14-ديسمبر-2022
 الانتخابات التشريعية في تونس

تصبغ انتخابات 17 ديسمبر بفتور ولا مبالاة وهو ما يعمّق الغموض حول المرحلة التي تليها (صورة ياسين القايدي/الأناضول)

 

"باهتة"، "دون روح"، "غريبة"، "لا تشبه سابقاتها"، "تذكرني بماض غير بعيد"، كانت هذه مقتطفات من آراء نشطاء سياسيين أو مدنيين تونسيين خلال سؤالهم عن الانتخابات التشريعية 17 ديسمبر/كانون الأول 2022 في تونس.

"باهتة"، "دون روح"، "غريبة"، "لا تشبه سابقاتها"، "تذكرني بماض غير بعيد"، كانت هذه مقتطفات من آراء نشطاء سياسيين أو مدنيين تونسيين خلال سؤالهم عن الانتخابات التشريعية القادمة في تونس

وتتواتر هذه الإجابات على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل لافت عند الحديث والنقاش حول رابع انتخابات تشريعية تعرفها تونس منذ ثورة 2011. كانت الأولى في موفى سنة 2011 وأفرزت انتخاب مجلس تأسيسي كان وراء دستور سنة 2014 ثم كانت الانتخابات التشريعية في 2014 وأخرى عام 2019.

لكن الانطباع العام في تونس أن الانتخابات المنتظرة في 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري لا تشبه ما سبقها من انتخابات إبان الثورة، من حيث ضعف الدعاية والتواصل مع المواطنين وكذلك التغطية الإعلامية وخاصة ضعف الاهتمام الشعبي.

ساهم في هذا الانطباع العام "غياب الرهان" تقريبًا، إذ نص الدستور الذي اقترحه الرئيس التونسي قيس سعيّد وتم الاستفتاء عليه في 25 جويلية/يوليو الماضي، على نظام سياسي يٌهمش دور مجلس النواب ويركز السلطات عند السلطة التنفيذية وأساسًا رئيس الجمهورية.

الانطباع العام في تونس أن الانتخابات المنتظرة في 17 ديسمبر لا تشبه ما سبقها من انتخابات إبان الثورة وساهم في ذلك "غياب الرهان" تقريبًا، إذ نص الدستور الجديد على نظام سياسي يٌهمش دور مجلس النواب

يُتداول بشكل واسع تونسيًا أن "النواب المنتظرين" سيصادقون على مشاريع قوانين الرئيس دون تأثير في صناعة القرار كما يٌفقدهم الدستور الجديد تقريبًا دورهم في مراقبة الحكومة ولا يمكنهم من مساءلتها إلا في ظرف يبدو أقرب "للمستحيل".

من الضروري التذكير أيضًا أننا أمام انتخابات قد قاطعها معظم الطيف الحزبي في تونس، إذ تقاطعها كل معارضة الرئيس، أحزابًا وشخصيات معروفة، كما أنها ترد ولأول مرة وفق نظام الانتخاب على الأفراد مما يهمش دور الأحزاب والائتلافات.

نحن أمام انتخابات قد قاطعها معظم الطيف الحزبي في تونس، كما أنها ترد ولأول مرة وفق نظام الانتخاب على الأفراد مما يهمش دور الأحزاب والائتلافات

وتعد الانتخابات التشريعية المبكرة، في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022، آخر محطات ما أعلنه قيس سعيّد منذ سنة تقريبًا وما تداول تسميته بـ"خارطة طريق سعيّد"، والتي انطلقت بحل البرلمان المنتخب والمجلس الأعلى للقضاء، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقرار دستور جديد بعد الاستفتاء عليه.

وهي مجموعة قرارات اتخذها سعيّد وأثارت جدلًا واسعًا، داخليًا وخارجيًا، إذ تصف المعارضة التونسية استفراد سعيّد بكل السلطات منذ 25 جويلية/يوليو 2021 بـ"الانقلاب" بينما يبرر توجهه بكونه "تصحيحًا للمسار"، وفي الأثناء تعيش البلاد على وقع أزمة سياسية واقتصادية حادة وتواجه صعوبات متزايدة على مستوى ماليتها العمومية.

في ظل هذه الأجواء، عاشت تونس منذ 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وإلى 15 ديسمبر/كانون الأول 2022، على وقع حملة انتخابية باهتة ستتوج بيوم الصمت الانتخابي في 16 ديسمبر/كانون الأول الجاري ثم التوجه لصناديق الاقتراع في 17 ديسمبر داخل تونس وأيام 15 و 16 و 17 من الشهر ذاته خارجها.

