05-نوفمبر-2019

انعقدت الندوة الصحفية لتقديم التقرير يوم الجمعة 1 نوفمبر 2019

 

"من المؤكد أن هناك تهديدات حقيقية للحقوق والحريات المكتسبة خلال السنوات الأخيرة"، عبارة قد تبدو للبعض مبالغًا فيها إلا أنها اليوم أقرب إلى صيحة فزع أو جرس إنذار ينبّه إلى خطورة ما قد تعيشه تونس في الأشهر والسنوات القادمة من تراجع على مستوى الحقوق والحريات وبشكل خاص الفردية منها، وذلك في ظلّ ما أفرزته نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية.

اقرأ/ي أيضًا: "لا رجوع".. رهان استكمال مسار العدالة الانتقالية

مخاوف من الحدّ من الحريات

والحديث عن وجود تهديدات حقيقية تمسّ المسائل المتعلقة بالحقوق والحريات الفردية لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة لعملية رصد للحملات الانتخابية قامت بها الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية ومرصد الدفاع عن الحق في الاختلاف والائتلاف المدني من أجل الحريات الفردية من خلال متابعة برامج وآراء مختلف المترشحين والمترشحات من عدة مسائل تتعلّق بالموقف من عقوبة الإعدام والتعاطي مع تجريم المثلية الجنسية والتجاهر بفحش والمساواة في الميراث والموقف من مشروع مجلة الحريات الفردية والموقف من تجريم استهلاك القنب الهندي، وتكريس حرية الضمير.

ولعلّ أول الحقوق والحريات التي وقع تهديدها إبان الانتخابات هي حرية الإعلام والتعبير، وهو ما أكده عضو جمعية الدفاع عن الحريات الفردية وحيد الفرشيشي الذي شدّد على أن التهديدات للحقوق والحريات "واردة".

وحيد الفرشيشي لـ"ألترا تونس": اللعب على الحقوق الاقتصادية كمسألة تعارض الحقوق والحريات الفردية هي مسألة خطيرة

واعتبر الفرشيشي، في تصريح لـ"ألترا تونس"، على هامش ندوة صحفية انعقدت الجمعة 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، لتقديم التقرير النهائي لرصد برامج ومواقف المترشحين للانتخابات الرئاسية والتشريعية من الحريات الفردية والمساواة، أن تأليه الأشخاص أمر سيء جدًا موضحًا أن التهديدات واردة لأن انعكاسات الحملة الانتخابية كانت سلبية، كما أن المواقف من الحقوق والحريات تثير بعض المخاوف.

وبيّن أنه فرضًا لن يقع المسّ بما هو موجود فسيتم وضع حدّ لتطوّر الحقوق والحريات في تونس مشيرًا إلى أنه سيتم تعديل المجلة الجزائية التونسية وإلى أن مجلة الإجراءات الجزائية بصدد التعديل ومبرزًا أن الخوف الآن هو الإبقاء على الحدّ من الحقوق والحريات في النصوص الجديدة نظرًا إلى أن الآمال كانت في تحسين النصوص الجديدة في مجال الحقوق والحريات.

ولفت محدثنا إلى أن أكثر من 3 ملايين تونسي بقليل فقط أدلوا بأصواتهم أي أقل من ثلث الشعب التونسي معتبرًا أن من يتحدث باسم الشعب يجب أن يتحدثوا باسم من انتخبهم في الحقيقة. وأكد أن العمل على توعية الشعب فيما يتعلّق بمسألة الحقوق والحريات الفردية متواصل مشيرًا إلى أنه لو لم يكن هناك هذا العمل لما طرح النقاش في مسائل استهلاك القنب الهندي والمثلية الجنسية.

وأبرز أن اللعب على الحقوق الاقتصادية كمسألة تعارض الحقوق والحريات الفردية هي مسألة خطيرة، مضيفًا أن دور المجتمع المدني في الفترة القادمة ينبغي أن يبيّن للمواطنين أنه لا وجود لتعارض بين الحريات الفردية والحقوق الاقتصادية بل إن الحقوق والحريات الفردية تخدم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية تصبّ في خانة الحريات الفردية.

مواقف مختلف المترشحين من الحقوق والحريات الفردية

والتقرير حول الحريات الفردية والمساواة في برامج الانتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة 2019 جاء مفصلًا وتناول مواقف المترشحين للانتخابات الرئاسية بدوريها الأول والثاني ومواقف الأحزاب والائتلافات المترشحة للانتخابات التشريعية من المسائل المتعلقة بالحريات الفردية والمذكورة أعلاه.

ولاستبيان مواقف مختلف المرشحين والمترشحات بخصوص المسائل المتعلقة بالحريات الفردية والمساواة خلال الدور الأول من الانتخابات الرئاسية، تمّ الاعتماد بصفة أساسية على التصريحات التي تداولتها وسائل الإعلام، وجاءت النتيجة على الشكل التالي:

وفيما يهم الطور الثاني من الرئاسية، فقد لاحظ التقرير أن مواقف المترشحين نبيل القروي وقيس سعيّد اتسمت بالغموض لعدم قيام كليهما بحملة انتخابية إلا أن مواقف المترشحين قد بدأت في التغيّر مباشرة مع انتهاء الدور الأول للانتخابات الرئاسية.

