المدني وستبقى فاعلة (صورة توضيحية/ ياسين القايدي/ الأناضول)

 

مع مضيّ الرئيس التونسي قيس سعيّد قدمًا في تنفيذ مشروعه السياسي الجديد الذي يمثل ترجمة لرؤيته وأفكاره المناهضة للديمقراطية التمثيلية، تعاظمت المخاوف على مستقبل الأحزاب التي هُمشت منذ مسار 25 جويلية/ يوليو 2021، وما تلاه من محطات مهمة كالاستشارة الإلكترونية وصياغة الدستور والاستفتاء عليه. 

ومع اتضاح معالم مشروع سعيّد، والشروع في الحديث عن تغيير القانون الانتخابي وعن نظام الاقتراع على الأفراد، بدأ الحديث عن التأسيس لمرحلة جديدة لا مكان للأحزاب فيها بما يشكل تهديدًا جديًا لتواجد الأحزاب في الساحة السياسية في المرحلة المقبلة. 

الحديث عن التأسيس لمرحلة جديدة لا مكان للأحزاب فيها بات يشكل تهديدًا جديًا لحضور الأحزاب على الساحة السياسية في المرحلة القادمة

ولئن يوضح أنصار الرئيس سعيّد أن "البناء القاعدي" نهج جديد لممارسة الديمقراطية، فإن الأحزاب السياسية تعتبره خطرًا على مستقبل الحياة السياسية وتجاوزًا للمنظومة الحزبية. وعلى الرغم من أهمية الأحزاب في اللعبة الديمقراطية فإن الشعب التونسي قد لفظها، ويتجلى ذلك بالتصويت العقابي للناخب التونسي في الانتخابات التشريعية والرئاسية، وهو ما يؤكد أن وضعية الأحزاب التونسية هي نتاج العديد من العوامل من بينها فقدان المواطنين لثقتهم فيها. 

فما هو مستقبل الأحزاب التونسية؟ وهل انتهى فعلًا دور الأحزاب السياسية؟ وكيف سيكون دور الأحزاب في الاستحقاق الانتخابي المقبل؟

  • "الأحزاب هي العمود الفقري لكل ديمقراطيات العالم"

اعتبر الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي أنه "بصفة عامة لا يمكن الحديث عن نظام ديمقراطي بدون أحزاب سياسية، أي أن الأحزاب هي العمود الفقري لكل ديمقراطيات العالم. وبذلك، من يعتقد أن زمن الأحزاب انتهى فلا يمكن أن يكون إنسانًا مؤمنًا بالديمقراطية"، وفيما يتعلق بالأحزاب ما بعد 25 جويلية/ يوليو، يرى الشواشي أن الأحزاب مازالت تحظى بمكانة ودور هام لأن معظمها تدافع عن الديمقراطية وعن النظام الجمهوري وعن الرأي والرأي المخالف كما تدافع عن الحقوق و الحريات.

غازي الشواشي لـ"الترا تونس": المعارضة شريكة في الفشل لأنها لم تنجح في تغيير الأوضاع، ومن يسعى لحذف الأحزاب هو ضد الديمقراطية ويعمل للعودة لفترة الحكم الواحد

وفي حديثه لـ"الترا تونس"، قيّم غازي الشواشي أداء الأحزاب في المرحلة السابقة بـ"المتواضع"، خاصة الأحزاب التي حكمت وفشلت على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. كما اعتبر أن المعارضة التونسية شريكة في الفشل، لأنها لم تنجح في تغيير الأوضاع ولم تفرض مشاريعها وخطابها ورؤاها، لكنه يرى أن مرحلة كل انتقال ديمقراطي في العالم تمر بعقبات وصعوبات ونكسات، وهذا هو حال التجربة الديمقراطية في تونس التي أخفقت في العديد من المحطات لكنها حققت أيضًا نجاحات، معتبرًا أن 10 سنوات مرحلة قصيرة لا يمكن أن تقيّم التجربة الديمقراطية في تونس، وفقه.

وشدد الشواشي على أن المسار الديمقراطي متواصل وأنّ الأحزاب لها وجود ومتمسكة بالديمقراطية، وأن من يسعى لحذف الأحزاب هو ضد الديمقراطية ويعمل للعودة لفترة الحكم الواحد، مضيفًا "هؤلاء هم أنصار الرئيس سعيّد الذي يرفض الأحزاب وفي الوقت نفسه يعمل بالتنسيقيات.. ما هي هذه التنسيقيات؟ هي حزب غير معلن، وما هو الحزب؟ هو تنظيم ومجموعة تلتقي على مشروع وتسعى إلى الوصول إلى الحكم لتطبيق مشروعها.. هذا مفهوم الأحزاب السياسية التي يجب أن تعلن عن نفسها، لكنّ تنسيقيات قيس سعيّد هي حزب فوضوي ويعتقد أنه يمثّل الديمقراطية المباشرة بها ويحكم بها".

