02-أغسطس-2019

للمرأة التونسية مشاركة بارزة في كل المراحل المفصلية للبلاد (صورة أرشيفية/ فتحي بلعيد/ أ ف ب)

 

مقال رأي

 

تعيش تونس خلال هذه الأيام على وقع استحقاقات انتخابية تمثل منعرجًا هامًا في تاريخ البلاد وفي مسار انتقالها الديمقراطي. فالإعداد للانتخابات الرئاسية والتشريعية بات مسألة لا تشغل الأحزاب فقط، بل المجتمع بمختلف مكوناته وجل شرائحه أصبح حريصًا إلى درجة ما، على متابعة العملية الانتخابية والحملات الانتخابية للمترشحين.

ولئن كانت الانتخابات محط اهتمام جل المتابعين للشأن العام والمواطنين، فرصد هذه الديناميكية السياسية التي تشهدها البلاد سيضع الإصبع على الجرح فيما يتعلق بعدد من المواضيع التي قد تبدو ثانوية للبعض، خصوصًا في هذه المرحلة السياسية، ولكنها في الواقع تكتسي قدرًا كبيرًا من الأهمية ولا تحتمل التأجيل ولا تحتاج إلى إجابات فضفاضة من قبيل "مش وقتو". إنها المساواة التامة والفعلية بين المرأة والرجل.

المرأة التي تمثل وقود العمل السياسي تجد نفسها مقصاة عندما يصل الأمر إلى التمثيلية السياسية

اقرأ/ي أيضًا: في الحاجة إلى النسوية الراديكالية..

صحيح أن البلاد على أعتاب انتخابات رئاسية وتشريعية مفصلية، ولكن ذلك لا يحول دون أن نلاحظ الإجحاف الذي تعامل به الأحزاب السياسية بشكل خاص والقائمات المترشحة للتشريعية بشكل عام، المرأة التونسية. فالمرأة في تونس كانت دائمًا حاضرة وبارزة في تاريخ البلاد التونسية، من الملكة الأمازيغية ديهيا التي تصدت للغزاة العرب بكل جسارة، مرورًا بأروى القيروانية وصولًا إلى السيدة المنوبية وعزيزة عثمانة، ومن ثم العديد من النساء المناضلات اللواتي واجهن الاستعمار الفرنسي، فضلًا عن بشيرة بن مراد التي أسست أول جمعية نسائية سنة 1936 وطالبت بالمساواة السياسية بين المرأة والرجل، وتوحيدة بن الشيخ أول طبيبة تونسية سنة 1936، وعلجية الجديدي التي قادت الحراك الاحتجاجي سنة 2008 في ولاية قفصة ومية الجريبي المعارضة الشرسة لنظام بن علي، وغيرهن كثيرات ممن لم ينصفهن تاريخ خطته أياد ذكورية.

تعدد هذه الأسماء ما هو إلا دليل على الدور الهائل الذي قامت به ولا تزال تلعبه قامات نسائية مناضلة تمتلك قدرة عجيبة، لا مثيل لها، في النهوض مثل طائر الفينيق، في كل مرة تصل فيها البلاد إلى حافة الانهيار لتقود الصفوف الأمامية في الدفاع عن البلد التونسي وحقوق أبنائه وبناته، غير عابئات بنوعية الخطر المحدق أو هوية العدو.

كذلك، كانت المرأة حاضرة بقوة في اللحظات المفصلية للبلاد، فمشاركتها في ثورة 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010- 14 جانفي/ كانون الثاني 2011، لا تخفى على أحد، والأمثلة هنا كثيرة لا يمكن حصرها، فضلًا عن مشاركتها الحاسمة في انتخابات 2014 حيث منحت أكثر من مليون امرأة صوتها للباجي قائد السبسي، كما أعلن حينها، لمواجهة ما اعتبرنه حينها "مدًّا إخوانيًا يهدّد مدنية المجتمع التونسي"، دون أن ننسى ما قامت به العديد من النساء في اعتصام باردو 2013.

ولا يمكننا أن نتحدث عن دور المرأة في المجتمع التونسي دون التطرق إلى مناضلات نسويات وجمعيات أحدثنها للدفاع عن المرأة التونسية وحمايتها من الانتهاكات والاعتداءات المسلّطة عليها والدفع نحو وضع تشريعات تضمن لها حقوقها وتسعى للحد من العنف الذي تتعرض له، بمختلف أشكاله وأنواعه، بالإضافة إلى المناداة بتحقيق المساواة التامة والفعلية بينها وبين الرجل في كافة الميادين.

وهنا تحديدًا يقع مربط الفرس، فعلى الرغم من التقدم الذي أحرزته تونس في هذا المجال، ومن وضعية المرأة التونسية مقارنة بنظيراتها من النساء في الدول العربية، لا يزال تحقيق المساواة الحقيقية حلمًا صعب المنال والطريق إليه مازالت معبدة بالأشواك والعراقيل التي قد تتلون أحيانًا بلون الدين وأحيانًا أخرى بالتقاليد والأعراف ومرات ترتدي لباس "مش وقتو".

على الصعيد الاقتصادي، لا تزال المرأة تتقاضى أجرًا أقل من الرجل رغم أنها تعمل ساعات أكثر منه

فعلى الصعيد الاقتصادي، لا تزال المرأة تتقاضى أجرًا أقل من الرجل رغم أنها تعمل ساعات أكثر منه. أما فيما يتعلق بالميراث، فحدث ولا حرّج، إذ قدم الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي مشروع قانون في هذا الشأن لم تتجرأ الأحزاب الممثلة في البرلمان على طرحه في جلسة عامة في سنة انتخابية "ساخنة" رغبة منها في حماية أصوات مناصريها المحبين للشعبوية والخطاب الشعبوي المتمسك بما يعتبرونه "شريعة" مقدسة لا يمكن المس منها.

والأمر لا يتحسن على الصعيد السياسي، فالمرأة التي تمثل وقود العمل السياسي، والتي تحتل بكلّ فخر واعتزاز الصفوف الأولى في المحطات النضالية الكبرى، والتي تنشط بكل حماسة في الحملات الانتخابية وتعمل بكل جهد في محيط مجتمعها المدني، تجد نفسها مقصاة عندما يصل الأمر إلى التمثيلية السياسية.

اقرأ/ي أيضًا: "وراء كل امرأة عظيمة ولا حدا".. كفوا أيديكم عنها

نظرة سريعة واحدة على مختلف القائمات المترشحة للانتخابات التشريعية من شأنها أن تثبت مدى تهميش المرأة لدى إعداد هذه القائمات، فعلى سبيل المثال ومن جملة 33 قائمة قدمتها أحزاب لهذا الاستحقاق، لم توجد إلا ما بين 6 و9 قائمات تترأسها نساء.

ولعل ما يزيد من حجم الصدمة، هو أن من بين هذه الأحزاب من يدعي الحداثية والتقدمية والدفاع عن المساواة بين المرأة والرجل، بل إن بعضها يتغنى بالمرأة في كل فرصة أو عيد على غرار حركة نداء تونس، التي لم ترشح إلا 6 نساء لترؤس قائمات، وآفاق تونس الذي ترأس قائماته الـ33، تسع نساء فقط.

هذه الأرقام المخيفة تأتي رغم أن القانون الانتخابي ينصّ على مبدإ التناصف، مصطحبة معها تعلات لا تكفي عبارة "واهية" لوصفها. فالتبريرات التي تقدّم في هذا الصدد تتراوح غالبًا بين عدم رغبة نساء في الترشح، وبين اختيار رجل في جهات معينة لأنه، بحسب هذه التبريرات، أوفر حظًا في الفوز. كما يذهب البعض إلى القول إنه لم يعثر على امرأة تتمتع بالكفاءة والخبرة.

أليس من الضروري أن يكون السياسي حاملًا من التغيير وقائدًا له لا خائفًا من أي موجة مخالفة أو مدافعًا، أو متواطئًا مع فكر متخلف متكلّس يرى في المرأة جسدًا مكانه الفراش والمطبخ؟

هذا التبرير الأخير يثير أكثر من غيره الغيظ، ويطرح عديد التساؤلات عن المعايير التي يعتمدها هؤلاء عند بحثهم عن "الكفاءة والخبرة"، هل من الممكن أن نصدق مثلًا أنه لا توجد في جهة من الجهات امرأة تمتاز بهذه الصفات؟ عفوًا ولكن عقلي "الصغير" لا يمكن أن يستوعب هذا الأمر.

أيضًا، القول إن الرجل يتمتع بحظوظ أوفر للفوز عند ترشحه في بعض المناطق التونسية هو حجة لا تعبّر إلا عن مستوى من يتبناها. أليس من الضروري أن يكون السياسي حاملًا من التغيير وقائدًا له لا خائفًا من أي موجة مخالفة أو مدافعًا، وفي أبسط الحالات، متواطئًا مع فكر متخلف متكلّس يرى في المرأة جسدًا مكانه الفراش والمطبخ؟ أليس ترشيح امرأة في منطقة كما يقال "تفضّل رجلًا" رجة كفيلة بإحداث بداية تغيير؟

كل المواقف التي تحاول تبرير تغييب المرأة عن رئاسة القائمات المترشحة للتشريعية، مهما تنوعت في ظاهرها، فهي تعكس في جوهرها العقلية الذكورية ذاتها المسيطرة التي ترى في المرأة مجرد وسيلة لتحقيق غايتها، مجرد وقود تستعمله في معاركها السياسية وتحيدها عندما يتعلق الأمر بحقها في التمثيلية السياسية. كما أنها تعكس نظرة ترى أنه لا يمكن لقوم من المسلمين أن تتولاهم امرأة، مهما تعددت مآثرها وخصالها ومهما قدمت من تضحيات جسام في سبيل الوطن، باعتبار أنهم يرون أنه "لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة".

ربما يتعيّن على من يتصدر المشهد السياسي اليوم النظر إلى تجارب قوم غير مسلمين، قوم ولوا أمرهم امرأة فباتوا من الأمم المتقدمة، ولعلّ أبرز مثال على ذلك صديقتنا ألمانيا التي تقودها المستشارة أنجيلا ميركل، التي توصف بـ"المرأة الحديدية".

ومما لا شك فيه أن تونس فيها الكثير من النساء الحديديات، وهن جديرات بأن يقدن بلادهن ولهن من القدرة والشجاعة والكفاءة ما يكفي ليحققن ما عجز عن تحقيقه من يصفون أنفسهم بـ"رجالات" السياسة خلال سنوات. ربما آن الأوان لتنهض نساء تونس الحديديات والانتفاض على من يكتفي باستغلالهن في معاركه ليقدن بأنفسهن معركة تحريرهن من "الأبوة" و"البطرياركية"، ويتولين زمام الأمور لقيادة سفينة البلاد نحو بر الأمان.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الحركة النسوية..بين الأبوة السياسية والحنين للماضي

"خوانجي".. تهمة في مهبّ المزايدات الانتخابيّة