يشهد المشهد السياسي في تونس حركية حيوية بتنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها بعد وفاة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي بالتوازي مع انتخابات تشريعية، ليحمل السباق الانتخابي نشاطًا سياسيًا وانتخابيًا ساخنًا عبر حملات انتخابية سابقة لأوانها بين الأحزاب والمستقلين المتنافسين على كرسي رئاسة الجمهورية من جهة أو على تحصيل أكبر عدد ممكن من المقاعد في البرلمان من جهة أخرى.
واستهل مترشحون الانتخابات الرئاسية المبكرة بزيارات ميدانية لتعبئة المناصرين وحشد الدعم، في أجواء تغطية إعلامية مكثفة ومنفلتة أحيانًا مما أربك المشهد الانتخابي خاصة بعد إيقاف المرشح للرئاسيات عن حزب "قلب تونس" نبيل القروي وما رافقه من ردود فعل متباينة.
تشهد ولايات الساحل الثلاثة، سوسة والمنستير والمهدية، على غرار بقية الجهات حراكًا سياسيًا وانتخابيًا حيويًا على وقع الاستعداد للانتخابات
اقرأ/ي أيضًا: الانتخابات الرئاسية: ترشحات تتنافس على نفس الخزان الانتخابي.. من سيستفيد؟
ويتهافت عديد المتنافسين في السباق الرئاسي على الظهور الإعلامي في فترة قبيل انطلاق الحملة الانتخابي مما يضر بمبدأ العدل بين كافة المترشحين بقطع النظر عن حجمهم السياسي. في المقابل وتشريعيًا، سارعت أحزاب في ترتيب بيتها الداخلي بعد تصدعها إثر اختيار أعضاء قائماتها. ويعمل مترشحون في التشريعيات، أحزابًا ومستقلين في الأثناء، على إسناد مترشح في الانتخابات الرئاسية في محاولة للاستفادة من أنصاره في الانتخابات التشريعية التي تنتظم بعد 3 أسابيع من الدورة الأولى للرئاسيات.
ولايات الساحل الثلاثة، سوسة والمنستير والمهدية، تشهد بدورها، وعلى غراربقية جهات البلاد، حراكًا سياسيًا وانتخابيًا حيويًا. إذ تحرك مترشحون للرئاسية في مدن الساحل إما مباشرة أو من خلال النواة الحزبية الموجودة في الجهة أو تلك التي تشكلت حديثًا وذلك لكسب التأييد من قاعدة انتخابية واسعة ومؤثرة، ويتكثف رهان المتنافسين في السباق الرئاسي على الساحل خاصة على ضوء تعدد الترشحات داخل العائلة "الدستورية" التي تتبنى النهج البورقيبي.
تحرك مترشحون للرئاسية في مدن الساحل إما مباشرة أو من خلال النواة الحزبية الموجودة في الجهة أو تلك التي تشكلت حديثًا وذلك لكسب التأييد من قاعدة انتخابية واسعة ومؤثرة
ويحتد التنافس تحديدًا، حزبيًا، بين حركة نداء تونس وحركة "تحيا تونس" والحزب الدستوري الحر وحزب البديل، عدا عن الأحزاب المتكونة حديثًا كحزب الأمل لسلمى اللومي وحزب "قلب تونس" للقروي.
واللافت للانتباه أن المرشح للرئاسية عبد الكريم الزبيدي، أصيل مدينة الرجيش من ولاية المهدية، والمدعوم من حركة نداء تونس وآفاق تونس، قد استقطب قاعدة واسعة من الدستوريين ليدخل في منافسة مباشرة مع مرشح "تحيا تونس" ورئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي تربطه علاقات مصاهرة في الجهة.
وقد تجندت القائمة الائتلافية "كلنا للوطن" ومن ورائها "جمعية عين تونس" لإسناد الزبيدي في جهة الساحل، كما كسب دعم بعض القائمات المستقلة الأخرى في سوسة على غرار قائمة "الود" التي يترأسها النائب أحمد السعيدي المستقيل مؤخرًا من كتلة الائتلاف الوطني في البرلمان.
