15-فبراير-2021

تتجه الأزمة بين رأسيْ السلطة التنفيذية إلى مزيد التعمّق في ظلّ إصرار كليهما على الذهاب بالنزاع إلى أقصاه (صورة أرشيفية)

 

تتسارع الأحداث على الساحة السياسية مع تعمّق الأزمة أكثر بين رأسيْ السلطة التنفيذية، وإصرار رئيسيْ الجمهورية والحكومة على الذهاب بالنزاع إلى أقصاه، في وقت تمرّ فيه البلاد بوضع متأزم على جلّ الأصعدة.

ولئن مرّ على منح الثقة للوزراء الجدد في حكومة هشام المشيشي زهاء ثلاثة أسابيع، فإنهم لا يزالون بعد ينتظرون "مباركة" رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي أبى أن يستقبلهم لأداء اليمين الدستورية ومباشرة مهامهم، أمام وجود فراغٍ دستوري فتح الباب لمختلف التأويلات في ظلّ غياب المحكمة الدستورية.

الارتباك الحكومي، الذي وجد ساكن القصبة نفسه فيه عالقًا بين برزخ حكومة متخلية وحكومة جديدة لم تتسلم مهامها، دفعه إلى البحث عن حلّ عمليّ، بعد أن استوفى البحث عن استشارات من أهل الاختصاص (المحكمة الإدارية، الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، أساتذة في القانون الدستوري) لم تبلغ به إلى مستقرّ. المشيشي رأى، كخيار يندرج في نطاق صلاحياته الذي خولها له الدستور، أن يقوم بإعفاء عدد من الوزراء، يرجّح قُربهم من ساكن قرطاج، وتكليف وزراء آخرين بالإشراف على الوزارات الشاغرة بالنيابة إضافة لمهامهم الأصلية.

الارتباك الحكومي، الذي وجد ساكن القصبة نفسه فيه عالقًا بين برزخ حكومة متخلية وأخرى لم تتسلم مهامها، دفعه إلى البحث عن حل عملي تمثل في إعفاء عدد من الوزراء، يرجح قُربهم من ساكن قرطاج

والوزراء الذين تمّ إعفاؤهم، وفق بلاغ نشرته رئاسة الحكومة الاثنين 15 فيفري/ شباط 2021، هم كل من محمّد بوستّة وزير العدل، سلوى الصغيّر وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم، كمال دقيش وزير الشباب والرياضة والإدماج المهني، ليلى جفال وزيرة أملاك الدولة والشؤون العقارية، وعاقصة البحري وزيرة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، من مهامهم.

وأكدت رئاسة الحكومة، في بلاغها، أنّها تبقى منفتحة على كلّ الحلول الكفيلة باستكمال إجراءات التحوير الوزاري ليتمكّن الوزراء الجدد من مباشرة مهامهم، في إطار الدستور.

اقرأ/ي أيضًا: التحوير الوزاري ونهاية حكومة الرئيس

وبالكاد مرّت سويعات على إعلان رئاسة الحكومة إقالة الوزراء الخمس الآنف ذكرهم، ليأتي الردّ حادًا من قصر قرطاج، إذ وجّه سعيّد، مساء الاثنين 15 فيفري/ شباط 2021، مراسلة للمشيشي، حول مطلبه بتحديد موعد لأداء الوزراء الجدد اليمين الدستورية، تتعلّق بالجوانب القانونية للتحوير الوزاري وخاصة بتجاهل بعض أحكام الدستور.

سعيّد: لم يقع احترام الفصل 92 من الدستور الذي اقتضى مداولة مجلس الوزراء بخصوص إحداث أو تعديل أو حذف الوزارات، والتداول لا يمكن أن يكون إثر الإعلان عن التحوير بل قبله

وأكّد سعيّد، في مراسلته التي نشرتها رئاسة الجمهورية على صفحتها الرسمية، أن "اليمين لا تقاس بمقاييس الإجراءات الشكلية أو الجوهرية، بل بالالتزام بما ورد في نص القسم وبالآثار التي ستُرتب عليه لا في الحياة الدنيا فقط ولكن حين يقف من أدّاها بين يدي أعدل العادلين".

واعتبر أنه "لم يقع احترام الفصل 92 من الدستور الذي اقتضى مداولة مجلس الوزراء بخصوص إحداث أو تعديل أو حذف الوزارات، والتداول لا يمكن أن يكون إثر الإعلان عن التحوير بل قبله"، على حد قوله.

