07-سبتمبر-2024
حرية الصحافة نقابة الصحفيين

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في تونس ما انفك صحفيون وهياكل منظمة للمهنة الصحفية ينددون بإعلان هيئة الانتخابات أنها ستضطلع بمراقبة المحتوى الإعلامي (زينة البكري/ الترا تونس)

 

بداية شهر أوت/أغسطس الفائت، أصدرت هيئة الانتخابات في تونس دليلاً موجهًا لوسائل الإعلام أقرت فيه جملة من القواعد والمحظورات في علاقة بالتغطية الإعلامية لمسار الانتخابات الرئاسية 2024، وهي خطوة اعتبر مراقبون أنها "سحبٌ" لصلاحيات الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري "الهايكا".

كما قامت هيئة الانتخابات بتوجيه تنبيهات متواترة لعدد من وسائل الإعلام المحلية مثل إذاعات "موزاييك" و"جوهرة" و"إكسبراس" و"الديوان" وإذاعة "son Fm" الجمعياتية، إضافة إلى اتخاذها قرارًا بسحب بطاقة اعتماد الصحفية خولة بوكريم، وهي خطوات رفضتها نقابة الصحفيين التونسيين واعتبرتها "تدخلاً سافرًا" في المضامين الإعلامية ورقابة غير مبرّرة على الصحفيين في تونس.

وتعتمد هيئة الانتخابات في رصدها لتغطية وسائل الإعلام للعملية الانتخابية على جملة من القوانين على غرار الفصل 24 من المرسوم عدد 54 لسنة 2022 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، والفصل 86 من مجلة الاتصالات وفصول قانونية أخرى من المجلة الجزائية.

 

  • هيئة الانتخابات "تحتكر" مراقبة المضامين الإعلامية زمن الانتخابات

وبتاريخ 10 أوت/أغسطس 2024، قال رئيس هيئة الانتخابات في تونس فاروق بوعسكر إنّ القانون يُسند للهيئة صلاحيات مراقبة المحتوى الإعلامي خلال الفترة الانتخابية باعتبارها هيئة دستورية مستقلة تشرف على سلامة ونزاهة المسار الانتخابي، وذلك في ظلّ غياب هيئة تعديلية للإعلام. 

وأكد بوعسكر، خلال نقطة إعلامية، أنّ الهيئة لن تتخلى عن دورها في مراقبة المحتوى الإعلامي خلال المسار الانتخابي لرئاسيات 2024.

نقابة الصحفيين تؤكد رفضها ما تعتبره "تحوّل هيئة الانتخابات لجهاز رقابة على الآراء الحرة وعلى المضامين الصحفية مما يتعارض مع صلاحياتها ويتناقض مع أحكام الدستور والمعايير الدولية في مجال حرية الصحافة والتعبير"

وترفض نقابة الصحفيين التونسيين ما تعتبره "تحوّل هيئة الانتخابات لجهاز رقابة على الآراء الحرة وعلى المضامين الصحفية مما يتعارض مع صلاحياتها ويتناقض مع أحكام الدستور والمعايير الدولية في مجال حرية الصحافة والتعبير"، وذلك وفق ما جاء في بيان لها غرة أوت/أغسطس 2024.

 

 

كما أكدت نقابة الصحفيين، في بيان آخر لها أصدرته بتاريخ 15 جويلية/يوليو 2024، أنّه من غير الممكن الحديث عن مسار انتخابي حقيقي دون ضمان حرية العمل الصحفي ودون تعليق العمل بالمرسوم 54 والاكتفاء بتنظيم العمل الصحفي بالمرسومين عدد 115 و116.

نقابة الصحفيين: من غير الممكن الحديث عن مسار انتخابي حقيقي دون ضمان حرية العمل الصحفي ودون تعليق العمل بالمرسوم 54 

واعتبرت نقابة الصحفيين، في ذات البيان، أنّ تجميد عمل الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري "الهايكا" خلّف فراغًا كبيرًا على مستوى ضمان شروط التعدد والتنوع في وسائل الإعلام السمعية والبصرية وهو ما من شأنه "المس من مصداقية التغطية الصحفية للانتخابات"، حسب تصورّها.

كما أكدت أنها عاينت تجاوزات وشكاوى تتعلق بـ"صنصرة" المضامين في وسائل الإعلام العمومية على غرار وكالة الأنباء التونسية الرسمية ومؤسستي التلفزة والإذاعة التونسيتين.