ولفت المتحدث إلى ضرورة قيام الأحزاب السياسية الموجودة في البرلمان والتي شاركت في الانتخابات ولها رصيد نضالي -وليس "الأحزاب الأشباح" التي تظهر يوميًا- بمراجعاتها ونقدها الذاتي، للوقوف على أسباب تراجعها، بالإضافة إلى تشبيب صفوفها وتغيير خطابها من أجل ممارسة السياسة على أسس سليمة، وحتى تكون عنصرًا مساهمًا لتحقيق انتقال ديمقراطي ناجح.

وبيّن غازي الشواشي أن حزبه وكل الأحزاب الديمقراطية، رافضة لمسار قيس سعيّد منذ 25 جويلية/ يوليو، وخاصة منذ صدور الأمر 117 في 22 سبتمبر/ أيلول، معتبرًا أنه مسار غير دستوري، وأنه سبق للتيار أن رفض الاستشارة الإلكترونية واللجنة الاستشارية والاستفتاء والدستور الذي يكرّس للحكم الواحد. وبالتالي، فهو يرفض بقية المشوار ويرفض القانون الانتخابي الذي سيفرض بالقوة وخارج أي إطار تشاركي.

غازي الشواشي لـ"الترا تونس": نرفض القانون الانتخابي الذي سيفرض بالقوة بعيدًا عن التشاركية، وتنسيقيات سعيّد هي حزب فوضوي يعتقد أنه يمثّل الديمقراطية المباشرة

وذكّر الشواشي بتصريحات الرئيس سعيّد التي قال فيها إن منظومة الأحزاب السياسية انتهت وبأنه يؤمن بالبناء القاعدي وأنّه على النائب أن يستمد شرعيته مباشرة من الشعب وليس من الأطراف التي اختارته أي الأحزاب السياسية، وبالتالي ستكون الانتخابات على قائمات فردية، والأفراد تمثل أنفسها وليس الأحزاب، وهذا بالضرورة سيهمش الأحزاب السياسية وستكون نتيجته برلمان مشتت لا يحتوي على أغلبية واضحة المعالم والهوية، وفقه.

وتابع الشواشي: "الرئيس سعيّد له رغبة مقصودة في تهميش البرلمان كي تبقى السلطة التشريعية لديه، وافتك بالتالي حتى السلطة التشريعية في الدستور الجديد، ولهذا نحن رافضون لهذا التمشي الذي يريد أن يفرض علينا قواعد لعبة تشريعية على المقاس. وطالما نرفض القانون الانتخابي سنرفض بالضرورة الانتخابات التشريعية.. هذا من حيث المبدأ وحسب تطور الأحداث، وبعد ظهور القانون الانتخابي سنوضح موقفنا.. نحن رافضون لهذا التمشي من بدايته لنهايته ونطالب بعودة المسار الديمقراطي التشاركي ودستور 2014، وندعو إلى حوار وطني لإنقاذ البلاد وهي على أبواب الإفلاس والانهيار" على حد قوله.

  • مشروع سعيّد أم فشل الأحزاب؟

أعرب الرئيس سعيّد قبل توليه مقاليد السلطة وحتى بعد فوزه في الرئاسية عن موقفه إزاء الأحزاب السياسية، وقد قال في تصريحات إعلامية إن "دور الأحزاب انتهى في كثير من الدول" وإن "عهد الأحزاب انتهى" كما اعتبر في حوار له أن "الأحزاب أصبحت على هامش الدنيا وفي حالة احتضار، ربما يطول الاحتضار لكن بعد سنوات قليلة سينتهي دورها بالتأكيد". هكذا لخص الرئيس سعيّد رؤيته للأحزاب السياسية مقدمًا مشروعًا بديلًا وهو "البناء الديمقراطي القاعدي" أو "الهرم المقلوب" الذي ينطلق من المحلي نحو المركز، في رؤية تأسيسية مختلفة تتنزل في إطار فكر سياسي جديد وفقه. 

