03-أبريل-2019

رافقت عملية توزيع الحفاضات حملات تحسيسية

 

 

"نخاف نجي نقرا ويشوفوني أولاد "كلاسي" (صفي) كي نخرج للسبورة نخاف لا يضحكو عليا"، هي عبارة جاءت على لسان إحدى التلميذات بمبيت مكثر المدرسي بولاية سليانة، ولخّصت معاناة مئات الفتيات من العائلات المعوزة مع الدورة الشهرية التي لا تزال تمثل موضوعًا ممنوعًا أو شبه ممنوع في المجتمع التونسي المحافظ بطبعه.

الفتيات المنحدرات من عائلات معوزة في تونس تجدن أنفسهن أمام معضلة كبيرة عند قدوم فترة الحيض

اقرأ/ي أيضًا: مونولوج الإجهاض: "لن أحمل مجددًا لأني لم أكبر بعد"

ولئن كانت الدورة الشهرية مصدر إزعاج لجلّ النساء، سواء كان ذلك في العالم أو تونس، لما يصاحبها من آلام وتغيّرات فيزيولوجية وهرمونية تؤثر على معظم النساء، إلا أن تداعياتها السلبية تتضاعف لدى الكثير من الفتيات المنتميات بشكل خاص إلى الطبقة الفقيرة أو الأقل من الفقيرة، ولا يقتصر الأمر على دول العالم الثالث فقط إنما تواجه فتيات في دول متقدمة مثل هذه المشاكل.

فالفتيات المنحدرات من عائلات معوزة في تونس تجدن أنفسهن أمام معضلة كبيرة عند قدوم فترة الحيض، فهن من ناحية لا يدركن التغييرات الحاصلة على مستوى أجسادهن، ويجدن أنفسهن في غالبية الأوقات عاجزات عن طرح الموضوع مع عائلاتهن أو حتى أمهاتهن وذلك بسبب الخجل الناتج عن ثقافة "العيب والحرام" المحيطة بالجسد والتي تحكم مثل هذه الروابط الأسرية.

ساهم مشروع "Ecolibree" في خلق فرص عمل للنساء من الطبقة الفقيرة 

 

علاوة على ذلك، لا تتمكن الفتيات من الحصول على الحفاضات التي تستعمل مرة واحدة والمتوفرة في المحلات التجارية وذلك بسبب سوء أوضاع عائلاتهن المادية، الأمر الذي يدفعهن إلى اللجوء إلى استخدام وسائل بديلة لتوفير الحماية لهن على غرار استعمال قطع قماش أو غيرها من البدائل التي لا توفر لهن الحماية الضرورية من التسرّب، كما أنها قد تسفر عن أمراض جنسية كونها موادًا غير صحية.

مشروع "Ecolibree" يهدف إلى الحدّ من ظاهرة الانقطاع الدراسي لدى الفتيات من عائلات معوزة

الأمر قد تكون له نتائج وخيمة أخرى، فالكثير من الفتيات اضطررن في كثير من الحالات إلى التغيّب عن مقاعد الدراسة خلال فترة الحيض، أو حتى إلى الانقطاع عن الدراسة نهائيًا. هذا الأمر لاحظه متطوعون قاموا بزيارات إلى مبيت مكثر المدرسي أين لاحظوا الإحراج الذي تعاني منه عديد التلميذات بسبب الدورة الشهرية وعدم قدرتهن على الحصول على حفاضات صحية.

من هنا، نشأت فكرة مشروع "Ecolibree" الهادف إلى الحدّ من ظاهرة الانقطاع الدراسي لدى الفتيات من عائلات معوزة تعيش الفقر وأحيانًا تحت خطّ الفقر، وفق ما أكده لـ"ألترا تونس" مؤسس منظمة "Wallah We Can" لطفي حمادي.

ويبيّن حمادي أنه تمّ خلق ورشة عمل تضمّ 4 نساء يقمن بخياطة هذه الحفاضات، موضحًا أن مشروع "Ecolibree" يسعى إلى توزيع الحفاضات في جميع المناطق دون أي تفرقة أو تمييز بحسب ما يستطيع القائمون على المشروع توفيره من هذا المنتوج.

اقرأ/ي أيضًا: "رد بالك على عصفورتك".. عن عالم الجنس وبراءة الطفولة

وقد تمت في البداية تجربة هذا المشروع بالتعاون مع " Enactus IHEC Carthage" واستعملتها لأول مرة سنة 2014 تلميذات المبيت المدرسي بمكثر ليتمّ تطويرها لاحقًا وفق المقدمات التي قدمنها. وفي 2015 تطور إنتاج هذه الحفاضات بفضل التعاون الذي قام مع مركز تكوين الفتيات بسليانة. وتوّج المشروع سنة 2015 في مسابقة " Enactus World Cup2015". كما رافقت عملية توزيع الحفاظات حملات تحسيسية حول العادة الشهرية والأمراض التي يمكن أن تتعرض لها الفتيات.

يهدف القائمون على المشروع إلى توزيع الحفاضات الصحية القابلة للغسل وإعادة الاستعمال في جميع المناطق دون تمييز

 

وتتكون هذه الحفاضات الصحية من 97 في المائة من القطن الطبيعي إلى جانب طبقة خارجية من قماش مقاوم للتسرّب لتجنب وقوع تسريبات. وهي تتميز بوجود "أجنحة" فيها وزرّ ضغط يسمح بطيّها كي تتمكن الفتيات من وضعها بسهولة في محفظاتهن. كما أنها قابلة للغسل وإعادة الاستعمال. 

ويشير لطفي حمادي إلى أن الهدف اليوم هو إيجاد طريقة للحصول على المخزون الكافي من القطن البيولوجي لتوزيع المنتوجات في تونس وبيعها للخارج أيضًا، مشددًا على أن "غياب الشعور بالأمان خلال فترة الحيض لا يهمّ الفتيات في البلدان الفقيرة مثل تونس فقط بل أيضًا تلميذات في دول متقدمة".

لطفي حمادي (مؤسس Wallah We Can) لـ"ألترا تونس": نهدف إلى تحسيس السلطات بأهمية موضوع الدورة الشهرية النسائية وحقيقة ضرورة جعل الحفاضات الصحية متوفرة للجميع

ويقول إن ما يتمناه القائمون على المشروع هو "تطوير المشروع من أجل تحسيس السلطات بأهمية موضوع الدورة الشهرية النسائية وحقيقة ضرورة جعل الحفاضات الصحية، بما فيها تلك التي يتم استعمالها مرة واحدة، متوفرة لجميع الفئات من خلال حذف الأداءات الموظفة عليها".

وتعدّ هذه التجربة رائدة في العالم العربي وتونس، خصوصًا أن الكثير من الفتيات لا يزلن يواجهن الإحراج من الدورة الشهرية ويجهلن التغيّرات التي تطرأ على أجسامهن والأمراض التي قد تسبّبها الوسائل التي يستعملنها لمواجهة تسرّب الدماء، فضلًا عن الإحراج الذي يشعرن به عند ملاحظة زملائهن لمعاناتهن خلال هذه الفترة، الأمر الذي أجبر بعضهن على التغيب عن الحصص الدراسية والامتحانات.

البعض منهن لم يتمكنّ حتى من الحديث عن الدورة الشهرية مع أمهاتهن، في حين تستعمل بعضهن قماشًا ويخيّرن البقاء في المنزل خلال هذه الفترة تجنبًا لأي حرج يمكن أن يطرأ، وعانت أخريات سخرية زملائها في الدراسة، كما أدى استعمال القماش إلى بروز رائحة كريهة لدى البعض الآخر، كلّها قصص نقلت منظمة "Wallah We Can" جزءًا منها في شهادات نشرتها في فيديو اطلع عليه "ألترا تونس".

هذه الشهادات تعكس مدى معاناة فتيات لا ذنب لهن سوى أنهن وُلدن في عائلات معوزة في ظلّ مجتمع محافظ ودولة عاجزة عن نشر الثقافة الجنسية الضرورية بين مواطنيها وتوفير الحدّ الأدنى من الإمكانيات التي تضمن لأبنائها حياة كريمة وحقوقهم التي نصّ عليها الدستور والمواثيق الدولية ولعلّ أولها الحق في التعليم.

لهذا، تعدّ بادرة "Ecolibre" حلًا واقعيًا من شأنه أن يساهم في الحدّ من ظاهرة الانقطاع المدرسي في صفوف الفتيات من عائلات معوزة، إلى جانب دورها في حماية هواتي التلميذات من الأمراض الجنسية الناتجة عن استعمال وسائل غير صحية خلال فترة الحيض وتحسيس الفتيات بأهمية الصحة الجنسية، فضلًا عن خلق فرص عمل للنساء من الطبقة الفقيرة خصوصًا في المناطق الداخلية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تونس: الجنس متاح لمن استطاع إلى "اللّوكال" سبيلًا..

"قطعة آدمية في جسدي".. أن يهبك متبرع فرصة حياة أخرى