05-أكتوبر-2017

اعتداءات ممنهجة على الصحفيين في تونس هل هي العودة إلى الخلف؟ (كيم بدوي/Getty)

في البلد المتصدر عربيًا التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي تصدره منظمة مراسلون بلا حدود كل عام، في تونس، (ودون احتساب ترتيب موريتانيا التي تصنفها المنظمة كدولة إفريقية)، لا يبدو أن الأمور على ما يرام عند أبناء السلطة الرابعة. يتحدث نقيب الصحفيين التونسيين ناجي البغوري عن "اختلال في الفضاء الإعلامي" و"محاولة للسيطرة عليه" ويدعو الصحفيين "للحذر" ويؤكد "ضرورة تجنب الصمت وإفلات المعتدين من العقاب"، وهي الاعتداءات التي يصفها عضو المكتب التنفيذي للنقابة، مهدي الجلاصي، بـ"العملية الممنهجة".

طال 100 اعتداء 139 عاملاً في قطاع الإعلام في تونس، خلال 6 أشهر السابقة وهي اعتداءات يخيّم عليها هاجس الإفلات من العقاب

جاء ذلك في ندوة صحفية عقدتها النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وقدمت خلالها تقريرها نصف السنوي عن حالة حرية الإعلام في تونس (آذار/ مارس - آب/ أغسطس) 2017، الذي تعده وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية للنقابة، بدعم من المفوضية السامية لحقوق الإنسان ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونيسكو".

اقرأ/ي أيضًا: الإعلام التونسي في 2017.. مكاسب في خطر

100 اعتداء على الصحفيين التونسيين في ستة أشهر

سجلت وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية لنقابة الصحفيين التونسيين خلال الستة أشهر الأخيرة من السنة الحالية 100 اعتداء طالت 139 عاملاً في قطاع الإعلام منهم 34 صحفية و105 صحفيين. وتتنوع الاعتداءات ضد الصحفي في تونس، حسب ذات التقرير، الذي اطلع "الترا صوت" على نسخة منه. ومن أبرزها حالات المنع من العمل والمضايقات وعدم تمكين الصحفي من النفاذ إلى المعلومة وتركيز قيود للحصول عليها (53 في المئة من مجموع الاعتداءات)، إضافة إلى المس من السلامة الجسدية للصحفي ومن كرامته (27 في المئة) (ومنها الاحتجاز والسجن) وحالات أخرى من الرقابة على المحتوى والرقابة اللاحقة (20 في المئة).

ومنذ سنوات تحافظ قوات الأمن على صدارة المعتدين على الصحفيين في تونس، وظلت في هذا الترتيب خلال الستة أشهر الأخيرة، وهي مسؤولة بذلك عن 23 في المئة من جملة الاعتداءات على الصحفيين في ذات الفترة، كما يلاحظ انخراط الموظفين العموميين (خاصة من خلال عرقلة عمل الصحفي للحصول على المعلومة) ومسؤولي الدولة، والقضاء، ممثلاً في النيابة العمومية والقضاة، في اعتداءات أيضًا شملت الصحفيين التونسيين.

ورغم تكرر إعلان مسؤولين في الداخلية التونسية عن فتحهم تحقيقًا في حوادث اعتداءات على الصحفيين إلا أن وحدة الرصد بالنقابة أكدت عدم تلقيها أي معلومات حول تتبعات في حق المعتدين مما يعكس حسب رأيها "عدم الرغبة في مناهضة السلطة للإفلات من العقاب وعدم سعيها لمحاسبة منظوريها". وفي هذا السياق، دعت النقابة وزارة الداخلية إلى "تتبع منظوريها الذين قاموا باعتداءات على الصحفيين ونشر نتائج تحقيقاتها وتسريع القضاء النظر في القضايا المرفوعة من الصحفيين وتجنب إهمالها".

المتابع يتبين أن الاعتداءات على العاملين في الشأن الإعلامي التونسي لم تقتصر على الأمنيين ورجال السلطة والنشطاء بل شملت أيضًا أبناء المهنة الواحدة، من خلال الرقابة. ويتعرض التقرير نصف السنوي عن حالة حرية الإعلام في تونس (آذار/ مارس - آب/ أغسطس) 2017 إلى عودة رقابة المؤسسات الإعلامية على المحتوى الإعلامي في ست حالات تم تسجيلها خلال فترة إعداد التقرير وتم الكشف عنها لوحدة الرصد وهو ما اعتبرته الأخيرة "عودة الرغبة في التضييق ومراعاة المصالح الخاصة لأصحاب المؤسسات الإعلامية".

اقرأ/ي أيضًا: تهديدات سياسية لإذاعة خاصة.. الإعلام التونسي إلى أين؟

لماذا يفلت المعتدون من العقاب؟

الإفلات من العقاب إثر حصول الاعتداءات على الصحفيين، وصفه منذر الشارني، المستشار القانوني لوحدة الرصد في نقابة الصحفيين التونسيين، بأنه "المعضلة الكبرى".  وله أسباب عدة منها ضعف الإطار القانوني لحماية الصحفيين وثغراته، ومثال ذلك أن إجراءات التظلم والتشكي لا تحصر بأجل محدد فتطول وتُنسى عديد القضايا، كما أن طلب الإثبات من خلال إيجاد شهود مثلاً ليس متاحًا دائمًا. "كما يساهم غياب الإرادة السياسية وضعف دور القضاء وبطئه إضافة إلى تراجع الصحفيين قبل التشكي خوفًا من الانتقام وفقدان مصادر المعلومات"، في خلق مناخ مناسب للإفلات من العقاب، حسب الشارني. 

يذكر أن وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية لنقابة الصحفيين التونسيين تحرص على توفير الاستشارة القانونية للصحفيين ومساعدتهم للتقاضي ودعمهم عند حصول أي اعتداءات والتشهير بالمعتدين. وتحاول من خلال دورات تكوينية واجتماعات تعقدها مع مسؤولين فاعلين في الشأن العام تونسيًا النقاش وتبادل الآراء للتخفيف من حدة الاعتداءات على الصحفيين.

النفاذ للمعلومات وإلغاء المناشير.. مطمح الصحفيين

تعمل نقابة الصحفيين التونسيين على التصدي لـ"مشروع قانون زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح" لمخاطره وتأسيسه لدولة بوليسية

في ظل تواصل الاعتداءات على الصحفيين، والتي تعطل بدرجات متباينة حصولهم على المعلومات وقيامهم بعملهم، تعمل نقابة الصحافيين وشركائها في المجتمع المدني على سحب كل مشاريع القوانين والمناشير الداخلية للمؤسسات العمومية، التي من شأنها أن تمثل خطرًا على حرية الصحافة أو تساهم في تجزئة الحق في إعلام تعددي ومستقل وتحد بالتالي من حرية التعبير.

يتعلق الأمر بالحرص على إلغاء العمل بـ"المنشور عدد 4"، الذي كانت قد أصدرته الحكومة في 16 كانون الثاني/ يناير 2017، ثم طالبت عديد المنظمات ومنها نقابة الصحفيين بإلغائه، مؤكدين أنه يحد من حق الصحفيين في النفاذ إلى المعلومات الرسمية. وأعلنت الحكومة في 27 شباط/ فبراير من السنة الحالية أنها "علقت العمل به"، لكن منسقة وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين خولة شبح، أكدت مؤخرًا تواصل العمل به. ويمنع هذا المنشور مسؤولي الإعلام والاتصال بالمؤسسات العمومية التونسية من "الإدلاء بأي تصريح أو مداخلة" أو "نشر أو إفشاء معلومات أو وثائق رسمية عن طريق الصحافة أو غيرها من وسائل الإعلام" إلا بـ"إذن مسبق وصريح" من السلطات.

وتعمل نقابة الصحفيين حاليًا على التصدي أيضًا لما يعرف بـ"مشروع قانون زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح"، وهو الذي يعتبره مهدي الجلاصي، عضو المكتب التنفيذي للنقابة، "خطرًا كبيرًا على الحريات في تونس، ومن الضروري التراجع عنه"، ووصفه سابقًا إعلاميون بـ"مشروع القانون المؤسس لدولة بوليسية من جديد".

ويبقى تفعيل قانون النفاذ إلى المعلومة، الذي لا يزال حبرًا على ورق"، حسب تعبير نقيب الصحفيين البغوري، أحد مشاغل الصحفيين التونسيين. يُذكر أن نشر قانون "الحق في النفاذ إلى المعلومة" قد تم بالرائد الرسمي منذ أكثر من سنة (القانون عدد 22 لسنة 2016 المؤرخ في 24 آذار/ مارس 2016) لكنه لم يدخل بعْدُ حيز التطبيق.

وتجد الهيئة المكلفة بموضوع النفاذ إلى المعلومة صعوبات لانطلاق أعمالها في ظل عدم توفر المقررات المالية واللوجستية الخاصة بها، وفي ظل عقلية منتشرة لدى عديد المؤسسات التونسية، التي ترفض الشفافية ومبادئ الحوكمة، وفي ظل إرادة سياسية، يرى الكثيرون أنها غير متوفرة لتدعيم عمل الهيئات المستقلة بشكل عام، خاصة بعد تصريح الرئيس قائد السبسي مؤخرًا، واصفًا هذه الهيئات بـ"العزري أقوى من سيدو"، في استنكار منه لما يعتبره صلاحيات ضخمة لدى الهيئات المستقلة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

انتهاك حرية الإعلام في تونس من جديد.. السلطة متهمة

فضيحة "نبيل القروي".. حينما يتحوّل الإعلام إلى إجرام في تونس