طالما أثار رمضان جدلاً رغم أن قطاعًا واسعاً من المسلمين انطلقوا في صيام الشهر الكريم منذ السنة الثانية للهجرة. وقد تعددت أوجه الجدل لعقود، لكن رمضان هذا العام أو كما يسميه الكثيرون "رمضان زمن الكورونا" انطلق النقاش حوله مبكرًا وأخذ زوايا مستجدة. ومن ذلك انتشار هاشتاغ #رمضان_غير_مع_كورونا الذي يجمع مواقف متباينة من "رمضان الحجر الصحي" الذي يعتبر سابقة في تاريخ المسلمين.
نبحث في هذا التقرير في أبرز ما أثار النقاش حول "رمضان زمن الكورونا" حتى قبل انطلاقه وما يبدو أنه سيميزه عن رمضان السنوات السابقة.
فتاوى الصوم والإفطار وخطر "كورونا"
"فتوى تبيح إفطار رمضان بسبب انتشار فيروس كورونا"، هذا ما راج بين التونسيين حوالي أسبوع قبل ظهور هلال الشهر. والحجج المتداولة من أصحاب الفتوى عديدة، منها أنه يُضعف مناعة الإنسان مما قد يهدد بإصابته بفيروس كورونا، أو أنه يمنع من شرب الماء خلال اليوم وهو ما يتنافى مع نصائح الوقاية من الوباء وغير ذلك من روايات غصت بها منصات التواصل الاجتماعي.
ساهمت مداخلة تلفزيونية لمفتي الجمهورية التونسية عثمان البطيخ في تصاعد النقاش حين قال "بالنسبة للصوم في زمن الوباء القرار يعود للأطباء الذين يجب أن يجتمعوا لتقييم الوضع"
وقد ساهمت مداخلة تلفزيونية لمفتي الجمهورية التونسية عثمان البطيخ مساء الإثنين 13 أفريل/ نيسان 2020 في تصاعد النقاش، حين قال "بالنسبة للصوم في زمن الوباء القرار يعود للأطباء الذين يجب أن يجتمعوا لتقييم الوضع".
وتابع بطيخ في حوار على القناة الوطنية الأولى أن "الأمر يعود أيضًا للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن القومي.. وحينها لكل حادث حديث". وأضاف المفتي "الله عندما ينزل حكمًا من الأحكام فهذا لا يعني أنه حكم لا يتغير مع طبيعة الإنسان".
ومع تطور الجدل مجتمعيًا، أصدر عدد من أساتذة جامعة الزيتونة الثلاثاء 14 أفريل/ نيسان 2020 بيانًا أطلقوا عليه "بيان شرعي في حكم الصوم في ظل تفشي وباء كورونا"، أكدوا فيه أن حكم الصوم ثابت بالنص القطعي، ومعلوم من الدين بالضرورة، وهو واجب على كل مكلف مقيم صحيح خال من الموانع الشرعية، وأن الفطر لا يجوز إلا لأصحاب الأعذار من المرضى والمسافرين وكبار السن ونحوهم.
وأوضحوا أنّه "يجوز للمصاب بالوباء الفطر في رمضان بناء على توجيهات الأطباء المباشرين لحالته"، ونبّهوا في ذات البيان من الأخذ بما يشاع من أنّ "الصوم يُضعف مناعة الإنسان الصحيح ممّا يهدّد بالإصابة بفيروس كورونا"، معتبرين هذا القول "دعوى غير صحيحة وتقديرًا فاسداً واحتياطًا متوهّمًا".
نبّه أساتذة جامعة الزيتونة من الأخذ بما يشاع من أن الصوم يُضعف مناعة الإنسان الصحيح مما يهدّد بالإصابة بفيروس كورونا، معتبرين هذا القول دعوى غير صحيحة
صلاة التراويح داخل البيوت
لم يقتصر الجدل على شريعة الصوم، فالحديث عن صلاة التراويح وفرضية منع انعقادها في الجوامع والساحات انطلق مبكرًا وبناء على ذلك سارع مفتي الجمهورية للرد، في محاولة لإيقاف الجدل خاصة على منصات التواصل.
وكان قد صرح عثمان البطيخ في إذاعة شمس أف أم الخاصة، يوم الأربعاء 8 أفريل/ نيسان الجاري، أن "المسألة مرتبطة بالوضع الصحي العام وبرفع الدولة للحجر الصحي من عدمه". وفي حال بقاء الوضع على ما هو عليه، أكد المفتي أن "صلاة التراويح ليست فرضًا والشخص غير مطالب بالذهاب إلى الجامع وأنه بالإمكان الصلاة مع أفراد العائلة في المنزل لتجنب الاختلاط وتوقيًا من انتشار الفيروس".
وإذ تتجه تونس نحو تمديد حالة الحجر الصحي وحظر التجول فمن المتوقع أن يمنع إقامة صلاة العيد أو التراويح في الجوامع والأماكن العامة والمختلطة.
رغم الحجر.. تواصل تصوير مسلسلات رمضان
بعيدًا عن الشعائر الدينية، كان النقاش حول مسلسلات رمضان حادًا هذا العام رغم أنها لم تعرض بعد وذلك على عكس العادة. إذ أثار قرار وزارة الثقافة السماح لشركات الإنتاج الدرامي باستئناف تصوير المسلسلات الرمضانية، والصادر بـ"تعليمات" من رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، وفق بلاغ للوزارة، موجة من الانتقادات في ظل تفشي انتشار فيروس "كورونا" والتشديد على ضرورة الالتزام بالحجر الصحي العام.
بدا الأمر للكثير من التونسيين أشبه بتمييز خُصت به شركات الإنتاج الدرامي دون غيرها من المؤسسات الخاصة في قطاعات مختلفة والمتوقفة عن العمل وهو ما يعرضها لخسائر كبرى، إلا أن وزيرة الثقافة التونسية شيراز العتيري أصرت على نفي أي تمييز أو تعريض صحة العاملين في هذه المسلسلات للخطر.
بدا الأمر للكثير من التونسيين أشبه بتمييز خُصت به شركات الإنتاج الدرامي دون غيرها من المؤسسات الخاصة في قطاعات مختلفة والمتوقفة عن العمل وهو ما يعرضها لخسائر كبرى
أكدت العتيري أن استئناف التصوير جاء بطلب من شركات الإنتاج ومن قنوات تلفزيونية وأن الغاية هي ضمان إنتاجات درامية لتأثيث رمضان التونسيين. وشددت على اتخاذ الإجراءات الصحية اللازمة منها العزل الإجباري للأشخاص المعنيين بالتصوير عبر إقامتهم في مكان واحد وعدم العودة إلى بيوتهم إلا عند إتمام التصوير، كما سيتم إجراء تحاليل لكامل أعضاء الفريق قبل التصوير وبعده.
استئناف تصوير المسلسلات قُوبل، رغم توضيحات الوزيرة، برفض واسع ومن ذلك توجه إحدى الجمعيات "مرصد رقابة"، الذي يرأسه النائب السابق عماد الدائمي، للطعن لدى المحكمة الإدارية ضد قرار وزيرة الثقافة، معتبرًا أنه "ينحرف بالإجراءات ويحدث ثغرة في المنظومة الصحية للتصدي للوباء، ويضرب مبدأ المساواة بين المواطنين وسلم الأولويات بين القطاعات المتعطلة بسبب قرار الحجر الشامل". وأضافت الجمعية، في بلاغ لها، "لا سبيل للقبول باستثناءات غير مبررة في تطبيق القانون لصالح قوى نافذة". وجاء قرار المحكمة الإدارية بالإذن بتأجيل تنفيذ قرار الوزيرة فعلًا.
لكن رغم قرار المحكمة الإدارية، تواصل التصوير بالنسبة للعديد من المسلسلات، وتواصل الجدل، في سياقات أخرى أساساً تنافسية بين القنوات التلفزية. وتصاعدت أصوات أخرى منادية بإيقاف تصوير المسلسلات وتحويل ميزانية وزارة الثقافة إلى وزارة الصحة، مستغلين الوضع الصحي في البلاد لتمرير رسالة تقلل من قيمة الثقافة في المجتمع وهي ليست جديدة، وفق المتابعين للشأن الثقافي التونسي، ولكن وظف البعض "زمن الكورونا" والصعوبات التي تمر بها البلاد ونقص الإمكانيات في المجال الصحي، لإعادة ترويجها.
يكشف التونسيون عن تململ حول مدى تقبل خصوصية رمضان هذا العام رغم محاولات واضحة من السلطات لصد أي احتجاجات أو خلاف واسع
والآن قبل أيام قليلة من انطلاق شهر رمضان، يكشف التونسيون عن تململ حول مدى تقبل خصوصية رمضان هذا العام رغم محاولات واضحة من السلطات لصد أي احتجاجات أو خلاف واسع مما يفسر الظهور الإعلامي المتكرر لمفتي الجمهورية أو المقابلات المتواترة أيضًا مؤخرًا لرئيس الحكومة مع أساتذة من جامعة الزيتونة وباحثين في المجال الديني.
لكن اللافت أن الحكومة التونسية لم تصدر إلى حد الآن أي إرشادات أو توجيهات للوقاية من وباء كوفيد 19 خلال هذا الشهر بالذات، الذي تبلغ خلاله الطقوس والشعائر الدينية ذروتها، كما لا تزال عديد التساؤلات قائمة حول مدى تغيير التونسيين لعاداتهم وبعض تقاليدهم خلال هذا الشهر الذي يتميز أيضًا بنشاط اجتماعي يختلف عن باقي الأشهر غالباً.
اقرأ/ي أيضًا: