05-مارس-2020

أكبر مصبّ نفايات في تونس (يسرى الشيخاوي/ألترا تونس)

 

تعهّدت وزارة الشؤون المحلية والمحلية، في أكتوبر/تشرين الثاني 2019، بإغلاق مصبّ "برج شاكير" للنفايات نهائيًا في غضون سنتين على أقصى تقدير، ولكنها وجهت في ديسمبر/كانون الأول 2019 طلبًا لبلدية سيدي حسين للحصول على قطعة أرض بمساحة 40 هكتار في "برج شاكير" لإحداث مركزًا لمعالجة وتثمين النفايات، وهو ما يعني، وفق متساكني المنطقة، استمرار المصب الحالي بل توسيعه والحال تعهدت الوزارة بإغلاقه. 

وردّت بلدية سيدي حسين، في فيفري/شباط 2020، بالرفض على طلب وزارة الشؤون المحلية والبيئة، ووجهت أيضًا تنبيهًا للوكالة الوطنية للتصرف في النفايات عبر عدل تنفيذ للانطلاق في إجراءات غلق المصب.

تنعكس الآثار الصحية لمصب "برج شاكير" بالخصوص على سكان الضواحي الغربية للعاصمة وخاصة مناطق العطار، وسيدي حسين، والجيارة التي يعاني عدد كبير من سكانها من الأمراض السرطانية

وجاء الردّ أيضًا من المجتمع المدني الذي يقود حملة "سكّر المصب" الذي عقد جلسات مع المتدخلين في هذا المجال رفضًا لمطلب وزارة البيئة مع التشكيك في قرارها المعلن بغلق هذا المصب الذي يؤكدون أنه يحمل مخاطر صحية وبيئية عديدة على سكان المنطقة.

اقرأ/ي أيضًا: ماهي انعكاسات حريق مصب برج شاكير على الإنسان والبيئة؟

ويعتبر مصب "برج شاكير" أكبر مصبّ نفايات في تونس لأنه يستقبل نفايات ولايات تونس العاصمة، ومنوبة، وأريانة وبن عروس. ويستقطب المصب الممتد على مساحة 124 هكتارًا، إجمالًا، 3 آلاف طن من النفايات من 38 بلدية، وتُلقى بطريقة عشوائية مما أسفر عن مساحة مفتوحة بـ 12 هكتارًا من القمامة بارتفاع يناهز 30 مترًا.

وتنعكس الآثار الصحية للمصب بالخصوص على سكان الضواحي الغربية للعاصمة وخاصة منها مناطق العطار، وسيدي حسين، والجيارة التي يعاني عدد كبير من سكانها من الأمراض السرطانية وضيق في التنفس بسبب انبعاث الغازات السامة من مخلفات النفايات، بالإضافة إلى تسرّب عصارة النفايات ومياه الرشح وعمليات الاحتراق والحرق المتعمّد في المصبّ.

لا ضمانات لغلق مصب "برج شاكير"

في حديثه لـ"ألترا تونس"، يقول أسامة الهمامي، عضو بلدية سيدي حسين والناشط في حملة "سكر المصبّ"، إنه قبل عام وثلاثة أشهر على انتهاء الأجل الرسمي المعلن لإغلاق المصب، لازالت لا توجد مظاهر على تنفيذ هذا القرار، ولا بوادر على توفير البديل عن المصب مع غياب الضمانات على الإيفاء بالتعهدات عمومًا.

قرار رفض بلدية سيدي حسين تخصيص عقار لإحداث مركز لمعالجة وتثمين النفايات المنزلية (خاص/ألترا تونس)

 

واستغرب محدثنا من عدم فتح طلبات عروض أو استشارات للقيام بدراسات في هذا الاتجاه، مؤكدًا أن الغلق العشوائي للمصب سيحمل تداعيات بيئية خطيرة على الجهة خاصة بعد التهديد الذي أصبح يمثله منذ انتهاء مدة استغلاله القانونية المحددة بـ 10 سنوات منذ إنشائه سنة 1999.

أسامة الهمامي (مستشار في بلدية سيدي حسين): تغيب اي دلائل على تنفيذ قرار غلق مصب "برج شاكير" ولا بوادر على توفير البديل

اقرأ/ي أيضًا: يستنشقون "الموت".. هل مواطنو عقارب مواطنون من الدرجة الثانية؟

وأدى غياب محطة لمعالجة عصارة النفايات منذ إنهاء التعاقد مع الشركة المستغلة قبل 9 أشهر من تصاعد خطورة الوضع البيئي حسب محدثنا.

