28-أبريل-2020

يعتبر أصحاب الخطاب الشعبوي أن الحريات الفردية تهدد منظومة المجتمع (صورة أرشيفية/ شاذلي بن إبراهيم/ NurPhoto)

 

"2019.. سنة الشعبوية السياسية بامتياز"، هو شعار يمثّل أبرز ما خلص إليه تقرير الحريات الفردية خلال سنة 2019، الذي يعدّه الائتلاف المدني من أجل الحريات الفردية، والذي صدر مؤخرًا وتحصّل "ألترا تونس" على نسخة منه.

التقرير، الذي حمل عنوان "في خطورة الشعبوية"، جاء في إطار خاص، هو إطار الحملات الانتخابية للانتخابات التشريعية والرئاسية، التي تم تنظيمها بين شهري أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني من سنة 2019، والتي تميّزت بظرف سياسي مضطرب، وبحضور لافت للخطاب الشعبوي.

اقرأ/ي أيضًا: الحجر الصحي لمن يعيشون بمفردهم.. الوضع أصعب!

صعود متواصل للخطاب الشعبوي

وفي هذا الإطار، يقول مؤسس الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية، وحيد الفرشيشي، في تصريح لـ"ألترا تونس"، إنه تم، خلال سنة 2019، خاصة بعد وفاة رئيس الجمهورية السابق الباجي قائد السبسي، وخلال فترة الاستعداد غير المباشر ثم الاستعداد المباشر للانتخابات الرئاسية والتشريعية، أي منذ سبتمبر/ أيلول 2019، ملاحظة صعود خطاب شعبوي متناسق مع كل الدول التي برز فيها هذا الخطاب على غرار البرازيل وإيطاليا.

ويبيّن الفرشيشي أن هذا الخطاب يبني أساسًا على مسألتين، الأولى تتمثل في ضرب المنظومة العقلية والعقلانية، والثانية، تتعلق بتركيز الخطاب الشعبوي على كل ما يتخيّله هو قيمًا خاصة بالمجتمع، وقيم المجتمع في الخطاب الشعبوي مبنية بالأساس على منظومة أخلاقية تتضمن العائلة والأسرة، وفي الدول المسيحية توجد عودة للكنيسة، وفي الدول الإسلامية نجد عودة للمفهوم الديني للأخلاق، حسب تعبيره.

وحيد الفرشيشي لـ"ألترا تونس": أصحاب الخطاب الشعبوي يعتبرون أيضًا أن الحريات الفردية تتعارض مع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية

ويذكر، في هذا الصدد، أن هذا الخطاب الشعبوي برز لدى رئيس الجمهورية الحالي قيس سعيّد وائتلاف الكرامة وحركة الشعب.

وعن انعكاسات الخطاب الشعبوي على مستوى الحريات الفردية، يوضح محدثنا أن أصحاب الخطاب الشعبوي يعتبرون أن الحريات الفردية، بمعناها المتداول في مفهوم حقوق الإنسان، تهدّد منظومة المجتمع، مبينًا أن منظومة المجتمع، بالنسبة لهؤلاء، مبنية على المجموعات لا على الفرد، وعلى مفهوم أن القطيع أو المجموعة هي التي تقود. ويقول، في هذا الإطار، إن شعار "الشعب يريد" يلخّص بكل وضوح الخطاب الشعبوي، مضيفًا أن جميعهم متوافقون على أن الحدّ من الحريات الجسدية والذهنية هو الأصل.

ويشير إلى أن أصحاب الخطاب الشعبوي يعتبرون أيضًا أن الحريات الفردية تتعارض مع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بل وأن الحريات الفردية، وفق تقديرهم، تهدد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، معتبرًا أنه كلما برزت على السطح مسألة تتعلّق بالحريات الفردية، يظهر الخطاب الواضح ذاته.

