شمل استطلاع المؤشر العربي 2022، الذي أعدّه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تونس، كما جرت العادة دوريًا في الاستطلاعات السابقة، وذلك ضمن 14 بلدًا عربيًا. وقد شمل هذا الاستطلاع 33300 عيّنة، وشارك في تنفيذه 1000 باحث، بهامش خطأ يراوح بين 2 و3%. ورصد التقرير تقييم المواطنين العرب للقضايا الأساسية في حياتهم وفي مجتمعاتهم، من تقييم أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، ومستوى الأمان في مناطق سكنهم، إضافة إلى تقييمهم للوضع الاقتصادي والأمني والسياسي لبلدانهم، ومدى ثقتهم في مؤسسات الرئيسية في دولهم، ونظرتهم للديمقراطية، وغيرها من المسائل.
في الورقة المنشورة من المركز العربي، عُرضت بعض المؤشرات بشكل جمعي إقليمي للدول (بعد توزيع الدول إلى 4 أقاليم: المشرق العربي، والمغرب العربي، والخليج الغربي، ووادي النيل) حيث ضُمّت أرقام تونس ضمن مجموعة المغرب العربي، فيما ظهرت بعض المؤشرات بشكل قُطري منفرد، وبدت جلّ الأرقام التونسية، هنا، مثيرة للانتباه ما يستوجب الوقوف عندها:
- تقييم الوضع الاقتصادي.. الأزمة عنوان المرحلة
من بين المؤشرات اللافتة في المؤشر العربي 2022، تونسيًا، هو أن 56% من التونسيين يرون أن الأمور بالبلاد تسير في الاتجاه الخاطئ وأوعزوا ذلك إلى سوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية
من بين المؤشرات اللافتة، تونسيًا، هو أن 56% من التونسيين يرون أن الأمور بالبلاد تسير في الاتجاه الخاطئ، مقابل 37% يرون أنها تسير في الاتجاه الصحيح (7% لا يعرفون الإجابة أو رفضوا). وأوعزوا ذلك إلى أسباب اقتصادية، وأخرى سياسية.
ويرى 45% من المستجوبين أن سبب سير الأمور في تونس في الاتجاه الخاطئ يعود إلى سوء الأوضاع الاقتصادية، ويرى 13% منهم أن ذلك مرتبط بعدم الاستقرار وسوء الأوضاع بصفة عامة، بينما يرجعها 11% إلى سوء الإدارة والسياسات العامة للدولة.
وعلى مستوى تقييم التونسيين لأوضاع أسرهم الاقتصادية، وصفها 24% من التونسيين بملاحظة "سيء جدًا"، ليحتلوا بذلك المرتبة الثالثة من ناحية سوء تقييم الوضع الاقتصادي لأسرهم، بعد لبنان (30%) والسودان (27%).
اعتبر 53% من التونسيين أن الأوضاع الاقتصادية في بلادهم "سيئة جدًا" لتكون بذلك تونس في الترتيب الثالث من ناحية سوء تقييم الأوضاع الاقتصادية لبلدهم عربيًا، بعد لبنان (80%) والسودان (56%)
أما على مستوى الأوضاع الاقتصادية وطنيًا، يسند 53% من التونسيين لها ملاحظة "سيء جدًا"، ليكونوا في الترتيب الثالث أيضًا من ناحية سوء تقييم الأوضاع الاقتصادية لبلدهم عربيًا، بعد لبنان (80%) والسودان (56%).
وتؤشّر هذه الأرقام المفزعة في تونس إلى تواصل الأزمة الاقتصادية، وتعمقها سنة 2022، لما عايشته البلاد من عثرات ومشاكل ارتبطت بوضعها المالي، خاصة وقد بلغ عجز ميزانية الدولة مع موفى نوفمبر/تشرين الثاني 2022، قيمة 9.784 مليار دينار، وفق ما ورد في قانون المالية التعديلي.
ولعل من بين أبرز المظاهر اللافتة للأزمة الاقتصادية التي أثرت بشكل مباشر على التونسيين، الارتفاع المطرد لنسبة التضخم التي صعدت من 6.7% في جانفي/يناير 2022، إلى 9.8% مع موفى سنة 2022.
ولعل ما زاد من ارتباك الوضع، هو ترحيل صندوق النقد الدولي لملف قرض تونس إلى أجل غير مسمى، بعد أن كان مبرمجًا أن ينظر فيه في ديسمبر/كانون الأول المنقضي.
- تقييم الوضع السياسي.. أزمة ثقة
التوصيف الذي طغى على تقييم الوضع السياسي في تونس، في المؤشر العربي لسنة 2022، هو مدى سوئه، إذ نجد أن 62% من التونسيين المستجوبين بين من اعتبروا أنه "سيء" و"سيء جدًا"، فيما اعتبر 25% فقط أنه "جيد" و"جيد جدًا".
التوصيف الذي طغى على تقييم الوضع السياسي في تونس في المؤشر العربي لسنة 2022 هو مدى سوئه إذ نجد أن 62% من التونسيين المستجوبين بين من اعتبروا أنه "سيء" و"سيء جدًا"
وأكد 46% من التونسيين أنهم غير مهتمين إطلاقًا بالشؤون السياسية في بلادهم، لتكون بذلك تونس في المركز الرابع من ناحية عدم اهتمام الشعوب بالساسة في بلدانهم بعد الأردن (58%)، الجزائر (54%)، وليبيا (52%).
وفي سياق متصل، حلت تونس في المركز الأول عربيًا (جنبًا إلى جنب مع الأردن) من ناحية عدم انخراط مواطنيها في السياسة، إذ أن 97% من التونسيين المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم لم يشاركوا على الإطلاق في توقيع عريضة أو رسالة أو وثيقة احتجاج خلال الـ12 شهرًا الماضية.
على صعيد آخر، يرى 46% من التونسيين أن سلطات بلادهم غير جادة في العمل على حل مشكلاتهم (35% يرون أنها غير جادة على الإطلاق، و11% يرون أنها غير جادة إلى حد ما). كما يعتبر 63% من التونسيين يرون أن مستوى الأمان في بلادهم سيء (31% يرون أنه سيء جدًا، و32% يرون أنه سيء).
وبخصوص مدى الثقة في مؤسسات الدولة في تونس:
- الحكومة:
36% من التونسيين لا يثقون في الحكومة التونسية، من بينهم 30% لا يثقون فيها إطلاقًا و6% لا يثقون فيها إلى حد ما، في المقابل عبر 60% عن ثقتهم في الحكومة، منهم 24% قالوا إن لديهم ثقة كبيرة فيها و36% قالوا إن لديهم فيها ثقة إلى حد ما.
- الشرطة:
عبّر 25% من التونسيين المستجوبين عن "ثقتهم الكبيرة" في مؤسسة الأمن التونسي، وعبر 38% منهم عن ثقتهم فيها إلى حد ما، بينما قال 28% منهم إنهم لا يثقون فيها إطلاقًا، و8% يثقون فيها إلى حد ما.
- الجيش:
عبّر 82% من التونسيين عن ثقتهم الكبيرة في الجيش التونسي، وهي ثاني رتبة بعد قطر (83%)، متقايسة مع السعودية (82%)، فيما عبر 2% فقط من التونسيين عن عدم ثقتهم إطلاقًا في مؤسسة الجيش.
- القضاء:
أما بالنسبة إلى القضاء التونسي، فقد عبّر 43% من التونسيين عن عدم ثقتهم فيه (33% لا يثقون فيه إطلاقًا، و10% لا يثقون فيه إلى حد ما)، بينما عبر 52% منهم عن ثقتهم فيه (16% "ثقة كبيرة"، و36% "ثقة إلى حد ما").
ولعلّ ارتفاع نسبة عدم الثقة في القضاء مرتبطة بما تعلّق بهذا القطاع من حملات طيلة سنة 2022، استهدفت قضاة، ومرفق العدالة ككلّ، نذكر من بينها ما تعلّق بمسألة عزل قضاة بأمر رئاسي، وما تلا ذلك من أحداث على الساحة.
- المجالس البلدية:
من الأرقام اللافتة أن 46% من التونسيين لا يثقون إطلاقًا في المجالس البلدية، و8% لا يثقون فيها إلى حدّ ما. وهو رقم مثير للاهتمام خاصة بعد مضي 4 سنوات على أول انتخابات بلدية عرفتها تونس ومع اقتراب موعد الانتخابات البلدية القادمة المفترض تنظيمها في ماي/أيار 2023، علمًا وأنه ليس هناك أي حديث عن نية في تنظيمها، وهو ما أثاره مؤخرًا رئيس الجامعة الوطنية للبلديات التونسية عدنان بوعصيدة.