 

 

وقالت نائب نقيب الصحفيين التونسيين عائدة الهيشري إنّ "النقابة تفاجأت بإقدام هيئة الانتخابات على منح نفسها الولاية الكاملة لمراقبة المضامين الإعلامية في فترة الانتخابات".

وأضافت الهيشري، في حديثها مع "الترا تونس"، أنّ نقابة الصحفيين عبرت أيضًا عن رفضها لما جاء في الدليل الذي أصدرته هيئة الانتخابات والذي يحدد عمل وسائل الإعلام في الفترة والحملة الانتخابية لرئاسيات 2024، مشيرة إلى أنه لم يتم تشريك الهياكل المهنية المنظمة لقطاع الصحافة في هذا الدليل وإنما تمت صياغته بطريقة فردية.

عائدة الهيشري (نائب نقيب الصحفيين) لـ"الترا تونس": لا نقبل التضييق على حرية الصحافة والتعبير من خلال قيام هيئة الانتخابات بمقاضاة صحفيين على معنى المرسوم 54، إضافة إلى توجيه تنبيهات إلى مؤسسات إعلامية وسحب بطاقة اعتماد صحفية

واعتبرت الهيشري أنّ الخطوة التي أقدمت عليها هيئة الانتخابات ألغت من خلالها دور الهياكل المنظمة للمهنة، مؤكدة أنّ الهيئة اعتمدت على القوانين التي تعطيها هذه الصلاحيات وتجاهلت الخبرة التي اكتسبها الصحفيون منذ سنة 2011 في تغطية مختلف المحطات الانتخابية التي عرفتها البلاد وعملوا فيها طبقًا للقوانين والمراسيم المنظمة للمهنة.

وأوضحت أنّ المرسومين 115 و116 ينظمان المهنة الصحفية ولا يجب تجاهلهما ويجب الاعتماد عليهما لحماية الصحفيين أثناء ممارسة مهنتهم، مشيرة إلى أنّه من غير الممكن التراجع عن مكتسبات الصحفيين والتضييق على حرية التعبير والرأي من خلال لجوء هيئة الانتخابات إلى رفع دعاوى قضائية ضدّ صحفيين وسياسيين ومواطنين على معنى المرسوم 54، إضافة إلى توجيه تنبيهات إلى المؤسسات الإعلامية وسحب بطاقة اعتماد صحفية.

عائدة الهيشري لـ"الترا تونس": نرفض ممارسات هيئة الانتخابات ولن نستجيب لدعوات مقاطعة تغطية الانتخابات وسيكون الصحفيون متواجدين لنقل المعلومة وإنارة الرأي العام المحلي والدولي

وتابعت قائلة: "نحن نرفض ونستغرب هذه الممارسات ونؤكد أننا، على الرغم من ذلك، لن نستجيب لدعوات مقاطعة تغطية الانتخابات وسيكون الصحفيون متواجدين لنقل المعلومة وإنارة الرأي العام المحلي والدولي".

وأضافت الهيشري أن الصحفيين يتمسكون بدورهم في تغطية الانتخابات الرئاسية طبقًا للقانون وبكل حرفية وسيحرصون على توفير المعلومة للحدّ من انتشار الأخبار الزائفة والمضللة، وفقها. 

 

  • صحفي: هيئة الانتخابات تتدخل في الخط التحريري للمؤسسات الإعلامية

وكانت إذاعة "ديوان" (خاصة) من بين الإذاعات التي تلقت لفت نظر من هيئة الانتخابات التي اعتبرت أنّ الإذاعة لم تلتزم بـ"المساواة والتوازن والحياد في التغطية الإعلامية".

وقال الصحفي بالإذاعة سعيد الزواري، في حديثه مع "الترا تونس"، إنّ التنبيه الذي تلقته الإذاعة مع عدد من الإذاعات الأخرى واعتبرت فيه هيئة الانتخابات أنّها لم تلتزم بـ"الحياد" هو أمر خطير ويمثل تدخلًا واضحًا في الخط التحريري للمؤسسات الإعلامية وضربًا لمصداقية الصحفيين، مستطردًا أنّ تقييم عمل الصحفيين والمراقبة الدقيقة للمضامين الإعلامية ليسا من مهام هيئة الانتخابات.

