16-أكتوبر-2023
محمد الزواري

كان محمد الزواري رجل الخفاء في تطوير قدرات الأسلحة الجوية لكتائب القسام (صورة أرشيفية/حسام الزواري/الأناضول)

مقال رأي 

 

وفّرت المسيّرات الانتحارية "الزواري" الغطاء الجوّي لمجموعات المقاومة الفلسطينية لدى عبورها للمستوطنات الصهيونية، صباح يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري ضمن معركة "طوفان الأقصى" التي سطّرت تاريخًا بطوليًا للمقاومة ضد الاحتلال الغاصب.

كان محمد الزواري رجل الخفاء في تطوير قدرات الأسلحة الجوية لكتائب القسام وهو اليوم رجل بطولة تتشرّف به المقاومة ويتشرّف به بلده تونس

سُميّت المسيّرات باسم المهندس التونسي الشهيد محمد الزواري الذي لم نعرف بطولاته إلا بعد استشهاده أمام منزله في صفاقس، جنوبي تونس، يوم 15 ديسمبر/كانون الأول 2016. وقد تبيّن تباعًا أننا أمام شخصية بطولية أهدت علمها وكفاءتها إلى المقاومة المسلحة في غزة. كان الزواري رجل الخفاء في تطوير قدرات الأسلحة الجوية لكتائب الشهيد عزالدين القسام. وهو اليوم رجل بطولة تتشرّف به المقاومة ويتشرّف به بلده تونس.

 

الزواري، في المبتدأ، رسالة مفادها إمكانية انخراط كل عربي في المقاومة المسلّحة من بوّابة تحصيل العلم والمعرفة التقنية. المقاومة أشكال ولا مفاضلة بينها. لكن تبقى المقاومة المسلّحة هي العنوان المكثّف للمواجهة، ولا ريب أن الانخراط فيها، ممّن هو خارج الأرض المحتلة، مبتغى.

الزواري، في المبتدأ، رسالة مفادها إمكانية انخراط كل عربي في المقاومة من بوّابة تحصيل العلم والمعرفة التقنية. المقاومة أشكال ولا مفاضلة بينها

هذه المقاومة لم تعد تحتاج بالضرورة لرجال ونساء على الأرض، فمع تطوّر أدوات المواجهة في زمن التطور التكنولوجي العسكري، بات الباب مفتوحًا للإسناد والدعم من خارج خط النار. الزواري هو مهندس سخّر علمه من تونس لهندسة طائرات متنوّعة الأهداف للمقاومة على غرار طائرة أبابيل 1، وقد زار قطاع غزة في مرات معدودة للتدريب على صنعها واستعمالها.  كما ثبت أنه أشرف على صناعة غواصة ذاتية الصنع حملت أيضًا اسمه لاحقًا.

وكان الشهيد من مؤسسي نادي جمعية الطيران في صفاقس للتدريب على صناعة الطائرات دون طيار. لا يحتاج الانخراط إلا لإرادة صادقة وربط اتصال مع الجهة التنظيمية المعنية لتوظيف الإمكانيات البشرية الهائلة في الوطن العربي خدمة للمقاومة المسلحة. بالنهاية، هذا الانخراط هو التعبير المكثف عن إسناد القضية الفلسطينية بوصفها قضيتنا، نحن العرب، لا قضية الفلسطينيين فقط. فلم يكن تنصيب الاحتلال الغاصب من القوى الاستعمارية، منذ البداية، إلا استهدافًا للأمة العربية.

 

تحوّل الشهيد الزواري لأيقونة تونسية، شعبيًا، لإسناد المقاومة المسلحة في الأراضي المحتلة. وتبقى على السلطات الرسمية، التي قدّمت الموقف السياسي المطلوب دعمًا للقضية بعد بدء "طوفان الأقصى"، أن تدفع في اتجاه تدعيم الانخراط التونسي في المقاومة أولًا وتدويل قضية اغتياله على يد "الموساد" لمحاسبة قتلته ثانيًا.

على السلطات الرسمية في تونس، التي قدّمت الموقف السياسي المطلوب دعمًا للقضية، أن تدفع في اتجاه تدويل قضية اغتيال محمد الزواري على يد "الموساد" لمحاسبة قتلته

الغاية من اغتيال الشهيد هي حرمان المقاومة من أحد عناصرها النوعية، ولكن أيضًا إثبات اليد الطولى للكيان الغاصب بغاية ترهيب المنخرطين في إسناد المقاومة. معلوم فشل مخططات العدو الصهيوني في التخويف والترهيب، لكن أكثر من ذلك يجب تحويل الاغتيال فرصة لمزيد التجييش ضد العدو..

لا يزال تكريم الشهيد، في الأثناء، منحصرًا على مستوى جهوي فقط عبر مبادرات محلية شعبية كانت أو رسمية مثل تسمية ساحة أو قاعة رياضة باسمه في مدينة صفاقس، والحال وجب الارتقاء بذكراه إلى مستوى وطني رسمي. سيكون من المحفّز اعتبار ذكرى اغتيال الشهيد، 15 ديسمبر من كل عام، يومًا وطنيًًا في تونس لدعم المقاومة المسلحة. يجب أن يتحول هذا اليوم إلى احتفاء سنوي بالمقاومة وفرصة للتحشيد من أجل الانخراط في صفوفها.

لا يزال تكريم محمد الزواري منحصرًا على مستوى جهوي فقط والحال وجب الارتقاء بذكراه إلى مستوى وطني رسمي. سيكون من المحفّز اعتبار ذكرى اغتيال الشهيد، 15 ديسمبر من كل عام، يومًا وطنيًًا في تونس لدعم المقاومة

وعلى المستوى الرسمي أيضًا، لا يجب أن تقف قضية اغتياله على مستوى الإعلان عن هوية القتلة وهروبهم خارج تونس. مسؤولية "الموساد" الإسرائيلي واضحة ومعلومة، وهو ما يفترض على السلطات الرسمية اتخاذ الإجراءات القانونية الدولية اللازمة ضد الكيان الذي سبق واستباح الأراضي التونسي في عدوان حمام الشط عام 1985 الذي امتزجت فيه الدماء الفلسطينية والتونسية.

إن الجمود القضائي في ملف الاغتيال يتعارض واستحقاق كشف الحقيقة ومساءلة الجناة. لا يقف المطلوب على الإجراءات القانونية عبر الآليات الدولية بل أيضًا، وأساسًا، لزوم تحميل السلطة السياسية في تونس المسؤولية للكيان الغاصب في اغتيال مواطن تونسي. اغتيال الشهيد ليست قضية فرد، بل قضية دولة بدرجة أولى في مواجهة كيان مارق.

ختامًا، يحقّ للتونسي اليوم الاعتزاز والفخر ببطولات الشهيد محمد الزواري الذي لازالت تكرّمه المقاومة في غزة بمنح اسمه لآخر مسيّراتها التي شاركت في "طوفان الأقصى". وهو اعتزاز محمود أن يمتدّ نحو السعي لتكثيف الانخراط، كلّ من موقعه، في المقاومة المسلحة بما هي حق مشروع وثابت طبق القانون الدولي تفريعًا عن حق الشعوب في تقرير مصيرها. رفع السلاح لاستعادة أرضنا المسلوبة بقوّة السلاح هو حق لا جدل فيه. لا يجب أن ننسى ذلك. 

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"

 

بانر الترا فلسطين