وأضاف التقرير أن تصريحات المترشحين ركّزت على أولوية المسائل الاقتصادية والاجتماعية على حساب المسائل المتعلقة بالحريات الفردية والمساواة التي لم يتمّ التعاطي معها بتاتًا لا من قبل المترشحين ولا من قبل الصحفيين الذين أخذوا في أغلبهم التصريحات التي تم تقديمها خلال الدور الأول.

أما بخصوص الانتخابات التشريعية، فقد تم اختيار العمل على المواضيع التالية ومتابعة آراء وبرامج الأحزاب والقائمات المترشحة بشأنها وهي: إلغاء عقوبة الإعدام وتكريس المساواة في الميراث وإلغاء الفصول 230 و226 و226 مكرّر من المجلّة الجزائية وتكريس حرية الضمير، وإلغاء تجريم استهلاك القنب الهندي والمصادقة على مجلة الحقوق والحريات الفردية المودعة بمجلس نواب الشعب.

وجاءت النتائج على الشكل التالي:

اقرأ/ي أيضًا: المشاركة السياسية للمرأة.. وقود انتخابي وتمثيل ضعيف

وبيّن التقرير، الذي أعدّه كلّ من وحيد الفرشيشي ومحمد أنور الزياني وسلوى غريسة وإيلاف القصاب، أنه مع انطلاق المسار الانتخابي لسنة 2019، كانت المسائل المتعلقة بالحريات الفردية والمساواة حاضرة خلال الدور الأول للانتخابات الرئاسية، إذ تناولتها وسائل الإعلام بقوة بكونها من المحاور الأساسية التي تمّ تناولها خلال اللقاءات مع مختلف المترشحين والمترشحات.

الخطاب الذي تمّ التركيز عليه في ظلّ الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها تونس أفرز أغلبية لا تجعل من المسائل المتعلقة بالحريات الفردية والمساواة مسائل أولوية

وأوضح أن هذا التمشي جعل مختلف المترشحين والمترشحات يدلون بمواقفهم إزاء هذه المسائل مشيرًا إلى أن طرح هذه المسألة لم يكن بالطريقة التي تدفع لاتخاذ مواقف إيجابية بشانها ويعود ذلك لثلاثة أسباب على الأقل وتتمثل في:

  • تقديم الدور الأول للانتخابات الرئاسية على الانتخابات التشريعية
  • طرح هذه المسائل خلال الدور الأول من الانتخابات الرئاسية ساهم في تناولها سلبيًا وذلك بحكم أن الصلاحيات الموكولة لرئيس الجمهورية لا يمكن من خلالها تكريس الحريات الفردية تكريسًا فعليًا على المستوى القانوني
  • طرح النقاش خلال الدور الأول من الانتخابات الرئاسية جعله يغيب تمامًا عن الحملة الانتخابية التشريعية وهو ما يعدّ استمرارًا لنتائج الدور الأول للانتخابات الرئاسية.

وخلص التقرير إلى أن التعاطي مع مسائل الحريات الفردية والمساواة لم يكن بالشكل الأمثل سواء خلال الانتخابات الرئاسية أو التشريعية، إذ تمّ توظيفها توظيفًا سياسيًا واضحًا من خلال جعلها مسائل ثانوية مقارنة بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية.

واعتبر أن هذا التعاطي يعدّ انتكاسة لمسار تكريسها مشيرًا إلى أنه قد تمّ تناول المسائل المتعلّقة بالحريات الفردية والمساواة من قبل الإعلاميين والإعلاميات خلال الدور الأول من الانتخابات الرئاسية بينما تمّ تغييبها خلال الانتخابات التشريعية وهو ما ساهم جزئيًا في عدم التعاطي معها بصفة جدية وذلك نظرًا لكونها مسائل لا يمكن تكريسها إلا من خلال الصلاحيات التشريعية لمجلس نواب الشعب.

أغلبية معارضة لتفعيل أحكام الدستور المتعلقة بالحريات الفردية

وأوضح التقرير أن الخطاب الذي تمّ التركيز عليه في ظلّ الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها تونس أفرز أغلبية لا تجعل من المسائل المتعلقة بالحريات الفردية والمساواة مسائل أولوية بل أفرز قوى تعلن معارضتها التامة والقاطعة لهذه المسائل، مشيرًا إلى أن هذه القوى السياسية ليست بالحجم الهيّن تحت قبة البرلمان وتلتقي مع بعضها بخصوص رؤية مجتمعية معلنة معارضة لتفعيل الأحكام الدستورية المتعلقة بالحريات الفردية والمساواة خاصة ائتلاف الكرامة والحزب الدستوري الحر وحركة النهضة، إذ يبلغ حجمها تقريبًا 90 نائبًا.

