31-يناير-2020

الحقوق والحريات الفردية في تونس اليوم في وضع حرج باعتبار أنها ضحية انتهاكات ومحاكمات (فتحي بلعيد/ أ ف ب)

 

على الرغم من مرور 6 سنوات على صدور دستور الجمهورية الثانية، وما تضمّنه هذا الأخير من تكريس للحقوق والحريات الجماعية والفردية، إلا أن الكثير من هذه الحقوق والحريات، الفردية منها بشكل خاص، لا تزال مجرّد حبر على ورق.

فالمكاسب التي حملها دستور الثورة تجد نفسها منقوصة، أو عاجزة، إزاء جملة من التشريعات والقوانين التي تجاوزها الزمن، إلا أن العمل بها مازال ساريًا، على غرار المجلة الجزائية وقانون الجنسية وغيرها، فضلًا عن عدة ممارسات تحدّ من هذه الحريات، وغياب إرادة سياسية حقيقية ترنو التغيير الفعلي وإقرار تشريعات تعبد الطريق أمام مشوار ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان الكونية في تونس.

حفيظة شقير (الرئيسة المساعدة للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان) لـ"ألترا تونس": الحقوق والحريات الفردية في تونس اليوم في وضع حرج

ولئن كان الوضع يبدو غير مطمئن بالنسبة لمجال الحريات الفردية، خاصة مع تركيبة البرلمان الحالية وصعود تيارات شعبوية، إلا أنه تم تحقيق خطوات جديرة بالذكر، مثل تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، ومشروع قانون تنقيح مجلة الأحوال الشخصية لتحقيق المساواة في الإرث بين الجنسين، ومشروع مجلة الحريات الفردية. إلا أن هذا التقدم يواجه صعوبات كثيرة حيث تمّ قبر جل هذه المشاريع في أدراج اللجان البرلمانية، ولعلّ آخرها مشروع مجلة الحريات الفردية.

اقرأ/ي أيضًا: تطورات قضية كمال المطماطي... متهم يطلب الاعتذار والعائلة تتنظر الإنصاف

الحريات الفردية في وضع حرج

وفي هذا الإطار، نظمت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان مع شركائها المتمثلين في جمعية الدفاع عن الحريات الفردية، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، بدعم من مؤسسة هنريك بول، ندوة تحت عنوان "تعزيز المناصرة من أجل اعتماد مجلة للحريات الفردية"، وذلك يومي الخميس والجمعة 30 و31 جانفي/ كانون الثاني 2020.

وتجمع الندوة قرابة خمسين مشاركًا من ممثلي وممثلات المجتمع المدني والخبراء الوطنيين والدوليين وأعضاء البرلمان والفاعلين السياسيين. وستعمل الندوة على إعداد استراتيجية للمناصرة من أجل الوصول إلى مشروع مجلة الحريات الفردية.

وفي هذا الصدد، بيّنت الرئيسة المساعدة للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، حفيظة شقير، أن هذه الندوة مهمة باعتبار أنها تعنى بمشروع قانون طرح في البرلمان السابق، مشيرة مبدأ الاستمرارية ومبرزة أنه من المفروض أن يتم إدراج مشروع قانون المجلة ضمن جدول أعمال لجنة الحقوق والحريات بمجلس نواب الشعب لمناقشتها ومن ثم المصادقة عليها.

واعتبرت شقير، في تصريح لـ"ألترا تونس"، على هامش الندوة، أن الحقوق والحريات الفردية في تونس اليوم في وضع حرج باعتبار أنها ضحية انتهاكات ومحاكمات وضحية عدم الاعتراف بها، موضحة أن ما تطلبه كمنظمة هو الاعتراف بهذه الحقوق ومعالجتها وحمايتها كما جاء في الدستور أي أنها تطالب بتطبيق الدستور واحترامه.

وبيّنت أنه سيتم خلال هذه الندوة مناقشة النسخة الحالية لمشروع مجلة الحريات الفردية لتحديد المكاسب والنقائص وتقديم بدائل عن هذه الأخيرة، مشيرة إلى أنه سيتم العمل مع مجلس نواب الشعب في هذا الإطار وأنه تمت دعوة النائب وعضو لجنة الحقوق والحريات ليلى الحداد لمطالبة اللجنة بدعوة المجتمع المدني والاستماع إليه وللمقترحات التي سيقدمها.