وكان قد دعت مجموعة من المنتسبين لهياكل حركة "تحيا تونس" بالمنستير على رأسهم رئيس المكتب الجهوي نبيل الحداد لدعم ترشح الزبيدي بما شكل تمردًا على خيارات الحزب الذي قام بطرد الحداد داعيًا منخرطيه للانضباط الحزبي والالتزام بدعم مرشحه يوسف الشاهد دون غيره.
من جهة أخرى، يبدو أن حركة نداء تونس قد فقدت جانبًا من الدعم الشعبي لها إذ أن دعمها لعبد الكريم الزبيدي لازال باهتًا في المشهد الانتخابي بالساحل في انتظار ما ستكشفه الحملة الانتخابية.
اللافت أن المرشح للرئاسية عبد الكريم الزبيدي، أصيل مدينة الرجيش من ولاية المهدية، قد استقطب قاعدة واسعة في الساحل ليدخل في منافسة مباشرة مع مرشح "تحيا تونس" ورئيس الحكومة يوسف الشاهد
في الأثناء، احتد مؤخرًا الصراع بين مرشحة الحزب الدستوري الحر عبير موسي ومرشح حزب البديل مهدي جمعة في مدينة قصر هلال، المدينة التاريخية بالنسبة للدساترة، وذلك لما وجهت موسي، في اجتماع عام، سهام انتقاداتها لأحزاب من بينها البديل قائلة إن "المهدي جمعة أصبح مرابطًا بمدينة قصر هلال لعله يكتسب شرعية البورقيبية"، واصفه حزبه بـ"حزب المهملات".
وردّ جمعة، في تصريح إعلامي، قائلًا "نحن نرحب بالدساترة والوطنيين وكل الفئات لكن لن نتحالف على تقاسم غنيمة بل يجب الاتفاق على برامج واضحة تتم مصارحة الشعب بها قبل الانتخابات". ويذكر أن حزب البديل وضع على رأس قائمته التشريعية رجل الأعمال جلال الزياتي أصيل قصر هلال بهدف كسب قاعدة انتخابية واسعة بالجهة.
اقرأ/ي أيضًا: المترشحون للانتخابات الرئاسية: كم من وزير سابق؟ من كان سجينًا؟ ومن ألف كتبًا؟
وفي الأثناء، فاجئ حزب البديل المراقبين بمنح رئاسة قائمته التشريعية في سوسة إلى النائب ورجل الأعمال حافظ الزواري المستقيل حديثًا من "تحيا تونس" بعد عدم منحه رئاسة قائمة الحزب التي آلت لرجل الأعمال حسين جنيّح. وأثار هذا التحول السريع لرجل الأعمال حافظ الزواري انتقادات لما اعتبره البعض دليلًا على طغيان الرغبة الشخصية في الوصول إلى البرلمان قبل البرامج، في حين يعتبر متابعون آخرون أن توجهات النائب المذكور تتقاطع مع توجهات حزب البديل وبرامجه.
وهكذا يتجلى أن الصراع في الساحل يحتد يومًا بعد يوم بين أجنحة "الدساترة"، وهو ما ينبئ بحملة انتخابية رئاسية حامية خاصة في ظل السعي لتوظيف للرمزية الحزبية التاريخية للحزب الحر الدستوري وللزعيم الراحل الحبيب بورقيبة أصيل الجهة.
نبيل القروي، المترشح للرئاسية والمتقدم بقائمات تشريعية في كل الدوائر، يراهن بدوره على الخزان الانتخابي وتحديدًا بين الدساترة في جهة الساحل، إذ يبدو أنه استطاع تحقيق اختراقات في بعض المناطق الريفية خاصة في ولاية المهدية وبعض القرى في ولاية سوسة. يذكر أن القروي أدى زيارة لبعض المناطق بالساحل، على غرار منطقة عميرة الفحول من ولاية المنستير، قبيل عملية إيقافه.
