15-أغسطس-2022
احتجاجات قضاة في تونس

خيار السلطات التنفيذية في تونس كان بمزيد التصعيد مع القضاة (ياسين القايدي/الأناضول)

 

بعد قرار المحكمة الإدارية في تونس، الأربعاء 10 أوت/أغسطس 2022، إيقاف تنفيذ عدد من قرارات عزل قضاة (فيما يخص بين 47 و50 قاضيًا)، بعد صدور قرار عزلهم بأمر رئاسي في 1 جوان/يونيو 2022، وهو القرار الذي أثار تفاعلات عديدة في المشهد القضائي والسياسي التونسي واستقبله القضاة وعديد الفاعلين السياسيين كـ"انتصار للحق والقانون"، داعين لإقالة/استقالة وزيرة العدل ليلى جفال لما اعتبروه مغالطات اعتمدت عليها وتمت وفقها قرارات العزل، إثر ذلك، صدر أول رد فعل من وزارة العدل التونسية، في بيان مقتضب مساء الأحد 14 أوت/أغسطس 2022.

وزارة العدل التونسية: "القضاة المشمولون بالإعفاء هم محل إجراءات تتبعات جزائية" في إشارة ضمنية إلى رفضها قرارات المحكمة الإدارية بإيقاف التنفيذ

تقول وزارة العدل، في بيانها، إنه "عملاً بأحكام المرسوم عدد 35 لسنة 2022 المؤرخ في 1 جوان/يونيو 2022، فإن القضاة المشمولين بالإعفاء هم محل إجراءات تتبعات جزائية"، وفقها، في إشارة ضمنية إلى رفضها تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية الأخيرة، وهو ما كان محل تخوّف البعض في تونس مباشرة إثر صدور قرارات المحكمة.

 

 

يُذكر أن المحكمة الإدارية في تونس كانت قد أعلنت، من خلال ناطقها الرسمي، الأربعاء الماضي، أن "قاضي توقيف التنفيذ استند في أحكامه إلى نتائج إجراءات التحقيق التي أذن بها من خلال مطالبة الجهات الإدارية المعنية بما يفيد تعليل وتسبيب الإعفاءات، لذلك فإن التعاطي القضائي مع هذه الملفات تم بحسب خصوصية كل ملف، وقد كانت ملفات الأحكام في عمومها من جهة قبول إيقاف تنفيذ قرارات الإعفاء التي لم يتوفر فيها الموجب الواقعي والقانوني".

المحكمة الإدارية: بمجرد إعلام الأطراف المعنية، يعلّق فورًا تنفيذ قرار الإعفاء بمعنى رجوع الوضعية إلى ما كانت عليه قبل صدور قرارات العزل

وتم التأكيد أن "الفصل 41 في قانون المحكمة الإدارية يقول إنه بمجرد إعلام الأطراف المعنية، يعلّق فورًا تنفيذ قرار الإعفاء، بمعنى رجوع الوضعية إلى ما كانت عليه قبل صدور قرارات العزل".

 

 

 

تعليقًا على بيان وزارة العدل، يقول القاضي عفيف الجعيدي "إدارة وزارة العدل تتسم بارتجال غير مقبول، فوزيرة العدل التي لم تقدم للمحكمة الإدارية جوابها وملفاتها، وقد طلبت منها المحكمة الإدارية تقديمها وأمهلتها شهرًا كاملاً لكنها لم تفعل، تعود بعد صدور أحكام باتة لتدعي أن لها ملفات وفي هذا أحد أمرين لا ثالث لهما، أولهما أن تكون تمسك ملفات حقيقية وفرطت في حق الدولة فترة المنازعة القضائية أو أنها تلفق الملفات الآن وفي الحالتين هي مقصرة".

القاضي عفيف الجعيدي: "وزيرة العدل تتجه بإرادة واضحة لعدم تنفيذ أحكام قضائية باتة وتبحث عن مبررات لذلك.. دولة القانون والمؤسسات تواجه عبثًا مدمرًا من واجب كل من يؤمن بالدولة التصدي له"

ويتابع، في تدوينة على صفحته بفيسبوك، "مع العلم أن وزيرة العدل لا يحق لها إثارة دعوات عمومية خارج الفصل 23 من مجلة الإجراءات، كما أن إذنها بالبحث تم بعد صدور أحكام باتة تم الإعلام بها ودخلت قانوناً حيز النفاذ الفوري"، مستنتجًا "الوزيرة أثارت إجراءات لم تحترم فيها موجبات القانون وهذا ارتجال منها أيضًا". ويختم الجعيدي بالقول "وزيرة العدل تتجه بإرادة واضحة لعدم تنفيذ أحكام قضائية باتة وتبحث عن مبررات لذلك.. دولة القانون والمؤسسات تواجه عبثًا مدمرًا من واجب كل من يؤمن بالدولة التصدي له".

 

 

وفي ظل توسع الجدل حول حقيقة توجه وزارة العدل للامتناع عن تطبيق قرار المحكمة الإدارية من عدمه، أكد محامون من بينهم المحاميين فوزي المعلاوي وكمال بن مسعود، وهما عضوين في هيئة الدفاع عن القضاة المعزولين، أنه قد "تم اقتحام مكاتب القضاة (يقصد المشمولين بقرار إيقاف تنفيذ قرارات العزل) من قبل إداريين من غير كتبة المحاكم وأعوانها، وفي غياب أصحاب المكاتب والمسؤولين الأول عن المحاكم".

وتابع المحامي المعلاوي، في تدوينة، "هو اعتداء جسيم على حرمة المحاكم ممن يفترض فيه حمايتها وتهديد خطير للعدالة ولحقوق الناس وملفاتهم المؤمنة بالمحاكم. وجب على المسؤولين الأول عن المحاكم، إجراء المعاينات على الاعتداءات الحاصلة والإذن بمباشرة التتبعات وإجراء التحقيقات القضائية المستوجبة ضد كل الضالعين في تلك الاعتداءات أمرًا وتنفيذًا". وهو ما أكده أيضًا المحامي كمال بن مسعود "وزيرة العدل أصدرت تعليمات إلى المديرين الجهويين للعدلية المكلفين بالتصرف اللوجستي في المحاكم بتغيير أقفال أبواب مكاتب القضاة الذين أذن القضاء بإعادتهم إلى العمل"،وفقه.

أعضاء من هيئة الدفاع عن القضاة المعزولين يؤكدون توجه وزيرة العدل إلى إصدار تعليمات بتغيير أقفال أبواب مكاتب القضاة المذكورين

 

ما تمت إشاعته عن تغيير أقفال أبواب مكاتب القضاة الذين أقرت المحكمة الإدارية بإعادتهم إلى العمل، بعد قرارات العزل، أثار موجة من الاستياء والسخرية على منصات التواصل الاجتماعي تونسيًا.

في هذا السياق، يقول القاضي حمادي الرحماني، وهو من المشمولين بقرار العزل ثم إيقاف تنفيذه، "في غياب المتفقد العام الواقع عزله والذي ينتظر مع المنتظرين عودته الوشيكة لمكتبه تنفيذًا لحكم المحكمة الإدارية، قاضية متفقدة بوزارة العدل وخارج كل غطاء قانوني وفي مخالفة لأصول المهنة وائتمارًا بأمر وزيرة العدل، تُعطي تعليماتها لرؤساء المحاكم ووكلاء الجمهورية والوكلاء العامين (الذين هم في مقام رؤسائها بحكم الأقدمية وسموّ الخطط) وكذلك المديرين الجهويين للعدل بتعيين حراس على مكاتب القضاة الصادرة ضدهم أوامر الإعفاء ومنع الدخول إليها بدعوى استمرار عمليات إحصائها من قبل التفقدية.. وهو ما يفسر الأخبار المتواترة عن تغيير أقفالها.. وكل ذلك تحسبًا لعودتهم لمباشرة أعمالهم تنفيذًا لأحكام المحكمة الإدارية وتطبيقًا لمقتضيات الفصل 41 من قانون المحكمة الإدارية".

القاضي حمادي الرحماني: "وزيرة العدل بالاستعانة بقضاة من التفقدية تخالف حكم المحكمة الإدارية وهي ممارسات "بلطجية" مسيئة للدولة والقانون والمؤسسات"

ويضيف، في تدوينة، "الفصل 41 يوجب على الإدارة التعطيل الفوري لتنفيذ القرار الإداري حال اتصالها بالحكم الصادر عن المحكمة بتوقيف تنفيذه، لكن وزيرة العدل تفعل بالاستعانة بقضاة من التفقدية وفي ممارسات "بلطجية" مسيئة للدولة والقانون والمؤسسات نقيض ذلك تمامًا"، وفق تعبيره.

 

 

تصاعد الجدل تدريجيًا وأصدرت مكونات سياسية مواقف دعت من خلالها إلى إعلان وزارة العدل امتثالها لقرار المحكمة الإدارية. في هذا الإطار، اعتبر الحزب الجمهوري (وسط اجتماعي/معارض) أن بلاغ وزارة العدل، مساء الأحد يمثل "تصعيدًا لا مبرر له من قبل وزارة العدل وسلطة 25 جويلية وإمعانًا منها في مزيد توتير الأوضاع وتأزيمها بالإصرار على تحدي التشريعات الجاري بها العمل وعدم احترام قرارات المحاكم ما من شأنه تعريض استقرار البلاد والسلم الأهلية للخطر"، وفق بيان للحزب صدر الاثنين 15 أوت/أغسطس 2022.

