14-فبراير-2022

كان الأجدر أن نبني على خُطى إصلاحات الأوّلين، ونُرمّم ما تجاهلوه أو أفسدوه (ياسين القايدي/ الأناضول)

 

مقال رأي

 

يقول أفلاطون "إنّ الشّخص الّذي يُهمل التّعليم، سيسير أعرج حتّى نهاية حياته". شخصيًّا أتّفق كثيرًا مع هذا القول، باعتبار أنّ  التّعليم يُعدّ العامل الأساسي لارتقاء الشّعوب وتقدّم المجتمعات وانتشال أجيال من غياهب الجهل والأميّة. فمن يُهمل التّعليم سيسير أعرج بخطى غير واثقة ولا مُتمكّنة، طبعًا أعرج فكريًّا ومعرفيًّا دُون دليل يُرشده في حياته. 

لكن للأسف، لقد أهملت الحكومات المُتعاقبة في تونس طيلة سنوات، المنظومة التّعليميّة فشهدت انتكاسات ونقائص عديدة أدّت إلى تراجع جودة التّعليم وتفشّي ظواهر أربكت بعض المؤسّسات التّعليميّة نتيجة تراخي الأطراف المسؤولة في الدّولة في تطبيق الإصلاحات الجذريّة، وتنصّل بعض مُؤسّسات التّنشئة الاجتماعيّة الأخرى أيضًا من دورها في الارتقاء بواقع التّعليم.

لقد أهملت الحكومات المُتعاقبة في تونس طيلة سنوات، للأسف، المنظومة التّعليميّة، فشهدت انتكاسات ونقائص عديدة أدّت إلى تراجع جودة التّعليم وتفشّي ظواهر أربكت بعض المؤسّسات التّربوية نتيجة تراخي الأطراف المسؤولة في الدّولة في تطبيق الإصلاحات الجذريّة

أصبحنا لا نستثمر في العقول ولا ندعم المواهب والإبداع والتّجديد، بل نسعى إلى "أدلجة العلم" و"تسليع المعرفة" الّتي تحوّلت في بعض الأحيان إلى بضاعة رخيصة الثّمن تنبني على "مبدأ المُقايضة" لا التّنوير. وهنا، أؤكّد على أهميّة العقول المُستنيرة بالمعارف والمبادئ الإنسانيّة والقيميّة في تقدّم المُجتمع، لا العقول الخاوية من كلّ فكر وثقافة وقيم، لأنّ "الإنسان لا يُصبح إنسانًا إلاّ بالتّربية" على حدّ فلسفة كانط وتصوّره. وهذه التّربية يجب أن تكون تربية سليمة مرتكزة على بناء الإنسان والإعلاء من قيمته الإنسانيّة وتنمية قدراته الذّاتيّة والعلميّة ودعم مواهبه.

من المؤسف فعلًا أن يتمّ تهميش قطاع بأكمله، فلا بيئة تعليم مناسبة، ولا مناهج دراسيّة مُلائمة ومواكبة لسوق العمل العالمي، ولا محتوى تعليمي قادر بدوره على زرع رُوح الابتكار والتّجديد وتكوين فكر تحليلي نقدي لدى النّاشئة. لقد أصبحنا نقف على أطلال الماضي ونتحسّر فقط على إنجازات الأوّلين دون المُبادرة والشّروع في الإصلاح الفعلي.

اقرأ/ي أيضًا: "مؤسسة المدرسة" في تونس.. من ينقذها؟

قبل الحديث عن المشاكل والنّقائص الّتي شهدها التّعليم طيلة السّنوات الأخيرة، حريّ بنا التطرّق إلى مراحل الإصلاح التّدريجي الّتي شهدها التّعليم من قبل الاستقلال إلى ما بعد الثّورة كي نفهم مراحل الإصلاح والتطوّر الّتي مرّت بها البلاد التّونسيّة على مرّ السّنين وكيف ساهم التّعليم في تشكيل تونس الحديثة، فحتّى نفهم الحاضر ونبني للمُستقبل، لا بدّ أن نُلقي نظرة على الماضي ونتتبّع المسار الإصلاحي طيلة عُقود. فماذا كانت إنجازات الأوّلين؟

عرفت تونس منذ عقود مراحل إصلاح مُتتالية. يُمكن القول إنّها بدأت من قبل الاستقلال. تمثّلت أولى هذه المراحل في إنشاء المدرسة الحربيّة بباردو سنة 1840. والّتي تُعدّ تجربة تربويّة رائدة في ذلك الزّمن. اعتبرها بعض الباحثين المُنطلق الأوّل لتاريخ تونس الحديثة، حيث كانت أوّل مدرسة تعليميّة احتوت برامجها على مواد تهتمّ بالعلوم العصريّة. إذ يؤكّد المُؤرّخون أنّها لم تكن مدرسة عسكريّة بقدر ما كانت مدرسة عسكريّة علميّة وتربويّة. ساهمت في تكوين الطّبقة السّياسيّة التّونسيّة وساعدت على الانفتاح على أوروبّا وبقيّة العالم. ثمّ تأسّست المدرسة الصّادقيّة سنة 1875، قبل سنوات قليلة من احتلال البلاد من قبل الفرنسيّين. وقد نهل من معارفها الكثير من زعماء تونس وأعيانها في ذلك العصر. 

عرفت تونس منذ عقود مراحل إصلاح مُتتالية، يُمكن القول إنّها بدأت من قبل الاستقلال، تمثّلت أولى هذه المراحل في إنشاء المدرسة الحربيّة بباردو، ثمّ تأسيس المدرسة الصّادقيّة 

ويذكر بعض الباحثين أيضًا أنّه بالرّغم من سعيها إلى الحفاظ على رُوح الثّقافة العربيّة الإسلاميّة، فإنّه كان لها توجّه علمانيّ أيضًا، إذ جمعت بين الهويّة العربيّة التّونسيّة والانفتاح على العالم والثّقافات الأخرى في الوقت ذاته. تواصلت مُحاولات الإصلاح وارتبطت بالسّياق السّياسي الّذي جاءت فيه لكنّها أدّت في بعض الأحيان إلى انقسامات سياسيّة نتيجة الاختلاف في السّياسات التّعليميّة. استمرّ التقدّم التّعليمي في فترة الاستعمار الفرنسي الّذي امتدّ من 1881 إلى 1956. تشكّلت مدارس جديدة وظهرت مُنظّمات للمجتمع المدني دعت إلى الإصلاح وتعميم التّعليم ومجانيته. فقد حُرم مُعظم الأطفال التّونسيّين في ذاك الوقت من التّعليم، ورغم إنشاء المدارس الابتدائيّة، فإنّ عددها كان قليلًا جدًّا مُقارنة مع عدد الأطفال في سنّ التّمدرس. 

كما أولى النّظام الاستعماري حينها اهتمامًا كبيرًا بتدريس البرامج الفرنسيّة وتهميش الثّقافة العربيّة ما أثار استياء الّتونسيّين في تلك الحقبة الزّمنيّة ودفعهم إلى تأسيس "الجمعيّة الخُلدونيّة" سنة 1896 تلتها "جمعيّة قدماء الصّادقيّة" سنة 1905 بهدف توعية التّونسيّين، وكانت قد نادت ببعث مدارس قرآنية عصريّة، غير أنّ نسبة التّمدرس ظلّت ضعيفة جدًّا فيما يتعلّق بالتّونسيّين.

اقرأ/ي أيضًا: عمليات سطو واعتداءات أمام المدارس والمعاهد.. أين الحماية والحراسة؟

بعد استقلال البلاد التّونسيّة، مثّل ملفّ التّعليم أولويّة ونقطة تحوّل لبناء تونس الحديثة. وكانت فترة جدل ونقاش للإصلاح والبناء، تعدّدت فيها التوجّهات والرّؤى واختلفت الآراء حول مسائل تمثّلت في لغة التّعليم، فقد كان هناك شقّ يدعو إلى تعريب التّعليم كليًّا، وشقّ آخر ينادي بالمحافظة على ثُنائيّة اللّسان والاستفادة من البرامج التّعليميّة الفرنسيّة والثّقافات الأخرى، ومسألة نسق تعميم التّمدرس الّذي كان من أبرز مطالب الحركة الوطنيّة، ومسألة نمط التّعليم الّذي تجسّد في محتوى البرامج التّعليميّة حيث انقسمت الآراء بين إرساء نظام تعليمي عصري ونظام تعليمي تقليدي، انتهى في النّهاية بانتصار طابع التّعليم الحداثي، حيث زكّت اللّجنة المُكلّفة بإصلاح التّعليم خطّة محمود المسعدي الّذي تولّى منصب وزير التّربية والتّعليم في عهد بورقيبة. 

