06-نوفمبر-2023
فلسطينيات الهوى تونسيات القضية الفلسطينية

"الترا تونس" اختار تسليط الضوء على نماذج من نساء، يستحضرن القضية الفلسطينية في أدق تفاصيل حياتهنّ (صورة توضيحية/ getty)

 

هنّ تونسيات الجنسيّة، فلسطينيات القضيّة.. هنّ من يملكن قلوبًا تخفق في تونس، فتُسمع نبضاتها جنبات الأقصى.. هنّ المتعلّقات بالقدس، اللواتي يشعرن في حضرة الحديث عنها بالأنس.. هنّ ثلاث نساء كغيضٍ من فيضِ العاشقات لنسائم زهرة المدائن.

"الترا تونس" اختار تسليط الضوء على نماذج من نساء، ما عرفن القضية الفلسطينية مؤخرًا مع اندلاع طوفان الأقصى، بل كانت القضية تجري منهنّ مجرى الدم قبل ذلك، ويستحضرنها في أدق تفاصيل حياتهنّ

"الترا تونس" اختار تسليط الضوء على نماذج من نساء، ما عرفن القضية الفلسطينية مؤخرًا، بل كانت القضية تجري منهنّ مجرى الدم، وعشن معها منذ نعومة أظفارهنّ، ويستحضرنها في أدق تفاصيل حياتهنّ اليومية قبل أن تندلع الأحداث الأخيرة من طوفان الأقصى، فيزددن تشبثًا بكلّ ما آمنّ به، وما استبسلن لنشره والحديث عنه قبل اليوم.

  • هاجر بن رجب: القضية الفلسطينية ليست مجرّد قضيّة، بل هي حياة أعيشها بكل تفاصيلها

تقول هاجر بن رجب (33 سنة، متحصلة على الإجازة الأساسية في علوم الإعلامية) لـ"الترا تونس"، إنّ عشقها للقضية الفلسطينية يتجاوز مرحلة الحبّ ليبلغ العقيدة، وأنّ ذلك لم يكن وليد عام أو عامين، أو تزامنًا مع الأحداث الأخيرة في علاقة بطوفان الأقصى، تقول: "انتمائي للقضية الفلسطينية وُلد معي منذ نعومة أظفاري، خاصة من والدتي التي زرعت عندي هذه العقيدة والانتماء".

هاجر بن رجب لـ"الترا تونس": نشأت منذ الصغر على أنّ هذا الكيان هو عدوّ ومغتصِب ويجب محاربته، وتمكنت من تجسيد انتمائي للقضية بعد الثورة في المجتمع المدني

هاجر بن رجب، وهي الأخت الكبرى في عائلتها، تحدّثنا عن تفاصيل حياتها اليومية حيث دأبت على إعداد فطور الصباح رفقة والدتها التي تحكي لها عن فلسطين وعن المسجد الأقصى المبارك.. تخبرها عن اللوحة الجدارية الكبرى التي تحمل صورة المسجد الأقصى المبارك في منزلهم، وتروي لها أحداث نكبة 1948، والمجازر التي قام بها الكيان الصهيوني في حق الفلسطينيين، مثل مجزرة صبرا وشاتيلا ومجزرة دير ياسين.. وغيرها.

تقول بن رجب: "نشأت منذ الصغر على أنّ هذا الكيان هو عدوّ ومغتصِب ويجب محاربته.. قبل الثورة لم تكن هناك أي وسيلة لدعم القضية، فعاش معي هذا الانتماء في قلبي وروحي وحياتي، ولم أتمكن من تجسيده على أرض الواقع قبل الثورة باعتبار أنّ النظام كان قامعًا لقضايا الأمة، لكنّي تمكنت من تجسيد انتمائي للقضية بعد الثورة التونسية في عمل فعلي ميداني، بعد ممارسة الكثير من الأنشطة في عديد الجمعيات".

هاجر بن رجب لـ"الترا تونس": سجلتُ للدراسة في الأكاديمية التونسية للمعارف المقدسية، ما صنع فارقًا كبيرًا في حياتي وأصبحتُ بعدها أرى الأمور برؤية مغايرة

وعن أكثر الأنشطة التي كانت فارقة في حياتها، تشير الشابة التونسية، إلى المؤتمر الدولي "القدس أمانتي" الذي انعقد في سنة 2019، بعد أن كانت دورته الأولى والثانية تنعقد في إسطنبول، بينما كانت دورته الثالثة في تونس، تقول لـ"الترا تونس": لأول مرة في حياتي التقيت المرابطة المقدسية خديجة خويص، كانت لحظة فارقة بحقّ! خاصة وأنها أهدتني تراب المسجد الأقصى المبارك الذي أحتفظ به إلى الآن رغم عدة محاولات من مقرّبين كي يأخذوا بعض الحبات منه لكني أرفض في كلّ مرة".

تتابع هاجر بن رجب: "أخبرتني هذه المرابطة، أنّ قنّينة تراب المسجد الأقصى أمانة في رقبتي إلى أن يتمّ التحرير، إذ يتعيّن عليّ أن أعيد هذا التراب لمكانه بعد تحرير المسجد الأقصى.. أحسست أنه اصطفاء من الله، وكان هذا الموقف مفصليًا في حياتي، وكأنها رسالة إلى ضرورة تحمّلي لمسؤولية مهمة في هذه الأمة.. (اغرسي فسيلتك)" وفق تعبيرها.

هاجر بن رجب لـ"الترا تونس": مثّلت مقولة بن غوريون "إن الكبار يموتون والصغار ينسون" تحديًا بالنسبة إليّ.. يجب ألا ينسى الصغار، حريّ بنا ألّا نجعلهم ينسون!

تواصل فلسطينية الهوى حديثها فتقول: "بعد هذا المؤتمر، سجلت للدراسة في الأكاديمية التونسية للمعارف المقدسية، ما صنع فرقًا كبيرًا في حياتي، إذ اكتشفت حين التحقت بها البوْن الشاسع بين أنشطتي قبل الدروس وبعدها.. أصبحتُ أرى الأمور برؤية مغايرة، عملية.. وأنا التي كانت تحرّكها العاطفة فقط تجاه القضيّة. تعلّمتُ طريقة نصرة القضية الفلسطينية دون أن تغلبني العاطفة، لأنها لا يمكن لوحدها أن تؤثر، وبالتالي زادت مسؤوليتي وهمّي نحو الأمة خاصة وأنّي كنت الأولى على دفعتي حين تخرجت".

 

هاجر بن رجب
هاجر بن رجب لـ"الترا تونس": عقدتُ العزم على محاولة التعريف بالقضية الفلسطينية ولو في طفل واحد

 

محدّثتنا تعترف بأنها تحب الأطفال للغاية، طمحت ذات يوم في التدريس لإيمانها بأهمية "صناعة الأجيال". توضّح أنّها أصبحت تنشط في الجمعيات وتتعامل مع الأطفال، وهي الفئة التي اشتغل عليها الكيان، مستشهدة بمقولة لبن غوريون (رئيس الوزراء الأول لكيان الاحتلال) حين صارت النكبة، إذ أوردت قوله "إن الكبار يموتون والصغار ينسون".

تضيف هاجر بن رجب بإصرار: "مثّلت هذه الجملة بالنسبة إليّ تحديًا.. يجب ألا ينسى الصغار، حريّ بنا ألّا نجعلهم ينسون! فسعيت بكل الطرق للاشتغال على أن لا ينسى هذا الجيل، وعقدتُ العزم على محاولة التأثير ولو في طفل واحد.. كنتُ أقول لنفسي (كم سيكون عظيمًا لو نجحتُ في هذا الأمر فقط)".

هاجر بن رجب لـ"الترا تونس": صادفتني وليّة تلميذ بعد فترة طويلة وقالت لي "أذكرك دائمًا بأنك من زرعت في ابني حبّ القضية الفلسطينية"

درّست هاجر بن رجب في مدرسة خاصة لفترة قبل أن تغادرها، فتروي لـ"الترا تونس" أنّ وليّة أحد تلاميذها السابقين اعترضتها وحدّثتها عن ابنها الذي يصر على أنّ لتونس علميْن: علمها وعلم فلسطين، وكيف أنه يرسم لها باستمرار علم فلسطين ويحدّثها عن ألوانه، قالت لها حينها: "أذكرك دائمًا بأنك من زرعت في ابني حبّ القضية الفلسطينية".