الحزب الجمهوري: بلاغ وزارة العدل يمثل "تصعيدًا لا مبرر له من قبل وزارة العدل وسلطة 25 جويلية وإمعانًا منها في مزيد توتير الأوضاع وتأزيمها بالإصرار على عدم احترام قرارات المحاكم"

وطالب الحزب الرئيس قيس سعيّد "باعتباره المعني الأول بتنفيذ قرار المحكمة الإدارية بالإعلان عن احترامه لأحكام القضاء والإذن بتنفيذها فورًا و الاعتذار للقضاة المعفيين لما نالهم من مس بمكانتهم وبرد الاعتبار لهم والتخلي نهائيًا عن محاولات إخضاع السلطة القضائية أو توظيفها"، مؤكدًا أن "سياسة إضعاف وتفكيك مؤسسات الدولة شكلت ولا تزال نيلاً من مكانة تونس على الساحة الدولية في حين تتطلب المصلحة الوطنية ضمان عوامل الاستقرار و مناخ الثقة الضرورين لتوفير الدعم و الإسناد لتجاوز الأزمة الراهنة بأخف الأضرار"، وفق ذات البيان.

 

 

من جانب آخر، علّق النائب بالبرلمان المنحل والمحامي سمير ديلو بالقول "البلاغ الأخير لوزيرة العدل لا يمكن أن يكون محل تحليل سياسي ولا تدقيق قانوني ولا مناقشة إجرائية، هذا البلاغ المتخبّط يحمل من الأخطاء أكثر من عدد أسطره ولا يعكس سوى الحالة النفسيّة لكاتبه: الإحساس بالورطة ومداواة الخطيئة بالهروب للأمام والمكابرة والتّمترس خلف جدار الإنكار"، متابعًا "لم تعتذر الوزيرة التي تورّطت في تلفيق التّهم لزملائها القضاة وغالطت الجميع بقائمة إعفاءات تبيّن أنّها لا تضمّ أسماء فاسدين ولا مرتشين ولا زُناةٍ ولا متستّرين على الإرهاب بل ضحايا تصفية حسابات شخصيّة وانتقام بسبب عدم تنفيذ التّعليمات ذات الخلفيّة السّياسيّة"،وفق توصيفه.

المحامي سمير ديلو: "أعرضت الوزيرة عن الخيارات البديهية و اختارت أن تصدر بلاغًا سيكون - على الأرجح - وثيقة إضافيّة في ملفّها"

وأضاف ديلو "في الوقت الذي كان فيه الرأي العام ينتظر من "وزيرة فضيحة الإعفاءات" بلاغ استقالة يتضمّن اعتذارًا صادقًا وتفسيرًا لملابسات إعداد قائمة العار، بادرت بإصدار بلاغ ركيك الصياغة غريب المضمون تذكّر فيه بأنّ القضاة المشمولين بالإعفاء محلّ تتبّع جزائي"، موضحًا "كاتب البلاغ يزعم أنّ القضاة المشمولين بالإعفاء (بصيغة الجمع) محلّ "إجراءات تتبّعات" جزائيّة ، وهذه العبارة غريبة شكلًا لأنّ العبارة المستعملة عادة هي "محلّ تتبّعات" ، وهي مستحيلة مضمونًا لأنّ من العبث المطبق المطلق الحديث عن تتبّعات جزائيّة بحقّ قضاة أغلبهم لا ملفّات لديهم لدى التفقديّة ولا اتّهامات وُجّهت لهم ولا شبهات تحوم حولهم.."، خاتمًا "أعرضت الوزيرة عن الخيارات البديهية و اختارت أن تصدر بلاغًا سيكون - على الأرجح - وثيقة إضافيّة في ملفّها"، وفق تعبيره.

وسبق أن خاض القضاة التونسيون إضرابًا عامًا في كل محاكم البلاد لحوالي شهر، احتجاجًا على قرار الرئيس التونسي قيس سعيّد عزل 57 قاضيًا وهو آخر تصعيد من الرئيس تجاههم بعد أشهر من توجيه الاتهامات نحو السلطة القضائية وحل المجلس الأعلى للقضاء في تونس وتعيين مجلس مؤقت من قبل سعيّد.

بينما رجح كثيرون أن يتجه سعيّد نحو إقالة وزيرة العدل بعد ما ورد عن المحكمة الإدارية من "فراغ" الملفات التي اتخذ وفقها قرار العزل لكن الخيار كان بمزيد التصعيد

وإن التزم الرئيس التونسي الصمت إثر قرار المحكمة الإدارية القاضي بإيقاف تنفيذ قرار العزل في حق حوالي 50 قاضيًا إلا أنه، ووفق الأمر الرئاسي 117 الذي أقره بنفسه في سبتمبر/أيلول 2021 والذي لا يزال ساريًا،، هو رئيس السلطة التنفيذية والمشرف على الحكومة أيضًا وبالتالي يبدو غريبًا أن لا تكون قرارات وزارة العدل الأخيرة صادرة عنه أو بالتوافق معه، بينما رجح كثيرون أن يتجه نحو إقالة وزيرة العدل ليلى جفال بعد ما ورد عن المحكمة الإدارية من "فراغ" الملفات التي اتخذ وفقها قرار العزل ضد عدد كبير من القضاة، من أي أدلة، لكن خيار السلطات التنفيذية في تونس كان بمزيد التصعيد.