خلافاً لما كان عليه الوضع لسنوات، نشر قانون المالية التكميلي/ التعديلي لسنة 2021 في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية، مساء الثلاثاء 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، بشكل مفاجئ للرأي العام التونسي ودون مصادقة عليه داخل البرلمان أو نقاش مسبق حوله.
وبعيدًا عن المواقف المتباينة من مستوى وقيمة النقاش الذي كان يحظى به قانون المالية التكميلي أو قانون المالية للسنة الجديدة داخل البرلمان في نهاية كل سنة، إلا أن غياب أي نقاش أو إمكانية للطعن في قانون المالية التعديلي لسنة 2021 أثار استياء في أوساط عديد السياسيين والاقتصاديين والباحثين.
قانون المالية التعديلي 2021: عجز ميزانية الدولة يصل إلى 9.7 مليار دينار في 2021 أي ما يقدر بـ 3.4 مليار دولار والقروض الخارجية للعام 2021 ستصل إلى 12 مليار دينار
صدر قانون المالية التكميلي المذكور وفق مرسوم رئاسي هذه السنة، تحديدًا المرسوم الرئاسي عدد 3 لسنة 2021 مؤرخ في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021. وورد فيه أن عجز الموازنة العامة (ميزانية الدولة) يصل إلى 9.7 مليار دينار في 2021 في إطار قانون المالية التكميلي لسنة 2021 أي ما يقدر بـ 3.4 مليار دولار. كما ورد أن القروض الخارجية للعام 2021 ستصل إلى 12 مليار دينار.
اقرأ/ي أيضًا: صدور قانون المالية التكميلي 2021 بمرسوم رئاسي: عجز بـ9.7 مليار دينار
بعيدًا عن الاستياء المسجل من عدم فتح نقاش مسبق حول القانون، تطرح الأرقام المضمنة فيه سؤالاً رئيسيًا من أين ستتأتى الأموال لتغطية هذه الاحتياجات؟ كيف فعليًا سيتم تعبئة 12 مليار دينار من الاقتراض الخارجي؟.. وغير ذلك من الأسئلة.
أولى الملاحظات كانت التذكير أن القانون صدر بمرسوم رئاسي غير قابل للطعن وفق ما نص عليه سابقًا الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 الصادر بتاريخ 22 سبتمبر/ أيلول 2021، والذي أقر صلاحيات شبه مطلقة للرئيس التونسي وتم من خلاله تعليق معظم أبواب الدستور، وتضمن في فصله السابع أنه "لا تقبل المراسيم الطعن بالإلغاء".
من اللافت أيضًا رقم 12 مليار دينار الذي حدد كقروض خارجية، وتطرح هنا أسئلة عدة حول كيفية تحصيله، مع صعوبة وشبه استحالة الخروج للأسواق العالمية ومع تأخر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وحتى المتداول مؤخرًا حول تقديم دولة عربية يٌشاع أنها المملكة العربية السعودية لمساعدات مالية إلى تونس فلا نزال نجهل القيمة المادية لها، وطريقة تقديم هذه المساعدات وموعد ذلك وأيضًا استتباعات ذلك.
من اللافت رقم 12 مليار دينار الذي حدد كقروض خارجية، وتطرح هنا أسئلة عدة حول كيفية تحصيله، مع صعوبة وشبه استحالة الخروج للأسواق العالمية ومع تأخر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي
من الملاحظ أيضاً عند الاطلاع على قانون المالية التعديلي أن الدولة لم تتمكن من تعبئة سوى 530 مليون دينار من خلال الهبات في الوقت الذي كان من المنتظر تعبئة حوالي 800 مليون دينار من الهبات حسب قانون المالية الأصلي لسنة 2021.
من اللافت أيضًا اللجوء المتزايد للسوق المالية الداخلية، إذ كان الاقتراض الداخلي في حدود 5.5 مليار دينار في قانون المالية الأصلي لسنة 2021 وأصبح في التعديلي في حدود 8.1 مليار دينار.
اقرأ/ي أيضًا: صندوق النقد الدولي: تلقينا مؤخرًا طلب مساعدة من تونس والمباحثات متواصلة
واللجوء إلى السوق الداخلية تختلف حوله الآراء فهناك من يدعمه وهناك من يبدي تخوفات منه، ومنهم المختص الاقتصادي عز الدين سعيدان الذي قال في تصريحات صحفية إن التجاء الدولة للداخل يعني أنها ستوفر الأموال عبر ما يسمى بطبع الأوراق المالية، موضحًا أن "طباعة الأوراق المالية ليس بمعناها المادي وإنما بإصدار عملة من طرف البنك المركزي لتمويل نفقات ميزانية الدولة"، وفقه.
من اللافت اللجوء المتزايد للسوق المالية الداخلية، إذ ارتفع الاقتراض الداخلي في قانون المالية التعديلي لسنة 2021 إلى حدود 8.1 مليار دينار
في ذات السياق، وحول تمويل الميزانية للسنة التي تشرف على الانتهاء، يقول أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي في مداخلة إذاعية إن الأرقام الواردة في قانون المالية التعديلي تثير الشكوك حول لجوء الدولة إلى التمويل المباشر من طرف البنك المركزي التونسي.
وفي سياق متصل، يقول المختص الاقتصادي آرام بلحاج "في الحقيقة، وبكل موضوعية، تبدو عملية تعبئة كل الموارد المطلوبة فيما تبقى من السنة صعبة جدًا، خاصة فيما يتعلق بـ:
- القروض المتأتية من رقاع الخزينة القابلة للتنظير، وذلك نظرًا لعزوف البنوك على هذا النوع من التمويل (343 مليون دينار)
- الأموال المتأتية من القرض الرقاعي الوطني الثاني، وذلك نظرًا للفترة القصيرة التي تفصل بين القرض الرقاعي الأول وهذا الأخير (1000 مليون دينار)
- الأموال المتأتية من صندوق النقد الدولي، وذلك نظرًا لصعوبة إبرام اتفاق معه قبل نهاية السنة (372 مليون دينار)
- القروض المتأتية من الاتحاد الأوروبي، وذلك نظرًا للبطئ في عملية صرف الأموال المرصودة سابقاً وربما للشروط التي لا يزال يطلبها الاتحاد مقابل المساعدات المالية (961 مليون دينار)
- القروض المتأتية من التعاون الثنائي، وذلك نظرًا للمقابل "السياسي" الكبير الواجب دفعه (2820 مليون دينار)
وبالتالي، يتأكد بأن كل الفوارق التي ستحصل بين ما هو مبرمج في الجدولين أسفله وبين ما سيتحقق على أرض الواقع سيتكفل بها البنك المركزي عبر تمويل مباشر للعجز".
يرجح المختص الاقتصادي آرام بلحاج أن عملية تعبئة كل الموارد المطلوبة فيما تبقى من السنة صعبة جدًا ويرجح أن بعضها سيتكفل به البنك المركزي عبر تمويل مباشر للعجز
وكانت وزارة المالية قد أوضحت في تقرير نشرته على موقعها الرسمي، إبان نشر المرسوم الرئاسي، خلفيات الأرقام الواردة في قانون المالية التعديلي لسنة 2021 وتعرضت لـ"انعكاسات جائحة فيروس كورونا وما انجر عنها من انخفاض حاد للنمو وللمبادلات التجارية وتزايد الضغوطات على المالية العمومية خاصة بتراجع المداخيل وبرمجة نفقات استثنائية لمجابهة هذا الظرف".
وأكدت أن "هذه الوضعية استوجبت جملة من الإجراءات ذات الطابع المالي والجبائي والاجتماعي لمساندة الأسر والمؤسسات المتضررة فضلاً عن تخصيص اعتمادات إضافية لدعم القطاع الصحي".
كما شددت على أن "الزيادة في النفقات وتراجع المداخيل أدى إلى اتساع عجز الميزانية والكشف عن حاجيات تمويل إضافية ساهمت في تدهور نسب الدين العمومي وذلك في سياق يتسم بصعوبات للوصول إلى السوق المالية الدولية والمحلية".
وزارة المالية: "الزيادة في النفقات وتراجع المداخيل أدى إلى اتساع عجز الميزانية والكشف عن حاجيات تمويل إضافية ساهمت في تدهور نسب الدين العمومي وذلك في سياق يتسم بصعوبات للوصول إلى السوق المالية الدولية والمحلية"
- أبرز أرقام قانون المالية التعديلي لسنة 2021:
تم تحيين ميزانية 2021 وهذه أهم الأرقام، وفق تقرير وزارة المالية حول القانون:
- تخفيض نسبة النمو بالأسعار القارة من 4 في المائة مقدرة في قانون المالية الأصلي إلى 2,5 في المائة
- مراجعة فرضية سعر برميل النفط بالترفيع من 45 دولار للبرميل في قانون المالية الأصلي إلى 70 دولار للبرميل
- تطور الموارد الذاتية للميزانية لكامل سنة 2021 بنسبة 13 في المائة مقابل نسبة تطور بـ9,6 في المائة في قانون المالية الأصلي أي زيادة بـ1340 مليون دينار مقارنة بتقديرات قانون المالية لسنة 2021 متأتية من مداخيل جبائية لحد 991 مليون دينار ومداخيل غير جبائية وهبات بقيمة 349 مليون دينار
- ارتفاع نفقات الميزانية دون اعتبار تسديد أصل الدين بـ4038 مليون دينار مقارنة بتقديرات قانون المالية الأصلي لسنة 2021 وهي متأتية أساسًا من:
- زيادة بـ227 مليون دينار في نفقات الأجور نتيجة لإمضاء جملة من الاتفاقيات والتدابير الجديدة إلى جانب الانتدابات والترقيات والزيادات القطاعية وإجراءات أخرى تم إقرارها بعد المصادقة على قانون المالية الأصلي لتبلغ كتلة الأجور 20345 مليون دينار مقابل 20118 مليون دينار مقدرة أوليًا
- زيادة بـ286 مليون دينار في نفقات التسيير، يهم جزءًا منها وزارة الصحة لتدعيم اقتناء الأدوية بالمؤسسات الصحية
- زيادة بـ2926 مليون دينار لدعم المحروقات لتبلغ 3327 مليون دينار مقابل 401 مليون دينار مقدرة أوليًا ويعزى ذلك خاصة إلى تحيين معدل سعر برميل النفط في حدود 70 دولار للبرميل لكامل السنة عوضًا عن 45 دولار للبرميل مقدرة أولياً بالإضافة إلى عدم تفعيل التعديل الأوتوماتيكي لأسعار المواد البترولية لما تبقى من سنة 2021
- زيادة بـ550 مليون دينار بعنوان تدخلات دون الدعم تهم أساساً برنامج المساعدات الاستثنائية للعائلات المعوزة ومحدودة الدخل والممول من البنك الدولي بالإضافة إلى تدخلات لفائدة وزارة التربية بمناسبة العودة المدرسية ممولة من المؤسسات المالية والبنكية
- زيادة بـ185 مليون دينار بعنوان نفقات الاستثمار تتأتى خاصة من إجراءات استثنائية تهم وزارة الصحة لمجابهة جائحة كوفيد 19 ووزارة التربية بمناسبة العودة المدرسية
- اقتصاد بـ248 مليون دينار بعنوان فوائد الدين العمومي
- زيادة بـ122 مليون دينار في النفقات الطارئة وغير الموزعة
وتبعًا لهذه الأرقام، ينتظر أن يفضي تنفيذ ميزانية الدولة لكامل سنة 2021 إلى النتائج المحينة التالية، وفق ذات التقرير المذكور أعلاه:
- ارتفاع حجم الميزانية بنسبة 7.2 في المائة مقارنة بقانون المالية الأصلي ليبلغ 55520 مليون دينار مقابل 51804 مليون دينار مقدر أوليًا و48833 مليون دينار مسجل سنة 2020
- تمويل 62 في المائة من الميزانية بالموارد الذاتية للدولة
- مستوى عجز الميزانية دون الهبات والمصادرة في حدود ـ 8,3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل ـ 6,6 في المائة تم إقراره بقانون المالية الأصلي و ـ9,6 في المائة مسجل سنة 2020
- نسبة المديونية في حدود 85,6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 79,5 في المائة مسجلة في سنة 2020.
اقرأ/ي أيضًا:
عبد الكافي:كان الأجدر فتح نقاش حول قانون المالية التكميلي مع الأحزاب والمختصين
العجبوني: أرقام قانون المالية التعديلي مسقطة والأدهى أنها غير قابلة للطعن