ويلفت إلى الجدل الذي أثارته المعلومات المتداولة حول توثيق زواج تونسي بفرنسي في تونس، موضحًا أن القانون التونسي يمنع عقدًا من هذا النوع وأنه لا حاجة للخطاب الذي برز، والمتمثل في جدل أخلاقي. وشدّد على أن الخطاب الأخلاقوي مسألة متواصلة مع صعود الخطاب الشعبوي، لافتًا، في هذا السياق، إلى الخلافات التي تحصل داخل قبة البرلمان، والتي تمتاز بـ"شعبوية مقززة وتقزيم للمرأة".

انتهاكات بالجملة

ويبرز تقرير الائتلاف المدني للدفاع عن الحريات الفردية، لسنة 2019، أن أغلب المترشحين والمترشحات للانتخابات الرئاسية حملوا آراء مثيرة للجدل بخصوص الحريات الفردية، وهو ما جعل الرأي العام والمجتمع التونسي ينقسم بشأن مسألتين تتعلقان بالمساواة في الميراث بين الجنسين، بإلغاء تجريم المثلية الجنسية. وقد تراوحت أغلب المواقف بين اللامبالاة أو الرفض، ولم تتضمن إلا بعض المواقف ضرورة تكريس الحريات الفردية.

ويتناول التقرير، كما دأب على ذلك سنويًا، انتهاكات الحريات الفردية في تونس خلال سنة 2019، في ظل مناخ تسوده الشعبوية وغياب ضمانات حقيقية لتطبيق الدستور. وبيّن أن سنة 2019 اتسمت ببروز موقفين يمكن من خلالهما تفسير التجاوزات الحاصلة في مجال الحريات الفردية.

وأوضح، في هذا الصدد، أنه من ناحية، وقع اعتبار المسائل المتعلقة بالحريات الفردية مسائل ثانوية مقارنة بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية، مبرزًا أن هذا الخطاب يستغل أساسًا فترة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمرّ بها البلاد، وهو ما أدى إلى إنتاج أغلبية لا تعير المسائل المتعلقة بالحريات الفردية وبالمساواة أي أهمية.

تقرير: شعار "الشعب يريد" لا يعير اهتمامًا كافيًا للحريات الفردية

ومن ناحية أخرى، لم يقع تناول الحريات الفردية إلا بغاية توظيفها من طرف أصحاب الخطاب الشعبوي وبغرض خدمة أهداف سياسوية فحسـب. وقد أدى هذا السياق إلى تصاعد وتيرة الخطاب الشعبوي في مناخ يتميز بفوارق اجتماعية شاسعة ويكثر فيه الفساد السياسي، وتتقهقر أو تنعدم فيه الحقوق الاجتماعية، وبالتالي لا يترك أي مجال للتعاطي مع المسائل المتعلقة بالحريات الفردية.

ويذكر التقرير، في هذا الإطار، على سبيل المثال، خطاب المترشح للرئاسة آنذاك ورئيس الجمهورية الحالي قيس سعيّد، والذي لخصه في شعار حملته الانتخابية "الشعب يريد"، معتبرًا أن هذا الشعار لا يعير اهتمامًا كافيًا للحريات الفردية، إذ تقوم من خلاله، الإرادة الشعبية باحتواء إرادة الفرد واستقلاليته عن المجموعة، وتبقى ممارسة هذه الحريات رهينة الإرادة الجماعية الغالبة.

كما يشير إلى النتائج التي أفرزتها الانتخابات التشريعية من مجلس نيابي يغلب عليه الشعبويون، مبينًا أنه إلى جانب حركة النهضة، الحزب الإسلامي الذي يجعل من الحريات الفردية هدفًا في حد ذاته، بل يتبناه بطريقة غير واضحة في إطار هدف يعتبره أسمى، برزت العديد من القوى السياسية الجديدة ذات المنحى الشعبوي، على غرار ائتلاف الكرامة الذي يرفض قطعيًا أي حوار أو التزام يتعلّق بالحريات الفردية، في حين أنه بالنسبة لحركة الشعب، لا تمثل الحريات الفردية أولوية لتونس في الوقت الراهن ولا يمكن الخوض فيها إلا بعد تحسن الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وفق ذات المصدر.