ليلى الحداد (عضو لجنة الحريات والحقوق بالبرلمان) لـ"ألترا تونس": قد تتبنى الكتلة الديمقراطية مشروع مجلة الحريات الفردية

من جهتها، حثّت رئيسة الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، أليس موقوي، في مداخلتها، خلال الجلسة الأولى للندوة، رئيس الجمهورية ومجلس نواب الشعب على استكمال المسار الذي كان قد انطلق فيه سلفهما لتقديم مثال يحتذى به في كل مكان يدافع فيه المواطنون عن حقوقهم سواء كان في لبنان والجزائر إلخ. كما دعت إلى النظر في مشروع مجلة الحريات الفردية بالتوازي مع القيام بإصلاحات جوهرية تمس من حياة المواطنين في تونس مع ضمان مختلف حقوقهم كحرية التعبير وحرية الضمير.

تشريعات مشتتة..

أما النائب ليلى الحداد، فتطرّقت في مداخلتها إلى أهمية تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة منتقدة "الطريقة السياسوية التي تم التعامل بها مع التقرير من خلال التركيز على المساواة في الإرث وإهمال بقية المحاور". وأوضحت الحداد أن التشريع الوطني يتسم بتشتت النصوص المتعلقة بالحريات بين تلك التي ينظمها الدستور وبقية التشريعات التي تتراوح بين قوانين أساسية وقوانين عادية، كما أن بعضها غير منظم ويخضع إلى فقه القضاء، مما يتطلب تدخلًا تشريعيًا.

وأكدت ضرورة إرساء مجلة للحريات الفردية وتوفير ضمانات سبل نجاح تمريرها وضمانات مناصرتها والابتعاد عن الجدل السياسي والإيديولوجي الذي قالت إنه عرقل المشروع في عديد مراحله. واعتبرت أن مشروع مجلة الحريات الفردية متقدم وثائر على كل التشريعات السابقة. وشددت على أن أبواب لجنة الحقوق والحريات بالبرلمان مفتوحة أمام الجميع وأمام كل المنظمات مؤكدة إيمانها بهذه المجلة.

وذكرت ليلى الحداد، في تصريح لـ"ألترا تونس"، على هامش الندوة، أن مشروع مجلة الحريات الفردية لم ير النور لاعتبارات عديدة من بينها اعتبارات سياسية وإيديولوجية، فضلًا عن أن التوقيت لم يمكن مناسبًا، مشيرة إلى أنه في إطار تشويه المجلة تم التركيز على موضوع المساواة في الإرث رغم أن المجلة فيها عديد الجوانب والنصوص التي تُعتبر ثورة في مجال حقوق الإنسان.

وجدّدت الحداد التأكيد على أن أبواب اللجنة مفتوحة أمام المنظمات التونسية مضيفة أنه على على المجتمع المدني مناصرة هذه المجلة حتى ترى النور بعيدًا عن الأضواء السياسية والإيديولوجية.

وأبرزت أنه على الرغم من أن المشهد البرلماني الحالي لا يختلف عن المشهد السابق هناك الكثير من العمل والإيمان أن تونس رائدة في مجال حقوق الإنسان، معتبرة أن هذه الجملة سترى النور بعد قراءتها وإعادة قراءتها وتزيلها في الإطار المناسب.

وردًا على سؤال لنا حول عما إذا كانت لجنة الحقوق والحريات قد وضعت في جدول أعمالها نقاش مشروع مجلة الحريات الفردية، أوضحت محدثتنا أن هذه المبادرة التشريعية تم تقديمها في المدة النيابية الفارطة من قبل كتلة برلمانية لم تعد موجودة اليوم، مبينة أن إجراءات البرلمان تنص على ضرورة إعادة تقديم البرلمان من قبل كتلة أخرى تتبناه حتى يتم طرحه في جدول أعمال اللجنة.

وعما إذا كان من الممكن أن تتبنى الكتلة الديمقراطية (التي تنتمي إليها) مشروع المجلة، أكدت الحداد أن أعضاء الكتلة ليسوا ضد هذا المشروع وأنه بعد التشاور معهم والتشاور مع العديد من الأصدقاء قد تقوم بتقديمه.

بشرى بلحاج حميدة: ضرورة التفكير في سبل خلق جسور تواصل مع الشباب الرافض للحريات الفردية

تأويلات مختلفة للدستور

في المقابل، قالت الناشطة الحقوقية ورئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة بشرى بلحاج حميدة، في مداخلتها، إنها علمت أن لجنة الحقوق والحريات بالبرلمان الحالي لم تعثر على نسخة مشروع مجلة الحريات الفردية في أدراجها، رغم أن النسخة الالكترونية مازالت موجودة في الموقع الالكتروني الرسمي لمجلس نواب الشعب.

وعن دوافع الحاجة إلى مجلة للحريات الفردية رغم وجود دستور ينص عليها، أوضحت بلحاج حميدة أن ما ينص عليه الدستور هو مبادئ لا قواعد يمكن تطبيقها، فضلًا عن أن الدستور نصّ على بعض الحريات وليس كلها. وأضافت أن السبب الآخر هو طريقة تأويل الدستور التي تفتح المجال أمام أكثر من قراءة.

كما أشارت إلى مشكل عدم التوجه للشباب الرافض للحريات الفردية خاصة في الأحياء الشعبية مؤكدة ضرورة التفكير في سبل خلق جسور تواصل وعلاقات مع هؤلاء الشباب.

عن مناصرة تقرير هيئة الحقيقة والكرامة للحريات الفردية

أما أستاذ القانون العام ومؤسس الجمعية التونسية للحريات الفردية، وحيد الفرشيشي، فأشار، في مداخلته، إلى وجود حركة للحريات الفردية إلا أنها تشكو بعض الهنات في استراتيجية عملها، مذكرًا بمراحل ظهور حركة الدفاع عن الحريات الفردية خصوصًا بعد الثورة التونسية من خلال المنظمات الحقوقية التي كانت موجودة قبل الثورة أو من خلال بروز جمعيات ومنظمات جديدة، ومن ثم إحداث ائتلافات مدنية، مبرزًا أن إحداث الائتلاف المدني للدفاع عن الحريات الفردية فتح الباب أمام خلق عدة ائتلافات اختصّ كل واحد منها في مجال مختلف.

كما لفت الفرشيشي إلى أهمية استخدام التقرير النهائي لهيئة الحقيقة والكرامة في مناصرة قضايا الحريات الفردية مبينًا أن تقرير الهيئة تضمن عدة نقاط مرتبطة بالحقوق والحريات الفردية. وبيّن أن هناك عدة نصوص قانونية تحدّ من الحريات الفردية موضحًا أن العمل على كل قانون على حدة سيحتاج إلى سنوات عديدة لذلك من الضروري إرساء مجلة الحريات الفردية لأنها ستتضمن كل الحريات والحقوق الفردية.

وأضاف أن إرساء هذه المجلة سيمكن تونس من أن تكون أول دولة عربية لها مجلة تعنى بالحريات الفردية كي يتمكن التونسيون من الافتخار بكونهم بلد الحريات الفردية، لافتًا في هذا الصدد إلى أن التونسيون يحبون الافتخار بكونهم في المرتبة الأولى في مجال ما.

وحيد الفرشيشي (مؤسس جمعية الدفاع عن الحريات الفردية) لـ"ألترا تونس": هناك التقاء كبير بين تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة وتقرير هيئة الحقيقة والكرامة

اقرأ/ي أيضًا: الطيب الزلاق والطيب غرسة.. تخليد ذكرى مناضليْن أسقطهما "تاريخ السلطة"

وأكد الفرشيشي ضرورة الربط بين الحريات الفردية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية، موضحًا أنه يتم الترويج بأن الأولى تتعارض مع الثانية، في حين أن الواقع أن الحريات الفردية مرتبطة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وفي صميمها ودونها لا يمكن للمواطن أن يتمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وبيّن أنه في حال المصادقة على مشروع مجلة الحريات الفردية فستلغى كل التشريعات السابقة التي تحدّ من الحريات الفردية، مشيرًا إلى أن القضاة سيقومون تدريجيًا بتطبيقه مثلما حصل مع قانون مكافحة العنف ضد المرأة. وأبرز أنه إذا تمت المصادقة على مشروع قانون المجلة الجزائية الموجود حاليًا في البرلمان ستختفي العديد من الممارسات القضائية التي تحد من الحريات الفردية.

