24-سبتمبر-2019

مثل صعود قيس سعيّد زلزالًا في الحياة السياسية (أنيس ميلي/ أ ف ب)

 

منذ إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، احتل اسم المترشح المستقل قيس سعيّد صدارة الاهتمام داخل تونس وخارجها، فسيطر اسمه على مواقع التواصل الاجتماعي، وأسال حبرًا كثيفًا في الصحف. ورغم تعدد الصفات المُطلقة على سعيّد، تعدد مصادرها واختلاف محاملها إلا أنها اتفقت في المعنى، فهو لدى الكثيرين "الظاهرة" ولدى آخرين "الرجة" أو "الزلزال" وهو أيضًا "العقاب"، وسط إجماع على أنه عنصر المفاجأة في الانتخابات الرئاسية.

رغم تعدد الصفات المُطلقة على سعيّد، تعدد مصادرها واختلاف محاملها، إلا أنها اتفقت في المعنى فهو لدى الكثيرين "الظاهرة" ولدى آخرين "الرجة" 

وتصدّر سعيّد عمليات البحث على محرّك "غوغل" في تونس في الأسبوع الممتد من 15 إلى 21 سبتمبر/ أيلول 2019، وأبرز ما بحث عنه التونسيون في خصوصه كان "برنامج قيس سعيّد" ثم "من هو قيس سعيّد"، يليه "السيرة الذاتية لقيس سعيّد" فـ"أصل قيس سعيّد" وثم "زوجة قيس سعيّد". وقبل ذلك ارتفعت معدلات البحث عن "قيس سعيّد" في محرك البحث غوغل في مارس/ آذار 2019 بعد ظهور الرئيس المحتمل في برنامج حواري تلفزي، أعلن خلاله رفضه للمبادرة التشريعية الخاصة بالميراث.

تطوّر البحث عن قيس سعيّد على غوغل

ويعود الظهور اللافت لسعيّد في المجال العام، وهو أستاذ القانون الدستوري، إلى مداخلاته الإعلامية باستعمال لغة عربية فصيحة منذ عام 2011، ومواكبته لاعتصام "القصبة" وللتحركات الشبابية وهو الذي يعتبر المسار المؤسساتي بعد الثورة التفافًا عليها.

"ألترا تونس" يحاور باحثين ومحللين سياسيين وهم سامي براهم، وزهير إسماعيل، ومحمد الحاج سالم تشريحًا لما باتت تُعرف بـ"ظاهرة" قيس سعيّد بحثًا عن أسباب صعوده عبر حملة انتخابية بسيطة متجاوزًا الأحزاب التقليدية و"ماكيناتها".

اقرأ/ي أيضًا: التصويت الأبيض في الانتخابات الرئاسية.. رقم لافت في مشهد ضبابي

سامي براهم: قيس سعيّد هو المرشّح البديل عن الأحزاب

يعتبر الباحث سامي براهم أن أداء الأحزاب في تونس رذّل الحياة السياسية وأظهر الأحزاب في مظهر سيء، وفق تعبيره، مشيرًا، في حديثه لـ"ألترا تونس"، إلى أن دور الإعلام في عملية ترذيل بعض السياسيين كان بسبب أداء الأحزاب في البرلمان.

وقال إن هذا الترذيل أدى إلى فقدان تيار كامل من الشباب ثقته في الحياة السياسية لتتمّ ترجمة انعدام الثقة في اختيار مترشح مستقل.

وفي هذا الجانب، قال براهم إن قيس سعيّد هو المرشح البديل عن الأحزاب السياسية التي فشلت في أن تجد نوعًا من التوافق والحوار بينها، وهو ما كان على حساب الاستحقاقات الوطنية الاجتماعية مثل قضايا البطالة، والتنمية، والبنية التحتية والتفاوت الجهوي، وفق قوله.

