08-أكتوبر-2021

انتهاكات متواترة طالت صحفيين مؤخرًا مما خلق مخاوفًا من العودة إلى مربع التضييقات على الحريات (ناصر طلال / الأناضول)

 

تزداد المخاوف اليوم تلو الآخر، بعد قرارات الـ25 من جويلية/يوليو 2021، حول واقع الإعلام في تونس ومستقبل حرية الصحافة والتعبير، لاسيّما بعد ما عرفته البلاد مؤخرًا من انتهاكات طالت صحفيين، سواء على مستوى ما تعرضوا له من اعتداءات أمنية أثناء أدائهم لمهامهم أو إحالتهم على القضاء في قضايا رأي، فضلًا عن حملات تشويه ضد أصحاب الرأي المخالف على منصات التواصل الاجتماعي.

  • اعتداءات.. إيقافات.. ومداهمات لمؤسسات إعلامية:

وشهدت الفترة الأخيرة سلسلة من الممارسات المتواترة التي مست إعلاميين وصحفيين على غرار محاكمات تعلقت بقضايا رأي. وقد أصدر حاكم التحقيق الثاني بالمحكمة العسكرية الدائمة، الثلاثاء 5 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بطاقة إيداع بالسجن في حق الإعلامي في قناة الزيتونة عامر عياد. ويتعلق الأمر بإلقاء الإعلامي عياد قصيدة للشاعر العراقي أحمد مطر خلال آخر حصة قدمها من برنامجه على قناة الزيتونة الخاصة التونسية وقد تحرك القضاء العسكري على أساسها، وفق تأكيدات المحامي سمير بن عمر.

وفي قضية أخرى، أصدرت دائرة الاتهام بمحكمة سوسة في الساحل التونسي، اليوم الثلاثاء، بطاقة إيداع بالسجن في حق الصحافية شذى الحاج مبارك، وثلاثة موظفين فيما يعرف إعلامياً بقضية شركة "إنستالينغو" التي اتُّهمت بأنها تدير صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي الهدف منها "تشويه صورة الرئيس التونسي قيس سعيّد، وإرباك الأمن العام".

شهدت الفترة الأخيرة سلسلة من الانتهاكات التي طالت صحفيين في تونس من اعتداءات أمنية ومحاكمات تعلقت بقضايا رأي، وحملات شيطنة وتشويه

كما وجّهت النيابة العمومية، في 30 سبتمبر/ أيلول 2021، تهمة ''الاعتداء بالعنف الشديد على موظف عمومي حال مباشرته لوظيفته'' ضد الصحفية والناشطة أروى بركات. وسبق أن أكدت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، في بيان نشرته في 21 سبتمبر/أيلول 2021، أن "أروى بركات من ضحية لعنف أمني شديد إثر تعمد أحد الأمنيين الصعود فوقها والاعتداء عليها بالعنف الشديد داخل سيارتها ومحاولة افتكاك هاتفها الجوال، إلى متهمة في محاولة بائسة للإفلات من العقاب وتحويل وجهة الموضوع برمته"، وفقها.

 وقائمة الصحفيين الذين تعرضوا لاعتداءات وتضييقات أثناء أداء عملهم ولحملات تشويه، تطول.

اقرأ/ي أيضًا:  حوار|هشام السنوسي: هناك مؤسسات إعلامية تعتمد التهريب وتهدد الأمن القومي للبلاد

وبالإضافة على ذلك، عرفت تونس مؤخرًا مداهمات لمقرات مؤسسات إعلامية أجنبية ومحلية، وغلقها بالقوة العامة. وكانت قناة الزيتونة التونسية قد أعلنت، في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن عناصر أمنية كانوا برفقة أعضاء من الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري "الهايكا" واقتحموا أستديوهات التصوير التابعة لها وشرعوا في إتلاف تجهيزاتها، فيما أكدت الهايكا، في بيان لها، أنها تطبق قرارًا سابقًا بالنظر لعدم حصول القناة المذكورة على "إجازة للبث".