اقرأ/ي أيضًا: باكالوريا زمن الكورونا.. هواجس عام استثنائي

أما الانتهاكات التي تطرّق إليها التقرير، فمتثلت في ما يلي:

انتهاكات الحريات على أساس التمييز:

التعنت ضد النساء:

  • تراجع حقوق المرأة على المستوى السياسي
  • انتهاك الحق الأساسي في حرية اختيار القرين
  • تراجع خدمات الصحة الجنسية والإنجابية

التعنت ضد المثليين والمثليات والعابرين والعابرات والمتحولين والمتحولات:

والذي ينقسم بدوره إلى:

تعنت السلطات: تواصل تطبيق الفحوصات الشرجية بالرغم من الوعود على الصعيد الدولي

التعنت الإعلامي والسياسي: الانتهاكات المتعلقة بحقوق الأشخاص المتعايشين مع فيروس نقص المناعة المكتسب

النفاق بخصوص المشروبات الكحولية

تجاوزات أعوان الشرطة الممنهجة مع الإفلات التام من العقاب:

إجراءات المراقبة الإدارية والتدابير التعسفية المقيدة للحرية

الحق في التقاضي:

  • الحق في التقاضي للمواطنين
  • الحق في التقاضي بالنسبة لضحايا التعذيب والممارسات اللاإنسانية والمهينة والحاطة من الكرامة
  • ظروف الإيقاف

تقرير: ائتلاف الكرامة يرفض قطعيًا أي حوار أو التزام يتعلّق بالحريات الفردية

الانتهاكات المتعلقة بحقوق الأطفال:

  • قاصرون وقاصرات في مراكز الإيقاف
  • الأطفال: الضحايا الرئيسيون للاتجار بالبشر
  • الاعتداء الجنسي على الأطفال

انتهاكات الحق الأساسي في حرية الضمير:

  • انتهاكات حرية الضمير من قبل السلطات العمومية
  • انتهاكات حرية الضمير من قبل القادة الدينيين
  • انتهاكات حرية الضمير من قبل الأفراد

انتهاك الحق في النشاط الجمعياتي:

كما قدّم التقرير التحديات والأولويات المنتظرة لسنة 2020 والتي قسّمها على النحو الآتي:

التحديات المؤسساتية:

وهي المتعلقة أساسًا بتركيز المحكمة الدستورية والهيئات الدستورية، إلى جانب تركيز المرصد الوطني لمناهضة العنف ضد المرأة، والذي تم إحداثه بمقتضى الأمر الحكومي عدد 1195 بتاريخ 24 ديسمبر/ كانون الأول 2019.

التحديات التشريعية والترتيبية:

وهي تهم أساسًا إعمال المبادئ المتعلقة بعدم التمييز والمساواة بين المرأة والرجل من خلال:

  • إلغاء التمييز على أساس حرية الضمير وذلك بإعادة النظر في الأديان الأخرى بخلاف الإسلام وإيلاء حماية أكبر لمعتنقيها.
  • مراجعة سياسة وزارة الشؤون الدينية في ما يتعلق بالأديان الأخرى وتوضيح العلاقة بين حرية التعبير وحماية المقدسات بنص تشريعي واضح.
  • إلغاء كل المناشير التي تتدخل في معتقدات الأفراد وفي حياتهم الخاصة من بينها منشور سنة 1981 المتعلق بإغلاق المقاهي والمطاعم نهارا بشهر رمضان.
  • إلغاء المنشور عدد 85 بتاريخ 12 ديسمبر 1962 المتعلق بتسجيل الأسماء، بالإضافة إلى إلغاء كل أشكال العنف ضد المرأة وضمان احترام الحق في الحياة الخاصة وحرية الاختيار، وتدعيم حرية تكوين الجمعيات والاجتماع، وضمان المشاركة في الحياة العامة.

