19-فبراير-2019

باتت مواقع التواصل الاجتماعي بوابة لإغاثة الكثيرين (عمر ماركيز/ SOPA Images)

 

"طالبة بكلّية الاقتصاد والتصرف بسوسة مصابة بالسرطان، وتحتاج لعملية زرع نخاع شوكي بتكلفة تقدّر بـ400 ألف دينار. مبلغ تعجز العائلة عن توفيره لإكمال علاج ابنتهم. بمبادرة من أصحاب القلوب الرحيمة دعوة لإنقاذ هذه الشابة، المطلوب جمع مبلغ مالي لإجراء العملية. الرجاء إرسال كلمه تبرّع على الرقم كذا، امنح الحياة وارسل ارسالية ب900 مليم فقط".

فتحي العياط (والد طالبة مصابة بالسرطان) لـ"ألترا تونس": الدولة وفرت 200 ألف دينار، فيما تمّ جمع باقي التبرعات عبر جمعية خيرية بادرت ببعث نداء الاستغاثة على مواقع التواصل

اقرأ/ي أيضًا: مواقع التواصل الاجتماعي.. الفضاء البديل تونسيًا

كان ذلك نداء استغاثة نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي منذ أسابيع لجمع تبرعات وإنقاذ فادية العياط من الموت. وقد لقيت قصّتها صدى كبيرًا على الفيسبوك وشغلت الرأي العام. فيما تفاعل معها الإعلاميون والمجتمع المدني وكافة الرأي العام. وانطلقت عملية جمع التبرعات عبر الإرساليات القصيرة. كما تمّ تنظيم بعض التظاهرات الفنية لتعود عائداتها إلى الفتاة حتى تستكمل علاجها. تمكنت الطالبة فادية منذ أيام من إجراء العملية بتركيا، بعد أن وصل نداء الاستغاثة إلى عدد كبير من رواد الفيسبوك، وجمع المبلغ اللازم.

يقول فتحي العياط، والد الطالبة، لـ"ألترا تونس"، إنّ الدولة وفرت 200 ألف دينار، فيما تمّ جمع باقي التبرعات عبر جمعية خيرية بادرت ببعث نداء الاستغاثة على مواقع التواصل الاجتماعي، مضيفًا "أنا أشكر كلّ الإعلاميين والمنظمين والمشاركين وكل الناس الذين تفاعلوا مع المبادرة وقدموا المساعدات التي ولولاها لما استطعنا جمع هذا المبلغ الكبير لإجراء العملية. واليوم أنا أنتظر فقط ما بعد العملية لاستكمال العلاج وعودة ابنتي. أنا حقًا أشكر كل التونسيين الذين تفاعلوا حتى بمجرّد الدعاء لابنتي بالشفاء".

كان ذلك النداء من بين آلاف النداءات المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي باتت تحفل بعديد نداءات الاستغاثة لطلب مساعدة صحية أو اجتماعية أو أي تدخل انساني لإنقاذ حياة شخص ما. وتحوّل بشكل خاص موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك إلى فضاء مهم لنشر نداءات الاستغاثة، ووسيلة لنقل انشغالات المرضى والمحتاجين. إذ تفتح تلك النداءات المجال أمام كلّ من يعاني مشكلًا صحيًا كان أو اجتماعيًا ليلقى تعاطف الكثيرين ممن يتفاعلون مع تلك النداءات، أقلّهم بالدعاء وتمني الشفاء.

مواقع التواصل أصبحت اليوم وسيلة إيجابية لنقل مشاكل ومشاغل الناس وفضاء حرًا يعالج مختلف مشاكل المجتمع بما فيها الاجتماعية والصحية

مواقع التواصل الاجتماعي التي تلقى في جانب كبير منها ومن استعمالاتها نقدًا كبيرًا، أصبحت اليوم وسيلة إيجابية لنقل مشاكل ومشاغل الناس، وفضاءً حرًا يعالج مختلف مشاكل المجتمع بما فيها الاجتماعية والصحية. إذ أنّ يأس البعض من الطرق التقليدية لإيصال أصواتهم أو تبليغ رسائلهم إلى السلط المعنية والمسؤولين أو إلى المجتمع المدني أو حتى عموم الناس، يدفعهم إلى مواقع التواصل الاجتماعي كفضاء أوسع لإبلاغ أصواتهم. حيث تلقى أغلب القصص في تلك الفضاءات انتشارًا واسعًا يعطي شعاع أمل للمرضى والمحتاجين لحلّ مشاكلهم.

أبرز قصّة شغلت الرأي العام في الآونة الاخيرة كانت قصّة مريم الزديري التي تطلبت حالتها الصحية تدخلًا جراحيًا عاجلًا تكلفته تتراوح بين 3500 و4000 دينار. تلك الطفلة أصيلة منطقة العيون بالقصرين والبالغة من العمر ثمانية سنوات كانت تعاني من مرض في الجمجمة. حتى بات حجم رأسها أكبر من جسدها النحيل وغير قادرة على النظر أو حتى الكلام بشكل جيّد، ولا يمكن إجراء تلك العملية إلا في ولايات تونس أو صفاقس أو سوسة. رغم بساطة المبلغ مقارنة بما تتطلبه بعض العمليات الجراحية الأخرى، إلاّ أنّ وضعية العائلة المادية حالت دون توفير المال الكافي، لاسيما وأنّ والدها عبد الله الدزيري العاطل عن العمل عجز عن معالجة ابنته أو توفير بعض الأدوية لها.  

اقرأ/ي أيضًا: الأخبار الكاذبة Fake News.. خطر يهدّد انتخابات 2019

سوء حالتها الصحية بمرور الوقت، وفقدانها للوعي باستمرار متأثرة بمرضها، دفع الأب إلى إطلاق نداء استغاثة على مواقع التواصل الاجتماعي. الأمر الذي لقي تفاعلًا كبيرًا أيضًا من قبل التونسيين. وقدّم المئات تبرعات لعلاج الطفلة التي تمكنت من إجراء العملية الجراحية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وكلّلت بالنجاح.

والأمثلة عديدة في تونس عن نجاح تلك الحملات خاصة في إنقاذ بعض المرضى وعلاجهم، أو إنقاذ بعض العائلات التي تحتاج مساعدات اجتماعية.

نداءات لجمع تبرعات

المتصفح لموقع فيسبوك أو تويتر أو غيرهما يلفت انتباهه الكم الهائل من طلبات المساعدة أو نداءات الاستغاثة اليومية لجمع تبرعات، من طرف أشخاص وصلوا إلى قمة اليأس بعدما عجزوا عن إيصال معاناتهم للسلطات المعنية، إذ وجدوا في تلك المواقع البديل لعرض مشاكلهم، خاصة بعدما لقيت عدّة حملات تجاوبًا هامًا من قبل شريحة كبيرة من التونسيين.

وباتت مواقع التواصل الاجتماعي بوابة لإغاثة كلّ طالب مساعدة، حتى أنّ بعض المنظمات أو الجمعيات الخيرية أو حتى الأشخاص العاديين يستندون على تلك المواقع ليطلقوا نداءات استغاثة لجمع تبرعات لفائدة بعض المرضى أو بعض العائلات المحتاجة، أو حتى جمع تبرعات لفائدة منطقة كاملة تضررت جراء سوء الأحوال الجوية على غرار ما حصل الأشهر الماضية في كلّ من ولايات نابل وجندوبة والقصرين. وتلقى أغلب تلك النداءات تفاعلًا كبيرًا، بفضله أُنقذت حياة البعض من الموت والبعض الآخر من التشرد. ودعمت بذلك مواقع التواصل الاجتماعي صحافة المواطنة لنشر فيديوهات أو صور عن أوضاع أناس بحاجة إلى تدخلات عاجلة، عجزت السلط على حلّها أو التكفل بها.

ولا تزال آلاف النداءات الأخرى تنتظر التجاوب من قبل قلوب الرحمة للحصول على مساعدات خاصة لفائدة الأطفال المحتاجين لعلاج ما، أو المسنّين المحتاجين لسكن يأويهم، أو بعض العائلات المحتاجة لمساعدات اجتماعية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"الطفلة بلا مكياج كالكرهبة بلا لفاج".. هل يثق الرجل في جمال التونسية؟

الـ"فريلانس".. وجهة جديدة لشباب تونس الباحث عن عمل