يُذكر أن القناة المذكورة غير متحصلة على ترخيص من "الهايكا" يمكّنها من البث بشكل قانوني، لكنها ليست الوحيدة في هذه الوضعية بالنسبة للقنوات التلفزية والإذاعية التونسية، وللقناة خط تحريري معارض لتوجهات الرئيس التونسي قيس سعيّد.

وليست هذه الحادثة الأولى في علاقة بمداهمة مقر مؤسسة إعلامية، إذ سبق أن تعرّض غداة 25 جويلية/يوليو 2021، مكتب قناة "الجزيرة" بتونس إلى عملية اقتحام من قبل 20 عون أمن، اثنان منهم بالزي الرسمي، من الباب الخلفي وطالبوا فريق عمل المكتب المتكون من 7 أشخاص بمغادرة المقر وغلق المكتب، وفق ما جاء في بيان للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين. ولا يزال مكتب الجزيرة بتونس مغلقًا إلى اليوم دون أي توضيح رسمي للسبب الحقيقي خلف قرار الغلق.

  • نقيب الصحفيين: "نحن اليوم في ظلّ مناخ من الفاشية"

وفي تقييمه لواقع الإعلام في تونس اليوم، اعتبر نقيب الصحفيين محمد ياسين الجلاصي، في تصريح لـ"الترا تونس"، أننا "نعيش اليوم في ظل مناخ من الفاشية، وليس في مناخِ ديمقراطية"، وفق وصفه.

وأوضح الجلاصي: "في ظل الحالة الاستثنائية التي تعيشها تونس، التجأت السلطة إلى استعمال ممارسات تمس من حرية الصحافة والتعبير كالاعتداءات التي طالت صحفيين أثناء أداء مهامهم في تغطية التحركات الاحتجاجية على غرار الاعتداء الهمجي الذي طال صحفية من الإذاعة الوطنية أمام مجلس نواب الشعب بباردو، والتتبعات العدلية ضد صحفيين في قضايا نشر على غرار إحالة الصحفي عامر عياد أمام القضاء العسكري".

ووصف ذلك بـ"الأمر الخطير جدًا"، مؤكدًا أنه "مهما كانت المخالفات التي ارتكبها الصحفيون، تبقى قضايا نشر ولا تحال إلا على القضاء المدني وفق المرسوم 115". "هذا أمر لا نقاش ولا جدال فيه"، يؤكد الجلاصي.

نقيب الصحفيين لـ"الترا تونس": "مهما كانت المخالفات التي ارتكبها الصحفيون، تبقى قضايا نشر ولا تحال إلا على القضاء المدني وفق المرسوم 115.. هذا أمر لا نقاش فيه!"

ولفت النقيب إلى أن "حرية الصحافة في تونس كانت دائمًا مهددة في فترات كل الحكومات التي تعاقبت على تونس، وكل الأحزاب التي سيطرت على البرلمان كانت تهدد وتسعى بكل قوة للسيطرة على حرية الصحافة "، مستدركًا القول: "لكن ما ضاعف ذلك خلال هذه الفترة هو أن عديد وسائل الإعلام أصبحت تقوم بالرقابة الذاتية ((Autocensure".  

وأشار، في هذا الصدد، إلى أن "تقرير الهايكا حول التعددية السياسية في القنوات التلفزية العمومية والخاصة 25 -31 جويلية 2021" أعطى نسبًا خيالية فيما يتعلق بالتغطية الخاصة برئيس الجمهورية والمواقف المناصرة له في القنوات التلفزية، بلغت نسبة 87%، وهو ما لم يحدث في أي مرحلة ما بعد الثورة".

من تقرير التعددية السياسية في القنوات التلفزية العمومية والخاصة 25-30 جويلية 2021 (الهايكا)

وشدد محمد ياسين الجلاصي، في هذا السياق، على أن "ضرب التعددية والاختلاف والتنوع أمر خطير وغير مقبول ولا يشرّف الإعلام في تونس التي تميزت بأن فيها مناخًا من الحريات والتعدد والتنوع وبمعارضة ممثلة دومًا في وسائل الإعلام بطريقة جيدة ومشرفة"، حسب رأيه.

