22-أبريل-2020

هل يكون إجراء الاختبار مغامرة غير محسوبة العواقب؟ (صورة أرشيفية/ فتحي بلعيد/ أ ف ب)

 

حوالي خمسين يومًا تفصل عشرات الآلاف من تلامذة السنوات النهائية عن الموعد الأصلي لانطلاق الاختبارات الكتابية لامتحان الدورة الرئيسية لباكالوريا 2020، التي تقرر إجراؤها بداية من الأربعاء 10 جوان/ حزيران 2020، وذلك وفق روزنامة أعلنت عنها وزارة التربية في مطلع السنة الإدارية الجديدة.

هذه الروزنامة المتصفة بالدقة والصرامة كانت مرجعًا رسميًا أساسيًا يعتمده المربون والأولياء ومديرو المعاهد وإدارة الامتحانات في إحكام الاستعداد لليوم الموعود، لكن بسبب وباء كورونا أحيلت تلك الروزنامة إلى الرفوف، وانطلق البحث عن بدائل، فتباينت المقاربات والسيناريوهات حول واحدة من أهم المواعيد الوطنية.

اقرأ/ي أيضًا: التعليم زمن الكورونا.. سيناريوهات رهينة الحجر وجدل حول التعليم عن بعد

قلق مصيريّ ووضوح نسبيّ

الباكالوريا في تونس ليست مجرد امتحان، إنّما هي "الامتحان" بالألف واللام، تكاد تصغر أمامها سائر الاختبارات والمناظرات في مختلف مراحل التحصيل التعليمي الثانوي والجامعي، فهي المناسبة التي تحظى بالاهتمام الأوسع رسميًا وشعبيًا، وهي الذكرى الأعلق بأذهان التلامذة، وهي كذلك المناسبة التي تبلغ فيها حرارة القلق ذروتها  بالنسبة إلى المعنيين بالامتحان وأسرهم وأصدقائهم وأحبتهم، وقد تضاعف القلق هذه السنة الدراسية 2019/ 2020 بسبب الاضطراب الذي خلّفه وباء كورونا، فتحول إلى هواجس تشكلت من خلال أسئلة تضطرم حيرة وانتظارًا.

الباكالوريا مناسبة خطيرة مربكة شديدة التعقيد في الأوضاع العادية فما بالك وهي تجرى في زمن الكورونا

تمكنت سلطة الإشراف من الحسم في بعض المسائل ومنها رفض الارتقاء الآلي والإعراض مطلقًا عن السنة البيضاء وتتويج الموسم الدراسي بآليات بيداغوجية وتقييمية وتشريعية استثنائية تنظم النجاح والرسوب بالنسبة إلى بقية السنوات، منها احتساب معدّل الثلاثيتين الأولى والثانية مع الاجتهاد في مسألة الإسعاف.

هذا الوضوح النسبي في الرؤية بالنسبة إلى سائر المستويات الدراسية بدا غائبًا في صلة بامتحان الباكالوريا، فطبيعة الرهان تقتضي التمسّك بإجراء الاختبار، هذا القرار يكتسي خطورة ويرقى إلى مرتبة المغامرة التي تحتاج إلى منتهى اليقظة والاحتراس، وتقتضي إعداد كتائب أخرى من جنود الحرب على كورونا لتلتحق بطلائع سبقت إلى ساحة المعركة، فمن المنتظر أن يخوض معمعة اجتياز الباكالوريا عدد هائل من "الأسلاك" والموظفين، منهم مديرو المعاهد ومراكز الامتحانات ومراكز الإصلاح، ومنهم المتفقدون والأساتذة المصلحون والمراقبون، ومنهم القيمون وعدد كبير من الجنود والأمنيين، ومنهم الكتبة والعملة وغيرهم..

الباكالوريا مناسبة خطيرة مربكة شديدة التعقيد في الأوضاع العادية فما بالك وهي تجري في زمن الكورونا، لذلك ارتأى "ألترا تونس" التحدث إلى بعض الأطراف العارفة بخفايا هذا الامتحان الوطني وملابساته وأحكامه.

