16-أكتوبر-2018

بحث في الأسباب التي جعلتهن يرجحن كفة الذكورة على كفة الأنوثة (Getty)

فتيات يخفين أنوثتهن وراء ملابس رجالية، تراهنّ بقصات شعر رجالية أو تسريحة تميل إلى طمس طول الشعر، مشيتهن رجالية وسلوكاتهن وطريقة حديثهن أيضًا.

أغرقن في مظهر الرجال حتّى نسين أنّهن إناث، ونحن إن شدّتنا هذه الظاهرة فإن ذلك لا يعني تدخّلًا في حرّية هاته الفتيات وفي طريقة عيشهن وإنّما فقط حاولنا أن نتحدّث إلى بعضهن لمعرفة الأسباب التي جعلتهن يرجحن كفة الذكورة على كفة الأنوثة.

اقرأ/ي أيضًا: عن "فدوى" التي آمنت أن العضلات المفتولة ليست حكرًا على الرجال..

أخت لأربعة أولاد

سارة فتاة تبلغ من العمر عشرين سنة، تقطن بأحواز العاصمة تونس وتدرس بالجامعة، خيّرت طمس معالم الأنوثة في جسدها ما استطاعت إليه سبيلًا، قصة شعرها رجالية ودون أي زينة، ترتدي "الجينز" وقميصًا واسعًا يخفي نهديها وحذاء رياضيًا رجاليًا. تراها قادمة من بعيد تجزم أنّها فتى وهي تتكلّم لا يساورك الشك ولو للحظة في كونها فتاة.

نشأت سارة في بيئة ذكورية إذ أنها أخت لأربعة أولاد وأصدقاء طفولتها هم من صبيان الحي وكانت تكره لباس البنات

بصوت تتعمّد أن يكون خشنًا، تقول سارة إنّها البنت الصغرى في منزلها وأخت لأربعة صبيان كانوا رفاقها في اللعب منذ أن كانت طفلة. وتضيف في حديثها لـ"الترا تونس" أنّها كانت تلعب بألعاب إخوتها ولم تكن الدمى تستهويها، بل كانت تفضّل أن تلعب كرة القدم مع إخوتها الذين كانوا يرفضون في البداية ثم يرضخون لطلبها بعد موجة من البكاء.

وهي تمسح بيدها على شعرها القصير، تتابع بالقول إنّ أصدقاء طفولتها هم إخوتها وبعض أصدقائهم من صبيان الحي، وإنّها كانت تشعر بالراحة حينما تقلّد اخوتها وتنزعج إن حاولت أمها أن تزيّن شعرها أو تلبسها فستانًا أو تنورة، إلى أن رضيت بالأمر الواقع وصارت تقتني لها لباسًا أقرب إلى لباس الصبيان حتى تتجنّب صراخها وبكاءها.

وتشير سارة إلى أنّها حينما كبرت صارت تقتني ملابسها بمفردها، ومازالت إلى اليوم تعزف عن كل مظاهر الزينة وتفضّل أن تكون بمظهر الفتيان، وهو أمر يجعلها تشعر براحة نفسية، وفق قولها.

تتعرّض سارة إلى ضغط من قبل عائلتها لكي تغيّر من شكلها وتعيش كفتاة عادية كما تتعرّض إلى التهكم في الشارع بسبب مظهرها

وفي ردّها عن سؤالنا إذا ما كانت تنوي يومًا أن تحرّر الأنثى داخلها، تقول سارة وهي تحك شاربًا بلا شعر، إن الفكرة لا تخطر ببالها أصلًا أنها مرتاحة بمظهرها الذي يجعلها ترافق إخوتها حيثما ذهبوا دونما معاكسات.

وتحدثت في حديثها معنا عن تعرّضها إلى ضغط من قبل عائلتها لكي تغيّر من شكلها وتعيش كفتاة عادية، مشيرة إلى أنها تتعرّض إلى بعض المضايقات في الشارع التي تصب في التهكم من مظهرها إذا ما دقّق أحدهم في تركيبتها الجسدية وتفطّن إلى أنّها فتاة.

والدها يخيّر الفتيان على الفتيات

صبرين تجاوزت العقد الثالث من عمرها، تبيع الملابس المستعملة في إحدى الأسواق الشعبية، لا تراها دون قبعة وزي رياضيين، ولا تعترف بوجود مساحيق التجميل. وهي تنادي بصوت رجالي لتجذب المشترين إلى بضاعتها، لا تختلف عن زملائها الرجال في السوق، حتى أنّك لا تميّز بين صوتها وصوتهم.

اقرأ/ي أيضًا: رحلة البحث عن الذات من "لينا" إلى "ريان".. ما رأي الطب الجنسي وعلم الاجتماع؟

صبرين تقول إنّها تنحدر من عائلة ريفية متواضعة الدخل تتكون من أب وأم و5 بنات هي أكبرهن، وإنّ والدها كان يجاهر بتفضيله الذكور والإناث ويندب حظّه لأنّ زوجته لم تنجب إلا الإناث. وتضيف صبرين، في حديثها لـ"الترا تونس" أنّها إلى اليوم ما تزال تذكر ردّ فعل والدها إذا ما علم بأنّ أمّها حامل ببنت، ومعاملته الجافة لها ولأخواتها وهو ما جعلها ترى في أنوثتها نقمة.

وتنقطع عن الكلام لكي تواصل رحلة البحث عن حرفاء يقتانون منها بضع قمصان أو سراويل، وتواصل الحديث قائلة: "أبي حرمنا من الذهاب إلى المدرسة لأنّنا فتيات، كان دائمًا يردّد أنّنا مجلبة للعار، ويتحسّر أنّه لم ينجب ولدًا يشدّ أرزه عند الكبر، فكان أن كبرتُ ونشأت على كره كل ما له صلة بالأنوثة، وقرّرتُ أن أكون بمظهر الذكر حتى يطمئن قلب أبي".

صبرين: كان يردد أبي دائمًا أن الفتيات مجلبة للعار فنشأت على كره كل ما له صلة بالأنوثة وقرّرتُ أن أكون بمظهر الذكر حتى يطمئن قلب أبي

وتشير إلى أنّها تعمل في بيع الملابس المستعملة منذ أن كان عمرها 15 سنة، وانطلقت رحلتها مع هذا المجال كمساعدة لتاجر آخر، ثم أصبح لها عملها الخاص بها. وتلاحظ أن مظهرها جنّبها المعاكسات وجعلها تحظى بالاحترام بين زملائها في السوق، كما أنه يبعث الاطمئنان في قلب أمّها، وفق قولها.

سارة وصبرين، بالنهاية، هما فتاتان اختارتا أن تتخفّيا بمظهر الذكور ولكل منهما أسباب شخصية دفعتها إلى هذا الاختيار وهذه الأسباب في مجملها نفسية.

ماذا يقول علم النفس؟

يقول المختص في علم النفس عبد الباسط الفقيه إن ولادة الشخص ذكرًا أو أنثى غير كافية ليصبح فتى أو فتاة، موضّحًا أنّ الصفات البيولوجية الأساسية لا بد أن ترافقها مسيرة طويلة من التنشئة، لتمثل الصور الذهنية التي تجعل من الذكر رجلًا والأنثى امرأة.

ويضيف المختص لـ"الترا تونس" قائلًا: "إن الأمر يتعلّق بتمثل الفرد عن ذاته ومن هنا يكون التفضيل الجنسي مثلًا الفتاة التي عاشت في بيئة ذكورية ووالدها يسيطر على أمها فستميل إلى الذكورة خصوصًا إذا كان لديها فائض من الهرمونات الذكورية على اعتبار أن الهرمونات الذكورية والأنثوية موجودة في الجنسين".

عبد الباسط الفقيه (مختص في علم النفس): الذكورة والأنوثة مسألة بيولوجية بالأساس ولكنها تتدعّم أو تضعف بالتربية والتنشئة الاجتماعية 

ويتابع الفقيه بالقول إن "الذكورة والأنوثة مسألة بيولوجية بالأساس، ولكنها تتدعّم أو تضعف بالتربية والتنشئة الاجتماعية وفي بعض الأحيان المجتمع يطفئ الصفات والاستعدادات الأصلية عند الذكر أو الأنثى وأحيانا ينمّيها لكنه لا يمسح الفوارق الأصلية، ويظهر ذلك من خلال السلوكات واللغة المستعملة والمظهر وهو ما قد يجعل فتاة تتخفى وراء هيئة الذكور".

 

اقرأ/ي أيضًا:

حملة "وشمولي بالسيف".. رصاصة ناشطة تونسية في قلب التحرش

خوخة.. صديقتي التي تلبس مثل الناس كي تتنكر