حجر على الحريات الفردية

وعلى صعيد آخر، يمكن القول إن الحريات الفردية اليوم في تونس تعيش وضعًا صعبًا تفاقمت شدته مع إجراءات الحجر الصحي الشامل وحظر التجول، التي فرضتها الدولة التونسية في إطار سياسة التوقي من فيروس كورونا المستجد، الذي اجتاح العالم خلال الأشهر الأخيرة، وجعل أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية حبيسي منازلهم.

وفي هذا السياق، يبيّن وحيد الفرشيشي، في تصريحه لـ"ألترا تونس"، أنه خلال انتشار مرض كوفيد 19، وبهدف حماية حق اقتصادي، وهو الحق في الصحة، فضلًا عن الحق في الحياة، تم حجر كل الحريات الفردية، على غرار حرية التفكير وحرية التعبير، مذكرًا بالمدونين الذين تم إيقافهم على خلفية تدوينات نشروها في الكاف والقصرين، وبالصحفي الذي انتقد وزير الصحة في الإذاعة الوطنية وتعرّضه لهجمة الكترونية.

كما لفت إلى التضييق على الجمعيات التي تقوم بمجهودات جبارة لتجميع الإعانات وتوزيعها وذلك من خلال عدم تمكينها من الحصول على التراخيص الضرورية للتنقل، مؤكدًا أن هذه المرحلة تتميّز بضرب الحريات الفردية بقوة.

وحيد الفرشيشي لـ"ألترا تونس": لقد ربطنا الحق في الصحة والحق في الحياة بالكوفيد 19

ويضيف "إذا تركنا الحق في الصحة دون رقيب من سيراقبه؟ حتى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لا يمكن الوصول إليها"، لافتًا إلى أن الحكومة تحكم بواسطة المراسيم وأن الرقابة المؤسساتية بعدية بينما لا يمكن ممارسة الرقابة المتزامنة، التي يقوم بها المجتمع المدني، في ظل منع مكونات المجتمع المدني من حرية التنقل وحرية التعبير وحرية التفكير.

ويؤكد الفرشيشي، في إطار متصل، أن عديد المواطنين باتوا غير قادرين على ممارسة حقهم في الصحة، موضحًا أن الأشخاص الذين يعانون من أمراض تتطلّب التنقل من ولاية إلى أخرى للحصول على الأدوية أو العلاج، حرموا من الحصول على الدواء، على غرار المصابين بالسيدا، إذ لا توجد سوى 4 مراكز تعنى بهم في كامل الجمهورية، ولا يمكنهم التنقل إليها من الولايات التي يقطنون فيها، الأمر الذي سيحول دون حصولهم على الأدوية الضرورية مما سيؤثر على حالتهم ويتسبّب في نقلهم لفيروس فقدان المناعة لغيرهم.

كما يشير إلى النساء اللواتي حرمن من حقهن في الإجهاض بسبب غلق الأماكن المخصصة لهذه العمليات، سواء كان ذلك في القطاع العام أو القطاع الخاص، الأمر الذي سيجبرهن على الاحتفاظ بالجنين دون إرادتهن، فضلًا عن الخطر الكبير الذي يواجه عديد المرضى غير المصابين بكوفيد 19، خاصة منهم الذين يشكون من مشكل رئوي وبالتالي ضيق التنفس.

وختم الفرشيشي بالقول إن العديد من الأشخاص بصدد الموت دون أن يتلقوا العلاج، مبرزًا أن المصابين بكوفيد 19 فقط هم من يتلقون العلاج ومضيفًا "لقد ربطنا الحق في الصحة والحق في الحياة بالكوفيد 19 وهذا أمر خطير".

 

اقرأ/ي أيضًا:

جدل رمضان زمن الكورونا

"كورونا" وعالم التنجيم.. بحث عن الخلاص عند باعة الوهم