10-يناير-2023
تونس صورة أرشيفية 2011

مبادرة المنظمات الوطنية ظلت إلى حد الآن في باب العناوين أو الأفكار المتناثرة ولا يمكن الحكم عليها نهائيًا (صورة أرشيفية تعود لسنة 2011/Getty)

 

تعرف الساحة السياسية في تونس حالة من الحراك بسبب نتائج ونسب المشاركة في الانتخابات التشريعية في دورها الأول والتي لم يقبل عليها التونسيون وبررتها المعارضة التونسية بالمقاطعة بينما لم يكترث لها رئيس الجمهورية قيس سعيّد واعتبر ان نتائج الانتخابات تقيّم بدوريها الأول والثاني، وفي انتظار أن تعلن هيئة الانتخابات عن موعد رسمي للجزء الثاني من الاقتراع لاختيار أعضاء مجلس النواب الجديد، تبدو الأحزاب والمنظمات المدنية قلقة من تواصل مسار الرئيس ومناصريه على ما هو عليه من جهة، وهي أدنى مستويات الانتقاد، وتطالب أخرى بالتغيير الجذري وتستدعي سعيّد إلى القبول بفشل مشروعه وتطالبه إما بالتراجع أو الاستقالة وهي أشدها حسمًا.

ونحن على بعد ثلاثة أسابيع من نارخ إنجاز الدور الأول من الانتخابات، أصبح المشهد الإعلامي والسياسي مغرقًا بالمبادرات التي ظلت إلى حد الآن في باب المقترحات، كثرتها وتفرقها لم يغير في موقع الكثير من الشخصيات السياسية وكذلك الأحزاب ولكنه جمع أغلبها على ضرورة التحرك.

  • المنظمات التونسية الكبرى.. بمن تحاور ومع من؟

الإنقاذ هو العنوان الأبرز لمبادرة ثلاثي المنظمات المدنية التونسية الكبرى، ممثلة في الاتحاد العام التونسي للشغل والهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ثلاثتهم كانوا يمثلون العصب الأساسي لحوار سنة 2013، والذي بنتيجته حصلت هذه المنظمات على جائزة نوبل للسلام بالإضافة إلى اتحاد الصناعة والتجارة، ورغم تكتم المنظمات على فحوى المبادرة ومن سيشارك فيها إلا أن تصريحات بعض ممثليها يحدد المربع الذي تتحرك فيه.

الإنقاذ هو العنوان الأبرز لمبادرة ثلاثي المنظمات التونسية الكبرى ورغم تكتم المنظمات على فحوى المبادرة ومن سيشارك فيها إلا أن تصريحات بعض ممثليها يحدد المربع الذي تتحرك فيه

يقول عميد المحامين التونسيين حاتم المزيو إن المبادرة تهدف إلى إخراج البلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وإنها ستقدم إلى رئيس الجمهورية، حتى تكون الإصلاحات تشاركية فيها توافق بين المنظمات الوطنية ورئاسة الجمهورية، مشيرًا إلى أنهم يريدون إصلاحات تشريعية ودستورية، معتبرًا أن الشعب التونسي فاقد الثقة في ما قبل 25 جويلية 2021 وفي الأحزاب السياسية ومؤكدًا أنه لا بد أن يكون هناك إصلاحات مهمة في مسار 25 جويلية مع إعادة الأمور إلى نصابها، وفق تعبيره.

 

 

وما يفهم من مبادرة المنظمات الوطنية أنها تبحث عن طريق مشترك مع رئيس الجمهورية ومحاولة إقناعه بتعديل مساره في الجوانب الدستورية والسياسية وكذلك الاقتصادية فهذه المنظمات لم تكن مقتنعة بالتمشي الذي ذهب فيه سعيّد انطلاقًا من الاستشارة الوطنية وصولًا إلى نتائج الانتخابات غير أن "مبادرة الإنقاذ" تستثني الأحزاب في عناوينها السياسية المعلنة من خلال تصريحات عميد المحامين خاصة، وهي محاولة على ما يبدو للتمايز عنها في مرحلة أولى وحتى يلتقطها الرئيس الذي كان ولا يزال يهاجم المعارضة في أغلب تصريحاته ويحملها مسؤولية الأزمة والإخفاقات التي تعرفها البلاد.

