21-أبريل-2020

صعوبة العيش وحيدًا في فترة الحجر الصحي (جيتي)

 

"عُزلنا عن الحياة الاجتماعية العادية اليومية، وتغيّر نمط حياتنا بعد أن فُرض علينا تباعد لم نعشه سابقًا. عزل إجباري للوقاية من انتشار عدوى انتشار كورونا لا يخفى أثره المادي والنفسي وحتى ربّما الجسدي بسبب قلّة الحركة. لكن مثّل بالنسبة لي فرصة لألملم أشيائي وأعيد ترتيب أولوياتي في الحياة، هو فرصة للانعزال عن العالم لإعادة تنظيم أموري"، هكذا تحدثت رفيقة (اسم مستعار) وهي صحفية لـ"أالترا تونس" عن تجربتها مع الحجر الصحي الذي تقضيه بمفردها بعيدًا عن الأهل والأصدقاء بحكم العمل في العاصمة.

تضيف: "الحجر الصحي الذي أقضي أيامه بمفردي في البيت بعيدًا عن الأهل خلق فرصة مهمّة لأكتشف في نفسي أشياءً لم أكن أعرفها سابقًا. كأنّه حجر إرادي تُقنع نفسك بأنّك سافرت إلى عالم آخر أو مدينة أخرى بإرادتك في فترة نقاهة لترتيب حياتك من جديد".

الأشخاص الذين لا يشعرون بالتواصل مع غيرهم مدة طويلة هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والخوف والاضطراب

تقول محدثتنا إنها تشعر أنّها تقضي أيامًا مهدورة في اللاشيء: "من يقضي الحجر الصحي بمفرده لن تكون له نفس الأولويات مع المجموعة، فأولوياتك مع العائلة غير أولوياتك وأنت بمفردك، لذا هي فرصة حقيقية لترتيب عدّة أمور، وتغيير علاقتنا بعدّة أشياء، لتخرج فيما بعد بولادة أخرى وتخطط لحياتك في المستقبل".

وتبيّن أنّ حياتها المهنية بوصفها صحفية تسبب ضغطًا كبيرًا، يدفعها في كثير من الأحيان للانعزال بعيدًا عن كلّ ما يدور في الحياة الاجتماعية عائدة إلى الكتب والروايات والقيام بأشياء لم تجد لها وقتًا خلال العمل، لذا انعزالها اليوم لا يشكل مشكلًا بالنسبة لها، وفق قولها.

اقرأ/ي أيضًا: "أحكيلي".. منصّة مساعدة نفسية لمواجهة "الكورونافوبيا"

قد تستغل هي الحجر الصحي بطريقة إيجابية، ولا ترى منه سوى الجانب الذي قد يغيّر حياتها للأفضل. لكن ماذا بالنسبة لأولئك الذين تمنوا لو لم يعيشوا التجربة بمفردهم؟ ماذا لو وحدتهم في البيت صعبت عليهم قضاء الحجر الصحي وفرضت عليهم تباعدًا عائليًا وليس اجتماعيًا فقط؟

فإذا أثبت الحجر الصحي أثره الإيجابي في الوقاية من الإصابة بفيروس كورونا، إلاّ أنّ أثره النفسي السلبي لا يخفى على المختصين النفسيين الذين يقدّمون النصائح بصفة مستمرة عن كيفية تقضية الحجر الصحي بعيدًا عن أيّ ضغوط نفسية، خصوصًا إذا طال أمد هذا الحجر.

إذ أدرك الباحثون النفسيون أثر الوحدة والعزلة الاجتماعية التي فرضها الحجر الصحي. فالأشخاص الذين لا يشعرون بالتواصل مع غيرهم مدّة طويلة هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والخوف والاضطراب وبعدّة آثار نفسية، خاصة أولئك الذين يعيشون بمفردهم بسبب العمل أو الدراسة بعيدًا عن الأهل.

وتحدّثت تقارير حقوقية وإعلامية عدّة عن أثر الحجر الصحي في العلاقات الزوجية، وعن ارتفاع نسبة تعنيف المرأة، وعن تبعات البقاء مدّة طويلة في البيت على الأطفال وعدم استيعابهم لكلّ ما يدور من حولهم. لكنّ كيف يقضى الوحيدون الحجر الصحي؟

وحيدًا في البيت.. أفكار مخيفة!

"منذ بداية الحجر الصحي، أصبح جسدنا أمام اختبار يومي صعب، نترصّد حركتنا وحركة أيدينا بالأساس، لا تلمس الأشياء ولا تتعامل معها كعادتك. تتوجس من مجرّد لمس علبة طعام أو أي مادة غذائية. تغيّرت عاداتنا وتعاملنا مع جسد ناقل للعدوى وجب مراقبة حركاته باستمرار حتى بتنا نعزل أنفسنا لأيام والخروج فقط لقضاء أشياء ضرورية بصفة أسبوعية تقريبًا"، هكذا حدثنا حنان وهي محامية تعيش بمفردها.

حنان (محامية): ربّما يسبب الحجر الصحي مشاكل داخل الأسرة ولكن يبقى أفضل من البقاء في عزلة فردية

تضيف: "بتنا نخاف حتى من مجرّد تنفس الهواء في الشارع. ربّما يأنس البعض في الحجر الصحي بوالديه أو أبنائه وعائلته، بينما نحن من نعيش بمفردنا بعيد عن الأهل لم نعد نلاقي الأصدقاء للأنس بهم أو وتقاسم الوقت معهم. لم تعد حياتنا الاجتماعية كما كانت. لا يجمعنا بالآخر سوى نقاش عن بعد عبر وسائل التواصل بالهاتف أو مواقع التواصل الاجتماعي. الأمر صعب جدًا ولم أعد قادرة على قضاء أكثر وقت بمفردي".

اقرأ/ي أيضًا: جدل رمضان زمن الكورونا

وتخبرنا محدثتنا أنها رفضت العودة إلى العائلة رغم قدرتها على التنقل مخافة أن تكون حاملة للفيروس خصوصًا أنّ الأبحاث كشفت أنّ البعض قد يكون حاملًا للفيروس دون أن تكون لديه أي أعراض.

تضيف أنها وحيدة في مدينة غير أليفة وفق تعبيرها، وما صعب الأمر هو وجودها في بيت تسوّغته منذ شهرين تقريبًا، فلم تتعرّف على المكان جيدًا ولا تعرف أحدًا من الجيران، وما يخيفها هو فرضية إصابتها بالفيروس وهي تعيش بمفرده. تقول: "ما يرعبني خبر وفاة أحدهم بمفرده والتفطن لوفاته بعد أيام. تلاحقني عدة أفكار مخيفة وأنا أتابع الأخبار بصفة يومية".

تؤكد حنان أنه ربّما يسبب الحجر الصحي مشاكل داخل الأسرة، ولكن يبقى ذلك أفضل من البقاء في عزلة فردية بعيدًا عن الجميع تواجه شبح أفكار مخيفة كأن تموت وحيدًا، كما تقول.

مشاكل العائلة أفضل من الوحدة

عبد الرحمن موظف ببنك يعيش أيضًا بمفرده في نابل منذ أربع سنوات، لم يقض أيّ يوم في عزلة رغم عيشه بعيدًا عن العائلة باعتبار أن مقابلة الأصدقاء بعد العمل كل يوم تؤنس وحدته. ولكن توقفه عن العمل بسبب الحجر الصحي، وعزله عن عائلته وأصدقائه أيضًا، وقضائه مدة 20 يومًا دون مغادرة بيته، جعله يشعر أنه في حبس انفرادي وفق حديثه لـ"ألترا تونس".

عبد الرحمن (موظف ببنك): البقاء بمفردك لأيام عدّة دون مخالطة الناس ودون وجودك مع العائلة أمر صعب جدًا

ربّما تخفف وسائل الاتصال وطأة هذه العزلة ولكنها قطعًا لا تعوّض معنى أن تكون مجتمعًا وسط العائلة أو على الأقل مع الأصدقاء لتحادثهم، كما يؤكد.

يخاف عبد الرحمان أيضًا من فكرة الإصابة بمرض أو بوعكة صحية دون أن يلقى من يساعده في هذا الظرف بالذات خاصة وأنّه يعاني من مرض السكري. ويبيّن بذلك أنه بات أكثر حرصًا على اتباع نظام غذائي صحي لأنّه لا يمارس أي نشاط، مع تجنّب الخروج من المنزل إلا للضرورة.

يؤكد محدثنا أن "البقاء بمفردك لأيام عدّة دون مخالطة الناس ودون وجودك مع العائلة أمر صعب جدًا" مشددًا بدوره أن المشاكل داخل الأسرة بسبب الضغوط النفسية في فترة الحجر تظل أفضل من العيش وحيدًا في هذا الظرف بسبب الخوف من التعرّض إلى أي طارئ دون وجود شخص يُسند.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"كورونا" وعالم التنجيم.. بحث عن الخلاص عند باعة الوهم

المهاجرون وطالبو اللجوء في تونس.. معاناة مضاعفة زمن الكورونا