متفقدة عامة للتربية: الباكالوريا في جويلية قرار يقتضي إجراءات غير مسبوقة

هدى الكافي، متفقدة عامة للتربية في مادة الفلسفة، تشرف في مدينة الثقافة بالعاصمة على أحد نوادي الفلسفة الموجهة للطفل، وقد كانت سباقة أثناء الحجر الصحي إلى تقديم دروس مباشرة لفائدة تلامذة الباكالوريا عبر وسائط التواصل الاجتماعي.

وردًا على سؤال "ألترا تونس"  حول إمكانية إجراء امتحان الباكالوريا في شهر جويلية/ تموز، اعتبرت الكافي أن وزارة التربية تتجه إلى إجراء امتحان الباكالوريا في شهر جويلية/ تموز، هذا القرار في رأيي يفتقر إلى الانسجام مع العديد من المقامات، فالمصادر الصحية لم تعلن نهاية الوباء أو السيطرة عليه كليًا، بل أقنعت الشعب التونسي أنه إزاء حرب، ودعت بإلحاح إلى كل شروط التباعد والتوقي، مشيرة إلى أن مراحل إنجاز امتحان الباكالوريا تقتضي  ألوانًا شتى من القرب، فتطور أساليب الغش ووسائله تدفع الأستاذ المراقب وجوبًا إلى القرب من التلميذ من حين إلى آخر بصفة تكاد تكون لصيقة.

هدى الكافي لـ"ألترا تونس": إمّا أن يكون الحديث عن مخاطر كورونا مبالغًا فيه وإمّا أن نكون إزاء مغامرة غير محسوبة العواقب

وأضافت أن هذا المثال يبدو هيّنًا قياسًا إلى ملايين الأوراق التي تمرّ على آلاف الأيادي، فعند كل تسليم وتسلُّم بين التلميذ والمراقب أو بين المتفقد والمصلح الأول والمصلح الثاني يمكن أن تمرّ العدوى، مع العلم أنّ التلامذة حينما يأتون إلى مراكز الامتحان يُفترض أن يكونوا قد مروا بالعديد من المرافق منها وسائل النقل الخاصة والعامة وبعض المحلات التجارية، حسب تعبيرها.

على هذا النحو وحتى يحدث الانسجام بين الواقع والقرار، إمّا أن يكون الحديث عن مخاطر كورونا مبالغًا فيه، وهذا أستبعده، وإمّا أن نكون إزاء مغامرة غير محسوبة العواقب، وفي ذلك مسؤولية جسيمة، وإمّا أن تتخذ سلطة الإشراف إجراءات وقائية غير مسبوقة، وهو أمر أراه غير قابل للتحقق بالنظر إلى الإمكانيات المتوفرة في المؤسسات التربوية الحالية.

اقرأ/ي أيضًا: جدل رمضان زمن الكورونا

أستاذ باكالوريا: المربون وتلامذتهم قادرون على الخروج من الوباء إلى حسن البلاء

من جهته، قال خالد كرونة، وهو أستاذ درّس تلامذة الباكالوريا أكثر من عقدين، وله مساهمات متميزة في الفكر والأدب والبرامج الإذاعية والنضال النقابي، ردًا على سؤال لـ "ألترا تونس" بخصوص قدرة الإطار التربوي على إنجاح الامتحانات الوطنية في ظروف استثنائية، إنه " إذا كان البعض قد غالى في الجزع حتّى دعا إلى اعتبار السنة بيضاء، وإذا كان البعض الآخر قد أفرط في الخوف من عواقب القرار على صحة الشبّان وعلى سلامة مدرسيهم، فإنّ الإنصاف يقتضي ألاّ ندع نتائج الأزمة وتداعياتها النفسية تتضاعف على المتعلمين بإحباطهم".

