لا يكاد يتوقف الحديث، طيلة الأيام الأخيرة، عن منصة تيكتوك في تونس والجدل الذي طوقها منذ أعلنت وزارة العدل التونسية عزمها القيام بتتبعات جزائية ضد "صانعي المحتوى" تحت يافطة الحفاظ على "الأخلاق الحميدة".
لا يكاد يتوقف الحديث مؤخرًا عن منصة تيكتوك في تونس والجدل الذي طوقها منذ أعلنت وزارة العدل عزمها القيام بتتبعات جزائية ضد "صانعي المحتوى" تحت يافطة الحفاظ على "الأخلاق الحميدة"
-
بطاقات إيداع بالسجن في حق صانعي محتوى
وقد ضجّت منصات التواصل الاجتماعي في تونس، الاثنين 28 أكتوبر/تشرين الأول 2024، إثر تداول أخبار عن إصدار بطاقات إيداع بالسجن في حق صانعي محتوى على تيكتوك وإنستغرام.
وقد نقلت إذاعة "موزاييك" (محلية) عن مصدر مطّلع أنّ النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس أصدرت، الاثنين، بطاقات إيداع بالسجن في حقّ 5 صانعي محتوى، وإحالتهم على أنظار المجلس الجناحي لمحاكمتهم من أجل تهم تتعلّق بـ "التجاهر بالفحش ومضايقة الغير عبر شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها من التهم ذات الصبغة الأخلاقية".
إصدار بطاقات إيداع بالسجن في حقّ 5 صانعي محتوى وإحالتهم على أنظار المجلس الجناحي لمحاكمتهم من أجل تهم تتعلّق بـ "التجاهر بالفحش ومضايقة الغير عبر شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها من التهم ذات الصبغة الأخلاقية"
وكانت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس قد أذنت لأعوان الفرقة المركزية للحرس الوطني بالعوينة بإحالة 5 صانعي محتوى بحالة تقديم، من بينهم أسماء معروفة على مواقع التواصل الاجتماعي، وفق ذات المصدر. وبالاطّلاع على محاضر البحث قرّرت النيابة العمومية، الاثنين، إصدار بطاقات إيداع بالسجن في حقّهم في انتظار محاكمتهم من أجل ما هو منسوب إليهم.
وفي تعليقه على ذلك، قال الناطق الرسمي باسم محاكم المنستير والمهدية فريد بن جحا، في تصريح لقناة "التاسعة" (خاصة/محلية) مساء الاثنين، إنّ "النيابة العمومية من صلاحياتها أن تتحرك إذا طلبت منها وزارة العدل ذلك لأن وزيرة العدل هي رئيسة النيابة العمومية، واستنادًا إلى الفصل 23 من مجلة الإجراءات الجزائية عندما يكون لديها علم بجريمة بإمكانها أن تطلب من ممثل النيابة العمومية أن يتم التحرك وإثارة الدعوى العمومية".
فريد بن جحا: تمت إحالة عدد من صانعي المحتوى على أنظار المجلس الجناحي من أجل جرائم مثل الإساءة للغير عبر الشبكات العمومية للاتصالات وهي جريمة وجنحة خطيرة تصل العقوبات فيها إلى عامين سجنًا، ومضايقة الغير بوجه مخلّ للحياء وفيها أيضًا عقوبات سجنية"
وينص الفصل 23 من مجلة الإجراءات الجزائية على أنّ "لكاتب الدولة للعدل أن يبلغ إلى الوكيل العام للجمهورية الجرائم التي يحصل له العلم بها وأن يأذن بإجراء التتبعات سواءً بنفسه أو بواسطة من يكلفه أو بأن يقدم إلى المحكمة المختصة الملحوظات الكتابية التي يرى كاتب الدولة للعدل من المناسب تقديمها".
وتابع بن جحا: "استنادًا لما ورد في بلاغ وزارة العدل، النيابة العمومية تحركت وعاينت بعض المواقع، وتمت إحالة صنّاع محتوى على أنظار المجلس الجناحي من أجل جرائم وردت في مجلة الاتصالات مثل الإساءة للغير عبر الشبكات العمومية للاتصالات وهي جريمة وجنحة خطيرة تصل العقوبات فيها إلى عامين سجن، ومضايقة الغير بوجه مخلّ للحياء وفيها أيضًا عقوبات سجنية".
وأكد المصدر القضائي أنّ "تحرك النيابة العمومية كان استنادًا إلى أمر وزيرة العدل في انتظار أن تتحرك لتتبع بقية صنّاع المحتوى في خصوص ما يعرف بجرائم تيكتوك أو بقية منصات التواصل الاجتماعي"، مذكرًا بأن "الأفعال المنافية للأخلاق الحميدة تجرمها المجلة الجزائية والمرسوم 54 ومجلة الاتصالات"، وفقه.
فريد بن جحا: "تحرك النيابة العمومية كان استنادًا إلى أمر وزيرة العدل في انتظار أن تتحرك لتتبع بقية صنّاع المحتوى في خصوص ما يعرف بجرائم تيكتوك أو بقية منصات التواصل الاجتماعي"
جاء ذلك في أعقاب إعلان وزارة العدل التونسية، الأحد، أنها قررت "اتخاذ إجراءات قانونية ضد كل من يتعمد إنتاج أو عرض أو نشر بيانات معلوماتية أو بث صور أو مقاطع فيديو تحتوي على مضامين تمس من الأخلاق الحميدة"
وقالت الوزارة، في بيان لها، إن ذلك يأتي على خلفية "انتشار ظاهرة تعمد بعض الأفراد استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة تيكتوك وإنستغرام، لعرض محتويات معلوماتية تتعارض مع الآداب العامة أو استعمال عبارات أو الظهور بوضعيات مخلة بالأخلاق الحميدة أو منافية للقيم المجتمعية من شأنها التأثير سلبًا على سلوكيات الشباب الذين يتفاعلون مع المنصات الإلكترونية المذكورة.
