10-فبراير-2020

الملاحظ أنّ مزاج المرأة أكثر تقلّبًا من الرجل (صورة تقريبية/ getty)

 

"دولة الكيف دولة بلا دستور، والمزاج هو الرقعة الوحيدة الحرام التى لا تدخلها معقولية ولا منطق"، مقولة للمفكّر مصطفى محمود اختزل فيها ما يميّز مزاج الإنسان من حساسيّة وصعوبة في التحديد والتحليل. والمزاج عادة ما يتحكّم في يومنا وعلى ضوئه يكون مشرقًا مشعًّا أو قاتمًا دون معنى.

ولأنّ مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت اليوم، إلى حدّ ما، مرآة تعكس ما يجول بخاطر صاحبها أو حتى تعبّر بشكل نسبيّ عما يخالجه من مشاعر، فليس من الصعب تحديد مزاج الشخص من خلال ما يتقاسمه من مقولات أو موسيقى أو خواطر.

أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي اليوم، إلى حدّ ما، مرآة تعكس ما يجول بخاطر صاحبها أو حتى تعبّر بشكل نسبيّ عما يخالجه من مشاعر

اقرأ/ي أيضًا: اغتصاب وابتزاز وأقراص مخدرة.. تفاصيل جريمة هزت تونس!

والمفارقة العجيبة هنا تتعلّق بالنساء عادة، فليس من الغريب أن تجد تناقضًا في المزاج على امتداد اليوم أو بين فترة أو أخرى. ورغم غياب الإحصائيات، إلّا أنّ الملاحظ أنّ مزاج المرأة أكثر تقلّبًا من الرجل، وهذا يعود إلى عدّة أسباب سواء فيزيولوجيّة أو نفسيّة أو غيرها. ولو دقّقت النظر في قائمة صديقاتك فستلاحظ هذا التقلّب من خلال تدويناتهنّ لدرجة أنّك لا تفهم سرّ هذا التغيّر المفاجئ. ولو سألتهنّ لوجدت العديد منهنّ لا يستطعن تحديد سبب هذا التقلّب.

في هذا التقرير سنتحدّث عن تقلّب المزاج لدى المرأة وعلاقاته بالهرمونات مع بعض الأخصائيين.

موضوع الدورة الشهرية عند المرأة لا يزال من التابوهات التي لا يمكن التحدّث فيها بسهولة. فإلى اليوم لا تزال العديد من النسوة يتحرّجن في التعامل مع هذا الحدث الشهري والذي يسبب خللًا في الحياة اليومية للمرأة. تقلّب في المزاج، قلق، توتر، نوبات من البكاء غير المبرّرة، هي أعراض تعانيها أغلب النساء مع اقتراب الدورة الشهرية. ولكنّ هدى.ع (28 سنة) أمضت ثلاثة أشهر بمزاج متقلّب لم تعرف سببه.

وتحدّثت عن تجربتها لـ"ألترا تونس" قائلة "أمضيت أيامًا عصيبة. لم أعرف السبب وراء تغيّر مزاجي فبلمح البصر أتحوّل من حالة إلى أخرى. تعبت كثيرًا وزرت عديد الأطباء حتى أخصائي الأمراض العصبيّة. وفي الأخير تبيّن أنّ الخلل هرموني متعلّق بنقصان هرمون السيريتونين، وتلقيت علاجًا لتعديل الهرمونات على امتداد ستة أشهر وأشعر الآن أنّ الوضع أفضل بكثير ممّا كان عليه".

تعرّف الهرمونات على أنها مواد تنتجها الغدد الصماء حيث تؤثر هذه الغدد على النمو، والتطور، والتكاثر، والوظائف الجنسية، والتمثيل الغذائي، والمزاج، لذا فإنّ الإفرازات غير المنتظمة لهرمون الأستروجين أو البروجسترون أو التستستيرون يؤدّي ضرورة إلى انخفاض الرغبة الجنسية، وتقلب المزاج، والأفكار المظلمة، وزيادة الحساسية، والعاطفة العالية، لذلك فإنّ التغيرات الهرمونية تؤثر على الجسم والعقل.

ريم سحنون لـ"ألترا تونس": تتغيّر إفرازات الهرمونات خاصّة في الفترات الانتقاليّة لحياة المرأة كفترة المراهقة وفترة ما قبل سن اليأس

وفي هذا الإطار، تؤكّد أخصائية أمراض النساء والتوليد ريم سحنون لـ"ألترا تونس" أنّ كلّ النساء معرضات لهذا النوع من الاضطربات، مضيفة أنّ التغيّرات التي تطرأ على الإفرازات الهرمونيّة هي تغيرات مرضيّة، ففي الأصل هم موجودون في الجسم بنسب منظّمة ومعدّلة.