وفيما يتعلّق بدور تقرير هيئة الحقيقة والكرامة في مناصرة الحريات الفردية، بيّن وحيد الفرشيشي، في تصريح لـ"ألترا تونس"، أن تقرير الهيئة يعنى بكل التوصيات التي من شأنها إصلاح الوضع الذي كنا فيه وضمان اللارجوع إليه، مشيرًا إلى أنه تم التركيز على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتفاوت الجهوي وتعويضات من تعرّضوا للانتهاكات، وهي مسائل أساسية، لكن لا يجب أن يركز كل طرف على الحلقة التي تهمه باعتبار أن التوصيات الواردة في التقرير جاءت لإصلاح الوضع السياسي والاقتصادي، بما فيها التوصيات الواضحة على المستوى الحقوقي في تونس، حسب تعبيره.

وأوضح الفرشيشي أن الذين انتهكت حقوقهم في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والألفية انتهكت حقوقهم وحرياتهم الفردية، مضيفًا أن الانتهاكات الكبرى التي واجهت الإسلاميين في تونس طالت حقهم في حرية الضمير وحقهم في حرية المظهر من خلال منع ارتداء الحجاب ووضع اللحية، ومنعهم من صلاة الفجر، وهي كلها حريات فردية.

وتساءل قائلًا "لماذا نكتفي بهذا الجزء ونتخلّص من بقية الحقوق؟ لقد أصبح بوسعنا وضع صور في بطاقة التعريف بالحجاب وباللحية.. كل هذا لم يكن مسموحًا به.. لكن الحريات الفردية لا تتعلق بهذه المسائل فقط"، مبينًا أن التقرير، بوصفه تقريرًا رسميًا صادرًا عن هيئة رسمية أنشأها القانون التونسي وكلّفها القانون التونسي بتقديم التوصيات، لا بد من الأخذ بجميع توصياته لا غربلتها واختيار ما يناسب البعض والإلقاء بما لا يناسب.

وأبرز أن هيئة الحقيقة والكرامة قام ببناء توصياتها على أساس حقوق الإنسان مفيدًا أن مضمون الحقوق التي جاءت في التوصيات تتعلّق بكل ما يهم حرية الضمير وكل ما يهم الحريات الجسدية والحقوق الجنسية وعقوبة الإعدام وإلغائها تمامًا، كما تطالب الهيئة في تقريرها بتنقية كل القوانين التونسية من هذه الشوائب، وفق تصريحاتها.

وأوضح محدثنا أن هناك التقاء كبيرًا بين تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة وتقرير هيئة الحقيقة والكرامة، مضيفًا أن المطلوب الآن هو استعمال تقرير الهيئة عوض الاقتصار على تقرير اللجنة التي كانت متهمة بكونها غير محايدة ومسيّسة.

وبيّن أنه هناك الآن تقرير آخر من هيئة ليس لها نفس شكل لجنة الحريات الفردية والمساواة أو نفس توجهاتها السياسية مبرزًا أن أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة ليس لهم التوجهات السياسية اللائكية ذاتها بل تضم الهيئة كافة التوجهات وطيفًا سياسيًا وفكريًا متنوعًا.

وأحد الفرشيشي أن تقرير هيئة الحقيقة والكرامة جاء لإرجاع الحقوق لأصحاب الحقوق ويمكن استعماله أيضًا في مناصرة الحريات الفردية مستدركًا بالقول إنه قبل الاستناد عليه يجب الدفع من أجل نشره في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية.