وأشار إلى أنه رغم وجود عديد المسائل التي عبّرت أغلب القوى السياسية عن عدم وجود أي رغبة لديهم في تكريسها مثل إلغاء عقوبة الإعدام فإن عددًا لا بأس به من المترشحين والمترشحات للانتخابات قد عبّروا عن استعدادهم لتفعيل المساواة بين النساء والرجال في الميراث وإلغاء الفحص الشرجي كوسيلة لإثبات العلاقات الجنسية المثلية (يبلغون تقريبًا 83 نائبًا) وتكريس حرية الضمير (تقريبًا 81 نائبًا) وإلغاء تجريم استهلاك القنب الهندي (حوالي 86 نائبًا).

وفي الإطار ذاته، قال عضو جمعية الدفاع عن الحريات الفردية محمد أنور الزياني، خلال الندوة الصحفية، إن التعاطي مع مسائل الحريات الفردية لم يكن الأمثل باعتبار أن التغيير لا يمكن أن يحصل إلا من خلال مجلس نواب الشعب وذلك بسبب تغييب هذه المسائل تمامًا خلال الحملة الانتخابية التشريعية الأمر الذي حال دون حصول نقاش معمق حولها.

محمد أنور الزياني: طيف كبير وواسع من النواب اليوم ليس لهم أي تصوّر يخص المسائل المتعلقة بالحريات والحقوق الفردية (حوالي 90 نائبًا)

وأكد الزياني وجود طيف كبير وواسع من النواب اليوم ليس لهم أي تصوّر يخص المسائل المتعلقة بالحريات والحقوق الفردية (حوالي 90 نائبًا) مشيرًا إلى أن 95 نائبًا يعارضون تكريس المساواة في الميراث. كما يعارض 38 نائبًا إلغاء الفحص الشرجي في حين يوافق 65 نائبًا على إلغائه.

وفيما يتعلّق بحرية الضمير، فأعرب 81 نائبًا قالوا إنهم مع هذه الحرية وكان موقف البقية متذبذبًا باستثناء نواب ائتلاف الكرامه الذي عارضوا هذا الحق. أما بالنسبة للقنب الهندي، فأغلبية النواب ترى ضرورة التقليص في عقوبة المستهلكين ويساند 82 نائبًا إلغاء العقوبة تمامًا فيما يطالب 57 نائبًا بالحدّ منها فقط. وبخصوص مشروع مجلة الحريات الفردية، فيوافق 77 نائبًا على أغلب النقاط الواردة فيها ويساندها تمامًا 52 نائبًا فيما يعارضها بقية النواب.

استراتيجية جديدة للمجتمع المدني

من جهته، أشار وحيد الفرشيشي خلال مداخلته في الندوة الصحفية إلى اختلاف مواقف المترشحين والمترشحات من المسائل المتعلقة بالحريات الفردية بين بداية الحملة الانتخابية ووسطها ونهايتها مبرزًا أنه أصبح لدى القوى المدنية المدافعة عن الحريات الفردية فكرة عن تركيبة المشهد داخل البرلمان القادم على مستوى أولي على الأقل. وأبرز أن حملات المناصرة للدفاع عن هذه القضايا ستأخذ شكلًا جديدًا مفيدًا أنه سيتمّ عقد ندوة صحفية بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل للإعلان عن الاستراتيجية الجديدة للمجتمع المدني في هذا السياق.

ممارسات إقصائية ضدّ النساء

هذا ولم تغفل الندوة الصحفية عن التطرّق إلى وضع المرأة في الانتخابات التي شهدتها تونس، إذ أكدت نائب رئيس الرابطة التونسية للناخبات التونسية تركية بن خذر أن نسبة كبيرة من الأحوزاب لم تتطرّق في حملاتها الانتخابية إلى حقوق المرأة العامة والفردية والمساواة في الإرث.

واعتبرت بن خذر، في مداخلة خلال الندوة الصحفية، أن إجابات بعض المترشحين على الأسئلة المتعلّقة بهذه المسائل كان ضبابية وغير واضحة فيها مراوغة قائلة إن الأحزاب تخاف أن تفقد رصيد الانتخابي.

تركية بن خذر: عريضة للمطالبة بإدراج التناصف في تركيبة الحكومة الجديدة

كما أشارت إلى "الممارسات الإقصائية" ضدّ النساء مبينة أن الأحزاب التي تزايد بقضايا المرأة لم تفعّل شعاراتها حيث أنها لم تراهن في الانتخابات التشريعية على النساء كرئيسات قائمات.

وأضحت أنه كان هناك 208 رئيسة قائمة فقط أي بنسبة 14 في المائة الأمر الذي أدى إلى وصول 52 امرأة فقط للمجلس النيابي، مضيفة أن وجود الرابطة هو لإطلاق صيحة فزع ومواصلة النضال ودعوة النواب القادمين كي يبتوا في هذه القضايا التي بقيت عالقة.

وكشفت أن رابطة الناخبات التونسيات أطلقت عريضة موجهة لرئيسي الحكومة والجمهورية لإدراج التناصف بين الجنسين في تركيبة الحكومة الجديدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تمثيلية المرأة في البرلمان الجديد.. إلى الوراء در

مفاوضات التشكيل الحكومي.. جسّ نبض متبادل وشروط بسقف عال