يتقاسم التونسيون الألم مع أهالي قطاع غزة رغم بعد المسافات واختلاف الأوطان، من منطلق إيمانهم بالقضية الأم ودعمهم اللامحدود للأبرياء الذين يعانون منذ ما يزيد عن 6 أشهر من ويلات الحرب الإسرائيلية الشعواء، التي دمرت الحجر والشجر وخلفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، وتسببت في أزمة إنسانية غير مسبوقة.
تونسيون يختارون التخلي عن كل مظاهر الفرح التي اعتادوا عليها في استقبال عيد الفطر، وأولها صنع الحلويات، كشكل من أشكال التعبير عن تضامنهم مع أهالي قطاع غزة وحزنهم على ما أصابهم من تدمير وتقتيل وتجويع
ولم يكلّوا من إعلاء أصواتهم في الشوارع التونسية نصرة للحق الفلسطيني وتنديدًا بسياسات التقتيل والتهجير والتجويع، ولم يملّوا من إشهار سلاح المقاطعة ضد الشركات والكيانات المنحازة للاحتلال الإسرائيلي، وهاهم اليوم يختارون التخلي عن كل مظاهر الفرح التي اعتادوا عليها في استقبال عيد الفطر، وأولها صنع الحلويات.
بهذه الطريقة اختارت عائلات تونسية التعبير عن تضامنها مع أهالي قطاع غزة وحزنها على ما أصابهم من تدمير وتقتيل وتجويع، وفق ما أكدوه في حديثهم مع "الترا تونس".
-
كيف أحتفل بالعيد وأطفال غزة يموتون جوعًا؟
دون تردد أو تفكير، قررت زينة غربي، أصيلة ولاية جندوبة، مقاطعة الاحتفال بعيد الفطر هذه السنة، تضامنًا مع أهالي غزة الذين يعانون من الجوع والعطش والتهجير القسريّ.
زينة غربي لـ"الترا تونس": لا يمكنني أن أواصل عيش حياتي بشكل طبيعيّ وأصنع حلويات العيد وأشتري ملابس جديدة وأملأ طاولتي بأطباق الطعام، بينما يموت أطفال غزة من الجوع في الخيام الباردة
تقول زينة في حديثها مع "الترا تونس"، إنها قاطعت كل مظاهر الاحتفال منذ بداية الحرب على غزة، كما سبق أن قاطعت الاحتفال برأس السنة الميلادية وتخلت كذلك عن كل مظاهر البذخ في شهر رمضان.
تضيف: "لا يمكنني أن أواصل عيش حياتي بشكل طبيعيّ وأصنع حلويات العيد وأشتري ملابس جديدة وأملأ طاولتي بأطباق الطعام، بينما يموت أطفال غزة من الجوع في الخيام الباردة، وبينما يُنكّل الاحتلال بالنساء ويختطف الرجال ويقتل مئات الأبرياء يوميًا بقنابل محرمة دوليًا".
تواصل حديثها قائلة: "ما دمت غير قادرة على دعم سكان غزة فيمكنني على الأقل الحزن عليهم والتضامن معهم والحديث عن قضيتهم ومعاناتهم، لذلك سأقاطع كل الاحتفالات إلى حين وقف الحرب وإعادة إعمار غزة".
وترى زينة غربي أنّ إقدامها على صنع حلويات العيد تعني أنها سعيدة وفرحة، لكن الواقع عكس ذلك، فهي تؤكد أن سعادتها فُقدت أمام تواصل جرائم الاحتلال ضدّ نساء وأطفال غزة، بينما يتفرج العالم في صمت.
زينة غربي لـ"الترا تونس": ما دمت غير قادرة على دعم سكان غزة فيمكنني على الأقل الحزن والتضامن معهم والحديث عن قضيتهم ومعاناتهم، لذلك سأقاطع كل الاحتفالات إلى حين وقف الحرب وإعادة إعمار غزة
تقضي زينة أوقات فراغها في متابعة أخبار الحرب ومشاهدة مقاطع الفيديو القاسية التي توثق معاناة السكان الذين تحاصرهم القنابل والدبابات من جهة ويتربص بهم الجوع والعطش من جهة أخرى، حيث تؤكد أنّ شعورها بالذنب والخذلان يتفاقم يوميًا وهي عاجزة أمام ما تشاهده من ألم وحزن وبكاء.
واختتمت حديثها وهي تستذكر قول رسول الله: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، لتجدد تأكيدها أنها تتقاسم الآلام مع أهالي غزة رغم بعد المسافات وأنها ستبقى وفية للقضية الفلسطينية طوال حياتها.
-
لا احتفالات ما دامت غزة تحت القصف
لأول مرة منذ زواجها سنة 2012، اختارت سامية اليحياوي بدورها التخلي عن عادة صنع حلويات عيد الفطر، كتعبير منها عن تضامنها مع أطفال ونساء غزة، وهو اختيار ساندها فيه زوجها وعائلتها الموسعة وحذوا حذوها.
تقول سامية، أستاذة تعليم ثانوي أصيلة ولاية منوبة، في حديثها مع "الترا تونس"، إنها "قررت عدم صنع حلويات عيد الفطر هذه السنة أو الاحتفال به، حزنًا على معاناة سكان قطاع غزة الذين يعيشون دون أكل وماء وفقدوا عائلاتهم وأبناءهم في هذه الحرب المدمرة.
سامية اليحياوي (أستاذة) لـ"الترا تونس": الحرب على غزة غيرت حياة الكثيرين في تونس، فالآلاف اختاروا في وقت سابق عدم الاحتفال بدخول السنة الجديدة وهناك من تخلى عن طبخ أشهى المأكولات في رمضان واكتفى فقط بما يسدّ رمقه
وتضيف سامية قائلة: "لا يمكنني أن أتجاهل ما يحدث في قطاع غزة وأن أستمر بعيش حياة طبيعية وأحتفل بالأعياد وأصنع الحلويات وكأن الذين يُقتلون ويُهجرون ويُختطفون هناك من قبل الاحتلال الإسرائيلي ليسوا بشرًا وليسوا إخوانًا لنا".
وترى محدثتنا أنّ "الحرب الإسرائيلية على غزة غيرت حياة الكثيرين في تونس، فالآلاف اختاروا في وقت سابق عدم الاحتفال بدخول السنة الجديدة وهناك من تخلى عن طبخ أشهى المأكولات في شهر رمضان واكتفى فقط بما يسدّ رمقه"، وفقها.
وتؤكد سامية أنّ والدتها وجيرانها اختاروا بدورهم التخلي عن كل مظاهر الفرح التي اعتادوا عليها في عيد الفطر، مشيرة إلى أنّ "من الواجب على كل إنسان أن يتضامن مع ضحايا الحرب الأبرياء بالطرق والوسائل المتاحة أمامه".
وشاركت سامية في كل المظاهرات والمبادرات الداعمة لسكان غزة والتي انتظمت بتونس منذ عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت، كما كانت من أبرز المشاركين في حملات المقاطعة التي استهدفت المنتجات الداعمة لإسرائيل.
سامية اليحياوي (أستاذة) لـ"الترا تونس": فخورة بتربية أطفالي على مقاطعة المنتجات التي تدعم إسرائيل وساهمت في تعريفهم بأصول القضية الفلسطينية، كما قررت عدم شراء ملابس العيد لهم وتفهموا قراري ودعموه
وهنا تقول محدثتنا إنها فخورة بتربية أطفالها على مقاطعة المنتجات التي تدعم إسرائيل وساهمت في تعريفهم بأصول القضية الفلسطينية، كما تؤكد أنها قررت عدم شراء ملابس العيد لهم وأنهم تفهموا قرارها ودعموه.
كما أكدت سامية في حديثها لـ"الترا تونس" أنّ والدتها وجيرانها اختاروا أيضًا عدم صنع حلويات العيد ومقاطعة كل مظاهر الاحتفال إلى حين انتهاء الحرب المدمرة وعودة السلام والأمن إلى قطاع غزة.
-
تونسيون يدعمون القضية الفلسطينية
منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، انخرطت المؤسسات المحلية ومنظمات المجتمع المدني في مسار دعم القضية الفلسطينية ودعم سكان قطاع غزة، من خلال تنظيم عشرات المظاهرات وحفلات خيرية وحملات للتبرع بالمال والغذاء، إلى جانب تدشين حملات تشجع التونسيين على مقاطعة كل المنتجات الداعمة لإسرائيل.
في شهر مارس/آذار الفائت، جمع الناشط والصحفي شاكر جهمي رفقة صديقته غفران راجحي مبلغًا ماليًا بهدف إرساله إلى أخت صديقه الغزاوي المقيم في تونس، والتي كانت تعاني من مرض مزمن وتحتاج لرعاية صحية خاصة.
تمكن شاكر، وفق ما أكده لـ"الترا تونس"، من إرسال المبلغ المالي لعائلة الفتاة في جنوب قطاع غزة، في وقت سيطر فيه خطاب العجز عن إنقاذ السكان من المجاعة التي تهددهم وسط تواطؤ غربي وصمت عربي.
شاكر جهمي (ناشط وصحفي) لـ"الترا تونس": نظمنا حملة لجمع تبرعات وتم توفير مبالغ مالية هامة من أجل شراء ملابس وهدايا العيد لعشرات الأطفال في غزة.. لم نكن نتوقع أن نجد كل هذا التفاعل والعطاء من التونسيين
بعد إيصال المبلغ المطلوب لقطاع غزة، قرر شاكر بالتعاون من غفران مواصلة هذه المبادرة وجمع مبالغ مالية وإيصالها إلى الداخل، بهدف توفير أدوية ووجبات إفطار لعشرات العائلات في جنوب غزة وفي شمالها أيضًا.
يؤكد شاكر جهمي، أنّه فور نشره لمقاطع فيديو وصور توثق وصول الأموال لمستحقيها في قطاع غزة تلقى اتصالات هاتفية من كافة ولايات تونس، وأعرب الجميع عن استعدادهم للتبرع من أجل توفير الغذاء والدواء للغزاويين.
يضيف شاكر، في حديثه، أنه تلقى اتصالاً من معلم يعمل في إحدى مدارس فرنانة من ولاية القصرين وأخبره أن التلاميذ قاموا بجمع تبرعات من مصروفهم اليومي كهدية منهم لأطفال غزة، كما أكد أنّ امرأة أخرى قامت ببيع قطعة ذهب كانت تملكها وتبرعت بثمنها، وهي قصص أثرت فيه كثيرًا.
ويقول محدثنا في ذات السياق، إنه تمّ كذلك توفير مبالغ مالية هامة من أجل شراء ملابس وهدايا العيد لعشرات الأطفال داخل قطاع غزة، مشيرًا إلى أنه لم يكن يتوقع أن يجد كل هذا التفاعل والعطاء من التونسيين الذين هرعوا للتبرع ودعم سكان قطاع غزة في محنتهم، في وقت تواصل فيه إسرائيل غلق المعابر الحدودية ومنع دخول شاحنات المساعدات إلى داخل القطاع.
مبادرة شاكر وغفران هي واحدة من آلاف المبادرات التي أطلقها تونسيون داخل وخارج أرض الوطن بهدف دعم أهالي قطاع غزة في أزمتهم، في وقت عجزت فيه كبرى الدول عن إدخال احتياجات السكان اليومية من غذاء ودواء إلى الداخل.