- المجالس التشريعية:
من الأرقام اللافتة أيضًا، أن 76% من التونسيين لا يثقون في المؤسسة التشريعية التمثيلية في بلدهم، إضافة إلى 4% لا يثقون فيها إلى حد ما، وقد تصدرت بذلك تونس المركز الأول في المؤشر العربي لسنة 2022 على مستوى عدم الثقة في المؤسسة التشريعية، على الرغم من أنه معلوم أن تونس لم تكن لها طيلة سنة 2022 مؤسسة تشريعية تمثيلية، بعد أن أقدم الرئيس التونسي قيس سعيّد على تعليق أعمال البرلمان التونسي في مرحلة أولى ثم حلّه في مرحلة ثانية، وأضحت بذلك صلاحية التشريع، إضافة إلى مختلف الصلاحيات الأخرى، بين يديه.
ولعلّ انعدام الثقة في المجالس التشريعية تُفسّر بانعدام الثقة في الأحزاب التونسية، أو هكذا فسّرها التونسي باعتبار أن العملية الانتخابية للمجالس النيابية بعد الثورة التونسية ارتبطت دائمًا بالقائمات الانتخابية للأحزاب. ويظهر ذلك جليًا في نسبة الثقة في الأحزاب المتقاربة جدًا من نسبة الثقة في المجالس التشريعية، وفق المؤشر العربي، إذ أن 78% من التونسيين لا يثقون إطلاقًا في الأحزاب السياسية و4% لا يثقون فيها إلى حد ما، لتكون بذلك تونس الأولى أيضًا عربيًا من ناحية انعدام الثقة في الأحزاب.
- التونسي والديمقراطية.. منحى تصادمي
لعلّ من أبرز المسائل اللافتة في المؤشر العربي لسنة 2022، هو سوء نظرة المواطن التونسي للديمقراطية في علاقتها بالنظام السياسي والاقتصاد والمجتمع والنظام العام.
وحلت تونس في الترتيب الأول من ناحية المستجوبين الذين "يوافقون بشدة" على مقولة "إن الأنظمة الديمقراطية غير جيدة في الحفاظ على النظام العام" بنسبة 34%، فيما يعارض هذه المقولة بشدة 19% من التونسيين المستجوبين.
جاءت تونس في المركز الأول عربيًا في تأييد مقولة "إن النظام الديمقراطي يتسم بأنه غير حاسم، وحافل بالمشاحنات"، إذ أن 40% من التونسيين يوافقون هذه المقولة بشدة
كما حلت تونس في الترتيب الأول على مستوى المستجوبين الذين "يوافقون بشدة" على مقولة إن "الأداء الاقتصادي يسير بصورة سيئة في النظام الديمقراطي" بنسبة 33%، بينما يعارض هذه المقولة بشدة 21%.
وجاءت تونس أيضًا في المركز الأول في تأييد مقولة "إن النظام الديمقراطي يتسم بأنه غير حاسم، وحافل بالمشاحنات"، إذ أن 40% من التونسيين يوافقون هذه المقولة بشدة، بينما يعارضها بشدة 16% فقط.
وفي ذات السياق، كان المركز الأول من نصيب تونس أيضًا على مستوى تأييد مقولة "إن مجتمعنا غير مهيأ لممارسة النظام الديمقراطي"، إذ أن 44% من التونسيين يوافقون هذه المقولة بشدة، فيما يعارضها بشدة 15% فقط.
يوافق 44% من التونسيين بشدة على مقولة "إن مجتمعنا غير مهيأ لممارسة النظام الديمقراطي" لتكون بذلك تونس في الترتيب الأول عربيًا في المؤشر العربي 2022 على مستوى تأييد هذه المقولة بشدة
وعلى الرغم من الموقف الجلي للتونسي من الديمقراطية فيما سبق، إلا أنه يظلّ يرى أن النظام الديمقراطي وإن كانت له مشكلات فهو يظل أفضل من غيره من الأنظمة"، إذ أن 44% من التونسيين يوافقون هذه المقولة بشدة، لتكون تونس بذلك الأولى من ناحية نسبة تأييدها عربيًا.
ولعلّ أبرز وأحدث تجلٍّ لعلاقة التونسي بالديمقراطية وفق ما أظهرته الأرقام الآنفة، هو نسبة العزوف التي وصفت بـ"التاريخية" عن المشاركة في الدور الأول من الانتخابات التشريعية في تونس المنتظمة بتاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول 2022، وكانت هيئة الانتخابات قد أعلنت، في 19 ديسمبر/كانون الأول 2022، أن العدد الجملي للناخبين الذين قاموا بالتصويت في الانتخابات التشريعية هو مليون و25 ألفًا و418 ناخبًا، بنسبة إقبال تقدر بـ 11.22%، وهي نسبة وُصفت بـ"الضعيفة جدًا"، على المستويين الوطني والدولي.