25-ديسمبر-2022
صورة من إحدى مظاهرات المعارضة في تونس أسبوعًا قبل انتخابات 17 ديسمبر (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

صورة من إحدى مظاهرات المعارضة في تونس أسبوعًا قبل انتخابات 17 ديسمبر (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

"قيس سعيّد يركز مشروعه السياسي والمعارضة تحتج في الشارع".. كان يمكن أن يكون هذا العنوان ملخصًا لسنة 2022 سياسيًا في تونس لكن الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر/كانون الأول 2022 أبت إلا أن تجلب ما شبهه البعض بـ"زلزال سياسي".

كانت سنة 2022 بامتياز سنة تطبيق الرئيس التونسي "خارطة طريقه"/ مشروعه السياسي، لكن الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر أبت إلا أن تجلب ما شبهه البعض بـ"زلزال سياسي"

كانت هذه السنة بامتياز سنة تطبيق الرئيس التونسي قيس سعيّد "خارطة طريقه"/ مشروعه السياسي، الذي روّج له بشكل لم يكن واضحًا للكثيرين قبل وصوله لسدة الحكم في موفى سنة 2019 لكنه اتضح بشكل أوضح منذ 25 جويلية/يوليو 2021، تاريخ انطلاقه في حكم فردي لأكثر من سنة حظي خلالها بكل الصلاحيات التنفيذية والتشريعية وهو ما ساعده في إرساء ركائز هذا المشروع.

قبل موفى سنة 2021، كان سعيّد قد حل البرلمان التونسي والحكومة القائمة حينها، حكومة هشام المشيشي، وقام بالدور التشريعي بنفسه عبر المراسيم ومكن نفسه من صلاحيات مطلقة تقريباً، ثم تلى ذلك حل المجلس الأعلى للقضاء المنتخب، في سنة 2022.

 

 

وقبل نهاية سنة 2021، تحديدًا في ديسمبر/كانون الأول 2021، أعلن الرئيس التونسي عما صارت تٌعرف إعلامياً بـ"خارطة طريقه"، وتضمنت استشارة إلكترونية منذ بداية شهر جانفي/يناير من سنة 2022 وإلى تاريخ عيد الاستقلال في 20 مارس/آذار من ذات السنة، ثم استفتاء على دستور أعده سعيّد في 25 جويلية/يوليو 2022 وتٌختم بانتخابات لمجلس النواب في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022.

وهذه "الخارطة" لا تزال تتضمن خطوات أخرى منها دورة ثانية للانتخابات التشريعية وانتخابات الغرفة الثانية التي تضمنها الدستور الجديد وهي "مجلس الأقاليم والجهات" والتي يجهل التونسيون لليوم طريقة انتخابها ولم يتم تضمين ذلك حتى في آخر تعديل قام به سعيّد على القانون الانتخابي.

 

 

النظر لهذه الخطوات والاستحقاقات، والتي تتالت على امتداد سنة 2022 وميزتها، بشكل منفصل قد يكون معيقًا عن الفهم، وربما أُريد ذلك قصدًا، لكن فهم فلسفة هذه الخطوات وربطها بخطابات الرئيس التونسي يمكن أن يوضح أنها تعكس فلسفة واضحة تُكرس تجميعًا للصلاحيات عند رئيس الجمهورية، تمكنه من تعيين حكومته التي يقتصر دورها على تطبيق خطواته وأفكاره مع تعقيد إمكانية سحب الثقة منها من قبل مجلس النواب الذي سيخسر وفق دستور 2022 معظم صلاحياته مقارنة بالبرلمانات التي تلت ثورة 2011 وقد يبلغ أعلى درجات التشتت عبر صعود أفراد لا تربطهم مشاريع ولا رؤية موحدة حول الملفات الكبرى للبلاد.

الاستحقاقات السياسية التي تتالت سنة 2022 تعكس فلسفة واضحة تُكرس تجميعًا للصلاحيات عند الرئيس تمكنه من تعيين حكومته التي يقتصر دورها على تطبيق خطواته مع برلمان سيخسر معظم صلاحياته وقد يبلغ أعلى درجات التشتت عبر صعود أفراد لا تربطهم مشاريع ولا رؤية موحدة

لكن مفاجأة السنة الأكبر، كانت دون شك نسبة التصويت في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022. اختير هذا التاريخ قصدًا من قبل سعيّد لإجراء الانتخابات باعتباره قد حوله منذ سنة إلى ذكرى عيد الثورة في تونس بدل تاريخ 14 جانفي/يناير.

وكان التوجه أن يكون يومًا لإثبات الانخراط الشعبي في مشروعه وللاحتفال، لكن نسبة التصويت المعلنة بنهاية ذلك اليوم والتي قدرت بأقل نسبة تصويت في تونس منذ سنة 2011 وحتى مقارنة بالانتخابات السابقة في عهدي بورقيبة وبن علي (إن سلمنا بنزاهتها) كما أنها وفق المختصين في مراقبة وملاحظة الشأن الانتخابي قد تكون الأضعف عالميًا، حوّل كل ذلك هذه المناسبة من تتويج لخارطة كاملة وتركيز لمشروع جديد يُطلق عليه البعض تسمية "البناء القاعدي" إلى تشكيك واسع في شرعية ومشروعية هذه الانتخابات ومجلس النواب المنبثق عنها وخاصة دعوات من أطراف متعددة للرئيس للذهاب نحو انتخابات رئاسية مبكرة.