وأوضح أنه من تاريخ نشر التقرير بالرائد الرسمي يجب على مجلس نواب الشعب إحداث لجنة برلمانية متكونة من برلمانيين ومن المجتمع المدني للنظر في متابعة تنفيذ توصيات الهيئة، كما يتعيّن على الحكومة في غضون سنة تقديم مخطط لإنفاذ تقرير هيئة الحقيقة والكرامة أمام البرلمان، على حدّ قوله.

دراسة: لا يبدو أن القوى السياسية الممثلة في البرلمان الجديد لديها إرادة أقوى لتمرير مقترح مجلة الحريات الفردية

قراءة في مواقف الكتل النيابية من مقترح مجلة الحريات الفردية

ونظرًا إلى تنوع المشهد البرلماني وتباين الآراء بين مختلف الكتل النيابية الفاعلة في مجلس نواب الشعب، فقد أعد منظمو الندوة دراسة كشفت عن مواقف الأحزاب والكتل النيابية من مجلة الحريات الفردية ومسار تكوينها.

وجاءت مواقف الأحزاب السياسية بخصوص محتوى مقترح المجلة، وفق الدراسة التي تحصّل عليها "ألترا تونس" على نسخة منها، فجاء على النحو التالي:

كما كشفت الدراسات أن مواقف الأحزاب مما إذا كانت الحريات الفردية أولوية بالنسبة لتونس اليوم جاءت متباينة، إذ يعتبر كل من حزب التيار الديمقراطي وحزب قلب تونس وحزب آفاق تونس أن الحريات الفردية تعدّ أولوية في السياق الحالي وكذلك الحقوق والحريات الأخرى التي يكفلها الدستور. في المقابل يظلّ موقف حركة النهضة غامضًا.

وأفادت الدراسة أنه لا يبدو، إلى حدّ الآن، أن القوى السياسية الممثلة في البرلمان الجديد لديها إرادة أقوى لتمرير مقترح مجلة الحريات الفردية، فحركة النهضة، وفق المصدر ذاته، تعتبر أن تقديم مقترح المجلة جاء في سياق غير مناسب ويجب، قبل بدء النقاش حول هذا النص داخل المجلس، فتح نقاش مجتمعي من خلال استشارات تشارك فيها مكونات المجتمع المدني والجامعة، يكون الهدف منها التحقق من موافقة المجتمع على محتوى المجلة.

دراسة: ضرورة تنظيم دورات تدريبية لأعضاء المجالس المركزية للأحزاب والنواب حول محتوى مقترح المجلة

وأوضحت الدراسة أن معظم المواقف الأخرى تشكك في إمكانية التصويت على مشروع القانون خلال هذه المدة النيابية، مرجعين ذلك أساسًا إلى تفتت القوى السياسية وضعف الكتل البرلمانية، مفيدة في المقابل، أن قلب تونس على استعداد للدفع باتجاه وضع مقترح المجلة على جدول أعمال المجلس، وذلك بالنظر إلى موقعه سواء داخل لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية، أو صلب مكتب المجلس.

كما تعتقد الكتلة الديمقراطية (التيار الديمقراطي وحركة الشعب) أن الأغلبية البرلمانية المحافظة لا تؤيد مقترح المجلة، لكن الكتلة على استعداد لدعم المقترح والتصويت إيجابًا على أغلب فصوله.

وتطرّقت الدراسة أيضًا إلى مواقف الأحزاب من مسار إعداد مشروع قانون الحريات الفردية وتقديمه إلى مجلس نواب الشعب، والذي كان موضع انتقادات خلال الحملة الانتخابية من قبل العديد من المترشحين والفاعلين السياسيين. وجاءت مواقف الأحزاب السياسية والكتل النيابية على النحو التالي:

وخلصت الدراسة إلى جملة من النتائج التي تمثلت في:

  • أغلب الأحزاب السياسية ليس لها معرفة جيدة ومستنيرة بخصوص محتوى مقترح المجلة، مما يمكن لاحقًا أن يعيق النقاش حول المقترح في صورة طرحه أمام أنظار المجلس
  • يبدو أن ممثلي الأحزاب السياسية ذي التكوين القانوني أو الذين كانوا أو لازالوا ناشطين في المجتمع المدني أو يميلون إليها هم أكثر استعدادًا إلى بدء النقاش حول مقترح المجلة والدفاع عنه (بخلاف المنتمين إلى ائتلاف الكرامة)
  • يبدو أن الأحزاب السياسية لديها أحكام مسبقة بخصوص مواقف الأحزاب السياسية الأخرى، إذ أقرت الغالبية بصعوبة المهمة المتمثلة في وضع مقترح المجلة على جدول أعمال المجلس، وذلك بالنظر إلى التواجد الكبيبر للمحافظين، في حين أن نتائج هذا العمل الذي استند إلى الاستعداد الفردي لكل حزب لدعم مقترح المجلة، لا يتوافق إلى حد ما مع ما عبّرت عنه الأحزاب، وهذا يدل على عدم وجود نقاش حالي داخل الأحزاب والحركات السياسية حول هذه المسألة
  • يبقى إلغاء عقوبة الإعدام القضية الأكثر إثارة للجدل ولا يبدو أن إلغاءها سيكون مسألة سترحب به أغلب الأحزاب الممثلة في البرلمان، وهذا هو نتيجة سياق وطني متأثر بفظاعة الأعمال الإرهابية التي حدثت منذ الثورة، ولكن أيضًا نتيجة سياق إقليمي تتعاظم فيه القوى الإرهابية
  • حماية الحياة الخاصة هي قضية يتم قبولها بالإجماع تقريبًا من قبل الأحزاب السياسية وبالتالي فإن المصادقة على الأحكام المكرسة لها صلب مقترح المجلة ممكن
  • يوافق عدد كبير من الأحزاب السياسية على إلغاء تجريم المثلية الجنسية
  • تؤكد أغلب الأحزاب ضرورة ضمان حرية الضمير، إلا أن مسألة دعمها لا تبدو ضرورة ملحة بالنسبة إلى أغلب الأحزاب
  • لا تبدو مراجعة المواد التي تجرّم التجاهر بما ينافي الحياء والاعتداء على الأخلاق الحميدة (226 و227 مكرر من المجلة الجزائية) من بين المسائل التي سوف يوافق عليها المجلس التشريعي بسهولة.

دراسة: مقترح مجلة الحريات الفردية  يمكن أن يكون موضوع عمل استراتيجي من خلال محاولة إثارة النقاش بطريقة تدريجية عن طريق إعطاء الأولوية للمسائل الأكثر مقبولية لدى الأحزاب

كما تضمنت الدراسة مجموعة من التوصيات المتعلقة أساسًا بتطوير حجج من أجل اعتماد مقترح المجلة، وتنظيم حملات توعية خاصة من خلال تشريك وسائل الإعلام حول محتوى مقترح المجلة، وذلك من خلال تكوين فرق عمل قادرة على القيام بحملات توعوية في مختلف المناطق، بالإضافة إلى تنظيم دورات تدريبية لأعضاء المجالس المركزية للأحزاب والنواب حول محتوى مقترح المجلة، وانتظار تشكيل الحكومة لبدء العمل على وضع مقترح المجلة على جدول أعمال المجلس التشريعي.

وأشارت الدراسة إلى أن مقترح المجلة يمكن أن يكون موضوع عمل استراتيجي من خلال محاولة إثارة النقاش بطريقة تدريجية عن طريق إعطاء الأولوية للمسائل الأكثر مقبولية لدى الأحزاب.

بعد تسع سنوات من الثورة، مازالت منظومة الحقوق والحريات الفردية تواجه مخاطر جمة، لذلك تبقى مسألة مراجعة القانون التونسي وتحوير مجمل النصوص والأحكام المتعارضة مع دستور 2014 ومع الالتزامات الدولية لتونس أولوية قصوى لا تحتمل مزيدًا من التأجيل، بهدف بناء مجتمع مواطني حقيقي.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل تونس بحاجة إلى تغيير النظام السياسي؟

التوتّر الدائم بين الغنوشي وموسي.. أكثر من خلاف سياسي؟