ويوجد في الجسم عديد الأنواع من الهرمونات، منها الجنسية وهرمونات الحليب وهرمونات الغدد، وتتغيّر إفرازاتها حسب ريم سحنون خاصّة في الفترات الانتقاليّة لحياة المرأة كفترة المراهقة وفترة ما قبل سن اليأس. ويمكن أن تتسبب الأمراض المناعيّة في هذا الاضطراب خاصّة وانّها تمسّ الغدة الدرقية.

اقرأ/ي أيضًا: هربًا من "كورونا".. أمّ تروي تفاصيل إجلاء عائلة ابنها من ووهان الصينية

وتضيف سحنون أنّ من أعراضها تكيّس المبيض واضطراب العادة الشهرية سواء في علاقة بالمدّة أو الكثافة، بالإضافة إلى الإفرازات الحليبية و/أو ضغط في مستوى الثدي واضطراب في درجات الحرارة في الجسم. كما أنّ اضطراب هرمون الذكورة يؤدي إلى ظهور البثور في الوجه وخفة في الشعر وظهور الشعر بكثافة في الوجه. وتؤكّد محدّثتنا أنّ أكثر الأعراض الشائعة والتي لا تتفطّن لها أغلب النساء هي تقلّب المزاج.

ويختلف مفهوم المزاج عن مفهوم الانفعالات والمشاعر، وهذا ما يوضحه الأخصائي في علم النفس مروان النويري لـ"ألترا تونس"، إذ يؤكّد أنّ المشاعر تتأثر بالمثيرات الخارجية أو بعض الأحداث، أما المزاج فينطلق منذ النهوض من النوم ويكون إما سلبيًا أو إيجابيًا وهو ما يعبّر عنه باللغة العامية "قمت منيش في صحني".

مروان النويري (أخصائي في علم النفس) لـ"ألترا تونس": الهرمونات الأساسية التي تؤثر على المرأة هي الأستروجين والبروجسترون وخاصة أيام الدورة الشهرية 

ويتأثّر المزاج بعديد المؤثرات منها البيئية أو الوراثية أو الهرمونات. فمنذ سن البلوغ تبدأ التغيرات الجسمية ويتغيّر مزاج الفتاة المراهقة بسبب نظرتها تجاه جسدها والتغيرات التي تحصل فيه وعدم تقبلها لها. وتتسم بمزاج سلبي تجاه نفسها وتجاه علاقاتها بالناس، وهذا بسبب الاختلالات الهرمونية. وعندما تصل المرأة إلى سنّ اليأس يتوقّف الجسم عن إفراز الهرمونات الجنسية مما يؤثر على المزاج بين سنّ الأربعين والخمسين، وفق تصريحات النويري.

وأضاف محدّثنا أنّ الهرمونات الأساسية التي تؤثر على المرأة هي الأستروجين والبروجسترون وخاصة أيام الدورة الشهرية والتي يتقلب فيها المزاج حسب ارتفاع أو نزول معدل الهرمونات.

ويبيّن النويري أنه من الاضطرابات النفسيّة الشائعة هي اضطراب ثنائي القطبية أو الهوس الاكتئابي، ومن أسبابه خلل هرموني يصيب النساء أكثر من الرجال ويتمثّل في حالة تأرجح بين حالة الهوس والفرحة الفجئية والاكتئاب والحزن، على حدّ قوله، مؤكّدًا ضرورة التفريق بين سمات الشخصية والمزاج وأن المختصين فقط هم من يحددون الفرق بين الشخصية المزاجية والمرأة المزاجية.

ويضيف محدّثنا أنّ التوازن في إفراز الهرمونات يؤدّي إلى مزاج إيجابي، أمّا خلل الإفراز فيؤدّي إلى مزاج سلبي وتصرفات وسلوك سلبي، بالإضافة إلى علاقات متشنجة وعدوانية، وهذا ما يؤثر على الحياة اليومية للمرأة ومسؤولياتها تجاه زوجها وأبنائها وحتى علاقاتها في العمل، إذ يؤثر هذا الخلل على مستوى الإدراك ويصبح التركيز على الأمور السلبية ويجعل ردود الفعل تجاه الأخبار أو أحداث الحياة أو أي طارئ غير عقلانية.

وفي الختام، ينصح الأخصائي النفسي أن تقوم المرأة بتحاليل الهرمونات وأن تهتم بصحتها من خلال نظام حياة متوازن يعدل المزاج، بالإضافة للأكل الصحي والرياضة والنوم المريح والابتعاد عن الموترات والأخبار الواردة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مجلة للحريات الفردية: مواقف الكتل النيابية وسبل مناصرة المشروع

فيروس "كورونا".. خطط وقائية في تونس لمواجهة "الغول" القادم من الصين