سامي براهم لـ"ألترا تونس": قيس سعيّد هو المرشح البديل عن الأحزاب السياسية التي فشلت في أن تجد نوعًا من التوافق والحوار بينها

وأضاف "هناك حالة من الإحباط واليأس من الأحزاب السياسية حكمًا ومعارضة. اليوم الشباب يتحدث عن "السيستام" وهي عبارة كان يقصد بها المنظومة القديمة قبل الثورة، واليوم يقصد بها كل الأحزاب التي كانت في المنظومة السياسية من موقع الحكم أو من موقع المعارضة منذ 2011 إلى اليوم".

وأوضح محدثنا أنه أصبح للشباب مصطلحات جديدة وفرز جديد، وهو مُقصى من التنمية ومُقصى من الأحزاب التي فشلت أن تفتح لهم مجال التمكين داخل المنظومة الحزبية التونسية وفق تعبيره.

وأكد أن الشباب عبّر عن نفسه في حركات احتجاجية خارج الأحزاب لأنها فشلت في المحافظة عليه وتأطيره وتمكينه، مبينًا أن الأحزاب بقيت محكومة بقيادات سياسية في مرحلة متقدمة من العمر، وبقي الشباب خارج المشاركة في صنع القرار السياسي والحزبي ومجرد صورة مثله مثل النساء تجمّل الحزب وتعطي انطباع على انفتاحه لا غير، وبقي التداول في المسؤوليات ضيّقًا في الأحزاب اعتمادًا على قيادات شاخت في العمر وفي التجربة، على حدّ تعبيره.

سامي براهم لـ"ألترا تونس": الشباب عبّر عن نفسه في حركات احتجاجية خارج الأحزاب لأنها فشلت في المحافظة عليه وتأطيره وتمكينه

اقرأ/ي أيضًا: لقاء حصري مع "رضا لينين" وسنية الشربطي.. من يقف وراء حملة قيس سعيّد؟

وعن سبب اختيار الشباب لقيس سعيّد دون غيره من مترشحين مستقلين آخرين، قال محدّثنا إن المترشّح يشتغل منذ سنوات ويتواصل مع الشباب بشكل مستمر، ويجلس معهم في المقاهي وفي الفضاءات العامة وهو ما لم تقم به الأحزاب التي كان حضورها في الشأن العام حضورًا موسميًا ومتزامنًا فقط مع محطات انتخابية.

ويبيّن أنه في مواقع التواصل الاجتماعي تناقلت مجموعات الشباب خلال فترة الحملة الانتخابية بفخر جولات المترشح ولقاءاته البسيطة في الجهات وتفاخروا بفوزه بالدور الأول دون تكلّف على خلاف آخرين.

في هذا الجانب، كان ظهور قيس سعيّد في الإعلام نادرًا خلال فترة الحملة الانتخابية وما قبلها، ففي الإعلام السمعي على سبيل المثال، ذكر التقرير الأولي الثاني لائتلاف "أوفياء للديمقراطية ونزاهة الانتخابات" أن كل من نبيل القروي ولطفي المرايحي استأثرا بمستوى تغطية يتجاوز 7 أضعاف التغطية التي تحصل عليها قيس سعيّد.

زهير اسماعيل: الثأر والثورة

 قد لا يكون من المنصف النظر إلى "ظاهرة قيس سعيّد" بمعزل عن ما يبدو استئناف الشباب التونسي لنشاطه في المجال العام على غرار أيام الثورة التونسية، وهو الذي استقال منذ أن أخذت الأحزاب بزمام الأمور بعد فرار بن علي.

إذ سجلت انتخابات 2019 إضافة نحو 1.5 مليون ناخبًا جديدًا من بينهم، 80 في المائة من فئة الشباب التي غابت مشاركتها المكثفة في انتخابات عام 2014 وأيضًا في الانتخابات البلدية عام 2018.