 

 

نطرح في هذا التقرير الصحفي، أكثر الأسئلة التي من الممكن طرحها حول انتخابات 17 ديسمبر/كانون الأول 2022، ونقدم إجابات موجزة ودقيقة عنها:

  • من يًقاطع انتخابات 17 ديسمبر من الطيف الحزبي في تونس؟

أعلنت معظم الأحزاب الفاعلة في المشهد السياسي التونسي، خلال الفترة الأخيرة، موقفها من الانتخابات التشريعية المنتظر تنظيمها في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022 في تونس. وكان موقف أغلبية هذه الأحزاب المقاطعة واعتبار البرلمان القادم فاقدًا للشرعية، وهو ذات الخيار الذي اتخذته تقريبًا في استفتاء 25 جويلية/يوليو الماضي.

أعلنت معظم الأحزاب الفاعلة في المشهد السياسي التونسي، خلال الفترة الأخيرة، موقفها من الانتخابات التشريعية وكان موقف الأغلبية المقاطعة واعتبار البرلمان القادم فاقدًا للشرعية

ومن الأحزاب المقاطعة لانتخابات 17 ديسمبر في تونس، نذكر:

  • جبهة الخلاص الوطني (ائتلاف أحزاب يضم حركة النهضة، حركة أمل، حراك تونس الإرادة، ائتلاف الكرامة، قلب تونس وحركة البناء المغاربي)
  • أحزاب حملة إسقاط الاستفتاء (التيار الديمقراطي وحزب التكتل وحزب العمال والحزب الجمهوري وحزب القطب الديمقراطي)
  • الحزب الدستوري الحر
  • آفاق تونس
  • المسار الديمقراطي الاجتماعي
  • الحزب الاشتراكي
  • حركة مشروع تونس

 

 

  • من يٌشارك في انتخابات 17 ديسمبر من الطيف الحزبي في تونس؟

معظم المشاركين في هذه الانتخابات هم من المستقلين، لكن من بينهم قلة تترشح كأفراد لكن يُعرف عنها انتماء لأحزاب وهي بالأساس أحزاب قومية (حركة الشعب والتيار الشعبي وعدد من مكونات حركة تونس إلى الأمام).

هناك مكون لافت مشارك في هذه الانتخابات وهو ائتلاف "لينتصر الشعب" ويضم عدة شخصيات عرفت بمشاركتها في حملة الرئيس في الانتخابات الرئاسية 2019 أو بتبنيها مشروع "البناء القاعدي"

وهذه الأحزاب هي:

  • حركة الشعب
  • التيار الشعبي (يشارك أفراد منه ضمن ائتلاف لينتصر الشعب)
  • حركة تونس إلى الأمام
  • حزب التحالف من أجل تونس

تجدر الإشارة إلى مكوّن لافت مشارك في هذه الانتخابات وهو ائتلاف "لينتصر الشعب" ويضم عدة شخصيات عرفت بدعمها للرئيس قيس سعيّد ومشاركتها في حملته الانتخابية في الانتخابات الرئاسية 2019 أو بتبنيها مشروع "البناء القاعدي".

 

 

  • هل ستشمل الانتخابات كل الدوائر الانتخابية في تونس وخارجها؟

وفق القانون الانتخابي الحالي في تونس، والذي قام سعيّد بتنقيحه بمرسوم رئاسي مؤخرًا، يتم التنافس في انتخابات مجلس النواب في تونس على 161 دائرة انتخابية. لكن الانتخابات التشريعية المنتظرة لديسمبر 2022، ستشمل فقط 154 دائرة انتخابية من أصل 161، بعد عدم تسجيل ترشحات مقبولة في 7 دوائر بالخارج من أصل 10.

الانتخابات التشريعية المنتظرة لديسمبر 2022، ستشمل فقط 154 دائرة انتخابية من أصل 161، بعد عدم تسجيل ترشحات مقبولة في 7 دوائر بالخارج من أصل 10

وستشهد هذه الدوائر انتخابات جزئية لاحقًا. ويتعلق الأمر بالدوائر الانتخابية لـ:

  • فرنسا 1
  • ألمانيا
  • باقي الدول الأوروبية
  •  الدول العربية
  • الأمريكتين
  • آسيا وأستراليا
  • إفريقيا

ومن المنتظر، وفق ما أعلن عنه أعضاء هيئة الانتخابات في تونس، أن تتم معاينة شغور مناصب هذه الدوائر عندما ينعقد مجلس النواب، ويقوم حينها بإعلام الهيئة التي ستفتح باب الترشحات في هذه الدوائر من أجل تنظيم انتخابات جزئية في وقت لاحق.

وتأكيدًا لذلك، أعلمت عدة سفارات بالخارج التونسيين بتعليق المسار الانتخابي بعدد من الدوائر الانتخابية ومن ذلك إعلان السفارة التونسية في لندن، مساء الاثنين 12 ديسمبر/كانون الأول 2022، أن هيئة الانتخابات قد قرّرت تعليق المسار الانتخابي بعدد من الدوائر الانتخابية، ومنها دائرة باقي الدول الأوروبية، نظرًا لعدم وجود مترشحين مقبولين، على أن يتمّ سدّ الشغور بمجلس نواب الشعب في فترة لاحقة.

وأوضحت، في بلاغ، أنه لن يتمّ فتح مكاتب الاقتراع بسفارة تونس في لندن وبكل من برمنغهام ومانشستر وإدمبره ودبلن أيّام 15 و16 و17 ديسمبر/كانون الأول 2022.

 

 

  • هل ستكون هناك انتخابات في الدوائر ذات الترشح الوحيد؟

من الأرقام المثيرة للجدل والنقاش في هذه الانتخابات في تونس، اقتصار 10 دوائر انتخابية على ترشح وحيد مقبول وهي دوائر:

  • إيطاليا
  • فرنسا 3
  • فرنسا 2
  • رواد 2
  • سكرة 2
  • المروج ـ بير القصعة
  • باب بحر ـ سيدي البشير
  • حلق الوادي
  • حي الخضراء ـ المنزه
  • بني خداش

واللافت في هذه الدوائر ذات الترشح الوحيد أن المترشح يعد فائزًا بالانتخابات في دائرته مهما كان عدد الأصوات المصرح به لصالحه ولا يوجد سقف محدد، وفي هذا السياق تساءل كثيرون: هل ستكون هناك حملة انتخابية وتصويت يوم الانتخابات؟ وما الغاية إن كان الفائز بالمقعد البرلماني معلوم مسبقًا؟

اللافت في الدوائر ذات الترشح الوحيد أن المترشح يعد فائزًا مهما كان عدد الأصوات المصرح به لصالحه ولا يوجد سقف محدد، ولذلك تساءل كثيرون: ما الغاية من إجراء الانتخابات إن كان الفائز بالمقعد البرلماني معلوم مسبقًا؟

في هذا السياق، كان رئيس هيئة الانتخابات في تونس فاروق بوعسكر قد أوضح أن "القانون يفرض أن تكون هناك حملة انتخابية بالدوائر الانتخابية حتى إن وجد مترشح وحيد بالدائرة الانتخابية". وتابع أن كل مترشح بهذه الدوائر مطالب بخوض حملة انتخابية وأن يعرف ببرنامجه الانتخابي، قائلاً "من غير المنطقي أن يدخل المترشح إلى البرلمان متحصلاً على عدد أصوات خلال الانتخابات أقل من عدد التزكيات التي تحصل عليها".

وأبرز أن "المترشحين مطالبون أخلاقياً وسياسيًا قبل أن يكون ذلك قانونياً بالقيام بحملة انتخابية والتعريف ببرامجهم ومحاولة استجلاب أكبر عدد ممكن من الأصوات أيام التصويت".

 

 

  • من يراقب وسائل الإعلام خلال حملة الانتخابات التشريعية 2022؟

الإجابة عن هذا السؤال قد تبدو غريبة للكثيرين خاصة ممن تابعوا الانتخابات السابقة إبان الثورة في تونس، إذ تضمن دستور 2014 هيئة تعديلية مستقلة لمراقبة وملاحظة وسائل الإعلام السمعية والبصرية ولها مهمة المراقبة خلال الفترات الانتخابية أيضًا وهي المعروفة بـ"الهايكا" أو الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري.

نشب خلاف بين هيئة الانتخابات و"الهايكا" ونتج عنه إعلان هيئة الانتخابات أنها ستراقب جميع وسائل الإعلام، السمعية والبصرية والمكتوبة والإلكترونية خلال الحملة الانتخابية

لكن خلافًا نشب بين هيئة الانتخابات وهي الهيئة المستقلة الوحيدة المنصوص عليها في دستور 2022 وبين "الهايكا"، ونتج عن هذا الخلاف إعلان هيئة الانتخابات أنها ستراقب جميع وسائل الإعلام، السمعية والبصرية والمكتوبة والإلكترونية، مؤكدة أنها "لم تسط ُعلى سلطة أي هيئة أخرى.