وتابع القول: "بالإضافة إلى ذلك، هناك حملات كبيرة من التشويه والهرسلة والسحل يتعرض لها كل المخالفين لقرارات الرئيس"، معقبًا أن "هذه الأساليب استعملت سابقًا مع التجمع الحاكم قبل الثورة، ومع النهضة خلال السنوات الأخيرة، وهي أدوات متخلفة وفاشية لقمع كل أصوات المعارضة"، وفقه.

نقيب الصحفيين لـ"الترا تونس": ضرب التعددية والاختلاف والتنوع أمر خطير وغير مقبول ولا يشرّف الإعلام في تونس التي تميزت بأن فيها مناخًا من الحريات والتعدد والتنوع 

وكانت نقابة الصحفيين قد أكدت، في بيان نشرته الأربعاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2021، رفضها التام لتتبع الصحفيين وأصحاب الرأي على خلفية آرائهم وأفكارهم، معتبرة أن "الأخطاء المهنية وقضايا النشر مجالها الهيئات التعديلية للمهنة والمرسوم 115 للصحافة والطباعة والنشر"، ومجددة "تمسكها بالمرسومين 115 و116 كإطار وحيد لتنظيم المهنة".

كما جددت رفضها المطلق للمحاكمات العسكرية للمدنيين على خلفية آرائهم ومواقفهم ومنشوراتهم، مؤكدة أن ذلك يمثل "انتكاسة لحرية التعبير وضربًا للديمقراطية وحق الاختلاف"، حسب تقديرها.

وحذرت النقابة من خطر العود إلى مربع التضييقات وتكميم الأفواه، داعية الرئيس إلى "تفعيل تعهداته السابقة بضمان الحقوق والحريات"، حسب البيان ذاته.

  • منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: "وضع الحريات في تونس مقلق"

ومن جهته، يرى المكلف بالإعلام بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر أن "الوضع في تونس اليوم مقلق من جميع النواحي، خاصة على مستوى الحقوق والحريات، في ظل ما عرفته البلاد مؤخرًا من ممارسات، على غرار إحالة المدنيين على المحاكم العسكرية، محاكمة صحفيين خارج المرسومين 115 و116، تراجع الحق في التعبير والتظاهر في الفضاءات العامة والافتراضية".

اقرأ/ي أيضًا: وسائل الإعلام المصادرة في تونس.. عقد من المعالجة والتوتر المتواصل

وأوضح بن عمر، في تصريح لـ"الترا تونس": "في الفضاءات العامة، نرى تضييقات على بعض الأشخاص الذين يعبرون عن آرائهم، وفي الفضاءات الافتراضية هناك حملات شيطنة لكل الآراء المخالفة والناقدة لما وقع يوم 25 جويلية، وسط غياب أي ردة فعل رسمية للمؤسسات".

رمضان بن عمر (منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية) لـ"الترا تونس": الرئاسة حصرت، بموجب الأمر عدد 117، كل السلطات التنفيذية بيدها وبالتالي لديها الصلاحيات لإيقاف كل عملية انتهاك للحقوق والحريات والتصدي لها.. لكن ذلك لم يحدث

وتابع الناشط الحقوقي: "اليوم رئاسة الجمهورية بموجب الأمر الرئاسي عدد 117، حصرت كل السلطات التنفيذية بيدها وبالتالي لديها الصلاحيات لإيقاف كل عملية انتهاك للحقوق والحريات والتصدي لها.. لكن ذلك لم يحدث".

وفي سياق متصل، طالب بن عمر الرئاسة التونسية بأن تكون أكثر انفتاحًا على الهياكل الممثلة للصحفيين ولكل منظمات المجتمع المدني، خاصة فيما يتعلق بمسألة الانتهاكات، "حتى لا نصل إلى استنتاج بأن هذه الانتهاكات مؤسساتية وتحصل تحت غطاء سياسي".