لعبت فئة الشباب دورًا حاسمًا في ترجيح كفّة المرشّح قيس سعيّد على حساب بقية المترشحين في الانتخابات الرئاسية

وتبدو رسالة هذه الفئة قد تأخرت يوم الانتخابات وإلى حدود ساعات قليلة قبل غلق مكاتب الاقتراع. إذ بيّنت إحصائيات نتائج التصويت بعد الخروج من مكاتب الاقتراع أن الغالبية العظمى من الشباب وتحديدًا من فئة 18 إلى 25 سنة صوّتت لفائدة قيس سعيّد ورجّحت كفّته على حساب بقية المترشحين معاقبة "السيستام" بطريقتها بعيدًا على مغريات الماكينة الانتخابية والحزبية.

وفي هذا السياق، يرى الأستاذ الجامعي زهير إسماعيل أن فوز مرشحين مستقلين بالانتخابات الرئاسية هو بمثابة "الثأر للهامش" على حساب المنظومة الحزبية التقليدية أو الرسمية، مبينًا أن ما حصل كان بمثابة تحوّل عميق داخل المجتمع ومؤشر على أن الأحزاب لم تعد قادرة على استيعاب تطلعات الشعب، وفق قوله.

وقال، في تصريح لـ"ألترا تونس"، إن هناك "انتفاضة في الهامش وهو المجال السياسي الموزاي على المجال السياسي الرسمي" موضحًا أن المجال السياسي الرسمي ممثلًا في الأحزاب هو الذي تلقف قطاف الثورة وأعاد إنتاجها من 2011 ووضع أسس الانتخابات وفق شروط المنظومة القديمة التي أفرزت "الترويكا".

زهير إسماعيل لـ"ألترا تونس": فوز مرشحين مستقلين بالانتخابات الرئاسية هو بمثابة "الثأر للهامش"

ولفت إسماعيل إلى المحللين في تونس قائلًا إنهم أشبه بمن تابع مباراة في نصف الميدان فقط على حدّ تعبيره، داعيًا إلى بناء مشترك وطني لتجاوز الانقسام الاجتماعي والهووي الذي عززته الأزمة المالية. 

وأضاف أن التصويت في الانتخابات الرئاسية هو ردة فعل على الجانب السياسي الأخلاقي الذي كان يمكن أن يلعبه أحد الأحزاب وأصبح يمثله قيس سعيّد، والجانب الاجتماعي الذي كان من المفترض أن يمثله اليسار وبات يمثله نبيل القروي.

وأكّد أن قيس سعيد لامس قيمة النظافة التي كان يمثلها المنصف المرزوقي داخل المجال السياسي الرسمي، لكنه يتأتى من الهامش، واعتبره منطقة فراغ محرّرة، يصعب تقدير محتواها لكنها لن تكون ضد الديمقراطية، وفق تعبيره.

محمد الحاج سالم: شكل جديد من الانتظام الأفقي

من جانبه، أكد الدكتور محمد الحاج سالم أن المسألة "تبدو في ظاهرها سياسية لكنها في العمق صراع طبقي مقيت بين أغنياء يملكون السلطة والثروة وفقراء لا يملكون إلا عرق جبينهم"، مضيفًا أن الأحزاب السياسية لم تقدم خطابًا يستجيب لمطالب الشباب، وشبه ما تعيشه تونس اليوم بصراع بين الأجيال بصفة نسبية.

وأضاف في تصريح لـ"ألترا تونس" أن القيادات في الأحزاب مرتبطة بسنوات من النضال، وهي ليست أحزاب مؤسسية بل أحزاب شخصية، مؤكدًا في المقابل، أن كلا المترشحين ابتدعا شكلًا جديدًا في الانتظام الأفقي.

وفي هذا الإطار، قال إن أحد المرشحين، وهو نبيل القروي، "لا علاقة له بنضالات الشعب ويجمع بين محترفي السياسة ومحترفي التزييف". في المقابل، يوجد طرح جديد لقيس سعيّد "لا يقبله العقل الكلاسيكي المتجمد يُعامل كأن ليس من حقه أن يقدم هذا الطرح الجديد".

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد نتائج الدور الأول للانتخابات الرئاسية التونسية.. حركة النهضة إلى أين؟

الدور الأول لرئاسية 2019: ثورة ناعمة تهز كيان المنظومة السياسية القائمة