مقال رأي
الساحة السياسية في تونس قادمة على منعرج سياسي جديد، يتمثل في سباق من أكثر من جانب لتعديل الموازنات السياسية، بين "حوار وطني" سيكون ورقة لإعادة ترتيب الأوراق من جانب وتحوير حكومي يسعى إليه رئيس الحكومة هشام المشيشي لتقوية وضعه استغلالاً لوضع تحالفه الداعم الأكثر هشاشة بعد إيقاف رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي وهو أحد أطراف "حزام الحكومة" من جانب آخر. نحن نتجه في مسار تسود منطقه نزعة "المغامرة".
الساحة السياسية في تونس قادمة على منعرج سياسي جديد، بين "حوار وطني" لإعادة ترتيب الأوراق وتحوير حكومي يسعى إليه المشيشي لتقوية وضعه
إثر فترة انتظار طويلة وتصريحات متبرمة عن حياء لقيادات نقابية حالية، وتصريحات أكثر صراحة من الأمين العام السابق حسين العباسي، والأهم بعد أنباء عن تحديد اتحاد الشغل للرئاسة "بشكل ودي" لأجل أقصى يتمثل في نهاية شهر ديسمبر الجاري ليحسم الرئيس قيس سعيّد موقفه من مبادرة الاتحاد للحوار الوطني، إثر كل ذلك، استقبل قيس سعيّد أمين عام الاتحاد يوم 30 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، ونشرت رئاسة الجمهورية بلاغًا حول اللقاء.
البلاغ مثير جدًا للحيرة لسبب أساسي، أنه تغير من صيغة أولى تحدثت عن "قبول مبادرة الاتحاد" إلى صيغة ثانية تمت إضافتها بعد تعديل النص المنشور على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية بفيسبوك وتتحدث عن "القبول بحوار لتصحيح مسار الثورة التي انحرفت عن أهدافها"، والتركيز على مشاركة ممثلين عن الشباب بالجهات. في حين من المعلوم أن اتحاد الشغل طرح مبادرة لحوار وطني لإيجاد حلول سياسية واقتصادية واجتماعية للوضع الراهن في بلادنا.
اقرأ/ي أيضًا: هل يسقط السقف على الجميع؟
الطبوبي أشار في تصريحات لاحقة إلى أنه ستتشكل لجنة بين الرئاسة والاتحاد لوضع أسس تفعيل الحوار في الأيام القادمة. لكن من الواضح أن "حوار قيس" ليس "حوار الطبوبي". الكواليس تتحدث عن "شروط" ضمنية للرئيس تتمثل في إدخال تعديلات في مضمون الحوار بما يمس مسائل هيكلية منها تصوره للقانون الانتخابي، وأيضًا على مستوى المشاركين بضم ممثلين عن تحركات احتجاجية.
الكواليس تتحدث عن "شروط" ضمنية للرئيس تتمثل في إدخال تعديلات في مضمون الحوار بما يمس مسائل هيكلية منها تصوره للقانون الانتخابي، وأيضًا على مستوى المشاركين بضم ممثلين عن تحركات احتجاجية
هل سيعني هذا التضارب في الرؤية بين الرئيس والاتحاد انقطاع السبل عن الحوار؟ لا أعتقد ذلك. ما يمكن أن يحصل هو أن يلتقي الطرفان في الوسط حتى لا ينقطع حبل ود يحتاجه كل منهما، للاستقواء على خصومهما، ولو أنهم ليسوا نفس الخصوم، من أجل إحداث توازن ما مع تحالف "نهضة-قلب-ائتلاف" الداعم لحكومة المشيشي.