الصحفي سعيد الزواري لـ"الترا تونس": التنبيهات التي وجعتها هيئة الانتخابات لعدد من الإذاعات بخصوص ما اعتبرته "عدم التزام بالحياد" تمثلّ تدخلًا واضحًا في الخط التحريري للمؤسسات الإعلامية وضربًا لمصداقية الصحفيين وهي محاولة لترهيبهم

ووفق الصحفي بإذاعة "ديوان"، فإنّ تهميش دور الصحفي في تونس بدأ منذ 25 جويلية/يوليو 2021 وتواصل بعد ذلك من خلال تهميش هياكل المهنة والتفريق بين الإعلام الخاص والإعلام العمومي، ثم تحويل الأخير تدريجيًا إلى إعلام حكومي.

ويرى الزواري أنه يتم التعامل مع الإعلام الخاص كإعلام من الدرجة الثانية وذلك من خلال إقصائه على مستوى الحضور في مؤسسات الدولة والنفاذ إلى المعلومة، وتدرج ذلك إلى محاولة طمس دور الإعلام في المحطات الانتخابية السابقة والقضاء على "الهايكا" باعتبارها هيئة تعديلية، ناهيك عن أنّ السلطة لم تعد تستمع لصوت نقابة الصحفيين وتصنفها مع المعارضة، حسب تقديره.

ويعتبر محدث "الترا تونس" أنّ الولاية الكاملة على الانتخابات آلت بصفة تدريجية إلى هيئة الانتخابات ومن ثم أصبحت لها ولاية كاملة لمراقبة المضامين الإعلامية على الرغم من أنها ليست هيكلًا مهنيًا ولا علاقة لها بالمهنة الصحفية.

الصحفي سعيد الزواري لـ"الترا تونس": تهميش دور الصحفي في تونس بدأ منذ 25 جويلية 2021 وتواصل بعد ذلك من خلال تهميش هياكل المهنة والتفريق بين الإعلام الخاص والإعلام العمومي، ثم تحويل الأخير تدريجيًا إلى إعلام حكومي.

وأضاف أنه منذ بداية المسار الانتخابي شرعت هيئة الانتخابات في توجيه تنبيهات إلى عدد من وسائل الإعلام، معتبرًا أنّ هذه التنبيهات لم تكن بخصوص المضامين الإعلامية وإنما هي محاولة للترهيب لأنها أعطت لنفسها حق مراقبة المضامين الإعلامية والتعليق عليها وهذا أمر خطير.

وأكد أنّ كل التنبيهات التي تم توجيهها إلى وسائل الإعلام تحاول المسّ من المضامين الإعلامية، وهي ذات طابع ترهيبي لأنها كانت متواترة وركزت على الإعلام الخاص.

ويرى الصحفي التونسي أنّ كل هذه الهنّات تشوش على المسار الانتخابي وتربك عمل الصحفيين، مشيرًا إلى أنّ نقابة الصحفيين موجودة وتحاول توجيه الصحفيين للتصدي لكل هذه الإجراءات ومحاولة العمل بكل حرية وموضوعية ومهنية.

 

  • رئيسة مجلس الصحافة: الصحفيون يعملون في مناخ مرتبك وضبابي

وأظهر استبيان أجراه مجلس الصحافة خلال شهر أوت/أغسطس 2024، وشمل عينة من 133 صحفيًا وصحفية، أنّ 96% من الصحفيين المستجوبين أكدوا أنّ المرسوم 54 أثر على التغطية الصحفية إما بشكل مطلق أو جزئي، وذلك وفق ما أكدته رئيسة مجلس الصحافة اعتدال المجبري لـ "الترا تونس".

رئيسة مجلس الصحافة اعتدال المجبري لـ"الترا تونس": قمنا باستبيان أظهر أنّ  96% من الصحفيين يرون أنّ المرسوم 54 أثر على التغطية الصحفية وإلى جانب عمل الصحفي في بيئة مرتبكة يسودها الخوف فإنه لم يعد قادرًا على النفاذ إلى المعلومة بشكل سلس

وأضافت المجبري أن 61% من الصحفيين/ـات يرون أنّ تغطية الانتخابات الحالية ستكون أكثر صعوبة من الرئاسيات السابقة بسبب المرسوم 54 والولاية الكاملة التي تتمتع بها هيئة الانتخابات في مراقبة المضامين الإعلامية، في حين يواجه 71.5% من الصحفيين/ـات المستجوبين صعوبة في النفاذ إلى المعلومة.