لا تنفق هذه الشابة التونسية أموالها في تكديس الملابس عادة، لكنّها في المقابل، تقرّ بأنّ أكثر ما تستثمر فيه نقودها مع ذلك، هي الأثواب والإكسسوارات التي تكون فلسطينية في أغلبها: الأجندات، الكؤوس، الحقائب.. تضيف: "سأحكي لأول مرة عن قلادة أرتديها دائمًا تحمل خريطة فلسطين وعلمها، لا أعرف صاحبها ولا هو يعرفني.. كلّ معلوماتي أنّ صاحبها بطل من أبطال المقاومة، بل من الوراد جدًا أن يكون قد استشهد، لكني أحملها دومًا كي تذكّرني بالقضيّة.. حتى على صعيد شخصيّ، في علاقة بمسألة الارتباط، لا يمكنني الارتباط بزوج غير متبنٍّ للقضية الفلسطينية.. لن أرضى بشخص سطحي، لا تهزّه قضايا الأمّة، ففلسطين ليست مجرد قضيّة، بل هي حياة أعيشها وأتشربها في علاقاتي وصداقاتي" على حد وصفها.

  • خولة المنذري (أم يافا): الوعي بالقضية الفلسطينية لا يأتي عبثًا

فلسطينية الهوى التي التقاها "الترا تونس" ثانيًا، هي الأستاذة الجامعية خولة المنذري، أو أم يافا، كما سنأتي على ذكره فيما بعد.

خولة باعتبارها تونسية من أم سوريّة قضّت طفولتها بين الخليج وتونس وتتردّد على سوريا مرات متفاوتة، تقول إنّ نشأتها ساهمت إلى حدّ كبير في وعيها بالقضية الفلسطينية، تخبرنا أنّ والدها كان صاحب وعي تاريخي كبير، وكانت ثقافته واسعة وملمًا بتفاصيل الحق الفلسطيني، ما جعله موسوعة تاريخية، وفق وصفها. تقول: "لا أذكر تحديدًا متى تعلقت بالقضية الفلسطينية، ولا أذكر أنّه كانت هناك لحظة فارقة بعينها، باعتبار أنّ المسألة كانت بديهية للغاية منذ صغري.

ما يطبع ذاكرة أم يافا، هي أحداث ورموز معيّنة، لم تغب عن ذاكرتها رغم مضيّ كلّ هذه السنين.. انتفاضة أطفال الحجارة، حنظلة، دواوين محمود درويش ونزار قباني وغسان كنفاني.. توضّح أنّ مكتبة والدها كانت كبيرة شجعتها على القراءة، خاصة وأنّ عديد العناوين التي تحفظها عن ظهر قلب، كانت تتحدث عن القضية الفلسطينية.

خولة المنذري (أم يافا) لـ"الترا تونس": لا أذكر تحديدًا متى تعلقتُ بالقضية الفلسطينية، ولا أذكر أنّه كانت هناك لحظة فارقة بعينها، باعتبار أنّ المسألة كانت بديهية للغاية في بيتنا

تحدّثنا المنذري عن أنّها أطلقت على كبرى بناتها (حاليًا 12 سنة) اسم "يافا" (أو يافة، وهي واحدة من أقدم المدن الفلسطينية) من باب أنّ هذه البادرة هي "أضعف الإيمان حتى لا ننسى..لكن من الطرائف التي كانت تفاجئني وتصدمني في الآن نفسه أنّ الكثيرين ممّن صادفوني يعلّقون على اسم ابنتي بأنه اسم جميل للغاية، لكنهم يسألونني عن معناه وأنهم يسمعونه للمرة الأولى، فأتساءل في هذه الحالات بتهكم: ألا يذكّرك الاسم بأي شيء؟ ميناء يافا لا يعني لك شيئًا؟".

تضيف أم يافا لـ"الترا تونس: "هذه من اللحظات التي أشعر فيها أنّ الصهاينة قاموا بعمل جبار على مستوى الإعلام العالمي لتمييع القضية وتغييبها، يافا في الإعدادية التي تدرس بها تساءل أصدقاؤها عن معنى اسمها، واستغربوه لكونهم ظنّوه مسيحيًا، لكن ما يحدث الآن جعل عندي يقينًا بأنّه كلما تمكّن الاحتلال الإسرائيلي من تغييب القضية عن الأجيال الصغيرة، تأتي لحظات فارقة تعيد تذكير هذه الأجيال بهذه القضية، لتوضيح الصورة وتعميق الإحساس بأنها قضية أمة وليست مرتبطة بالجنسية" وفقها.

خولة المنذري (أم يافا) لـ"الترا تونس": من الطرائف التي كانت تفاجئني وتصدمني في الآن نفسه أنّ الكثيرين ممّن ألتقيهم يُعجبون باسم ابنتي، لكنهم يسألونني عن معناه ويقولون إنهم يسمعونه للمرة الأولى

في تربيتها لبناتها تستحضر المنذري بعض التفاصيل اليومية الصغيرة من قبيل استبدال الصور المتحركة المتخيّلة بفيديوهات حقيقية وأحداث مثيرة ومشوقة نتعاطف معها عن مستوطنين يهود يفتكون الأرض، تقول لبناتها: "ما رأيكنّ لو نشاهد حكايات واقعية يعيشها الفلسطينيون منذ 70 سنة، وبعضهم أطفال في سنكم، تُفتكّ منهم أرضهم؟ تخيّلوا كمّ الأمان الذي نعيشه بينما يعيشون هم الرعب والفزع الدائم".

تشدّد الأم على أنّ بناتها يميّزن جيدًا بين اليهودية والصهيونية ويعلمن أنّ أرض فلسطين مغتصبة، وذلك من خلال توضيح الأمر لهم حسب أعمارهن المتفاوتة.. تقول: "الأكيد أنّ الوعي بالقضية الفلسطينية لا يأتي عبثًا وليس وليد الصدفة، ولو لم تكن هناك مجهودات موجهة لتوعية النشء على القضية الفلسطينية، لا يمكن أن يتذكرها المرء من تلقاء نفسه وسط هذا الزخم الإعلامي المليء بالتفاهة، وبالتالي لا يجب التعويل على أحد، وعلى كل فرد أن يسعى لذلك من موقعه، لأنّ كرامتنا مرتبطة بكرامة الفلسطيني"، وفقها.

خولة المنذري (أم يافا) لـ"الترا تونس": كنت أتعاطف مع طلبتي من فلسطين بشكل خاص لأنهم أساسًا يصلون إلى تونس أو إلى أيّ بلد آخر للدراسة بشق الأنفس وبعد عدة صعوبات في المعبر

حتى في تدريسها بالجامعة، تلفت خولة المنذري إلى أنها درّست طلبة من فلسطين، وأنّ علاقتها بهم ممتازة، وتظلّ على اتصال بهم حتى بعد عودتهم إلى بلادهم، تقول: "كنت أتعاطف معهم بشكل خاص لأنهم أساسًا يصلون إلى تونس أو إلى أيّ بلد آخر للدراسة بشق الأنفس وبعد عدة صعوبات في المعبر، بعد حصولهم على المنح الحكومية أو حتى بلا حصولهم عليها".

تذكر لنا الأستاذة طالبًا فلسطينيًا درّسته منذ سنوات، "كان مستواه في الإنجليزية متواضعًا بعض الشيء، لكنه حرص على تقديم عرض باللغة الإنجليزية بعد مجهود جبار قام به لإتقان كل العرض، وقد نادى أصدقاءه الفلسطينيين للحضور أيضًا، وقدّم التفاصيل بشكل مذهل، ما جعل كل الحاضرين حتى من مستويات دراسية مختلفة يتأثرون إلى حد البكاء.. أذكر أنّ كل الطلبة صفقوا له بحرارة يومها وعبّر أغلبهم أنهم لم يتخيلوا أن يكون الوضع مأساويًا إلى هذه الدرجة".

أما بخصوص عاداتها الغذائية داخل بيتها، تقول المنذري إنّ الأكلات الشامية جميعها حاضرة في منزلها، ويعود الفضل في ذلك لوالدتها، التي نقلت لها طرق طهو هذه الأطباق الدمشقية، مؤكدة أنّ الأطباق الفلسطينية هي نفسها الأكلات الشامية المشرقية مع اختلاف بسيط في المكونات وطريقة التقديم.. تحدّثنا عن المجدرة، الكبة، المقلوبة، المتبلات، المسبحة.. فضلًا عن البهارات مثل القرفة وعود القرنفل، والفلفل الأسود، والهيل، مستحضرة فطور الصباح البسيط المتكوّن من زيت وزعتر (خلطة فواكه جافة وسمسم والسمّاق)، وتقول: "كنا حين نذهب للشام، من الضروري أن نأكل الكنافة النابلسية نسبة إلى نابلس فضلًا عن الجبنة العكاوية من عكا كجزء من المطبخ السوري الشامي.. ترعرعت بين كلّ هذا فلا يمكن ألا أستحضر لاإراديًا تاريخ فلسطين".

 

أم يافا لـ"الترا تونس": على كل فرد أن يسعى للتعريف بالقضية الفلسطينية من موقعه، لأنّ كرامتنا مرتبطة بكرامة الفلسطيني

 

  • كريمة عبد القادر سلامة: من سابع المستحيلات أن يمر يوم دون أن أنشر فكرة الحق الفلسطيني في محيطي

تعود بنا الموظفة كريمة عبد القادر سلامة، إلى طفولتها حتى نفهم! تأخذنا إلى بيت جدتها التي كانت تعيش في حلق الوادي وكل جيرانها كانوا من اليهود (نسبة كبيرة منهم من يهود جربة)، تقول إنّ جدّتها كانت تحب جاراتها وقد تعلمت منهن الكثير وعلّمتهن أيضًا.. تحدّثنا عن تفاصيل يوم السبت الخاصة بهم، إذ كانوا ينادون والدتها لإنارة الأضواء في البيت لأنهم لا يلمسون أزرار الإضاءة في هذا اليوم، وعن أواني الحليب التي لا يطبخون فيها أي شيء آخر، وتخبرنا أيضًا بأنّ جدّتها تفاجأت بعد سنوات من الصداقة، بأنّ صديقاتها هاجرن إلى فرنسا ومنها إلى الأراضي المحتلة بعد ذلك.

كريمة عبد القادر سلامة لـ"الترا تونس": نشأة متذبذبة وتناقضات عشتها في طفولتي خلقت داخلي عدة تساؤلات تجاه الحق الفلسطيني

"عاش أحد أفراد عائلتي الضيّقة بين قرطاج والمرسى وحلق الوادي، ويتردّد بين فرنسا وتونس، وكان يقصّ على مسامعي حكايات على الفلسطينيين، فيها جانب مغيّب وبعض الإساءة لهم وفق تصوّره الذي استمدّه من البيئة الفرنسية التي كان يعيش فيها.. هذه الخلفية المتذبذبة خلقت عندي تساؤلات، وتناقضًا في هذه المسألة، خاصة وأنّ أحد أفراد عائلتي الموسّعة دخل على الخط أيضًا فكان هناك صد من العائلة تجاه الحق الفلسطيني عمومًا، ما شدّ اهتمامي أكثر فأكثر إليها"، تضيف: "لم أتمتع بالاستقلالية الفكرية في هذا الأمر، وكنت أخاف من ردود الفعل ما خلّف براكين تغلي بداخلي".

ظلّ التفكير في الأمر يؤرقها إلى أن تم الإعلان عن جمعية فداء لنصرة الحق الفلسطيني، وفقها، تقول: "أحسست أنه الإطار الذي أريد أن أكون فيها كي أفهم أكثر، فولجت إلى هذا المحيط الجديد المنفتح على كل الأسئلة والمستعد للإجابة عنها، عكس البيئة المغلقة تجاه الحق الفلسطيني التي نشأت فيها".

كريمة عبد القادر سلامة لـ"الترا تونس": من يدخل منزلي سيشاهد مجسّمًا لقبة الصخرة ومعلّقات للمسجد الأقصى بأبوابه المختلفة، دائمًا أتخيّل من أيّ الأبواب سندخل لحظة تحرير الأقصى، عن نفسي أتخيّل أننا سندخل من باب المغاربة

توضّح كريمة عبد القادر سلامة في تصريحها لـ"الترا تونس" هدف الأكاديمية ألا وهو تمكين الطلبة من حقيبة المعارف المقدسية التي تخوّل لحاملها معرفة جوانب الحق الفلسطيني (الجانب الجغرافي والتاريخ القديم جدًا والمتوسط، والحاضر والثقافة اليومية..)، تضيف: "بمعرفتي حقيقة الحق الفلسطيني، أحسست بكمية التناقضات التي عشتها في السابق ما غيّب الحقيقة عني، ووجودي في الجمعية جعلني أشعر بالراحة والطمأنينة فسعيتُ إلى أن أجعل أبنائي في علاقة مباشرة بالنشاط الجمعياتي".

 

كريمة سلامة
كريمة عبد القادر سلامة لـ"الترا تونس": أتحدث عن الحق الفلسطيني يوميًا.. حاملة مفاتيحي، ملابسي، أي إكسسوار يخصّني متعلق بفلسطين

 

وعن طرق تمريرها رسائل حبّ الحق الفلسطيني لأبنائها، تقول كريمة عبد القادر سلامة إنها لم تحتج في ذلك مع كبرى بناتها التي سافرت إلى أمريكا للدراسة، فأحست بغياب المعلومة الصحيحة في علاقة بفلسطين، فاهتمت بنفسها أكثر فأكثر بهذا الجانب عبر سعيها لتصحيح بعض المفاهيم والمعلومات الخاصة بها.

إنّ الداخل لمنزل كريمة عبد القادر سلامة، سيشاهد مجسّمًا لقبة الصخرة ومعلّقات للمسجد الأقصى بأبوابه، تقول: "دائمًا أتخيّل من أيّ الأبواب سندخل لحظة تحرير الأقصى، عن نفسي أتخيّل أننا سندخل من باب المغاربة".

كريمة عبد القادر سلامة لـ"الترا تونس": من الطرائف أنّ أحد الزملاء أراد أن يناديني مرّة لكنه لم يكن يعرف اسمي، فنادى (يا فلسطين)، فالتفت مباشرة

وعن تفاصيل حياتها اليومية، تقول كريمة عبد القادر سلامة: "وفرت لابني الكتب والمراجع الضرورية في علاقة بالحق الفلسطيني، ومن سابع المستحيلات أن يمر يوم دون الحديث عن هذا الحق حتى في عملي، ومن الطرائف أنّ أحد الزملاء أراد أن يناديني مرّة لكنه لا يعرف اسمي، فنادى (يا فلسطين)، فالتفت مباشرة، فقال لي إنه كان متأكدًا من أنّني سألتفت لدى سماعي كلمة فلسطين.." تقول ضاحكة.

وتضيف: "أتحدث عن الحق الفلسطيني يوميًا، من خلال الحقيبة التي وضّحت لي الرؤية، أنا أسعى لتوضيح المفاهيم، خاصة وأني قائدة في الكشافة، فلا يكاد يمرّ أيّ مخيّم تدريب دون القيام بمسرحية أو مداخلة أو صيحة كشفية تتعلق بالحق الفلسطيني.. حتى حاملة مفاتيحي، ملابسي، أي إكسسوار يخصّني متعلق بفلسطين، كما أنّي نلت جوائز في أكثر من مناسبة في الأكلة المميزة الفلسطينية، مثل المقلوبة وورق العنب المحشي.. وهي أكلات حاضرة في مطبخي على الدوام".

يقولون إنّ الكلمات تقف عاجزة عن وصف صمود المرأة الفلسطينية وثباتها، فإن كنتَ مثلي لم تنل شرف لقاء إحداهنّ بسبب الحصار الغاشم، ليس عليك سوى أن تلتقي بواحدة ممّن تحدّثنا إليهنّ أعلاه، ذلك أنّك تستشعر الروح نفسها لديهنّ باعتبارهنّ تونسيات.. فلسطينيات الهوى!