مبادرة المنظمات الوطنية ظلت إلى حد الآن في باب العناوين أو الأفكار المتناثرة ولا يمكن الحكم عليها نهائيًا غير أنها قد تكون تبحث عن مدخل ربما لمحاولة إصلاح مسار الرئيس دون أن تحمله مسؤولية الإخفاقات التي حدثت

وبما أن المبادرة ظلت إلى حد الآن في باب العناوين أو الأفكار المتناثرة فإنه لا يمكن الحكم عليها نهائيًا غير الواضح منها أن المنظمات المدنية لا تريد تكرار حوار سنة 2013، الذي لم يعترف به سعيّد في التصريح الشهير بوصفه "لا حوارًا ولا وطنيًا"، وتبحث عن مدخل آخر ربما لمحاولة إصلاح مسار الرئيس دون أن تحمله مسؤولية الإخفاقات التي حدثت والتي انتهت بإقبال ضعيف جدًا في الانتخابات التشريعية، لكن هل يمكن أن تذهب المنظمات إلى إقصاء الأحزاب من أي حل؟

 

 

  • بالأحزاب أم دونها؟

الإجابة عن هذا السؤال لم تكن حاسمة، لدى عضوة جبهة الخلاص الوطني المعارضة شيماء عيسى، في تصريح لـ"الترا صوت تونس"، مشيرة إلى أن "الحديث الآن هو عن تصريحات وخطابات وليس هناك أشياء واقعية لكن الأحزاب هي المعنية بمقاومة الانقلاب وإيجاد البدائل السياسية فالمبادرات التي تقدمها المنظمات هي بدورها تبحث عن حل لكنها ليست هي الحل كما أن للأحزاب دور  وهذا لا ينفي ذاك والجبهة تتعامل بإيجابية مع كل الحلول التشاركية في مصلحة إنقاذ البلاد وخلاصها من الانقلاب"، حسب تعبيرها.

شيماء عيسى (جبهة الخلاص) لـ"الترا تونس": "لا يمكن إعلان موقف حول مبادرة لم تتضح ملامحها بعد لكن هذا لا يمنع من المبادرة ومن اجتماع التونسيين والتونسيات مع بعضهم للبحث عن حل"

وأشارت، خلال حديثها لـ"الترا تونس" إلى أنه "لا يمكن إعلان موقف حول مبادرة لم تتضح ملامحها بعد، فالاتحاد لا يزال يقول إنه كان مع التغيير ومع ما حدث في 25 جويلية 2021 ونحن حتى وإن كنا مع إحداث تغيير سياسي فكان يجب أن يكون دستوريًا وقانونيًا عبر صناديق الاقتراع وليس عبر الانقلابات، لكن هذا لا يمنع من المبادرة ومن اجتماع التونسيين والتونسيات مع بعضهم للبحث عن حل".

وجبهة الخلاص تعتبر، وفق شيماء عيسى، أن "الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها ضرورة تجتمع حولها المجموعة الوطنية، فبعد نتائج الانتخابات التشريعية في دورها الأول تأكد أن مشروع قيس سعيّد مرفوض من التونسيين والتونسيات بدليل نسبة التصويت المتدنية وأصبحت من النسب الضعيفة والفضيحة على مستوى العالم في علاقة بانتخابات تشريعية"، مشددة على أن "سردية الانقلاب تقول إن الشعب معه وأن معارضيه ليس لهم وزن وتأكد أن الشعب ليس معه وبعد كل الذي حدث من تعسف على الدستور والقوانين وإغلاق المؤسسات يجب أن يكون هناك أفق جديد للحياة السياسية في تونس".

شيماء عيسى (جبهة الخلاص) لـ"الترا تونس": "الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها ضرورة، فبعد نتائج الانتخابات التشريعية في دورها الأول تأكد أن مشروع قيس سعيّد مرفوض بدليل نسبة التصويت المتدنية"

وتضيف شيماء عيسى أن "المشترك لدى الطبقة السياسية هو الشعور بالقلق وعدم الرضا على ما آلت إليه أوضاع البلاد وكذلك عدم الرضا على قيادة سعيّد للبلاد فحتى المبادرات التي تقول إنها مع 25 جويلية هي اليوم تعتبر أن سعيّد غير قادر على المضي قدمًا وعلى الإصلاح"، مؤكدة أن "تعدد المبادرات يعتبر أمرًا إيجابيًا وهي في تقديرها تعبر عن سخط الطبقة السياسية وأن البلاد ذاهبة للانهيار بسبب انسداد الأفق السياسي واستفحال الأزمة الاقتصادية فهذه السلطة وحكامها غير قادرة على مواجهة هذه الأزمات".

وعن إمكانية الحل بالشراكة مع الرئيس قيس سعيّد، تقول شيماء عيسى لـ"الترا تونس" إنهم "لا يعطون أنفسهم عناء التفكير في إمكانية وجود الحل بوجود رئيس الجمهورية لأن هذه الإمكانية موجودة فقط في ذهن من يقترحونها وسعيّد يذكر في كل مرة أنه لن يقطع مع خارطة طريقه وأنه ضد الحوار ".

شيماء عيسى (جبهة الخلاص) لـ"الترا تونس": "تعدد المبادرات يعتبر أمرًا إيجابيًا وهي تعبر عن سخط الطبقة السياسية وأن البلاد ذاهبة للانهيار بسبب انسداد الأفق السياسي واستفحال الأزمة الاقتصادية"

ووفق تقديرات مواقف الفاعلين السياسيين تبدو الإعلانات السياسية لمحاولات الإنقاذ في مرحلة جنينية لم تكتمل أطرافها ولا مضامينها العملية وتصل في حالات عديدة إلى حديث عن حوار بين من يتفقون مع بعضهم مع إلغاء الطرف المقابل أو استثنائه من الحل، الأمر الذي لا يدرج في باب الحوار التقليدي بقدر ما يدخل تحت عناوين البحث عن مخرج غير مكلف للبلاد من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية دون خسارة استقرار السلطة الممثلة في الرئيس سعيّد مع المفاوضة على حكومته، وتأجيل الصراع السياسي على الحكم إلى سنة 2024.

 

 

  • دستور 2014..وحوار كلاسيكي

"الحوار الكلاسيكي"، هو ما يراه أستاذ القانون الدستوري الصغير  الزكراوي الذي يقول في تصريح لـ"الترا صوت تونس" إنه "على كل المنظمات والأحزاب أن تجتمع وتقدم مبادرة موحدة لأنه إذا تمسك كل جانب بمبادرته واعتبرها الأفضل للخروج من الأزمة لن يكون هناك أرضية للحوار فيمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تجتمع وتقدم مبادرة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل باعتبار أنه من سيسهر على التنظيم ثم تجتمع الأحزاب ذات المرجعيات المشتركة، مشيرًا إلى أن كثرة المبادرات ستتفهها والجدية تفرض أن تطرح هذه المبادرات في حوار وطني شامل".

أستاذ القانون الصغير الزكراوي لـ"الترا تونس": "كثرة المبادرات ستتفهها والجدية تفرض أن تطرح هذه المبادرات في حوار وطني شامل"

وأكد أنه "لا يجب استثناء الأحزاب والذهاب في حوارات ثلاثية أو رباعية ويجب إقناع الرئيس أنه لا يمكن الاستغناء عن الأجسام الوسيطة، مشيرًا إلى أنه طالب منذ البداية بعقد حوار كلاسيكي ردًا على رئيس الجمهورية عندما اعتبر أن الاستشارة هي حوار مباشر مع الشعب وأنه لا يحتاج إلى أجسام وسيطة"، مشيرًا إلى أن قيس سعيّد لا يبدو مؤمنًا بهذه الحوارات بين الفرقاء السياسيين بل أن الحوار لديه يمكن أن يحدث بمن حضر، والأمر يتطلب حواراً حقيقيًا بمضامين ومخرجات جدية تتمخض عنه خارطة طريق ومقترحات عملية للخروج من الأزمة".

وحول القاعدة التي ينطلق منها الحوار، يقول الزكراوي إنه يجب أن يتم الاتفاق على ما هو عاجل وهي القضية الاقتصادية والذهاب إلى تشكيل حكومة طوارئ اقتصادية، مضيفًا أنه اقترح أن يفوض الرئيس صلاحياته إلى هذه الحكومة لأنه لا يمكن اعتماد دستور سنة 2022 فقد استأثر فيه بكل الصلاحيات،وفي مرحلة ثانية تجميد مسار الرئيس والذهاب في مسار انتقالي جديد يتضمن إصلاحات دستورية ولربح الوقت العودة إلى دستور 2014 مع  تخليصه من بعض الشوائب خاصة على مستوى النظام السياسي ووضع محكمة دستورية وتنقيح القانون الانتخابي، مشددًا على ضرورة الاتفاق على حد أدنى وهو واجب الإنقاذ على أي أرضية.

أستاذ القانون الصغير الزكراوي لـ"الترا تونس": يجب تجميد مسار الرئيس والذهاب في مسار انتقالي جديد يتضمن إصلاحات دستورية ولربح الوقت العودة إلى دستور 2014 مع  تخليصه من بعض الشوائب

ويعتبر الصغير الزكراوي، من بين الشخصيات القانونية التي ساندت وبشدة إجراءات الرئيس قيس سعيّد في 25 من جويلية/يوليو سنة 2021، واعتبر أنها كانت مخرجًا مناسبًا لأزمة الحكم في البلاد حينها لكنه سرعان ما تراجع عن مساندته بعد اعتماد سعيّد على الاستشارة الوطنية كمنطلق لكل "الإصلاحات" السياسية والاقتصادية التي يعتمدها ومنها دستور 2022 والشركات الأهلية والصلح الجزائي.