وخلصت سلسلة من اللقاءات والمحادثات بين الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات ووكالة حماية المحيط ووزارة البيئية، بحسب محدثنا، إلى كشف نية للتوجه لجعل المساحة الإضافية المطلوبة من وزارة البيئة قبالة المصب كمساحة توسعة لاستمرار أعمال الرمي التلقائي للنفايات.

وطالب عضو المجلس البلدي في سيدي حسين، في تصريحه، إلى ضرورة وضع خطة تشاركية في مجال التصرف في النفايات.

توجيه تنبيه للوكالة الوطنية للتصرف في النفايات للإنطلاق في إجراءات غلق مصب "برج شاكير" (خاص/ألترا تونس)

 

في السياق ذاته، أكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على أهمية القرار المتعلق بالقطع مع منظومة الردم الصحي للنفايات وضرورة تفعيله على أرض الواقع مطالبًا بإعادة هيكلة طريقة التصرّف في النفايات في تونس ووضع إستراتيجية وطنية بالشراكة مع المجتمع المدني وعلى أهمية تركيز وحدات لفرز وتثمين النفايات.

وأكّد منسق مشروع العدالة البيئية في المنتدى محمد قعلول، في تصريح لـ"ألترا تونس"، أن سياسة التصرف في النفايات في تونس قديمة وأثبتت فشلها.

ودعا إلى ضرورة اعتماد نظام مراكز لفرز وتثمين النفايات مشتركة بين عدد من البلديات تساعد في التخفيض من كلفة النفايات التي تبلغ 100 دينارًا للطن الواحد حسب تأكيده، نافيًا وجود بديل حقيقي لإغلاق المصب وتثمين 3 آلاف طن من النفايات يوميًا.

حلول ممكنة

ينصّ الفصل 45 من الدستور التونسي على أنه "تضمن الدولة الحق في بيئة سليمة ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ، وعلى الدولة توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي".

يرى محمد الشريف، الخبير الدولي في البيئة والتنمية المستدامة، أن الإشكاليات التي يطرحها مصبّ "برج شاكير" تتمثل أساسًا في التلوث الكبير للمنطقة التي تستقطب 300 شاحنة نفايات مختلفة يوميًا، وما يمثله ذلك من إمكانية ردم مواطنين بالنفايات في حال حدوث أي زلزال بالإضافة إلى إمكانية حدوث انفجار.

محمد الشريف (خبير في البيئة): إمكانية ردم المواطنين بالنفايات في منطقة برج شاكير في حال حدوث أي زلزال 

والخلل، بحسب محدّثنا، يكمن في عدم اعتماد إستراتيجية وطنية لهذا المشكل والاكتفاء ببرامج مفروضة من دول ممولة وهي برامج غير ذات جدوى، حسب قوله.

وأشار إلى ضرورة اعتماد حل وسط في الوقت الحالي عبر التثمين الحراري للنفايات وتصبيرها وإبعادها عن العاصمة 100 كم على أقل تقدير.

ودعا إلى ضرورة تحويل مراكز التحويل إلى مراكز للمعالجة وتحويل النفايات إلى قوالب تزن 2 طن الواحدة من النفايات المضغوطة والمجففة لمنع إفرازها غازات سامة حرارية ومن ثمة ردمها في انتظار تثمينها على شاكلة ما تم العمل به في مدينة جربة.

وأضاف، في ختام حديثه لـ"ألترا تونس"، أن المعالجة الحرارية الأولية للنفايات المخلوطة قبل فرزها آليًا يمكن أن تشكل حلًا تكميليًا إلى جانب الفرز من المصدر الذي لا غنى عنه لدى الشعوب المتقدمة حسب تعبيره، مؤكدًا أن الطاقة الشمسية المتاحة في تونس يمكن أن تساعد في الحد من تكاليف المعالجة الحرارية وتجفيف النفايات.

بالنهاية رغم تعدد الهياكل المعنية بملف معالجة النفايات، لازالت تونس، التي تنتح سنويًا 2.6 مليون طن منها بنسبة نمو 2.5 في المائة، تفتقد إلى استراتيجية وطنية واضحة للحد من إنتاج النفايات وتثمينها للحفاظ على سلامة المحيط وعلى حق الأجيال القادمة في بيئة سليمة.   

 

اقرأ/ي أيضًا:

المنطقة الرطبة بطينة.. بشاعة الصناعة وإجرام اللامسؤولية

مياه صرف صحي وملوثات مصانع وتسربات نفطية.. كارثة تلوث شواطئ تونس