01-أكتوبر-2024
تونس ولبنان

مكونات المعارضة بكل أطيافها من الإسلاميين إلى اليساريين الماركسيين أجمعت على إدانة الاغتيال (صورة أرشيفية/ياسين القايدي/وكالة الأناضول)

 

تحوّل جديد تأخذه الحرب الصهيونية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول على ضوء التصعيد غير المسبوق في لبنان، التي تتصدّر جبهة الإسناد الميداني لغزة، وذلك بعنوانين أساسين هما اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله، ومضيّ الآلة الصهيونية في شنّ عدوان برّي على الأراضي اللبنانية. تحوّل خيّم على تفاعلات التونسيين في مواقع التواصل الاجتماعي، وزاد من تأكيد واقع خفوت الحملة الانتخابية للرئاسيات، خاصة مع تزايد وتيرة تراجع مؤشرات النزاهة آخرها تنقيح القانون الانتخابي قبل نحو أسبوع واحد من يوم الاقتراع. ولكن كان لتفاعل المكونات السياسية، سواء السلطة أو الأحزاب بمختلف مرجعياتها سواء تصريحًا أو صمتًا، لافتًا للانتباه بالنسبة للبعض منها.

  • لا بلاغ رئاسي وتركيز على أولوية الإجلاء

امتاز الخطاب الرسمي في تونس، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، بتصعيد خطابي تبلور في موقف مستجدّ عن الخطّ الدبلوماسي السابق ومغاير عن المجموعة العربية، تصديره دعم إرساء دولة فلسطينية عاصمتها القدس والتحفّظ على "حلّ الدولتين". خطاب جعل الأعناق مشرئبة بالخصوص لاستجلاء الموقف الرسمي من التطورات اللافتة في الجبهة اللبنانية، خاصة بعد اغتيال نصر الله.

ولكن كان ملاحظًا غياب أي بلاغ رئاسي بالاستنكار والإدانة لحادثة الاغتيال خصوصًا ولتصاعد الهجمة الصهيونية عمومًا. فيما اكتفت وزارة الخارجية التونسية بإصدار بلاغ، مساء السبت 28 سبتمبر/أيلول 2024، بدايته إقرار رئيس الدولة بالتكفّل بتنظيم رحلة جوية لفائدة التونسيين المتواجدين في لبنان والراغبين في العودة إلى تونس، وضرورة التنسيق مع السفارة في بيروت. واُختتم البلاغ من جهة أخرى بـ"تجديد تأكيد رئيس الجمهورية على تضامن بلادنا الكامل مع الجمهورية اللبنانية ووقوفها إلى جانبها ودعمها في مواجهة كل التهديدات التي تنال من أمنها واستقرارها" مع دعوة "الجهات التونسية المعنية إلى سرعة التنسيق مع نظيراتها اللبنانية للوقوف على حاجياتها الطبية والإنسانية لتوفير العون اللازم للشعب اللبناني الشقيق".

كان من المنتظر أن يتميّز الموقف الرسمي التونسي بتناوله لحادثة الاغتيال، لا تجاهلها تجاهلًا مطلقًا، على نحو يتعارض مع السقف الدبلوماسي المعلن، على الأقل، منذ 7 أكتوبر

كان واضحًا تفادي إصدار بلاغ من رئاسة الجمهورية والاكتفاء ببلاغ عن وزارة الخارجية، وهو ما يبدو نتيجة طبيعية بالنظر لمضمونه الذي تمحور حول مسألة الإجلاء مقابل الاكتفاء بتأكيد التضامن مع لبنان، دون تناول، ولو غير مباشر، لحادثة الاغتيال على أهميّتها في ميزان المقاومة، بما كان يشمل ولو الإشارة لسياسة الاغتيالات الصهيونية إن ما كان التقدير على سبيل المثال بتفادي تسمية أمين عام حزب الله باسمه.

فبين الأنظمة العربية التي أعلنت الحداد كالعراق وسوريا الواقعة تحت سيطرة نظام الأسد واليمن في الجزء الواقع تحت سيطرة "أنصار الله"، وبين بقية الأنظمة التي تفادت أي إدانة، كان من المنتظر أن يتميّز الموقف الرسمي التونسي على الأقل بتناوله لحادثة الاغتيال، لا تجاهلها تجاهلًا مطلقًا، على نحو يتعارض مع السقف الدبلوماسي المعلن، على الأقل، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. وغياب الإدانة قد يعود لتفادي ما يُفهم، إقليميًا ودوليًا، كاصطفاف مع حزب لبناني ليس موضع إجماع في الداخل اللبناني، ومدرج في قائمة الإرهاب "الأميركية"، ولكن هذا التبرير يظلّ قاصرًا على غياب مطلق للإدانة، أولًا بالنظر لسياق الاغتيال ضمن حرب الإبادة الصهيونية في غزة والهجمة على جبهة الإسناد اللبنانية، وفي ظلّ إمكانية إصدار بيان أقلّه بشأن إدانة سياسة الاغتيالات الصهيونية بما يزيد من المساس من الأمن والسلم في المنطقة.

وفي المقابل، يفتح غياب الإدانة الباب لسؤال مشروع، بشأن خلفيته، وما إذا كان مرتبطًا بخيار تفادي إثارة أي حرج مع الفاعلين الإقليميين وخاصة الدوليين، خاصة في الزمن السياسي الحالي بتونس. سؤال يعزّزه رفض السلطة السياسية إصدار قانون لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني قبل أشهر وذلك لأنه "يضرّ بمصالح تونس" بحسب ما نقله رئيس مجلس النواب عن رئيس الدولة في تصريح تحت قبة البرلمان.

  • أحزاب المعارضة: إدانة واضحة لاغتيال الشهيد

أدانت جبهة الخلاص الوطني، التي تتصدّر مكوناتها حركة النهضة (معارضة)، في المقابل، في بيان أمضاه رئيسها محمد نجيب الشابي، حادثة الاغتيال ووصفت نصر الله بأنه "القيادي الأبرز في جبهة مقاومة الاحتلال وإسناد الصمود الفلسطيني"، وجدّدت دعمها لـ"المقاومة الباسلة حيثما كانت". ودعت أيضًا كل القوى الحية في تونس لتنظيم الفاعليات الداعمة للمقاومة والمنددة بخذلان النظام الرسمي العربي والتواطؤ الغربي المفضوح مع مجرمي الحرب الصهاينة.

مكونات المعارضة التي يمتدّ طيفها من الإسلاميين إلى اليساريين الماركسيين أجمعت على إدانة الاغتيال بعبارات واضحة وحاسمة وذات الموقف نقلته الأحزاب الموالية للسلطة أيضًا

فيما اختار التيار الديمقراطي تسمية بلاغ الإدانة بـ"شهيدًا نحو القدس"، مؤكدًا أن نصر الله "لم يكن أمينًا عامًا لحزب الله فحسب بل كان رمزًا من رموز المقاومة". وأضاف أن اغتياله "سيلهم أجيالًا وأجيالًا ولن يزيد المقاومة إلا عزمًا وإصرارًا على تحرير الأراضي المحتلة".

بدوره، قال بيان الحزب الجمهوري، الذي لازال يقبع أمينه العام عصام الشابي في السجن فيما تُسمى قضية "التآمر على أمن الدولة"، إنه "باستشهاد نصر الله يخسر لبنان رمزًا من رموز مقاومته الوطنية عبر التاريخ وتفقد الأمة العربية والإسلامية قائدًا فذًا شريفًا رفع لواء شرفها وعزّتها".

ولم يفت حزب العمال اليساري على إصدار بيان نعي "القائد الكبير الشهيد حسن نصر الله"، مشددًا على أن "اغتيال القائد إسماعيل هنية لم ينه حركة حماس والمقاومة الفلسطينية كما أنّ اغتيال أبو علي مصطفى قبله وغيره من القادة لم يُنه لا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ولا حركات المقاومة الأخرى".

غاب موقف الجهاز الدبلوماسي الرسمي بما يعزّز التقدير باستشعار حرج في إدانة الاغتيال ولو كان بشكل غير مباشر، وهو ما يظلّ نشازًا عن الخطاب الرسمي الحاسم، علنًا على الأقل، في دعم المقاومة 

من البيّن إذًا أن المكونات المعارضة المذكورة التي يمتدّ طيفها من الإسلاميين إلى اليساريين الماركسيين أجمعت على إدانة الاغتيال بعبارات واضحة وحاسمة مشيدة بالخصوص بمسيرة المقاومة لنصر الله ومشدّدة على لزوم المضي في مواصلة المقاومة إلى غاية تحرير الأراضي المحتلة.

ذات الموقف نقلته الأحزاب الموالية للسلطة أيضًا والمحسوبة أساسًا على القوميين كالتيار الشعبي. كما لم تغب بدورها بيانات اتحاد الشغل وهيئة المحامين، على نحو يؤكد بالخصوص مفصلية حادثة الاغتيال بما تستلزمه من إصدار موقف مستقلّ. موقف غاب عن الجهاز الدبلوماسي الرسمي، سواء عبر رئاسة الجمهورية أو وزارة الخارجية التونسية، رغم سابقية إدانة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيّة. تباين يعزّز التقدير باستشعار حرج في إدانة اغتيال نصر الله ولو كان بشكل غير مباشر، وهو ما يظلّ نشازًا عن الخطاب الرسمي الحاسم، علنًا على الأقل، في دعم المقاومة في مواجهة الكيان الصهيوني.


واتساب