لنكن واضحين لن يكون الحوار قادرًا أولاً على الانفتاح "على الجميع" و"لا يُقصي إلا من يُقصي نفسه" كما تُطالب بذلك حركة النهضة حماية لوسادتها البرلمانية، خاصة أنها بصدد إنهاء اللمسات الأخيرة على ترتيب بيتها الداخلي. فلا الاتحاد سيقبل بحضور "ائتلاف الكرامة"، ولا قيس سعيّد سيقبل، في الصيغ الراهنة، بقبول "قلب تونس"، خاصة بعد إيداع رئيسه في السجن في سياق التحقيق في قضية تهربه الضريبي التي تتعلق بعشرات المليارات.
دخول نبيل القروي إلى السجن مؤثر أساسي، ومتغير جوهري. السبب هو أننا بصدد إيداع في السجن هذه المرة يمكن أن يستمر لأشهر طويلة. وفيما يخص "قلب تونس" نحن لسنا إزاء تنظيم عقائدي حديدي يزيده "اعتقال القائد الرمز" صلابة على صلابة، وتبنيًا لمعاني "الابتلاء" و"المحنة"، بل نحن إزاء بقايا كتلة تشكلت قبل شهرين من الانتخابات، يدعمها أساسًا طموح نوابها لتحصيل امتيازات القرابة مع السلطة، وربما امتيازات يمنحها رئيس الحزب، "الزعيم الغائب".
لنكن واضحين لن يكون الحوار قادرًا أولاً على الانفتاح "على الجميع" و"لا يُقصي إلا من يُقصي نفسه" كما تُطالب بذلك حركة النهضة
ولهذا لن تكون الكتلة هشة فقط كلما فهمت أن القروي سيقبع بعيدًا عنها مستضعفًا ومهددًا بأحكام قضائية مشددة أقلها عشر سنوات سجنًا قبل إضافة التهم الأخرى وبعضها يتعلق بالأمن القومي. بل هي هشة أيضًا بسبب مسارات تكتلات أخرى سترغب في التهام جزء منها من خلال نواتات من داخلها. تكفي الإشارة هنا إلى تنظيم "طلبة شباب التجمع" السابق الذي يخترق عديد الكتل ويسعى لإحداث توازن مع الصعود الطاغي لغريمتهم من نفس العائلة عبير موسي، تحسبًا لصفقة لاحقة معها.
اقرأ/ي أيضًا: المشيشي ينفق بلا حساب ويرتمي في أحضان القروي
في كل الحالات، يريد رئيس الحكومة هشام المشيشي اقتناص الفرصة، والتسريع في تحوير حكومي منتصف شهر جانفي/ يناير على الأكثر، يكون على مقاسه، أي "مستقلين" مرشحين جزئيًا من الأحزاب لكن حيث يجد أيضًا نصيبه من مرشحي ما سبق أن أسميته "الحزب القومي للإدارة" (التي اجتمعت وداديته آخر الأسبوع في إطار احتفالي بحضور المشيشي). يُسارع المشيشي إلى ذلك قبل تزايد هشاشة كتلة "قلب تونس" ومن ثمة ضمان تمرير التحوير مبكرًا.
يريد المشيشي اقتناص الفرصة والتسريع في تحوير حكومي منتصف شهر جانفي على الأكثر، يكون على مقاسه، أي "مستقلين" مرشحين جزئيًا من الأحزاب
الآن يبقى تحديد نية المشيشي، هل سيُعلن الحرب مع الرئيس بإقصاء بعض الوزراء المحسوبين عليه وعلى رأسهم وزير الداخلية، أم سيتجنب المشيشي فتح جبهة مع القصر، أيضًا ما هي تداعيات الحوار "سعيّد/الطبوبي" على مسار التحوير الحكومي، خاصة وأن في الكواليس مسارات أخرى يتم إنضاجها على مهل لتحوير المشيشي نفسه وإخراجه من القصبة بصيغة ما.
لن يكون الأمر سهلاً بكل تأكيد، ليس فقط بسبب المناورات السياسية بلا نهاية، بل أيضًا بسبب وضع اقتصادي واجتماعي مرشح لمزيد التأزم.
- المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"
اقرأ/ي أيضًا: