24-ديسمبر-2021

لم تكن سنة 2021 بالهيّنة على الصعيد الاقتصادي في تونس الذي عرف تدهورًا متواصلًا (فتحي بلعيد/ أ ف ب)

 

لم تكن سنة 2021 بالسنة الجيدة على الاقتصاد التونسي، بل كانت سنة تحطم فيها ترقيم سيادي بعد أن صمد لأكثر من 40 سنة.. سنة شهدت اضطرابًا صحيًا بسبب انتشار جائحة كورونا وتدهورًا على مستوى المؤشرات الاقتصادية وعدم استقرار سياسي كان فيه تاريخ 25 جويلية/يوليو 2021 فارقًا شهدت إثره تونس "عزلة دولية" على مستوى الدول المانحة ونظامًا تسيره مراسيم رئاسية حسب مقتضيات الأمر الرئاسي عدد 117 وبموجب تدابير استثنائية بعد تفعيل الفصل 80 من الدستور التونسي.

وبمقتضى تعليق خصائص البرلمان وتجميد عمل النواب أعدت لجان حكومية قانون المالية لسنة 2022، وتم عرضها على مصادقة مجلس وزاري بتاريخ 23 ديسمبر/كانون الأول 2021 تحت إشراف رئيس الدولة. ميزانية لم يتم الكشف عنها ونشرها بطريقة تشاركية تضمنت بعض فصولها مؤشرات توقعت من خلالها الحكومة أن يكون الانعكاس المالي للإجراءات الجبائية التي تعتزم اتخاذها في حدود 1881 مليون دينار.

كما أشارت الوثيقة إلى أن الحكومة تتوقع توفير 781 مليون دينار من إجراءات جبائية جديدة سنة 2022 و300 مليون دينار من مداخيل جبائية إضافية و500 مليون دينار بفضل إجراءات أخرى.

لم تكن سنة 2021 جيدة على مستوى الاقتصاد التونسي، تحطم فيها ترقيم سيادي بعد أن صمد لأكثر من 40 سنة وشهدت اضطرابًا صحيًا بسبب انتشار كورونا وتدهورًا على مستوى المؤشرات الاقتصادية وعدم استقرار سياسي

وتتضمن الوثيقة خفض كتلة الأجور الذي تنوي حكومة بودن تطبيقه من خلال تجميد الانتدابات الذي سيوفر لها مبلغ 415 مليون دينار وتجميد الأجور الذي سيوفر 1060 مليون دينار والتقاعد المبكر الذي سيوفر 84 مليون دينار.

كما تخطط الحكومة التونسية (حسب الوثيقة المسربة) لرفع أسعار الوقود والكهرباء وفرض ضرائب جديدة العام القادم لخفض العجز المالي، وتتوقع أن تعزز تلك الإجراءات إيراداتها بنحو 3.5 مليار دينار (1.22 مليار دولار) وتخطط لخفض عجز الميزانية إلى 7.7 % في 2022 من 8.3% في 2021.

اقرأ/ي أيضًا: من بينها الحليب والزيت والحبوب: أزمات غذائية "قاعدية" تلوح في أفق تونس

كما تتوقع انخفاض النمو الاقتصادي من 2.8% إلى 2.6%، وارتفاع احتياجات التمويل في 2022 إلى 23 مليار دينار (8 مليارات دولار) من 21 مليار دينار في 2021، ومن المتوقع أن يرتفع التضخم إلى 7% العام المقبل من 5.7% في 2021.

أقرّ الرئيس التونسي بوجود "إكراهات" في قانون المالية لسنة 2022 (الشاذلي بن إبراهيم/NurPhoto)

ولئن فند الرئيس التونسي قيس سعيّد صحة الوثيقة المسربة بخصوص قانون المالية 2022 فإنه "شدّد على أن إعداد هذه الوثيقة تم ّ في إطار حرص الدولة على بعث رسائل إيجابية لمختلف الفاعلين الاقتصاديين في الداخل وشركاء تونس والأطراف المانحة في الخارج"، حسب بلاغ للرئاسة منشور على صفحتها الرسمية بفيسبوك.

وأقرّ الرئيس في مجلس وزاري بـ"إكراهات" في قانون المالية لسنة 2022 وأن "تونس أمام إرث ثقيل لا يمكن تجاوزه إلا بقرارات جريئة".

اقرأ/ي أيضًا: أيّ "تقشف" يدعو إليه الرئيس سعيّد؟

تخطط الحكومة التونسية لرفع أسعار الوقود والكهرباء وفرض ضرائب جديدة العام القادم لخفض العجز المالي، وتتوقع أن تعزز تلك الإجراءات إيراداتها بنحو 3.5 مليار دينار

وفي خضمّ هذا الشأن، قال الأستاذ بالجامعة التونسية المختص في الاقتصاد رضا الشكندالي، في تصريح لـ"الترا تونس" إنّ "الإجراءات التي تنوي تونس اتخاذها في قانون المالية 2022 إنما هي استمالة لصندوق النقد الدولي لإقناعه بالعودة إلى طاولة المفاوضات بعد اجتماع يتيم بين ممثلين عن البنك وممثلين عن الحكومة التونسية في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وكانت الخلاصة آنذاك توسعة التشارك وبما أنه لم يقع ذلك أرادت الحكومة أن تخطو خطوة استباقية في إجراءات استمالة وتبرر أنها حكومة قادرة على تنفيذ إصلاحات لم تقدر عليها حكومات سابقة".

ويضيف الشكندالي "الحدث الأهم بالنسبة إلى تونس والذي يعتبر تاريخيًا على المستوى الاقتصادي هو الانتقال من الحقبة "b" إلى الحقبة "c" في الترقيم السيادي ووجدنا أنفسنا في وضع صعب يماثل وضع دول مثل لبنان والعراق"، مؤكدًا أن "هذا التصنيف ينفّر المستثمرين على مستوى السوق المالية الدولية".

اقرأ/ي أيضًا: قانون المالية التعديلي 2021.. أرقام وملاحظات

وقد تزامن هذا التخفيض مع "عزلة دولية تعيشها تونس خاصة من طرف المؤسسات الدولية والدول المانحة التي كانت تعطي ضمانات لتونس مثل أمريكا والاتحاد الأوروبي الذي يعتبر الشريك المميز والذي أعان تونس بتدفقات مالية إثر ثورة 2011، هذه العزلة دفعت تونس إلى القول إن دولًا شقيقة ستقف إلى جانبها ماديًا (السعودية مثالًا)، لكن تونس لم تتحصل على شيء ويبدو أن الأمور المالية لا تدار على مستوى العالم إلا بموافقة أمريكية"، حسب تحليل الشكندالي.

الشكندالي لـ"الترا تونس": تراجع التصنيف السيادي لتونس الذي تزامن مع عزلة دولية تعيشها خاصة من طرف المؤسسات الدولية والدول المانحة جعلنا في وضع صعب ينفّر المستثمرين على مستوى السوق المالية الدولية

ويتابع: "ما أنقذ الأمر ولو جزئيًا، رغم الفجوة المالية على مستوى المالية العمومية، هو القرض الجزائري الأخير بمبلغ 300 مليون دولار، مما أعطى جرعة أوكسجين بالنسبة للمالية العمومية وإنقاذ أجور ديسمبر/كانون الأول 2021".

  • المؤشرات الاقتصادية سنة 2021
(المعهد الوطني للإحصاء)

على مستوى المؤشرات الاقتصادية، يقول محدث الترا تونس": "نرى تقريبًا على مستوى النمو الاقتصادي أن الاقتصاد التونسي لم يتحرر من آثار جائحة كورونا إلى حدود الثلاثي الأول من هذه السنة لأن النمو الاقتصادي واصل انحداره تقريبًا (-1.7%) في الثلاثي الأول من هذه السنة مقارنة بنفس الفترة من السنة المنقضية والتي شهدت تراجعًا بـ -3.5 %. ولم يتغير مسار النمو الاقتصادي إلا في الثلاثي الثاني من سنة 2021 بعد تسجيله ارتفاعًا بـ %16.2 مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، لكن تلك الفترة ليست مرجعًا لأنها شهدت تراجعًا غير مسبوق للنمو الاقتصادي -19.8 %، والارتفاع الذي شهدته هذه السنة بـ 16.2 %لا يمكّن من المحافظة على نفس المستوى ما قبل الجائحة لسنة 2019".

الشكندالي لـ"الترا تونس": تراجع النمو الاقتصادي بعد 25 جويلية انعكس على نسب البطالة التي ارتفعت ووصلت إلى حدود 18.4% في الثلاثي الثالث من هذه السنة 

ويواصل المختص في الشأن الاقتصادي رضا الشكندالي تحليل المؤشرات قائلًا:"القطاع الفلاحي تضرر بشكل ملحوظ بعد الجائحة ورغم أن الدول رتبت أولوياتها بعد الجائحة وأعطت أولوية مطلقة لهذا القطاع خاصة بعد أن أحدثت الجائحة خللًا في التوريد والتصدير فإن الفلاحة التونسية سجلت انتكاسة للثلاثي الثالث على التوالي سنة 2021 (الثلاثي الأول -6.19 % / الثلاثي الثاني -4.7% / الثلاثي الثالث -2.6% )، وهذه المؤشرات لم تُسجَّل منذ 5 سنوات كاملة وتبعًا لذلك تراجعت الصناعات الغذائية بنسبة 2.2 % في الثلاثية الثالثة بعد بداية التعافي في الثلاثية الثانية ما قبل 25 جويلية لكنها انتكست من جديد بعد 25 جويلية"، حسب تقديره.

"القطاع الفلاحي تضرر بشكل ملحوظ بعد جائحة كورونا" (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

اقرأ/ي أيضًا: إنشاء "شركات أهلية" في تونس.. هل تساهم في حل الأزمة؟

ومن "القطاعات التي شهدت انتكاسة كبيرة بعد 25 جويلية أي بداية من الثلاثي الثالث من هذه السنة بالرغم من بداية تعافيها وتسجيل نسب نمو معتبرة خلال الثلاثي الثاني، قطاع صناعة النسيج والملابس والجلد الذي سجل في الثلاثي الثالث -2.5% مقابل 53% في الثلاثي الثاني (قفزة نوعية فانتكاسة شديدة)"، حسب الخبير الشكندالي.

"السياحة بدورها شهدت انتكاسة في الثلاثي الثالث من سنة 2021 وذلك بتراجع النمو  بـ13.1% مقابل 104.7% في الثلاثي الثاني".

الشكندالي لـ"الترا تونس": تواصل التدابير الاستثنائية لعام آخر قد يزيد من عدم اليقين وتخوف المستثمرين من المستقبل ويرفع نسبة المخاطر لديهم مما قد يدفعهم إلى البحث عن مناخات أكثر أمانًا وطمأنة

ويضيف الشكندالي: "هذا النمو الضعيف وتراجع النمو الاقتصادي بعد 25 جويلية انعكس على نسب البطالة التي ارتفعت إلى مستويات أعلى ممّا كانت عليه في السنة الأولى من الثورة، فمنحى لنسبة البطالة ظل تنازليًا إلى نهاية 2019 بنسبة مسجلة 14.9%، وبعد تداعيات الجائحة السلبية في سنة 2020 لم تتمكن حكومة المشيشي وما بعدها من تقليص نسبة البطالة التي واصلت ارتفاعها إلى حدود 18.4% في الثلاثي الثالث من هذه السنة وخاصة في نسبة بطالة الشباب التي بلغت 42.4%".

السياحة بدورها شهدت انتكاسة في الثلاثي الثالث من سنة 2021" (ياسين القايدي/الأناضول)

وأشار رضا الشكندالي إلى أن "المشروع المسرب لقانون المالية 2022 قد "لا تقدر الحكومة على تنزيله على أرض الواقع، وإن تواصلت التدابير الاستثنائية لعام آخر، قد يزيد ذلك في عدم اليقين وتخوف المستثمرين من المستقبل ويزيد من نسبة المخاطر لديهم، وقد يدفعهم إلى البحث عن مناخات أكثر أمانًا وطمأنة، ولا أعتقد أن صندوق النقد الدولي يمكن أن يذهب في مفاوضات مع حكومة استثنائية غير دائمة ولا تشرّك كل الأطراف المعنية وخاصة المنظمات الاجتماعية"، حسب رأيه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المؤسسة الاقتصادية والسلطة السياسية.. أي علاقة؟

مختصون في الاقتصاد:"قد نصل إلى مرحلة العجز التام ولا مفرّ من إصدار العملة"