وسبق أن شدد منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في بيان نشره في 27 جويلية/يوليو 2021، بعد يومين من "قرارات 25 جويلية"، على "ضرورة احترام استقلالية المؤسسات الإعلامية وحماية حرية الصحافة والنشر والتعبير والتنظّم والاجتماع والتعددية وحق المعارضة"، مؤكدًا رفضه "أي انتهاك يطال هذه الحقوق والحريات".

  • صحفيون لـ"الترا تونس": "واقع الإعلام في تونس يشهد انتكاسة كبرى"

وتواصل "الترا تونس" مع عدد من الصحفيين التونسيين لمعرفة رأيهم من واقع الإعلام في تونس اليوم ومستقبل حرية الصحافة والتعبير، خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي عرفها القطاع.

واعتبر الصحفي المتخصص في الشؤون المغاربية بالموقع العربي "نون بوست" عائد عميرة أن "واقع الإعلام في تونس خاصة بعد 25 جويلية يشهد انتكاسة كبرى".

صحفي لـ"الترا تونس": واقع الإعلام في تونس يشهد انتكاسة سيكون لها تأثير كبير على الترتيب العالمي لتونس في حرية الصحافة

وتابع: "الرئيس سعيّد تعهد في أكثر من مناسبة بحماية الحقوق والحريات وخاصة حرية التعبير، لكن الواقع عكس ذلك"، مستطردًا: "شهدت تونس خلال هذه الفترة مختلف الانتهاكات التي طالت صحفيين، على غرار الزج بعدد منهم في السجون، اقتحام وغلق مقرات وسائل إعلام، تضييقات وتهديدات واعتداءات على صحفيين أثناء أدائهم لمهامهم في الشارع، إحالة صحفيين على القضاء العسكري دون احترام المرسومين 115 و116...".

وشدد، في هذا الإطار، على أن "هذه الانتكاسة سيكون لها تأثير كبير على الترتيب العالمي لتونس في حرية الصحافة الذي سيشهد تراجعًا بخطوات كبيرة"، حسب رأيه.

ومن جانبها، تعتبر الصحفية آمنة فرني أنه "منذ 25 جويلية، انطلقت السلطة في تونس في التضييق على الحريات تدريجيًا، وخاصة حرية الصحافة والتعبير".

وتابعت في تصريح لـ"الترا تونس": شهدت تونس مؤخرًا تضييقات على عدد من الصحفيين أثناء أدائهم لمهامهم، وأنا شخصيًا تعرضت لمضايقات أمنية أثناء تغطيتي للمناوشات الحاصلة أمام البرلمان في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2021 بين عدد من أنصار الرئيس وعدد من النواب. فضلًا عن إيداع صحفيين في السجن في قضايا حرية تعبير، على غرار الصحفي عامر عياد والصحفية شذى الحاج مبارك، لا لشيء إلا لأن لديهم رأيًا مخالفًا لقرارات السلطة الممثلة في رئاسة الجمهورية".

صحفية لـ"الترا تونس": الممارسات التي تطال صحفيين اليوم شبيهة بما كان يقوم به بن علي قبل الثورة تحت مسمى "القانون" وبوسائل منمقة تظهر وكأنها سليمة، لكنها في الواقع ممارسات دكتاتورية استبدادية

واعتبرت أن "كل هذه الممارسات شبيهة بما كان يقوم به الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي قبل الثورة تحت مسمى 'القانون' وبوسائل منمقة تظهر وكأنها سليمة، لكنها في الواقع ممارسات دكتاتورية استبدادية"، حسب رأيها.

كما أشارت الصحفية إلى أن "أغلب وسائل الإعلام في تونس اليوم انطلقت في الرقابة الذاتية، حتى قبل أن تمارسها عليها السلطة، وبالتالي أصبح الصحفيون في حد ذاتهم باتوا مقيدين بعقدة الرقابة الذاتية والخوف، بما ينبئ بمؤشرات العودة لمربع الدكتاتورية"، حسب رأيها.