واتجهت إثر ذلك الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري/ "الهايكا" إلى رفع قضية استعجالية ضد هيئة الانتخابات فيما يتعلق بما اعتبرته "استيلاءً على صلاحياتها"، وفقها. وقد أعلنت هيئة الانتخابات لاحقًا أن المحكمة الإدارية أصدرت حكمها لصالحها ورفضًا لطلب توقيف التنفيذ المرفوع من"الهايكا" ضدّ قرار هيئة الانتخابات.

 

 

 

  • ماذا تقول المنظمات التونسية المختصة في ملاحظة ومراقبة المسار الانتخابي حول انتخابات 2022؟

قالت شبكة مراقبون، وهي المختصة في مراقبة وملاحظة المسار الانتخابي في تونس، إن "الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية كانت باهتة كمًا وكيفًا" وأضافت أنها سجّلت في النصف الأول من فترة حملة الانتخابات التشريعية نسقًا ضعيفًا للأنشطة الميدانية للحملة، يكاد يكون منعدمًا في أيّامه الأولى، كما سجلت عزوفًا كبيرًا عن استعمال الفضاءات المخصصة لتعليق البيانات الموجّهة للعموم من أغلب المترشحين.واعتبرت، في ذات السياق، أن انتخابات 17 ديسمبر/كانون الأول 2022، تمثل "ضربًا للمبادئ الأساسية للانتخابات".

شبكة مراقبون: "الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية كانت باهتة كمًا وكيفًا وانتخابات 17 ديسمبر تمثل "ضربًا للمبادئ الأساسية للانتخابات"

 

 

 

وتدعم منظمة "مرصد شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية"، وهي المختصة أيضًا في مراقبة وملاحظة المسار الانتخابي في تونس، ما ذهبت إليه "شبكة مراقبون"، إذ أكد أعضاؤها في تصريحات صحفية أن "الحملة الانتخابية كانت باهتة وتفتقد للمنافسة والحركية".

منظمة البوصلة: مجلس النواب القادم هو هيكل صُوري وُضع فقط لمُعاضدة توجهات الرئيس وإكساء جلّ ركائز بنائه السياسي الجديد رُوحًا زائفة من التشاركيّة والديمقراطية المغشوشة

أما منظمة البوصلة، وهي المختصة في متابعة الشأن البرلماني منذ سنوات في تونس، فقد أعلنت مُقاطعتها لمؤسسة مجلس نواب الشعب القادم، "والنأي بنفسها عن إكساء المشروعية على هيكل صُوري وُضع فقط لمُعاضدة توجهات الرئيس وإكساء جلّ ركائز بنائه السياسي الجديد رُوحًا زائفة من التشاركيّة والديمقراطية المغشوشة"، كما ورد في بيان عنها.

وأكدت في المقابل، مُواصلتها لعب دورها الرقابي في مُتابعة التشريعات التي ستصدر عن الرئيس التونسي قيس سعيّد، وعن مجلسه وإيصالها إلى عموم المُواطنين والمواطنات، "للتصدّي لمسار تكريس نظام تسلّطي ولكل محاولات العودة إلى الوراء" وفق ذات البيان، مؤكدة: "نرفض أن نكون شاهد زور على مسار انفرادي ومجلس كرتوني".

 

 

 

  • متى تٌعلن نتائج انتخابات 17 ديسمبر 2022؟

سبق أن صرح الناطق الرسمي باسم هيئة الانتخابات أن النتائج الأولية بالنسبة للدورة الأولى من الانتخابات التشريعية ستصدر في أجل أقصاه 20 ديسمبر/ كانون الأول 2022، أو حتى قبل هذا الموعد وذلك حسب تطور الفرز، وفقه، مضيفًا أن آجال الطعون في النتائج تٌفتح بعد ذلك ليكون التصريح بالنتائج النهائية يوم 19 جانفي/ يناير 2023.

وتابع "إذا كانت هناك دورة ثانية فستكون بتاريخ 15 يومًا من تاريخ النتائج النهائية، وستفتح الحملة الانتخابية للدورة الثانية يوم 20 جانفي/ يناير 2023".

 

 

تأتي هذه الانتخابات في ظل أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية حادة تعرفها البلاد وحالة من الجمود والتخبط بالنسبة للأغلبية الواسعة من الطيف الحزبي والمدني الذي تشكل ونشط بكثافة في تونس إبان ثورة 2011.

يغيب كل هؤلاء عن انتخابات ديسمبر 2022 في تونس، سواء من حيث المشاركة كمترشحين للانتخابات للظفر بمقاعد المجلس النيابي القادم أو كملاحظين ومراقبين ومعلقين على هذه الانتخابات. وهذا ما يصبغها بفتور ولا مبالاة ويعمّق الغموض حول المرحلة التي تليها.