03-مارس-2019

دعوة لاعتماد إصلاح تربوي وفق منهجية صارمة ووفق أسس علمية (رجاء غرسة/الترا تونس)

 

حلّت تونس في المركز 84 عالميًا في جودة التعليم الجامعي، وفي المركز 86 في جودة التعليم الابتدائي من ضمن 140 دولة شملها مؤشر جودة التعليم العالمي للعام 2017 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس. فيما أعلنت وزارة التربية، تسجيل انقطاع 101 ألف تلميذ عن الدراسة خلال عام 2018 وأن عدد المنقطعين بلغ 526 ألف تلميذ خلال السنوات الماضية بمعدّل 280 تلميذ يوميًا.

حلّت تونس في المركز 86 عالميًا في جودة التعليم الابتدائي في مؤشر جودة التعليم العالمي عام 2017 وسط تعطّل برنامج الإصلاح التربوي

هي ظواهر اجتماعية تُقيّم كمًّا وتفسّر كيفًا إلا أنها ليست إلاّ مؤشرات على تدني المستوى التعليمي واهتراء المنظومة التربوية في تونس. وبالرغم من أهمية التعليم باعتباره أحد أهم قواعد التنمية، وتتالي الدعوات لإصلاح المنظومة التربوية، إلا أن كل المحاولات السابقة للثورة للإصلاح كانت مبتورة، فيما تمّ إرجاء المحاولة الوحيدة بعد الثورة لإصلاح المنظومة إلى أجل غير مسمّى، في وقت يعيش فيه القطاع وضعيات صعبة سيكون لها انعكاساتها على المجتمع خلال السنوات والعقود القادمة.

التقى "الترا تونس"، في هذا الإطار، برئيس الجمعية الوطنية للائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية محمد بن فاطمة، وهو خبير دولي في تقييم المنظومات التربوية وإصلاحها وحائز على دكتوراه الدولة في علوم التربية، وذلك في محاولة لفهم إصلاح المنظومة التربوية في تونس، ومدى الحاجة إليه وشروطه وضمانات نجاحه. فكان الحوار التالي:


  • يعيش قطاع التعليم في تونس اليوم أزمة غير مسبوقة خاصة مع تنامي ظاهرة العنف المدرسي وتدهور جودة التعليم، ماهي أسبابها برأيك؟

كل هذه الظواهر والسلوكيات هي مؤشرات على انهيار المنظومة التربوية بدأت منذ ثلاث سنوات تقريبًا بعد نهاية طور انطلق منذ عام 1958. هو انهيار ستكون له تداعيات في المستقبل خلال 10 أو 15 سنة قادمة، عندما يحصد المجتمع نتائج الوضع المدرسي الحالي، لذا وجب الاستعداد لمرحلة ثانية والاستجابة لمتطلباتها واستحقاقاتها.

اقرأ/ي أيضًا: الإصلاح التربوي.. أولوية قصوى مؤجلة

  • ما المقصود بالإصلاح التربوي؟

يشمل الإصلاح التربوي مراجعة للمنظومة التربوية على مستوى المناهج التربوية، ومنظومة التقييم، وتقييم المدرّسين والزمن المدرسي. كما يشمل إضافة جوانب أخرى في المنظومة التربوية يفرضها تطوّر المجتمع في ضوء العولمة والثورة التكنولوجية وتداعياتها، وهو ما يتطلب إعادة النّظر في المضامين بمنهجية متطورة.

محمد بن فاطمة: كل هذه الظواهر والسلوكيات اليوم هي مؤشرات على انهيار المنظومة التربوية في تونس

  • مالذي يجعل الإصلاح التربوي اليوم ضرورة؟

هناك ثلاثة أسباب تدفع باتجاه إصلاح المنظومة التربوية، أولها أنه أصبح لنا دستور 2014 الجديد يدعو في بعض فصوله إلى ضرورة مراجعة المنظومة التربوية بما يتماشى وما ورد فيه. بالإضافة إلى ذلك، عاشت تونس ثورة لها متطلّبات واستحقاقات ولا بدّ للمنظومة التربوية أن تستجيب لها.

كما يدعو تدني المستوى التعليمي في كل مراحله حتى التكوين المهني منذ عدة سنوات إلى ضرورة إجراء إصلاح شامل يمسّ كل مكونات المنظومة.

  • خضعت هذه المنظومة إلى محاولات إصلاح في السابق، ما هو سبب فشلها برأيك؟

منذ الاستقلال، عرفت تونس 3 محاولات لإصلاح المنظومة التربوية سنوات 1958، و1991 و2002، لا ننكر بعض إيجابيات هذه البرامج منها انتشار التعليم في الجهات، وارتفاع عدد ومستوى تمدرس الإناث ثم دخول تكنولوجيا الأهداف إلى وزارة التربية.

محمد بن فاطمة: لا بدّ للمنظومة التربوية أن تستجيب لمتطلبات الثورة واستحقاقاتها

لكن كل هذه الإصلاحات كانت تقريبًا بنفس المضامين والأهداف ونفس المنهجية المعتمدة، كما أن نسبة الإنجاز في إصلاحات 2002 مثلًا انحصرت بين 15 و20 في المائة. 

ومن المؤشرات على تدني المستوى أيضًا أن القوانين التوجيهية على مستوى وزارة التربية لم يوقع عليها وزراء التربية المباشرين في ذلك الوقت وهو ما يفقدها القيمة القانونية.

اقرأ/ي أيضًا: التعليم في خطر: ثقافة "الموازي المدرسي" تهدد المدرسة التونسية

  • ما هي أسباب تعثّر الإصلاح التربوي الذي انطلق منذ 2014 برأيك؟

يعود إرجاء هذا البرنامج إلى أجل غير محدّد إلى أن الوزير السابق لم يتمكّن من إرساء الإصلاح بصفة وجيهة، بسبب ضعف مشاركة المجتمع ومنظمات المجتمع المدني في هذا الإصلاح، إضافة إلى أنه لم يتم الاعتماد على منهجية علمية بالرغم من ظهور منهجيات هندسة الإصلاح التربوي.

محمد بن فاطمة: المشكل في تونس يتعلّق بمنهجية الإصلاح التربوي وليس بمضمونه

المشكل في تونس يتعلّق بمنهجية الإصلاح وليس بمضمونه، حيث يتم الاعتماد على منهجية خِبريّة دون الاعتماد على المرجعية العلمية والدراسات التقييمية. ونلاحظ ذلك على مستوى اللجان المركزية لإصلاح المنظومة التربوية التي لها تجربة ميدانية دون تكوين علمي في مجال الإصلاح وهو ما لا يمكن من تقديم ضمانات النجاح.

عادة ما يتم تشخيص الواقع التربوي، تكوين لجان وتقديم مقترحات ثم العمل على تنفيذها وهي نفسها المنهجية المعتمدة من 1958 إلى اليوم دون أن يقدم نتيجة تذكر.

مراسلة "الترا تونس" مع الخبير الدولي في المنظومات التربوية محمد بن فاطمة

  • أمام هذه النتيجة هل يمكن اعتبار المبالغ المرصودة للإصلاح تبديدًا للمال العام؟

ربما يكون ذلك، في الحقيقة هناك غياب تام للشفافية من وزارة التربية في هذا الخصوص. لكنني أعتبر أن عدم علمية إنتاج الإصلاح هو فساد أكثر من الفساد المالي، ولا أعتقد أن التكلفة هي المشكل.

محمد بن فاطمة: عدم علمية إنتاج الإصلاح التربوي هو فساد أكثر من الفساد المالي ووزارة التربية غير شفافة

تتطلب التكلفة العالية إعداد وتقديم ضمانات لنجاح الإصلاح التربوي وهذا هو المشكل. إن القرار السياسي وسوء المنهجية المعتمدة في قيادة الإصلاح وعدم اعتماد تقارير الخبراء كلها أكثر قيمة من الفساد المالي.

  • هل أن الوزارة تتفاعل مع جمعيتكم المختصّة في الإصلاح التربوي؟

نحن الجمعية الوطنية للائتلاف المدني لا نتمكن من النفاذ إلى المعلومة على مستوى الوزارات المعنية بمجال اختصاصنا، سواء وزارة التربية أو التعليم العالي والبحث العلمي أو التكوين المهني والتشغيل. كما أنها لا تتفاعل مع التقارير التي نوجهها.

اقرأ/ي أيضًا: التعليم الديني الموازي في تونس.. لماذا الإقبال عليه؟ وماهي مخاطره؟

  • فيم تتمثل أنشطة الجمعية؟

تعمل الجمعية علي تقييم نشاطات الوزارة في مجال الإصلاح، ومراقبة التقارير التي تنتجها الوزارة في هذا الخصوص وتقييمها وإرسال مقترحاتنا حولها.

عقدنا عددًا من الندوات والمؤتمرات في العاصمة وداخل الجمهورية حول موضوعات تتعلق بالإصلاح التربوي، تمكنّا من تأسيس أقاليم داخل الجمهورية وهي إقليم الساحل وصفاقس وسيتم قريبًا تأسيس إقليم الجنوب والشمال الغربي.

  • إذا كانت منهجية الوزارة في إصلاح المنظومة خاطئة، أي المنهجيات أفضل برأيك؟ 

نحن قدمنا رؤية جديدة تقوم على ما يسمى التكنولوجيا اللامادية، تبدأ ببناء بنية تحتية للإصلاح التربوي وذلك بإنشاء مجلس أعلى للتربية يكون مستقلًا عن الـ12 وزارة المتدخلة في المنظومة التربوية، وتكون مهمته تسطير السياسات التربوية.

محمد بن فاطمة: قدمنا رؤية جديدة للإصلاح التربوي تقوم على ما يسمى التكنولوجيا اللامادية

وأيضًا إحداث معهد وطني لتقييم المنظومة التربوية وصياغة ميثاق وطني للتربية والتكوين يكون بمثابة الدستور الذي لا يجب أن يحيد عنه أي وزير، بالإضافة إلى ضرورة إحداث كلية لعلوم التربية خاصة وأن تونس من بين أربعة دول عربية فقط لا يوجد فيها هذه الكلية.

من أسس التكنولوجيا اللامادية تنقية الخطاب من الخِبرية واختيار مدخل من مداخل الإصلاح الموجودة في العالم وهي خمسة مداخل: الحوكمة، والاستراتيجيا، والجودة، والمدخل التنفيذي والمدخل القائم على معايير البنك الدولي. ويوجد، في الأثناء، خلط كبير وتعويم للمفاهيم المستعملة في عملية الإصلاح وجب تحديدها بدقة.

  • في ظل حالة عدم الاستقرار التي تمر بها المدرسة العمومية حاليًا، هل تعتقد الحل في التوجه للتعليم الخاصّ؟ 

لا يمكن للتعليم الخاص أن يزدهر دون ازدهار التعليم العمومي بالنظر للبعد التنافسي الذي يفرض حد أدنى من تكافؤ الفرص.

محمد بن فاطمة: لا يمكن للتعليم الخاص أن يزدهر دون ازدهار التعليم العمومي

للتعليم الخاص ميزات أهمها الاستقرار لكن كلفته المرتفعة لا تجعل منه في متناول الجميع. في الوقت الحالي، التعليم الخاص يمكن أن يكون الحل لكن بصفة مؤقتة إلى غاية اعتماد إصلاح المنظومة التربوية.

  • هل تعتقد أنه بالإمكان إنقاذ ما تبقى من السنة الدراسية الحالية؟

تدارك السنة الدراسية بالكامل أمر شبه مستحيل، لكن التخفيف ممكن ذلك أن مستوى التلاميذ تراجع عما كان عليه قبل انطلاق الأزمة بين نقابة التعليم والوزارة، ولم يعد التلميذ مهيّأ نفسيًا للمشاركة في الامتحانات واجرائها. ولا يمكن أن يكون لنتائج هذه الامتحانات دلالة حقيقة على مستوى التلاميذ ونقاط قوتهم وضعفهم كما هو الحال في الحالات الطبيعية.

يعيش الولي المشاكل المدرسية قبل التلميذ وبالتالي عليه المشاركة في الحياة المدرسية بفعالية وفهم الوضع وتهدئته، بل على جمعيات الأولياء التحرك في اتجاه تنظيم دورات تكوينية للأولياء من أجل دعم انخراطهم في المنظومة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

محمد علي الكبسي: كنّا أوّل من قام بالتمييز ﺑﻴﻦ التنوع والاختلاف (حوار– 1/2)

محمد علي الكبسي: تونس لم تعد قادرة على التعبير عن نفسها (حوار - 2/2)