-
ضجة واسعة على السوشال ميديا
وسرعان ما أثار ذلك ضجة واسعة في تونس، وتراوحت ردود الفعل بين دعم هذا القرار والشماتة في صانعي المحتوى، والتنديد بمثل هذه الممارسات على اعتبار أنها باب جديد من أبواب التضييقات على الحريات في تونس.
سرعان ما أثار ذلك ضجة واسعة في تونس، وتراوحت ردود الفعل بين دعم هذا القرار والشماتة في صانعي المحتوى، والتنديد بمثل هذه الممارسات على اعتبار أنها باب جديد للتضييق على الحريات وفق نشطاء
وعبّر نشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي عن دعمهم لقرار تتبع صانعي المحتوى، معتبرين أنهم يساهمون في إفساد الناشئة بالمحتوى الذي وصفوه بـ"المبتذل" و"التافه" الذي يقدمونه على منصاتهم.
واعتبر هؤلاء أن التتبع الجزائي يعدّ حلًا ناجعًا لوضع حد لمثل هذه الممارسات المخلّة بالأخلاق على عدة منصات في متناول الجميع، بمن فيهم الأطفال.
في المقابل، ندد نشطاء على منصات التواصل الاجتماعية بمواصلة السلطات اعتماد ممارسات زجرية كحلّ أوّل في تعاملها مع الفضاءات العامة، دون الاجتهاد والبحث عن حلول إصلاحية.
ندد نشطاء على منصات التواصل الاجتماعية بمواصلة السلطات اعتماد ممارسات زجرية كحلّ أوّل في تعاملها مع الفضاءات العامة، دون الاجتهاد والبحث عن حلول بديلة إصلاحية
ورأوا أنّ هذا القرار الجديد بتتبع صانعي المحتوى زجريًا يندرج في إطار مزيد التضييق على الحريات في تونس، والرقابة المشددة على شبكات التواصل ما يذكّرنا بما يعرف بـ"عمار 404" في إحالة للرقابة التي تفرضها السلطة على المضامين.
وتساءل آخرون عن المقياس الذي تحدد به السلطات "الأخلاق الحميدة" والذي يتم على أساسه تتبع صانعي المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي، منبهين إلى أنّ ذلك قد يكون بابًا مفتوحًا على مصراعيه للتعسف والظلم".
تساءل نشطاء عن المقياس الذي تحدد به السلطات "الأخلاق الحميدة" والذي يتم على أساسه تتبع صانعي المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي، منبهين إلى أنّ ذلك قد يكون بابًا مفتوحًا على مصراعيه للتعسف والظلم
ولفتوا إلى أنّ مثل هذه المسائل تستوجب عقوبات بديلة، على غرار عدة دول في العالم انتهجتها بديلًا للعقوبات السالبة للحرية في الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم فيها 5 سنوات سجن، معتبرين أنّ سجن شباب على فيديوهات تيكتوك إلى جانب أشخاص محكومين في قضايا اغتصاب وقتل، لن يصلح الوضع بالمرّة وإنما سيعمّق المشكلة ويتسبب في تحطيم حياة أشخاص، حسب تقديرهم.
اعتبر نشطاء أن "التصفيق والتهليل لبيان وزارة العدل الأخير في خصوص هذا التطبيق سيمنح السلطة الضوء الأخضر لتضييق أكبر على الفضاء الافتراضي، بعد أن أغلقت الفضاء العام"
كما اعتبر نشطاء أنّ "فرض الرقابة على تطبيق تيكتوك ليس مسؤولية الدولة، إنما هو مسؤولية الأولياء"، منبّهين إلى أنّ "التصفيق والتهليل لبيان وزارة العدل الأخير في خصوص هذا التطبيق سيمنح السلطة الضوء الأخضر لتضييق أكبر على الفضاء الافتراضي، بعد أن أغلقت الفضاء العام"، حسب تصورهم.
وينص الفصل 226 مكرر من المجلة الجنائية على أنه "يعاقب بالسجن مدة ستة أشهر وبخطية قدرها ألف دينار كل من يعتدي علنًا على الأخلاق الحميدة أو الآداب العامة بالإشارة أو القول أو يعمد علنًا إلى مضايقة الغير بوجه يخلّ بالحياء".
كما ينص الفصل 26 من المرسوم 54 على أنه "يعاقب بالسجن مدّة ستة أعوام وبخطية قدرها خمسون ألف دينار كل من يتعمّد إنتاج، أو عرض أو توفير أو نشر أو إرسال أو الحصول أو حيازة بيانات معلوماتية ذات محتوى إباحي تظهر طفلًا أو شخصًا يبدو في مظهر طفل بصدد القيام بإيحاءات أو ممارسات جنسية أو يتعرض لها. ويعاقب بنفس العقوبات كل شخص تعمد استعمال أنظمة معلومات لنشر أو بث صور أو مقاطع تصويرية لاعتداء جسدي أو جنسي على الغير، مع مراعاة التشريعات الخصوصية".