نسبة التصويت في الانتخابات حوّلت هذه المناسبة من تتويج لخارطة كاملة وتركيز لمشروع جديد إلى تشكيك واسع في شرعية ومشروعية هذه الانتخابات ومجلس النواب المنبثق عنها ودعوات للذهاب نحو انتخابات رئاسية مبكرة

 

 

أما معارضة سعيّد، ورغم توسعها عددًا خلال سنة 2022، لكنها لم تستطع تجاوز خلافاتها وماضي الصراع بينها رغم مبادرات بقي دورها محدودًا كائتلاف مجموعة من الأحزاب والشخصيات ضمن "جبهة الخلاص الوطني"، التي تكونت في نهاية أفريل/نيسان 2022، أو ائتلاف مجموعة من الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية ضمن "الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء" ثم مواصلتها التنسيق في المواقف لمقاطعة الانتخابات التشريعية، إضافة إلى تحركات مدنية من جمعيات ومنظمات فيما يخص ملفات بعينها.

رغم توسعها عددًا خلال سنة 2022، لكن معارضة سعيّد لم تستطع تجاوز خلافاتها وماضي الصراع بينها رغم مبادرات بقي دورها محدودًا

لم تنجح معارضة سعيّد مثلًا في تنسيق تحرك احتجاجي واحد مشترك طيلة سنة 2022 ويبدو أن هذا المطلب شبه مستحيل لنشأة عدد من الأحزاب أصلاً على فكرة معارضة حزب أو تيار آخر، وهذا قد يخص مثلًا حركة النهضة ومعارضة عدد من الأحزاب فكرة العمل أو التنسيق معها، لكن جدير بالذكر أن صوت الخلافات بينها قد خفت خلال سنة 2022 إلى أقل حد ممكن خلال العشرية الأخيرة، وكثفت المعارضة جهودها في مواجهة غريمها الرئيسي الذي همشها ونعتها جميعها بأسوأ الأوصاف والنعوت ولم يستثن منها أحدًا تقريبًا.

 

 

صوت الخلافات بين المعارضة في تونس خفت خلال سنة 2022 إلى أقل حد ممكن خلال العشرية الأخيرة، وكثفت جهودها في مواجهة غريمها الرئيسي

قضت المعارضة في تونس سنة 2022 في الاحتجاج ومحاولة إيصال صوتها داخليًا وخارجيًا حول ما تعتبره تردٍ غير مسبوق للوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي وعلى مستوى الحريات والحقوق. وبلغت مع نهاية السنة تراجعًا على مستوى القدرة على التجميع في الشارع وهو ما أثار مخاوفها في الصمود، لتسترجع الأمل من بعيد عبر نسبة المقاطعة/العزوف الواسعة جدًا في انتخابات 17 ديسمبر/كانون الأول 2022.

مع استرجاعها الآمال في إمكانية التغيير، تنوعت مع نهاية السنة مبادرات الطيف المعارض في البلاد، استقالت مجموعة من قيادات حزب التيار الديمقراطي المعارض موضحة أنها تعد لخلق "بديل" سياسي فيما تصاعد خطاب الاتحاد العام التونسي للشغل النقدي تجاه مؤسسة الرئاسة. وتتجه المنظمة الشغيلة للتنسيق مع منظمات وطنية أخرى كالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وعمادة المحامين "لإطلاق مبادرة وطنية قصد المساعدة على خروج البلاد من أزمتها" والتي لا تزال معالمها غامضة للآن.

كانت نهاية 2022 تونسيًا على وقع إعادة خلط الأوراق، دون وضوح لكيفية خروج البلد من أزماته والمتوقع الوحيد أن تكون سنة 2023 صعبة جدًا اقتصاديًا

ووفق الأرقام وتقديرات المختصين، عاشت تونس سنة 2022 على وقع وضع اقتصادي واجتماعي صعب مع ارتفاع متواصل في معدلات التضخم وتراجع لقيمة العملة ونقص أو غياب عدد من السلع الغذائية والأساسية من الأسواق، واستياء شعبي من ذلك، مقابل مساعٍ متواصلة منذ أشهر للظفر بقرض من صندوق النقد الدولي لإنقاذ المالية العمومية.

كانت نهاية 2022 تونسيًا على وقع إعادة خلط الأوراق، دون وضوح لكيفية خروج البلد من أزماته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فالمنتظر الوحيد أن تكون سنة 2023 صعبة جدًا اقتصاديًا وهو عامل يعمق التوتر السياسي وطالما كان قادحًا لاحتجاجات عدة.