وقد كان رئيس الجمهوريّة الحبيب بورقيبة آنذاك قد أعطى أولويّة لدعم التّعليم وأهميّة تأسيس شعب واع وناضج فكريًّا. جاء فيما بعد، القانون عدد 118 لسنة 1958 المُتعلّق بالتّعليم، أصدره محمود المسعدي، وكان أوّل قانون لتنظيم التّعليم بعد الاستقلال، ارتكز أساسًا على إضفاء الطّابع الحداثي للتّعليم وانفتاحه على العالم الخارجي، وإقرار إجباريّته ومجانيته، حيث أعلن هذا القانون مجانية التّعليم العمومي واعتبره مسلكًا وجوبيًا لكلّ الأطفال من سنّ السادسة إلى سن الثّانية عشر دون تمييز بين مستحقّيه لاعتبار اجتماعي أو ديني أو جنسي.

اقرأ/ي أيضًا: التعليم في خطر: ثقافة "الموازي المدرسي" تهدد المدرسة التونسية

أمّا في عهد الرّئيس المخلوع زين العابدين بن علي، فقد شهد التّعليم انتكاسة ولم يتمّ أيّ إصلاح تربوي جديد ناجع أو انتهاج سياسة تعليميّة واضحة على الأقلّ، غير تقويض ما أسّسه سلفه. إذ نخر الفساد كل القطاعات تقريبًا في عهده، وأُفرغت البرامج من جوهرها ومن كلّ طابع توعويّ.

وبعد سنوات من الإطاحة بالنّظام الدّكتاتوري الّذي امتدّ ما يقارب 23 سنة، عرّى مناخ الحريّة الّذي جاءت به الثّورة، انتشار "ظاهرة التّعليم الدّيني المُوازي" من خلال تزايد عدد المدارس القرآنيّة غير الخاضعة لرقابة وزارة التّربية أو أيّ هيكل معنيّ في الدّولة، والّتي ربّما تحكمها إيديولوجيّات سياسيّة تعارضت مع قيم النّظام التّربوي التّونسي، لعلّ خير مثال على ذلك هو المدرسة القرآنية بالرقاب الّتي تمّ اكتشافها وتداولها إعلاميًّا، والّتي اعتمدت زرع أفكار وسُموم سلفيّة مُتطرّفة في عقول الأطفال، بعيدة كلّ البُعد عن قيم ومبادئ الدّين الإسلامي وثقافة المُجتمع التّونسي، وبرامجه التّعليميّة المُتقدّمة الّتي أرستها تُونس منذ الاستقلال، وذلك عبر انتهاج هذا الفضاء العشوائي مناهج مُتشدّدة تعتمد التّلقين و"غسل الأدمغة". 

كما أماطت هذه المدرسة القرآنيّة المشبوهة اللّثام فيما بعد عن جمعيّات ومدارس دينيّة أخرى مشبوهة خارقة للقانون وخاضعة لإيديولوجيّات معيّنة. ما دفع السّلطات التّونسيّة حينها للتصدّي لها ومحاولة غلقها وجعلها خاضعة لرقابة الهياكل المعنيّة.

اقرأ/ي أيضًا: ثقافة العنف وأبعادها السوسيولوجية في نفسية الطفل..حادثة "معهد الزهراء" نموذجًا

تدهور واقع التّعليم طيلة هذه السّنوات، وشهد المُجتمع التّونسي انتشار ظواهر جديدة داخل المدارس والمعاهد وانهيار المنظومة القيميّة، انهيار ما من شكّ، يتشارك مسؤوليّته مجموعة من الأطراف والمُؤسّسات الّتي تخلّت عن دورها الاجتماعي وسمحت بتفاقم الرّداءة والانحدار الأخلاقي لبعض الجيل الجديد. هنا، يُمكن أن نستحضر حادثة اعتداء التّلميذ على أستاذه بالسّاطور داخل الفصل والّتي راجت بشكل كبير على مواقع التّواصل الاجتماعي، حادثة هزّت الرّأي العام التّونسي وأثارت استياء التّونسيّين من الواقع المُؤلم الّذي انحدر إليه وضع التّعليم وعدم مُبادرة الوزارة إلى اتّخاذ إجراءات فعليّة وتدابير لازمة لحماية المنظومة التّربويّة.

وفي ظلّ عدم وُجود أيّ خطّة فعّالة أو استراتيجيّة واضحة من قبل الأطراف المعنيّة في الدّولة للنّهوض بواقع التّعليم والإصلاح الجذري لانتكاساته المُتتالية، تَظهر الأرقام والإحصاءات في كلّ مرّة لتُخبرنا بازدياد حالات العُنف داخل الوسط المدرسي وارتفاع عدد المُنقطعين عن الدّراسة. 

فقد بلغ عدد التّلاميذ المُنقطعين حوالي 73 ألف تلميذ نهاية السّنة الدّراسيّة 2019-2020، 34460 منهم في المرحلة الثّانويّة و31311 في المرحلة الإعداديّة، و7220 في المرحلة الابتدائيّة وفق المُنظّمة العربيّة للتّربية والثّقافة والعُلوم الألكسو. 

 تدهور واقع التّعليم طيلة هذه السّنوات، وشهد المُجتمع التّونسي انتشار ظواهر جديدة داخل المدارس والمعاهد وانهيار المنظومة القيميّة، انهيار ما من شكّ، يتشارك مسؤوليّته مجموعة من الأطراف والمُؤسّسات الّتي تخلّت عن دورها الاجتماعي

عُزوف يُمكن أن نُرجعه إلى أسباب عديدة ومتنوّعة لعلّ أهمّها تدهور الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة والصحيّة للبلاد، وتراجع جودة التّعليم وارتفاع عدد المُعطّلين عن العمل من خلال تزايد الاعتصامات والتحرّكات الاحتجاجيّة المُطالبة بالحقّ في التّشغيل. وبخصوص هذه النّقطة يُمكن أن نقرّ بأنّ التّعليم لم يعُد يُمثّل بالنّسبة لأغلب الأشخاص سلاحًا فكريًّا ومعرفيًّا للتّنوير والارتقاء بالوعي، بل مُجرّد وسيلة للحصول على شهادة قد تكون لا فائدة منها في المستقبل. ناهيك عن التجاء البعض إلى المُحاباة والوسائل غير القانونيّة للحصول عليها في ظلّ انتشار الفساد في كلّ القطاعات تقريبًا.

دُون أن ننسى النّقائص والمشاكل العميقة الأخرى الّتي غالبًا ما يرتفع صداها مُناديًا بضرورة الإصلاح والتّغيير، لكن ما من مجيب، حتّى تتفاقم المطالب والمصائب وتتكاثر أكثر. 

ولعلّ أهمّ هذه المطالب، البنى التّحتيّة المُهترئة لأغلب المدارس التّونسيّة الّتي تنعدم فيها تقريبًا الصّيانة وأبسط المرافق الحياتيّة، وتفتقر إلى التّجهيزات الضّروريّة، ما قد يُضيع الكثير من الوقت ويُعيق سير الدّروس، ويُؤثّر بالتّالي على مردود التّلميذ والمُربّي على حدّ سواء. وإن كنتَ من بين الزّائرين إلى أعماق البلاد التّونسيّة ستدرك ذلك جيّدًا، وربّما تُصدم بالأوضاع المُزرية لمنارات العلم. إضافة إلى ذلك، فإنّ اختلاف المدارس الرّيفيّة عن المدارس الحضريّة ومشاكل العُزلة والتّهميش والنّقائص الّتي تعيشها بعض المدارس الرّيفيّة النّائية ونُقص الفضاءات التّرفيهيّة والتّثقيفيّة فيها، قد يُكرّس بدوره تفاوتًا بين الجهات وعدم تكافؤ الفُرص بينها في التّحصيل العلمي والمعرفي، ما يدقّ ناقوس الخطر ويُنذر بارتفاع نسبة الأميّة ما لم يتمّ الاستثمار في التّعليم وفي عقول الأجيال الجديدة والذّكاء الاصطناعي لتحقيق التقدّم المجتمعي وتكوين عُقول مُستنيرة تساهم في ارتقاء مُجتمعها. 

لعلّ أهمّ مطالب الإصلاح، يجب أن تتركّز على البنى التّحتيّة المُهترئة لأغلب المدارس التّونسيّة الّتي تنعدم فيها تقريبًا الصّيانة وأبسط المرافق الحياتيّة، وعلى مشاكل العُزلة والتّهميش والنّقائص الّتي تعيشها بعض المدارس الرّيفيّة النّائية

فإذا تمعنّا جيّدًا في منظومتنا التّعليميّة وتابعنا تجارب الدّول المُتقدّمة في النّهوض بواقعها من خلال مُراهنتها على التّعليم، سندرك جيّدًا أنّنا في تراجع ملحوظ، وأبرز مثال على ذلك المراتب المُتأخّرة الّتي أصبحنا نحظى بها ضمن التّصنيفات العالميّة لمستوى جودة التّعليم، والّتي ربّما تدعونا إلى مُراجعة البرامج التّعليميّة الّتي لم تعد تستجيب لرُوح العصر، فنُحاول تحسينها وتطويرها بطريقة مُتجدّدة تُعلي قيمة العقل البشري وكفاءته عبر اعتماد رُؤية منهجيّة بيداغوجيّة واضحة ودقيقة.

 أسباب عديدة، عميقة ومُؤلمة قد يطول الحديث عنها والغوص في تفاصيلها، تجتمع لتُميط اللّثام عن الواقع المتدنّي الّذي أصبح عليه التّعليم في تونس. كلّ طرف يتنصّل من مسؤوليّته الاجتماعيّة ويُلقي اللّوم على الطّرف المُقابل لنواصل الدّوران في حلقة مُفرغة لا هدف منها. أمّا الحُكومات المُتعاقبة فلم تسع إلاّ لخدمة أهدافها السّياسيّة وضمان مناصبها حتّى ازداد الوضع سوءًا.

 قد لا يختلف عاقلان أنّ لكلّ حقبة زمنيّة نقائصها وإخفاقاتها، لكن كان الأجدر بنا أن نبني على خُطى إصلاحات الأوّلين، ونُرمّم ما تجاهلوه أو أفسدوه ونتولّى مُبادرة السّعي إلى التّحسين والتّطوير، وننأى بمجتمعنا عن واقع التخلّف والجهل والأميّة لنرتقي به إلى سلّم العلم والمعرفة والتّنوير ومبادئ حُقوق الإنسان الكونيّة، ونهتمّ بالقضايا المُجتمعيّة الّتي ينخرها الفساد، وتُعيق التقدّم، بعيدًا عن كلّ التّجاذبات السّياسيّة والرّؤى المتناقضة والمٌفرغة من كلّ إضافة، والّتي من شأنها أن تُربك مسار الإصلاح.

اقرأ/ي أيضًا: الخبير محمد بن فاطمة: منظومة التربية منهارة ولا بدّ من منهجية للإصلاح (حوار)

ومن الطّبيعي جدًّا ونحن نُتابع ما يحدث في المُؤسّسات التّربويّة اليوم، ألّا نُلقي اللّوم على طرف بعينه، بل هي مسؤوليّة مُشتركة يجب على كلّ طرف اجتماعي أن يحمل عبئًا منها على عاتقه، ويُحاول الإصلاح والتّحسين، بدءًا من الأسرة، مُرورًا بالمُربّي، وصولًا إلى الدّولة. وبما أنّ الدّستور التّونسي ينصّ على مجانية التّعليم، يجب أن يتجسّد ذلك على أرض الواقع فتتكفّل الدّولة بمسؤوليّتها في العناية بالمدارس ومجابهة مختلف المظاهر المُخلّة بالعمليّة التّربويّة مع ضرورة مُراجعة المناهج التّعليميّة والاستفادة من التّجارب المُتقدّمة لإرساء منظومة تربويّة ناجحة، مٌواكبة ومُتجدّدة وقادرة على بناء عقول سليمة ومُبتكرة وتنشئة جيل سويّ في بيئة مُجتمعيّة صحيّة، لا تنبذ الاختلاف، بل تدعو إلى التّعايش، وتُطلق القيادة للعلم والمعرفة والمبادئ الإنسانيّة والقيميّة، "فبمجرّد أن يضيء العقل، لا يُمكن أن يعود مُظلمًا مرّة أخرى".

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"

 

اقرأ/ي أيضًا: 

5 حالات عنف هزّت المحيط المدرسي التونسي في عام 2021

السكين والساطور يعوّضان السبّورة والطبشور.. هل مازال للمدرسة حرمة في تونس؟

الطفولة المشرّدة نزيف في خاصرة المدن..