خالد كرونة لـ"ألترا تونس": نعتقد أنّ المربين لن يتأخّروا عن النهوض بواجبهم النبيل في هذه الظروف الاستثنائيّة

وأضاف "إنّنا نعتقد أنّ المربين لن يتأخّروا عن النهوض بواجبهم النبيل في هذه الظروف الاستثنائيّة، ولا نخال أنهم لا يتطلعون إلى الاشتراك في الحرب على جائحة كوفيد، ولن تعوز وسائل التوقّي عقولهم.. ينبغي تحويل الوباء درسًا حيًّا على الإصرار ودرسًا في الإخلاص لعيون الناشئة المتطلعة إليهم".

وأكد أن المربّين ليسوا دون رجال الصحة ونسائها بذلًا، وليسوا دون الأسلاك الحاملة للسلاح استعدادا للعطاء، مضيفًا "لن ترهبهم حرارة الطقس ولا تثقل عليهم المسؤولية لأنهم خلقوا لها. ومثلما رأيناهم في كلّ المبادرات المواطنية يوزعون الأغذية ويشحذون الهمم ويجمعون الهبات، سنراهم ينثرون الأمل على وجوه شبّان يتطلعون إلى هزم الجائحة بتثبيت سيرة الإنسان العصيّ على الانكسار.. سيحوّلون مع مربّيهم عام الوباء إلى عام حسن البلاء".

خبير في التربية: يمكن الاستغناء عن محاور الثلاثي الثالث

بدوره، يقول عبد العزيز الكردي، متفقد عام متحصل على الدكتوراه وخبير في التربية، من إصداراته المنشورة "المقاربة الإدماجية سندًا نظريًا والمقطع التعليمي الإدماجي طريقة في التنفيذ"، لـ"ألترا تونس" إنه إن عادت الحياة إلى طبيعتها وزال خطر الوباء قبل نهاية ماي/أيار، فإنه يقترح استكمال البرنامج خلال شهر جوان/ حزيران، وإجراء امتحانات البكالوريا خلال شهر جويلية/ تموز، ثمّ تتمة بقية الإجراءات من توجيه وغيره، لكن إن زال خطر الوباء قبل نهاية جوان/ حزيران، من الأجدر اجتياز المتعلمين لامتحان البكالوريا خلال شهر جويلية/ تموز في المواد المميزة في كل شعبة فقط، واحتساب معدلاتهم خلال الثلاثيتين الأولى والثانية في بقية المواد"، وفق تقديره.

عبد العزيز الكردي لـ"ألترا تونس": في حال اجتياز امتحان البكالوريا خلال جويلية ينبغي أن يُعاد النظر في نصوص الاختبارات الوطنية

وبيّن أنه في هذه الحالة، ينبغي أن يُعاد النظر في نصوص الاختبارات الوطنية باستبعاد ما تعلق منها بدروس الثلاثي الأخير، وإعلام المتعلمين بجملة المحاور الباقية التي يمكن أن تتعلق بها الامتحانات احتياطًا لإمكانية حصول التفاوت بين المدرسين في إنجاز البرامج، على حدّ تعبيره.

وختم بالقول "ينبغي أيضًا تخصيص الدروس الرقمية وخصوصًا التي تبث على القناة التلفزية للمسائل التي لم تُدرّس وتكون على شكل تفاعلي لا على شكل محاضرات تقرأ من مذكرات، وتبث خلال شهريْ أوت/ آب وسبتمبر/ أيلول، حتى يستطيع كل متعلم متابعة ما يحتاج منها في ضوء الاختصاص الجامعي الذي وُجّه إليه، وله أن يتابع ما ينمي رصيده العلمي والثقافي عمومًا"، وفق تصريحاته.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"كورونا" وعالم التنجيم.. بحث عن الخلاص عند باعة الوهم

تضاعف بأكثر من 7 مرات: نساء يقبعن تحت وطأة العنف وتجاهل السلطات