استطاع المرشح نبيل القروي تحقيق اختراقات في بعض المناطق الريفية خاصة في ولاية المهدية وبعض القرى في ولاية سوسة
حركة النهضة، في الأثناء، تبدو محافظة على كتلتها الانتخابية الثابتة في ولايات الساحل، وتحديدًا على تواجدها في سوسة مقارنة بولايتي المنستير والمهدية، غير أن تحركاتها الميدانية لا تزال محدودة في انتظار تطورات الحملة الانتخابية.
وقد رشحت الحركة، على رأس قائمتها في سوسة، أمينها العام ووزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي زياد العذاري، مع تولي وجهين جديدين في دائرتي المنستير والمهدية رئاسة القائمة، وهما المنصف بوغطاس وفتحي بن بلقاسم على التوالي. وقد عرفت قائمات حركة النهضة في ولايات الساحل إبعاد نواب حاليين مثل كمال بسباس وشهيدة بن فرج في قائمة المنستير، والهادي بن براهم في قائمة المهدية، مع تسجيل انسحاب منية ابراهيم من قائمة سوسة قبل ايداعها لدى الهيئة الفرعية المستقلة للانتخابات.
والمثير للانتباه في القائمات الانتخابية في دائرة سوسة ترشح العديد من الوجوه الرياضية من بينها رئيس جمعية النجم الرياضي الساحلي رضا شرف الدين على رأس قائمة حزب "قلب تونس"، وترؤس المسير السابق للنجم الساحلي حسين جنيح لقائمة "تحيا تونس" التي تضم أيضًا اللاعب السابق للمنتخب الوطني زياد الجزيري، كما ترأس اللاعب السابق الهاشمي الوحشي قائمة حركة نداء تونس. وتعكس هذه الترشحات مدى تأثير الوجوه الرياضية في ظل السعي لاستغلال الوجاهة الرياضية لاستقطاب الناخبين.
ولابد من الإشارة أن شخصيات مترشحة للانتخابات الرئاسية هي أصيلة منطقة الساحل على غرار رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي، والمهندس الصحبي ابراهم وكلاهما يترشح كمستقل دون رافعة حزبية، ويُضاف إليهما رجل الأعمال سليم الرياحي الذي يترشح باسم حزبه الجديد "الوطن الجديد" الذي أسسه على أنقاض الحزب الوطني الحر.
المثير للانتباه في القائمات الانتخابية في دائرة سوسة ترشح العديد من الوجوه الرياضية مثل رضا شرف الدين وحسين جنيح وزياد الجزيري
في الأثناء، تزامن الحراك السياسي الانتخابي في الساحل مع حراك قضائي لافت اختطف الأضواء وطنيًا، وذلك بمناسبة استدعاء حاكم التحقيق لمترشحين للرئاسيات، من بينهم لطفي المرايحي، للتحقيق في شكايات مواطنين في المنستير بتدليس تزكياتهم. كما أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بسوسة بدورها لفرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بمساكن بالتحري في شكاية جزائية تقدمت بها مواطنة أصيلة المسعدين متعلقة بتدليس إمضائها لتزكية أحد المترشحين للرئاسيات أيضًا.
هكذا يبدو المشهد السياسي والانتخابي في جهة الساحل في انتظار احتداد المنافسة خلال الحملة الانتخابية الرئاسية بين المترشحين والأحزاب للفوز بأصوات ناخبي الجهة، وفي انتظار تداعي قوى الإسناد الانتخابي إلى رص الصفوف لتمكين "الماكينة الانتخابية " من الدوران، غير أن مضمار السباق لا يزال ضبابيًا نتيجة عدم وضوح البرامج الانتخابية التي تبدو غائبة في ظل حدة التجاذبات والصراعات بين الفرقاء السياسيين.
اقرأ/ي أيضًا: