01-ديسمبر-2021

تواتر الحديث عن حوادث هزت المعاهد التونسية من اعتداءات وضحايا للعنف اللفظي والمادي (مارتن بيرو/أ.ف.ب)

 

"ماذا يحصل داخل مؤسساتنا التربوية؟ ألم يعد للمدرسة حرمة؟ ألم يشفع للمدرّس ما دفع من عمره؟ هل التلميذ جان أم ضحية؟ وهل أصبح المدرّس مُهانًا أم مُدانًا؟".. عديدة هي الأسئلة التي تتوالى والأصوات التي تتعالى منذ أن تواتر الحديث عن حوادث هزت المعاهد التونسية من اعتداءات وضحايا للعنف اللفظي والمادي سواء كانوا من المربّين أو التلاميذ أو حتى من بقية أفراد الإطار التربوي.  

وأشهر هذه الحوادث هي الاعتداء الوحشي الذي تعرض له الأستاذ صحبي بن سلامة، وكاد يودّي بحياته لولا تدخل الإطار الطبي الذي أنقذه من موت محتّم. 

"ألترا تونس" يفتح هذا الملف مع جملة من المتدخلين في الشأن التربوي، الذين أطلقوا صيحة فزع من أجل إنقاذ "مدرسة الجمهورية"، تجدون تفاصيله في هذا التقرير.

اقرأ/ي أيضًا: "مؤسسة المدرسة" في تونس.. من ينقذها؟

  • وزارة التربية غير واعية بخطورة الوضع 

تصاعد نسق الاعتداءات على الإطار التربوي في المدّة الأخيرة، وآخرها الاعتداء الذي تعرض له مدير المعهد الثانوي 9 أفريل بولاية سيدي بوزيد، من قبل أحد الأولياء، وهو شرطي أيضًا، مما أدى إلى تعطيل سير الدروس في مختلف إعداديات ومعاهد سيدي بوزيد.

وعلى إثره دعت الجامعة العامة للتعليم الثانوي، في بيان لها، رئاسة الجمهورية إلى الالتزام بتعهدها المتعلقة بسن القانون المجرم للاعتداء على المؤسسات التربوية والإطار التربوي، معتبرة أنها أعمال خطيرة "لا تقل خطورة عن الاعتداءات الإرهابية"، وفقها.

عضو الجامعة العامة للتعليم الثانوي نبيل الحمروني، لـ"الترا تونس": "وزارة التربية لم تع إلى هذه اللحظة وجوب وقفة حقيقية من أجل إيقاف هذا النزيف وهذه الآفات التي تنخر المؤسسة التربوية"

وفي هذا الإطار، أكّد عضو الجامعة العامة للتعليم الثانوي نبيل الحمروني، لـ"الترا تونس"، أن قضية العنف المدرسي قضية مجتمعية بالأساس وأنّ المسؤولية الأولى تعود للأسرة بسبب تخليها على دورها الرقابي، على حد تعبيره. 

وحمّل الحمروني تفاقم الوضع لسلطة الإشراف المتمثلة في وزارة التربية، قائلاً: "وزارة التربية لم تع إلى هذه اللحظة وجوب وقفة حقيقية من أجل إيقاف هذا النزيف وهذه الآفات التي تنخر المؤسسة التربوية".

وفسّر محدثنا أن هذا النزيف لا يرتبط فقط بالعنف بل بطبيعة البرامج والمناهج التي يقع اعتمادها ولم يقع مراجعتها منذ سنوات كثيرة، على حد قوله.  

وأشار عضو الجامعة العامة للتعليم الثانوي أن مسألة سنّ قانون يجرم الاعتداء على المؤسسة التربوية وعامليها ليس بكاف، بل وجب الشروع في إصلاح تربوي للمناهج والكتب والاعتناء بالمؤسسة من حيث بنيتها التحتية في أقرب الآجال، على حدّ تعبيره. 

اقرأ/ي أيضًا:  ثقافة العنف وأبعادها السوسيولوجية في نفسية الطفل..حادثة "معهد الزهراء" نموذجًا

المؤسسات التربوية تعيد إنتاج جيل دون مستوى الانتظارات 

تشير آخر إحصائيات المرصد الوطني للعنف المدرسي إلى أن عدد الاعتداءات الصادرة عن التلاميذ تجاه الإطار التربوي بلغت 4568 حالة سنة 2019 منها 2266 اعتداءً لفظيًا و2302 اعتداءً ماديًا. إحصائيات مفزعة بيّنت أنّ نسبة الاعتداءات الموجهة ضد الإطار التربوي تطورت لتبلغ 86 في المائة خلال الثلاثية الأخيرة من سنة 2019.

تشير آخر إحصائيات المرصد الوطني للعنف المدرسي إلى أن عدد الاعتداءات الصادرة عن التلاميذ تجاه الإطار التربوي بلغت 4568 حالة سنة 2019 منها 2266 اعتداءً لفظيًا و2302 اعتداءً ماديًا

ويؤكد المختص في الأسرة والطفولة والمستشار لدى قاضي الأسرة إبراهيم الريحاني أن المؤسسات التربوية مهددة وتعيد إنتاج جيل ليس في مستوى انتظارات الأسر التونسية.

وعن الأسباب التي أدت إلى هذه الظاهرة، يفسر الريحاني خلال حديثه لـ"الترا تونس" أن العنف لم يعد سلوكًا منعزلًا أو ظاهرة اجتماعية بل أصبح ثقافة مجتمعيّة موجودة في كل مكان، مضيفاً أن الأطفال يستبطنون صور العنف داخل الأسرة أو في الألعاب الإلكترونية ومن الأقران والمجتمع وهذا ما أدّى إلى مرحلة التطبيع مع العنف الذي أصبح اللغة الوحيدة للتعبير عما يختلج في نفوسهم من مشاعر وأفكار. 

ويؤكد محدثنا أن المؤسسات التربوية اختصرت نفسها في الوظيفة التعليمية وأهملت وظيفتها التربوية والترفيهية ولم تعد تلبي الحاجيات النفسية للتلاميذ، مضيفاً:  "أن الحل اليوم هو إصلاح المنظومة التربوية وفق مقاربة شمولية تعطي للأسرة دورها الحقيقي بتوفير كل الإمكانيات المتاحة من تغيير الزمن الاجتماعي المتمثل في تغير توقيت عمل الأولياء وتكريس العدالة الاجتماعية وابتكار فضاءات صديقة للتلميذ تضمّ الفضاءات الرياضية والثقافية، بالإضافة إلى العمل على مرافقة الأولياء في تربية أبنائهم".

ويختم الريحاني حديثه "أن المدرسة الصديقة التي تلبي الحاجيات النفسية للأطفال هي الوحيدة القادرة على استعاب ظواهر العنف"، وفقه.

المستشار لدى قاضي الأسرة إبراهيم الريحاني لـ"الترا تونس": المؤسسات التربوية اختصرت نفسها في الوظيفة التعليمية وأهملت وظيفتها التربوية والترفيهية ولم تعد تلبي الحاجيات النفسية للتلاميذ

عالميًا، تعتبر منظمة اليونسكو أن "العنف المدرسي والتنمر مشكلة رئيسية في جميع أنحاء العالم، تطال نحو ثلث طلاب المدارس وتؤثر في صحتهم العقلية ومستوى تحصيلهم الدراسي". 

وقد وافقت الدول الأعضاء لدى اليونسكو على إعلان كل أول يوم خميس من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني يوماً دولياً لمكافحة كل أشكال العنف في المدارس، وذلك لإقرارها بأنّ العنف في البيئة المدرسية يمثّل بشتى أشكاله انتهاكاً صارخاً لحق الأطفال والمراهقين بالتعليم والصحة والرفاهية.

وفي هذا الإطار، يقول الباحث في علم الاجتماع معاذ بن نصير لـ"الترا تونس" إن هناك حالة قلق عام في الفضاء الاجتماعي بسبب قداسة الجانب التعليمي داخل الأسر وباعتبار أنّ العملية التربوية هي محور اهتمام المجتمع التونسي، مشيرًا إلى أنّ أيّ إشكال أو اضطراب يتسبب في توتير الأجواء وسط العائلات.

أما في علاقة بأسباب تفاقم هذه الظاهرة، يعدّد بن نصير الأسباب " أوّل الأسباب هي ذات بعد سياسي خاصة مع  تأزم الوضعية السياسية وعدم استقرار المؤسسات، من ثمّ تأتي الوضعية الاقتصادية الصعبة وأزمة البطالة والتهميش والفقر التي دفعت العديد من التلاميذ إلى الخروج من الفضاء المدرسي". 

الباحث في علم الاجتماع معاذ بن نصير لـ"الترا تونس": تلميذ 2021 يختلف عن تلميذ التسعينات ومن الضروري مراجعة القانون التأديبي (الإنذارات، التقارير..) والذي لم يثبت نجاعته مع هذا الجيل من التلاميذ

ويضيف بن نصير أنّ هناك أزمة أخلاقيّة تمس الناشئة في ظلّ غياب الرقابة الأبوية وأنّ ما يسوّق عبر الألعاب الإلكترونية والدراما التلفزيونية يجعل الطفل حاضنة تستبطن سلوك العنف، مشيرًا إلى أنّ فترة الحجر الصحي بسبب كورونا أثرت سلبًا على نفسية التلميذ، فما أمضاه خارج الفضاء المدرسي جعله يضيع كل ثوابته ومرجعياته، على حدّ تعبيره.

أمّا في علاقة بالحلول، يقترح الباحث في علم الاجتماع أن يتلقّى الإطار التربوي تكويناً في علم نفس الطفل والمراهق على اعتبار أنّ تلميذ 2021 يختلف عن تلميذ التسعينات، بالإضافة إلى ضرورة مراجعة القانون التأديبي (الإنذارات، التقارير..) والذي لم يثبت نجاعته مع هذا الجيل من التلاميذ. وختم حديثه "يجب تكثيف عدد المختصين النفسانيين فلا يعقل وجود 52 مختص فقط لـ 2 ملايين تلميذ".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الخبير محمد بن فاطمة: منظومة التربية منهارة ولا بدّ من منهجية للإصلاح (حوار)

التعليم في خطر: ثقافة "الموازي المدرسي" تهدد المدرسة التونسية