  • من يتحمل المسؤولية؟

وقد أجمع محدثو "الترا تونس" على أن مسؤولية الانتهاكات التي يشهدها الإعلام في تونس اليوم والتهديد الذي يترصد حرية الصحافة والتعبير يتحملها بدرجة أولى رئيس الجمهورية.

وقال نقيب الصحفيين محمد ياسين الجلاصي إن "الرئيس يتحمل اليوم المسؤولية بوصفه المتحكم في السلطة ويجمع كل السلطات بين يديه، لأن دوره حماية الحقوق والحريات وفق ما ينص عليه الدستور، وأيضًا هذا واجبه لأنه يتحكم بالسلطة من كل جوانبها. ناهيك عن كون الأطراف التي تقوم بحملات تشويه وهرسلة لكل مختلف، تفعل ذلك باسم رئيس الجمهورية، وبالتالي على الرئيس أن يكون له رأي واضح يحمي الاختلاف وحق المعارضة وحرية التعبير وحق التنوع والتعدد"، وفقه.

نقيب الصحفيين: الرئيس يتحمل مسؤولية ما يشهده واقع الإعلام في تونس اليوم بوصفه المتحكم في السلطة ويجمع كل السلطات بين يديه، ولأن دوره حماية الحقوق والحريات وفق ما ينص عليه الدستور

كما اعتبر أيضًا أن "المسؤولية تقع كذلك على عاتق من أوصلنا إلى الوضعية الحالية، وهي المنظومة التي تحكمت في البلاد ما بعد الثورة، في مقدمتها حركة النهضة التي تعتبر بدورها من الأطراف التي كانت تحاول أن تلتف على حرية الإعلام والتعبير وتهدد الصحفيين وتعتدي عليهم، وهي أيضًا من سخرت ميليشيات إلكترونية في السابق، ورسخت هذه العادة في تونس، ليصبح هناك دائمًا ميليشيات إلكترونية تشوه كل مختلف وكل صاحب رأي"، حسب تصريحه.

كما يرى المكلف بالإعلام في منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر أنه "بموجب الأمر 117، حصرت كل السلطات التنفيذية بيد رئيس الجمهورية، وبالتالي الرئاسة تتحمل المسؤولية وهي مطالبة دائمًا بتقديم توضيحات".

 أما الصحفي عائد عميرة فيرى أن المسؤولية مشتركة، وتتحملها بدرجات كل من رئاسة الجمهورية والنقابة الوطنية للصحفيين، والصحفيين في حد ذاتهم".

اقرأ/ي أيضًا: اعتداءات ورقابة ومحاولات للسيطرة.. واقع صحفيي تونس

وأوضح أن "الرئاسة لم تفِ بوعودها وأعطت الضوء الأخضر للانتهاكات التي طالت صحفيين، فعلى سبيل الذكر الصحفيون الذين تم زجهم في السجن محكومون في قضايا حرية تعبير تتعلق بالرئيس. كما أن الرئيس قام بالتهجم على وسائل الإعلام، فقبيل 25 جويلية/يوليو 2021، تهجم على التلفزة الوطنية -بلومها على عدم تغطية أنشطته في مقدمة النشرة الإخبارية الرئيسية-، وبعد 25 جويلية مباشرة عمد إلى إقالة الرئيس المدير العام للتفزة التونسية وكلّف رئيسة مديرة عامة بالنيابة من الموالين لقراراته.  وهو من كان وراء الاعتداءات ضد قناة الجزيرة وبعض مؤسسات الإعلام الأجنبية وحتى المحلية، وهو ما جعل الصحفيين يحاسبون أنفسهم ذاتيًا وتحولت أغلب وسائل الإعلام المحلية بعد 25 جويلية إلى أسواق بيع وشراء بعيدًا عن الهدف الأساسي للإعلام".