ولئن ترى الأحزاب المعارضة لمسار 25 جويلية/ يوليو أن قيس سعيّد سحب البساط من تحت الأحزاب الناشطة في الساحة السياسية عبر تجميد البرلمان وتجاهلها في العديد من المحطات الهامة من بينها صياغة الدستور الجديد للدولة مما أضعف دورها الذي يقتصر حاليًا فقط على المعارضة، فإن بعض الأحزاب الأخرى ترى أن ضعف أداء الأحزاب وترذيل المشهد السياسي والحسابات الضيقة هي العوامل الأساسية التي عصفت بالمنظومة السياسية ولفظتها خارج المشهد الحالي وهو ما ذهب إليه الناطق الرسمي باسم التيار الشعبي محسن النابتي.

الناطق باسم التيار الشعبي لـ"الترا تونس": من مصلحة التونسيين أن تختفي الأحزاب التي تواصل في نهج التهريج والبحث على الشعبوية من المشهد السياسي

وقد اعتبر النابتي أن الأحزاب في تونس لن يتحدد مصيرها بالدستور أو بتغيير القانون الانتخابي بقدر ما أنه نتاج مرحلة كاملة، لأن هذه المنظومة كانت في المرحلة السابقة في صدارة المشهد السياسي، والأحزاب كانت أهم فاعل سياسي، وبالتالي الفشل الذي حصل والنكبة التي عاشتها تونس هي نتاج سياسات أحزاب، وفقه.

واعتبر النابتي في حديثه لـ"الترا تونس"، أن "طبيعة الأحزاب التي حكمت خلال العشرية الأخيرة إما أحزاب دينية طائفية أو أحزاب المافيا المالية، وتحالف عصابات المصالح والأحزاب الدينية خرّب المشهد السياسي والحياة الحزبية، وخلق أحزابًا ذات استعمال واحد تبرز خلال الحملة انتخابية وتنتهي بانتهائها"، مشيرًا إلى أن الذاكرة الشعبية مثقلة بهذه التجربة المريرة ناهيك عن السياحة الحزبية والفساد، وقال: "تقريبًا كل الطبقة السياسية التي حكمت البلاد إما في السجون أو هاربون ومطاردون بقضايا كبرى، وهذا له تأثيراته على المشهد السياسي والرأي العام والمشهد في المستقبل والثقة في الأحزاب السياسية" وفقه.

الناطق باسم التيار الشعبي لـ"الترا تونس": سنسعى إلى أن يكون القانون الانتخابي الجديد منصفًا بحيث يقضي على المال الفاسد والترشحات العشوائية وعصابات المال

وقال المتحدث "إذا ستكون الانتخابات على الأفراد، فهذا سيلقي بظلاله على المشهد الحزبي وسيجعل الأحزاب السياسية تعيش وضعية مغايرة للعشرية الفارطة، وبالتالي بقاء الأحزاب وفاعليتها ليس نتيجة للقانون الانتخابي أو الدستور أو توجهات الرئيس، بل هو نتيجة لهذه الأحزاب.. الحزب الذي يحمل قضية ومشروعًا وبرنامجًا سيراكم مصداقية مع الناس ولو بعد حين، لأن مخلفات هذه المرحلة ستمر وسنستعيد ثقة الناخبين والثقة في العملية السياسية. لكن بالنسبة للأحزاب التي تواصل في نفس نهج التهريج وترذيل المشهد السياسي والبحث على الشعبوية والاستثمار في الأزمات، فمصيرها الانقراض، ومن مصلحة التونسيين أن تختفي من المشهد السياسي ويولد مشهد جديد" مضيفًا أن حزب التيار الشعبي ليست لديه أي مخاوف من المرحلة المقبلة لأنه يحمل عقيدة سياسية ومشروعًا سياسيًا وبصدد مراكمة التجربة تدريجيًا لمد جسر مع المواطنين، وفقه.

وأعرب الناشط السياسي عن أمله في أن يكون المشهد السياسي في المستقبل سليمًا إذا تم التأثيث لحياة سياسية جديدة وفق قانون أحزاب وجمعيات وإعلام جديد وقانون انتخابي ينقّي الحياة السياسية من كل الشوائب التي طالتها في المشهد السابق، علاوة على تحقيق المحاسبة للذين حكموا البلاد ونكّلوا بالشعب التونسي.

ويرى محسن النابتي أن لحزبه دور هام في مرحلة ما بعد 25 جويلية/ يوليو، ولديه رؤية متكاملة، وكانت له مساهمة في صياغة الدستور الجديد، معتبرًا أن المرحلة القادمة هي مرحلة تعاضد الجهود لكل من يشتركون في القيم بهدف القضاء على التشرذم والتشتت السياسي، معتبرًا أن القانون الانتخابي القادم يتطلب توحيد جهود كل القوى التي لديها برنامج مشتركة في الفكر وفي الرؤيا.

وقال النابتي: "سنسعى لتوحيد أوسع طيف ممكن في الاستحقاق الانتخابي المقبل، وسنحاول بكل جهد أن يكون القانون الانتخابي الجديد منصفًا هذه المرة بحيث يقضي على المال الفاسد والتحيز والترشحات العشوائية وعصابات المال وازدواجية الجنسية، وإذا ما تمت تنقية المشهد بهذه الطريقة فتصبح الفرصة قائمة للتيار الشعبي ولكل المنظومة السياسية التي تحمل مشروعًا وبرنامجًا حقيقيًا لبناء البلاد، لأنه في المرحلة السابقة لم يكن هناك تكافؤ فرص، بل كان المال السياسي والتدخل الخارجي وكل ما من شأنه أن يقصي الوطنيين هو الطاغي.. اليوم، علينا تغيير آليات العمل في الحياة السياسية كي يختار المواطنون في الجهات مرشحيهم وتحديد برامجهم".

  • المنظومة الحزبية والقانون الانتخابي الجديد

في يوم الاستفتاء على الدستور الجديد الذي حظي بموافقة 94.6% من الناخبين الذين بلغ عددهم نحو 27.54% وفق نتائج هيئة الانتخابات، أعلن الرئيس سعيّد عن ضرورة وضع قانون انتخابي للبرلمان المقبل، وكشف في كلمة له عن ملامح هذا القانون الذي سيمكّن من "انتخاب أعضاء المجلس النيابي ومجلس الأقاليم والجهات وفق ما جاء في الدستور، ويمكّن الذين همشوا وغيبوا تمامًا من المشاركة في صنع القرار" وفق تعبيره.

بولبابة سالم (محلل سياسي) لـ"الترا تونس": سيكون القانون الانتخابي الجديد على المقاس، وسيكرس للبناء القاعدي لا للوحدة الاجتماعية

القانون الانتخابي أثار جدلًا قبل الإعلان عن تفاصيله، فقد ذهب البعض إلى أن الحديث عن قانون انتخابي جديد في هذا التوقيت، يعد محاولة لصرف النظر عن التجاوزات التي شابت الاستفتاء، فيما تصاعدت مخاوف من إقصاء الأحزاب السياسية من المشهد التشريعي المقبل ومن تمثيلية البرلمان القادم في ظل إعلان الأحزاب المعارضة عن مقاطعة الانتخابات التشريعية المزمع تنفيذها في 17 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.

ورجح المحلل السياسي بولبابة سالم أن يكون القانون الانتخابي الجديد على المقاس، وسيكون فيه الانتخاب على الأفراد وسيحاول إلغاء دور القائمات الحزبية، لكن الأحزاب الكبرى المتجذرة اجتماعيًا يمكن أن تكون موجودة، وفقه.

بولبابة سالم (محلل سياسي) لـ"الترا تونس": تأثير غياب الأحزاب على الانتخابات التشريعية سيكون أكثر من الاستفتاء، لأن غيابهم يفقد الانتخابات قيمتها

كما اعتبر في حديثه لـ"الترا تونس"، أن القانون الانتخابي سيحدث جدلًا كبيرًا جدًا لأنه سيكرس للبناء القاعدي وليس للوحدة الاجتماعية، مرجحًا مقاطعة الأحزاب التي قاطعت الاستفتاء والانتخابات التشريعية وبالتالي، لن يكون البرلمان ممثلًا للشعب التونسي، وسيكرس رؤية الرئيس ومشروعه السياسي في البناء القاعدي. كما اعتبر أن تأثير غياب الأحزاب على الانتخابات التشريعية سيكون أكثر من الاستفتاء، لأن غيابهم يفقد الانتخابات قيمتها، وفقه.

وقال بولبابة سالم: "هناك إرادة لتهميش الأحزاب في رؤية الرئيس قيس سعيّد الذي لا يؤمن بالأحزاب ويرى أنها بمرور الوقت ستهمش وسيتجاوزها الزمن" معتبرًا أنه وجب على المنظومة الحزبية في الآن نفسه، القيام بمراجعات خاصة العائلات الفكرية المتقاربة التي يفترض أن تتوحد، "فهناك 280 حزبًا والفاعلون لا يتجاوز عددهم 3 أو 4 أحزاب على أقصى تقدير.. الأحزاب في حاجة إلى تجديد هياكلها وقياداتها وتكون ديمقراطية داخلها.. الأحزاب هي أعلى مراحل التنظم المدني وستبقى فاعلة" على حد تأكيده.