17-أبريل-2020

كيف ينشط بعض الشبان في إذاعات الواب خلال أزمة كورونا؟

 

في اللحظة التي يبطئ فيها العالم حركته فيما يشبه التوقّف التام ضمن مشهد قسري سريالي لم تعشه البشرية من قبل سواء في أزماتها أو الكوارث التي حلّت بها أو في حروبها السابقة وذلك جرّاء تفشي وباء كورونا الذي عصف بسكينة الإنسان وأشكال استقراره، توجد حياة أخرى موازية ونابضة والنشاط فيها على أشدّه وهي الحياة الافتراضية أو العالم الشبكي الذي حاول تعويض الحياة الحقيقية للشعوب التي تعيش الحجر الصحي منذ أسابيع.

إذ ازدهرت التجارة الإلكترونية، والعمل عن بعد، والتعليم الافتراضي فأصبح ثمة إقبال على التطبيقات الميسّرة للحياة الجديدة. كما نهضت، بخصوص الجانب التواصلي الاجتماعي بين الأفراد والعائلات وعموم الأهل والأصدقاء، شبكات التواصل الاجتماعي بمختلف تفريعاتها.

راديوهات الواب هي مساحة للموهوبين في مجالات الصحافة والإعلام من أبناء المناطق الشعبية لتعلم قيم التواصل وأبجديات صحافة المواطنة 

والمجتمع تونسي الذي تهدده كورونا كغيره من شعوب العالم التي انتشر فيها هذا الوباء، انخرط بدوره في هذه الحياة الشبكية الافتراضية كبديل لحياته المتوقفة لكن تبقى الشرائح الشبابية هي الأكثر اهتمامًا وإقبالًا على شبكة الأنترنت.

"ألترا تونس" اتصل بشريحة مخصوصة من الشباب، وهم نشطاء راديوهات "الواب" بمؤسسات دور الشباب التونسية والتي يصل عددها إلى 56 "راديو واب"، وهي منظومة من الراديوهات أنشأتها وزارة الشباب والرياضة بعد الثورة في إطار ما سميّ بـ"الديمقراطية الإلكترونية"، وضمن خيارات الدولة لحماية شبابها من استقطاب الإرهاب تحت إشراف المرصد الوطني للشباب. لكن أغلب هذه الإذاعات لا تعمل حاليًا في ظل غياب خطّة صيانة ومرافقة من الوزارة المعنية، إضافة لعملها دون ميزانيات خاصة، كما تشكو بعضها من قلّة التجهيزات والتدفق السريع للأنترنت.

اقرأ/ي أيضًا: حينما يكون الكتاب ملاذًا زمن الكورونا..عن مبادرة لإيصال الكتب إلى بيتك!

لكن تشتغل، في المقابل، بعض الراديوهات بجدية بانخراط شباب تونسي شغوف، ولها إنتاجات صحفية وإعلامية ويتابعها جمهور من داخل تونس وخارجها. ففي فترة الحجر الصحي العام جراء تفشي فيروس كورونا وغلق المؤسسات الشبابية، لم يتخل شباب العمل الإذاعي عن الراديو الذي يبث من خلاله أفكاره ويتواصل بواسطته مع محيطه وأصدقائه ومع العالم، فثمّة من هؤلاء الشباب من ظل يعمل عن بعد، ويسهم قدر المستطاع من أجل استمرار أنشطة الراديو.

وقد اتصلنا، في هذا الخصوص، بعدد من المؤسسات الشبابية بضواحي العاصمة تونس، وهي دور الشباب بسيدي حسين، وحي ابن خلدون وحي التضامن، وأكّد المديرون والأساتذة المنشطون أن مؤسساتهم تنهض بمهام التثقيف والترفيه والتأطير لشباب أحياء شعبية معروفة بكثافتها السكانية لا يملك سبل للتعبير والتواصل وصقل مواهبه الفنية والرياضية والثقافية المختلفة إلا في دار الشباب.

كما أجمعوا أن راديوهات الواب التي تبث عبر شبكة الأنترنت من خلال أستوديوهات مجهزة داخل دور الشباب هي بمثابة مساحات للموهوبين في مجالات الصحافة والإعلام من أبناء هذه المناطق لتعلم قيم التواصل بشكل عام وأبجديات وصحافة المواطنة وصحافة القرب على وجه الخصوص.

شباب راديو "واب صوت ابن خلدون": أنجزنا أعمالًا تطوعية وومضات تحسيسية حبًا وطواعية

إدارة دار الشباب حي ابن خلدون التابعة للمندوبية الجهوية للشباب والرياضة بتونس نظّمت لنا لقاءً افتراضيًا عبر شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك لمشاهدة أستوديو "إذاعة الواب"، وأستوديو "تلفزة الواب" المحدث مؤخرًا في إطار شراكة مع داعمين أوروبيين والتي انطلقت حصصها التجريبية قبل الحجر الصحي. كما حدثتنا عن مدى إقبال الشباب على نادي الراديو الذي يضم 48 شابًا ينجزون شبكة برامجية تشتغل أسبوعيًا لتقدم برامج إذاعية مباشرة وأخرى مسجلة.

بادر شباب راديو واب صوت ابن خلدون بإطلاق حملة توعوية تحت عنوان "مرحبًا بكم بيننا" للتضامن مع الأفارقة من بلدان جنوب الصحراء القاطنين في حي ابن خلدون

ولمزيد تسليط الأضواء عما يفعله شباب حي بن خلدون أثناء أيام الحجر الصحي، تواصلنا في البداية مع عبير عبدالله، وهي طالبة تنشط براديو "واب بن خلدون"، والتي أوضحت لـ"ألترا تونس"، أن شباب الراديو التزم بقرار الحجر الصحي العام الذي أقرته الدولة لكنه لم يستكن لذلك خاصة وأنهم كشباب تعودوا على الحركة والتنقل والعمل من أجل تقديم مادة إذاعية. وبيّنت أنّهم عقدوا لقاءات افتراضية وخلصوا على إثرها بعد نقاشات إلى وضع استراتيجيا لاستمرار الراديو بالقيام بجلسات تحرير افتراضية تحت إشراف أستاذتهم المؤطرة لتقسيم الأدوار واقتراح المواضيع.

اجتماع تحريري عبر الأنترنت لشباب راديو ابن خلدون

 

وأكدت محدثتنا أنها وشباب الراديو تابعوا تقريبًا كل الأنشطة المدنية التي جدت بحي ابن خلدون من حملات نظافة وتعقيم ومبادرات الجمعيات في مساعدة كبار السن على الحصول على المساعدات والإعانات عبر إعداد التقارير والتحقيقات والحوارات الميدانية. وأشارت، في هذا السياق، إلى أنها تفرّدت بحوار مع شيخة مدينة تونس أثناء إشرافها على حملة تعقيم جدت بحيّهم إضافة إلى بث هذا الحوار على الراديو وعلى صفحة النادي مع تداوله على صفحات بلدية العاصمة.

كما أشارت أنها بادرت وبشكل فردي عبر الراديو بإطلاق حملة توعوية تحت عنوان "مرحبًا بكم بيننا" تضامنًا مع الأفارقة من بلدان جنوب الصحراء الذين يقطنون في حي بن خلدون من أجل مساعدتهم على مجابهة ظروف الحجر الصحي، فنسقت مع عدد من الجمعيات المهتمة في تونس ونجحت المبادرة ولاقت الصدى الطيب في حي ابن خلدون ولدى متابعي الراديو عمومًا.

 

توحشت ...؟؟؟ تفاصيل صغيرة البارح كانت عادية ...واليوم ولات حياتية--‍----‍------☕️-- فكرة ومونتاج ناجي بن عبد العظيم HiBā HF Nawres Zaidi Manel Lassoued Rahma Jendoubi

Publiée par ‎راديو واب صوت ابن خلدون radio web sawt ibnkhaldoun‎ sur Samedi 4 avril 2020

ومضة أعدها شباب راديو واب ابن خلدون

 

أما ياسين الرزقي، وهو تلميذ وينشط بنادي "تلفزيون الواب" بدار الشباب حي ابن خلدون، أكّد لنا أن ناديهم حديث النشأة ورغم إكراهات الحجر الصحي التي حدّت من تحركاتهم، الا أنه وزملائه الذين لم يتجاوزوا 10 شباب اتفقوا على القيام بومضات تحسيسية وتوعوية تساعد على التوقي من انتشار فيروس كورونا لتُنشر على صفحة التلفزيون على فيسبوك، فقسموا أدوارهم ونفذوا أفكارهم وأنجزوا إلى حد الآن أربعة ومضات تحسيسية.

ياسين الرزقي من الشباب الناشط في راديو واب ابن خلدون

 

وأوضح أنه يقضي أغلب وقته خلال أيام الحجر الصحي في البحث عن المستجدات المتعلقة بالتصوير التلفزي والمونتاج وكيفية إعداد البرامج وتقديمها ثم يناقش ذلك مع أصدقائه بالنادي من أجل تنمية قدراته وصقل موهبته في التصوير التلفزي.

شباب راديو واب حي التضامن: نحن صوت حي التضامن زمن الكورونا

المركب الشبابي حي التضامن بولاية أريانة هو من أول المركبات الشبابية من الجيل الثاني التي أنشئت مباشرة بعد الثورة، وللتذكير يعدّ حي التضامن من الأحياء ذات الكثافة السكانية العالية بتونس الكبرى إذ تتجاوز نسبة الشريحة الشبابية 40 في المائة بالمنطقة.

اقرأ/ي أيضًا: "مدرسة العطلة".. طقوس ثقافية زمن الكورونا

وحسب ما أفادتنا به مديرة المركب وأستاذة الشباب التي تشرف على الراديو المحلي، تتجاوز الأدوار الجانب الإداري إلى الإنساني "لأن شباب حي التضامن يستحق كل الدعم والمساندة والتشجيع، فهو شباب ثقافته الاجتماعية متنوعة وموهوب وعكس ما يروج عنه من "كليشهات" بأنه شباب يميل إلى العنف والتشدد"، وفق قولها.

أنتج فريق نادي راديو واب حي التضامن وفي ظرف قياسي وبأدوات تقنية بسيطة أربع ومضات تحسيسية تخص النظافة والتوقي من فيروس كورونا 

وبخصوص الراديو، أوضحت لـ"ألترا تونس" أن وزارة الشباب والرياضة كوّنت أساتذة الشباب في مجالات صحافة المواطنة والعمل الإذاعي لتكوين الشباب فيما بعد، مضيفة أن شباب حي التضامن انخرط في هذا الفضاء التواصلي وخاصة من التلاميذ والطلبة وأسسوا عددًا من البرامج الاذاعية الهامة التي تعبّر عن مشاغلهم ومشاغل حيّهم. أما خلال أيام الحجر الصحي، فقد أوضحت الإدارة أنها تتواصل عبر الأنترنت مع شباب نادي إذاعة الواب الذي يتكون من ثمانية شباب من أجل مناقشة الأفكار التي يقترحونها وكيفية تنفيذها.

وفي هذا الإطار، تواصلنا مع الناشط في "راديو واب حي التضامن" الطالب هاشم الجبري موضحًا أنه ورفقاؤه بالنادي قرروا في البداية الانخراط في العمل التطوعي بحي التضامن مع المنظمات والجمعيات التي نزلت للساحات من أجل المساعدة في حملات النظافة وتوعية الناس من أجل التوقي من وباء كورونا، لكنهم عدلوا فكرتهم نحو القيام بأعمال إعلامية وصحفية تُبث عبر الإذاعة المحلية وصفحة الإذاعة وموقع وزارة الشباب والرياضة المفتوح للمنتوج الإذاعي الصادر من دور الشباب.

هشام الجبري ناشط في راديو واب حي التضامن

 

ويضيف أنه ورفقاء النادي وبتأطير من أستاذتهم قرروا القيام بتغطيات لكل الأحداث التي جدت بحي التضامن من احتجاجات وحملات توعية ومرافقة لكبار السن وأشغال نظافة قامت بها البلدية، مبينًا أن فريق النادي أنتج وفي ظرف قياسي وبأدوات تقنية بسيطة أربع ومضات تحسيسية تخص النظافة والتوقي من فيروس كورونا لاقت استحسان أبناء حي التضامن بالرجوع إلى تفاعلاتهم خاصة عبر صفحة الإذاعة على فيسبوك.

ومن جهتها، أكّدت الشابة رانية عمراني، وهي طالبة في مجال تقنيات الصحة وتقطن بحي دوّار هيشر المتاخم لحي التضامن، أنها تحب العمل الإذاعي لاعتقادها الشديد بأن الصحافة هي صوت من لا صوت له في المناطق الشعبية المهمشة والمحرومة، مبيّنة أنها انخرطت في نادي راديو واب حي التضامن منذ تأسيسه سنة 2018 وقد تلقت تكوينًا من قبل أساتذة المركب الشبابي وأنشأت برنامجًا أسبوعيًا ولها إسهامات خبرية في حصص مباشرة يبثها الراديو أسبوعيًا.

 

"نشكرك كورونا" فكرة زياد الخميري، إعداد وتقديم رانية عمراني. دمتما مبدعان زياد، رانية.--

Publiée par TV/Radio Web Ettadhamen Page. offi sur Jeudi 26 mars 2020

ومضة تحسيسية أعدها شباب راديو واب حي التضامن

 

وتوضح، في حديثها معنا، أنها خلال أيام الحجر الصحي انخرطت بدورها في حركة قام بها شباب نادي الراديو وهو عدم الاستكانة للحجر بل الخروج والمساهمة في أنشطة تطوعية والقيام بأعمال صحفية إذاعية تبث عبر الإذاعة وصفحاتها على شبكة التواصل الاجتماعي.

وتضيف أنها كانت تدافع بقوة، ضمن الأعمال المُنجزة، عن حقوق البسطاء ضمن هذه الأزمة الصحية المفاجئة مؤكدة أن أبناء التضامن تفاعلوا على وجه الخصوص مع الومضات التحسيسية المنجزة من قبل فريق الراديو والتي أسهمت فيها بصوتها وهي فخورة بذلك، وفق تعبيرها.

شباب راديو سيدي حسين: إرادة الشباب تتحدى كورونا رغم قلة الإمكانيات

حي سيدي حسين السيجومي هو حي شعبي بالضاحية الغربية للعاصمة تونس ويشهد عدة نقائص في مستوى البنية التحتية والنهوض بمستوى ظروف العيش للمواطنين، وتعد دار الشباب سيدي حسين المرفق الشبابي الوحيد بالمنطقة.

وباتصالنا بإدارة دار الشباب المذكورة، أفادتنا المديرة وأستاذة الشباب المشرفة على راديو الواب أن مؤسستهم هي قبلة شباب سيدي حسين الباحث عن الترفيه والتثقيف وصقل المواهب حيث تشهد الدار إقبالًا كبيرًا وخاصة من التلاميذ والطلبة.

أنتج راديو سيدي حسين أعمالًا إذاعية وصحفية وإعلامية تحث على التزام المواطنين بالحجر الصحي

وأكدت الإدارة أنها تحاول قدر الإمكانيات المرصودة تقديم المساعدة للشباب وبالخصوص للراديو الذي ينشط بقوة وإرادة شباب سيدي حسين رغم ضعف تدفق الأنترنت وانعدامها أحيانًا أخرى وهي من المشاكل العويصة التي تعترض نادي إذاعة الواب بدار الشباب بسيدي حسين.

ومن الشباب الناشط براديو الواب المذكور الذي تواصل معه "ألترا تونس"، الشاب محمد أمين خذري وهو تلميذ باكالوريا أكد، في منطلق حديثه، أنه شغوف بالتكنولوجيا وهو يقدّم حصة تعنى بذلك عبر أثير راديو واب سيدي حسين وله جمهور يتابعه ويتفاعل معه.

محمد عزيز حذري تلميذ باكلوريا ناشط في راديو واب سيدي حسين

 

ويضيف أنه مع انطلاق أيام الحجر الصحي العام وتوقف شبه تام للحياة، قرر ومن منطلق فردي أن ينشر كبسولات مصورة تقدّمه وهو يعزف البيانو ويقوم بنشرها سواء على صفحته الخاصة أو صفحة نادي الإذاعة على فيسبوك، لكن الأمر تطور إلى التفكير في أعمال إذاعية وصحفية وإعلامية تحث على التزام المواطنين بالحجر الصحي.

اقرأ/ي أيضًا: "أحكيلي".. منصّة مساعدة نفسية لمواجهة "الكورونافوبيا"

ويذكر محمد عزيز أنه ورفقائه بالنادي يجتمعون افتراضيًا للتخطيط لومضات تحسيسية الهدف منها هو حماية المواطنين من تفشي فيروس كورونا مشيرًا إلى أنه أنهم نجحوا في ذلك رغم قلة الإمكانيات المادية سواء أدوات التصوير أو التدفق العالي الأنترنت قائلًا: "راس مالنا إرادتنا".

أما محمد أمين قنوني، وهو تلميذ باكالوريا أيضًا بأحد معاهد سيدي حسين، أوضح قائلًا: "علاقتنا بالراديو علاقة محبة وغرام ولم نستطع الركون فقررنا العودة للراديو من بعيد"، مضيفًا "أوقدنا حماس بعضنا البعض وقسمنا العمل وأنجزنا أعمالًا تشهد على ذكاء أبناء سيدي حسين ومدى محبتهم لحيهم". وقال إن الومضات التي أنجزوها باسم دار الشباب وراديو واب سيدي حسين تناقلتها صفحات الشباب على شبكات التواصل الاجتماعي وخاصة الصفحات المعروفة بالجهة.

بالنهاية، هذه العينة من الشباب التونسي القاطن بالمناطق الشعبية ورغم قلة إمكانياته ومع ظروف الحجر الصحي العام، انبرى بوعي مدهش للقيام بأعمال هو يعتقد أنها في صميم أدواره المواطنية فشارك في الحملات التطوعية والتضامنية وساعد في نشر الثقافة الصحية والتدريب على سلوكات التوقي من الامراض وخاصة فيروس كورونا، وساهم قدر الإمكان عبر الصحافة القرب بواسطة راديوهات الواب التي ينتمي اليها أن يعلي من صوته وصوت جهته وحيه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سكان الأرياف.. "كورونا" ضاعفت معاناتهم وعمّقت عزلتهم

يوميات التونسي في زمن الكورونا.. الدفء العائلي في مواجهة كآبة الحجر الصحي