عائد عميرة: في مثل هذه المرحلة، كان حريًا بنقابة الصحفيين أن تكون ذات دور هام وبارز في ضمان حقوق الصحفيين والدفاع عنهم، لكنها للأسف أثبتت فشلها في التعامل مع المرحلة واكتفت بإصدار بيانات ضعيفة

وتابع عميرة القول إن "نقابة الصحفيين، مثل هذه المرحلة، حريّ بها أن تكون ذات دور هام وبارز في ضمان حقوق الصحفيين والدفاع عنهم، لكنها للأسف أثبتت فشلها في التعامل مع المرحلة، واكتفت بإصدار بيانات ضعيفة لا ترقى إلى مستوى الدفاع عن حرية الصحافة والتعبير وعن الصحفيين".

أما بالنسبة للصحفيين، يرى محدث "الترا تونس" أنهم يتحملون بدورهم جزءًا من المسؤولية، فبعد 25 جويلية فئة كبيرة منهم خيرت الصمت، وفئة أخرى خيرت تبرير الاعتداءات التي طالت صحفيين بناء على مقاييس إيديولوجية وفكرية، وجزء آخر خيّر الانبطاح خوفًا من المحاسبة أو أملًا في امتيازات قادمة"، حسب تقديره.

  • قلق دولي على واقع الإعلام في تونس:

ولقيت الأحداث الأخيرة المتعلقة بحرية الإعلام في تونس والاعتداءات التي طالت صحفيين صدًى واسعًا على المستوى الدولي.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، الخميس 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 خلال إحاطة صحفية للخارجية الأمريكية: "ينتابنا قلق وخيبة أمل إزاء ما ورد من تونس في الآونة الأخيرة من تقارير عن تجاوزات طالت حرية الصحافة والتعبير ومن توظيف للمحاكم العسكرية للتحقيق في قضايا مدنية"، مؤكدًا أنه "من الضروري أن تفي الحكومة التونسية بالتزاماتها باحترام حقوق الإنسان كما ينص على ذلك الدستور التونسي ويؤكده المرسوم الرئاسي عدد 117".

 الأمين العام الاتحاد الدولي للصحفيين أنتوني بيلانجي: "نحن قلقون جدًا بشأن الطريقة التي يتم بها اعتقال الصحفيين الذين ينتقدون السلطة في تونس"

بدوره، صرح الأمين العام الاتحاد الدولي للصحفيين أنتوني بيلانجي، الخميس 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2021: "نحن قلقون جدًا بشأن الطريقة التي يتم بها اعتقال الصحفيين الذين ينتقدون السلطة في تونس ونطالب بالإفراج الفوري عن الصحفي عامر عياد"، وفق بيان صادر الخميس عن الاتحاد الدولي للصحفيين.

ومن جهته، شدد منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للجنة حماية الصحفيين (مقرها نيويورك) شريف منصور، الجمعة 8 أكتوبر/تشرين الأول 2021، "يتعين على السلطات التونسية الإفراج الفوري وغير المشروط عن الصحفي عامر عياد، وإسقاط جميع التهم الموجهة إليه، وإعادة معدات قناة الزيتونة للسماح لها بالعمل في البلاد".

واعتبر، في بيان للجنة حماية الصحفيين، أن "اعتقال عياد ليس فقط اعتداء على حرية الصحافة في تونس، بل هو اعتداء على الديمقراطية في البلاد ككل"، حسب تقديره.


وفي الأثناء، ما ينفكّ الرئيس التونسي قيس سعيّد يؤكد في خطاباته أنّ "حرية الصحافة والرأي والتعبير مضمونة في تونس وأنه لا مجال للمس منها من أي طرف". ضمانة فندتها وقائع حصلت على أرض الواقع ومؤشرات تثبت التراجع المستمر الذي باتت تعرفه حرية الصحافة والتعبير في تونس.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الصحافة التونسية أمام امتحان "الشعبوية"

الإعلام التونسي.. خريف الأزمة يتلو ربيع التعددية