وبعيدًا عن صراع ساكنيْ القصبة وقرطاج، اعتبر رئيس البرلمان ورئيس حزب حركة النهضة  راشد الغنوشي، الاثنين 15 فيفري/ شباط 2021، أن الحل الذي اعتمده رئيس الحكومة هشام المشيشي في علاقة بإقالة 5 وزراء من حكومته هو حلّ وقتي للخلاف القائم على الساحة، وليس حلًا دائمًا. 

وأكد الغنوشي، في تصريح لوسائل إعلام محلية بالبرلمان، أنه ينبغي على الأطراف المعنية بالأزمة أن تتعامل بمرونة حتى لا تتعطل مصالح الدولة والشعب.

وتابع القول إن "رئيس الحكومة متجه إلى حلّ جزئي يتمثّل في التوفيق بين رعاية الجانب الدستوري ورعاية المصلحة الوطنية، وهو ليس متجهًا إلى فرض إرادته بالقوة وإنما يتحرك في إطار الدستور"، حسب تقديره. 

الغنوشي: المشيشي يعمل على التوفيق بين رعاية الجانب الدستوري ورعاية المصلحة الوطنية، وهو ليس متجهًا إلى فرض إرادته بالقوة وإنما يتحرك في إطار الدستور

ويأمل رئيس البرلمان ألّا يتواصل التعطيل الحاصل في علاقة بالتحوير الوزاري، مستطردًا أن مجلس نواب الشعب بصدد العمل على بناء المحكمة الدستورية باعتبارها جذر الخلاف في ظلّ وجود أكثر من تأويل لنصوص الدستور"، على حد قوله.

اقرأ/ي أيضًا: تونس بين حوار "سعيّد/الطبوبي" وتحوير المشيشي

وقد عبر الناطق الرسمي باسم حركة النهضة فتحي العيادي، في تصريح لـ"الترا تونس"، عن دعم حزبه لخيارات رئيس الحكومة هشام المشيشي، معتبرًا أن "الحل للخروج من أزمة الانسداد الحكومي هو أن تتعاون مؤسسات الدولة فيما بينها وأن يلتقي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة للحوار وأن تعمل مؤسستا الجمهورية والحكومة على نجاح هذا الحوار".

فيما استدرك قائلًا: "للأسف، لا نرى مساعٍ كثيرة، خاصة من رئاسة الجمهورية، لتطويق هذه الأزمة أو البحث عن الحوار، لأنها تتمترس خلف قرار واضح وتريد أن يمرّ هذا الخيار رغم عيوبه القانونية والدستورية، بسبب التحريض الذي يمارسه التيار وحركة الشعب بخصوص خيارات معينة"، على حد تقديره.

وختم الناطق الرسمي باسم حركة النهضة حديثه قائلًا إن "رئاسة الجمهورية منذ فترة أصبح مزاجها غير واضح، وانغلقت بعض الشيء وأصبحت تحت تأثير التيار والشعب وتحريضهما لقطع سبل الحوار مع عديد الشخصيات التي كانت تساعد على الحوار والبحث على حلول"، حسب تعبيره.

العيادي (النهضة) لـ"الترا تونس": لا نرى مساعٍ كثيرة، خاصة من رئاسة الجمهورية، لتطويق هذه الأزمة أو البحث عن الحوار

ولا يختلف موقف قلب تونس (29 نائبًا) عن موقف النهضة، باعتبارهما يمثلان بالأساس الحزام البرلماني الداعم للمشيشي.

وقال الناطق الرسمي باسم قلب تونس محمد الصادق جبنون، الاثنين 15 فيفري / شباط 2021 في تعليقه على إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي لـ5 وزراء من حكومته، إن ساكن القصبة نفّذ صلاحياته التي يخولها له الدستور بمقتضى الفصل 92.

واعتبر ذلك، في تصريح لـ"الترا تونس"، "خطوة في الاتجاه الصحيح، مع العلم أن الوزراء المعينين حصلوا على ثقة البرلمان، وهي أعلى درجات الشرعية بعد الانتخاب المباشر الذي يأتي في الانتخابات"، وفق تقديره.

وأضاف القيادي بقلب تونس، في السياق ذاته، أن "رئيس الحكومة يدافع عن مؤسسات الدولة والدستور، في انتظار التطورات المقبلة التي صرّحت بها رئاسة الحكومة في البلاغ الذي أصدرته".

وعن مدى تأثير إقالة المشيشي للوزراء الخمس على سير مؤسسات الدولة لاسيما وقد أصبحت هناك 8 وزارات تسيّر بالنيابة، يرى جبنون أنه ليست في ذلك مضرّة، بل إن المضرّة في عدم إنفاذ الدستور والانحراف بالنظام الحالي إلى نظام رئاسوي شمولي يكون بوابة للفوضى وانهيار المؤسسات.

جبنون (قلب تونس) لـ"الترا تونس": المضرّة ليست في إقالة وزراء وإنما في عدم إنفاذ الدستور والانحراف بالنظام الحالي إلى نظام رئاسوي شمولي يكون بوابة للفوضى وانهيار المؤسسات

اقرأ/ي أيضًا: حكومة الـ144 هي حكومة السيستام

في المقابل، ترى المعارضة أن رئيس الحكومة هشام المشيشي قد ارتكب خطأً بإقالة عدد من الوزراء في حكومته، واتخذ خطوة من شأنها مزيد إرباك الوضع.

واعتبر الأمين العام للتيار الديمقراطي غازي الشواشي، الاثنين 15 فيفري/ شباط 2021، أن رئيس الحكومة هشام المشيشي اختار الهروب إلى الأمام وتعميق الأزمة بإقالته لـ5 وزارء من حكومته، معتبرًا أنها خطوة تصعيدية.

وأضاف الشواشي، في تصريح لـ"الترا تونس"، أنه كان من المفروض على المشيشي أن يسعى إلى حلّ الخلاف الذي بينه وبين رئيس الدولة، بدل اللجوء إلى مختلف الخيارات التي لا طائل منها سوى مزيد تعميق الأزمة، موضحًا: "رئيس الحكومة اتجه إلى المحكمة الإدارية فأجابته بأنها غير مختصة للنظر في هذا الخلاف، واتجه إلى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، ومن المؤكد أن تردّ عليه بأنها أيضًا غير مختصة، كما أنه استدعى أساتذة في القانون الدستوري فأعلموه بأنها مسألة سياسية وبالتالي يلزمها حلّ سياسي".

وأردف الأمين العام للتيار الديمقراطي (أحد مكونيْ الكتلة الديمقراطية -38 نائبًا-)، في الإطار ذاته، أن "البلاد لا تتحمل مزيد تعميق الأزمة السياسية القائمة والصراعات بين رأسي السلطة التنفيذية"، مشيرًا إلى أنه "كان حريًا بالمشيشي أن يعمل على حلحلة الإشكال بالتوافق والنقاش والحوار مع رئيس الدولة".

الشواشي (التيار الديمقراطي) لـ"الترا تونس": المشيشي اختار الهروب إلى الأمام وتعميق الأزمة وكان حريًا به  أن يسعى إلى حلحلة الإشكال بالتوافق والحوار مع رئيس الدولة

واستطرد الشواشي قائلًا: "للأسف الشديد، ما رأيناه اليوم من رئيس الحكومة هو حركة تصعيدية الغاية منها تعكير الأجواء بينه ورئيس الدولة، وهو يدرك جيدًا أن هذه المعركة لا تصبّ في مصلحة البلاد، لاسيما في ظلّ الأزمة الصحية الكبيرة جدًا، فضلًا عن الأزمة الاقتصادية والمالية والأمنية والاجتماعية".

ويرى محدّث "الترا تونس" أن أخطأ عندما صعّد بإقالة وزراء من الحكومة، مضيفًا: "لسائل أن يسأل ما سبب إقالتهم طالما تنتظر أن يمرّ التحوير الوزاري، كان الأجدى أن ينتظر أسبوعًا آخر يتواصل خلاله مع رئيس الجمهورية ويحاول تجاوز الإشكال".

ووصف الشواشي ذلك بـ"التصعيد غير المبرر"، مرجحًا أن يكون "الحزام البرلماني الداعم لهشام المشيشي يدفعه نحو المواجهة مع رئيس الدولة، وهذا يصب فقط في إطار مزيد توتير وإرباك الأجواء"، وفق تقديره.

وخلص الأمين العام للتيار الديمقراطي إلى أن "هذه الحكومة من أضعف الحكومات التي عرفتها تونس منذ الثورة إلى الآن، ناهيك عن أن الائتلاف الحاكم غير منسجم وخاضع للوبيات المال والفساد"، حسب تعبيره.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل تكون اليمين الدستورية ورقة سعيّد الرابحة؟

المشيشي وتحويره: من وسادة القصر إلى وسادة البرلمان