وتؤكد مجبري أنّ الصحفيين المستجوبين أقروا كذلك أنّ التعامل مع "الهايكا" في انتخابات 2014 و2019 كان واضحًا وسلسًا جدًا باعتبارها هيكلاً مهنيًا مختصًا في تنظيم العمل الصحفي، وعبروا عن استعدادهم للمساءلة من الهياكل المهنية في حال ارتكبوا أخطاءً أثناء عملهم الصحفي. 

اعتدال المجبري لـ"الترا تونس": 61% من الصحفيين يرون أنّ تغطية الانتخابات الحالية ستكون أكثر صعوبة من الرئاسيات السابقة بسبب المرسوم 54 والولاية الكاملة التي تتمتع بها هيئة الانتخابات في مراقبة المضامين الإعلامية

ووفق رئيسة مجلس الصحافة فإن الصحفيين في تونس أصبحوا يعملون في مناخ يسوده الارتباك والضبابية وسط مخاوف متصاعدة من الولاية الكاملة لهيئة الانتخابات على مراقبة المضامين الإعلامية.

وأكدت المجبري، في ذات السياق، أنّه إلى جانب عمل الصحفي في بيئة مرتبكة يسودها الخوف فإنه لم يعد قادرًا على النفاذ إلى المعلومة بشكل سلس، وهو ما قد يؤثر بشكل سلبي على التغطية الإعلامية ويدفع بالصحفي إلى الصنصرة الذاتية أو الاصطفاف.

اعتدال المجبري لـ"الترا تونس":  الصحفيون في تونس أصبحوا يعملون في مناخ يسوده الارتباك والضبابية وسط مخاوف متصاعدة من الولاية الكاملة لهيئة الانتخابات على مراقبة المضامين الإعلامية

وأشارت المجبري إلى أنّ هيئة الانتخابات ذكرت في نهاية الدليل الذي وجهته لوسائل الإعلام لتغطية الانتخابات الرئاسية أنها ستعتمد على قوانين سالبة للحرية مثل المرسوم 54 ومجلة الاتصالات والمجلة الجزائية لملاحقة الصحفيين/ـات.

وتؤكد رئيسة مجلس الصحافة أنّ الخطأ المهني لا يمكن أن تنجر عنه عقوبات سالبة للحرية.

 

  •  نقابة الصحفيين تصدر وثيقة توجيهية للصحفيين 

ومن جانبها، أصدرت نقابة الصحفيين التونسيين وثيقة توجيهية للتغطية الصحفية والإعلامية للانتخابات الرئاسية، أوصت من خلالها الصحفيين والإعلاميين بالعمل في كنف المهنية والموضوعية والالتزام بمبدأ الحياد. 

وتتكون هذه الوثيقة من 3 أجزاء تتعلق بالتغطية الإخبارية والإعلامية في سياقاتها المتنوعة والمبادئ التوجيهية لتغطية الانتخابات الرئاسية والقيم المؤسسة للتغطية الإخبارية الصحفية، إضافة إلى توصيات موجهة للفاعلين في المسار الانتخابي والمؤسسات الإعلامية والهيئات التحريرية.

نقابة الصحفيين: المؤسسات الإعلامية تواجه تحديات ذات صبغة قانونية وإجرائية في ظل غياب هيئة تعديلية لمراقبة المضامين الإعلامية و"احتكار" هيئة الانتخابات مراقبة المحتوى الإعلامي وتقييمه واتخاذ الإجراءات في شأنه

وجاء في الورقة التوجيهية الصادرة عن نقابة الصحفيين أنّ المؤسسات الإعلامية والهيئات التحريرية تواجه تحديات ذات صبغة قانونية وإجرائية في ظل غياب الهيئة التعديلية عن مراقبة المضامين الإعلامية، و"احتكار" هيئة الانتخابات مراقبة المحتوى الإعلامي وتقييمه واتخاذ الإجراءات في شأنه وتصنيفه ما إذا قد يعتبر تجاوزًا أو خطأ أو جريمة انتخابية.

وأوصت النقابة الصحفيين بالالتزام بالقيم الكبرى التي تقوم عليها التغطية الصحفية الإخبارية وهي المساواة بين المترشحين والحرية والتعددية والالتزام تجاه أطراف التنافس الانتخابي وتجاه الناخبين والرأي العام.


صورة