26-مايو-2019

تحوّلت شبكات التواصل الاجتماعي إلى عنوان للغش التجاري الالكتروني (Getty)

 

من منا لم يجذبه منتج ما عُرض على أحد المواقع الإلكترونية أو استهوته ملابس أو مواد تجميل أو عطور وغيرها من المواد المعروضة للبيع على مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما وقد شاعت طيلة السنوات الأخيرة ثقافة الشراء عبر الأنترنت لمنتجات، على اختلاف أنواعها وأشكالها ومصادرها، يعرضها باعة من تجار أفراد وشركات؟

يوفر التسوق الإلكتروني خدمة توصيل البضاعة إلى البيوت ويسهل على المستهلك اقتناء حاجته لكنه لا يخفي عمليات غش وتحيّل

يختصر التسوق الإلكتروني الجهود ويوفر خدمة توصيل البضاعة إلى البيوت ويسهل على المستهلك اقتناء حاجته لا سيما ممن لا يملكون الوقت الكافي لزيارة المحال واقتناء حاجاتهم. لكن في المقابل، يقع بعض المستهلكين ضحايا لعمليات غش وتحيّل عبر التجارة الإلكترونية على غرار استلام بضائع مقلّدة بعد عرض بضائع أصلية، وذلك في ظل صعوبة تتبع صاحب العرض التجاري خاصة إن كان لا يملك مقرًا حقيقيًا.

اقرأ/ي أيضًا: لعبة "البلانات".. الإدمان الخفيّ من أجل الربح السريع

ماهي التجارة الإلكترونية؟

التجارة الإلكترونية، بداية، هو مصطلح ظهر في عالم الاقتصاد مع انتشار الأنترنت خلال التسعينيات. وتعتمد بالأساس على بيع أو شراء أو تبادل المنتجات والخدمات والمعلومات باستخدام شبكة الأنترنت، وهي لا تختلف غالبًا عن التجارة العادية كونها نشاط يلبي احتياجات المستهلك في المكان والتوقيت المناسبين وأيضًا بالسعر المناسب. وتجرى المعاملات في التجارة الإلكترونية، المعروفة عالميًا بمصطلح "E – Commerce"، باستخدام وسائل إلكترونية للتعاقد والدفع والاتفاق على التوصيل.

انخرطت تونس منذ سنة 1997 في منظومة التجارة الإلكترونية لاعتمادها كوسيلة جديدة للمعاملات، واُحدثت لجنة وطنية متخصّصة. ثمّ صدر القانون المتعلق بالتجارة والمبادلات الإلكترونية سنة 2000 لتوفير السلامة للمتعاملين، وأنشأ الوكالة الوطنيّة للمصادقة الإلكترونية التي تتولى مهمة ضمان مناخ من الثقة والسلامة للمعاملات والمبادلات الإلكترونية.

تحتل تونس المركز الثالث إفريقيًا والمركز 73 عالميًا في مجال التجارة الإلكترونية وتضمّ 1423 موقعًا للتجارة الإلكترونية عام 2017

وقد احتلّت بذلك تونس المركز الثالث على مستوى القارة الإفريقية والمركز 73 عالميًا في مجال التجارة الإلكترونية وفق آخر تقرير لمنظمة مؤتمر الأمم المتّحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" الصادر سنة 2018. وهو تصنيف يشمل عدة مؤشرات منها معدّل النفاذ إلى الأنترنت المقدّر في تونس بنسبة 66 في المائة بفضل عدد المشتركين الذي يقدر بـ 7.65 مليون مشترك إلى حدود ماي/آيار 2018.

وفي هذا الإطار، تطور عدد مواقع البيع الإلكتروني في تونس من 1202 موقعًا عام 2016 إلى 1423 موقعًا عام 2017. فيما بلغت قيمة المبادلات التجارية على الخط سنة 2017 حوالي 166.2 مليون دينار منها 36.1 مليون دينار لمعاملات دولية، وفق مؤشرات إدارة التنمية والتجارة الإلكترونية والاقتصاد بوزارة التجارة. وكانت قد بينت دراسة، أنجزتها الوزارة عام 2012، تأكيد 68 في المائة من التونسيين رغبتهم في الشراء عبر الأنترنت.

نموّ للتجارة الإلكترونية يقابله استفحال للغش التجاري

تطوّر التجارة الإلكترونية في تونس تقابله تحديات كبيرة تتعلّق خصوصًا بوسائل الأمان وحالات الاحتيال التي يقع ضحيتها الزبون على غرار إخفاء هوية المورّد والمعطيات التي تمكن من التواصل معه في حال حصول إشكال خلال شراء المنتوج.

وإن تراقب وزارة التجارة آلاف الشركات التي تملك رخصًا تجارية ولها مواقع إلكترونية لعرض منتوجاتها، تظل عديد مواقع البيع الإلكتروني خارج إطار الرقابة خاصة التي لا تملك أصولًا أو محلات تجارية على أرض الواقع وتنحصر معاملاتها فقط عبر البطاقات الائتمانية والتوصيل المباشر. ومع اهتمام المتسوّق الإلكتروني بالثمن وبتفادي مشقة التنقل، تغيب عليه غالبًا سلبيات التسوق الإلكتروني مثل إمكانية تعرضه للخديعة بعرض منتوجات مقلّدة أو سرقة بيانات حساباته البنكية.

تطوّر التجارة الإلكترونية في تونس تقابله تحديات تتعلّق خصوصًا بوسائل الأمان وحالات الاحتيال التي يقع ضحيتها الزبون على غرار إخفاء هوية المورّد

لا توجد، في هذا الجانب، أي دراسة صادرة عن أي هيئة رسمية أو جمعياتية عن حجم الغش التجاري عبر التجارة الالكترونية لاسيما وأنّ أغلب الضحايا لا يلجؤون للتشكي أو رفع قضايا لأسباب متعددة منها عدم القدرة على تتبع المتحيّلين، ولذلك يكتفي أغلبهم بسرد تجاربهم على صفحات التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام لا أكثر.

شبكات التواصل الاجتماعي عنوان للغش التجاري الإلكتروني

باتت شبكات التواصل الاجتماعي بوابة للتجارة الإلكترونية، إذ تخطت مفهوم مجرّد التواصل والاتصال بين الأهل والأصدقاء لتصبح أداة يطوعّها أصحاب المؤسسات والشركات لتطوير أعمالهم عبر العمليات التجارية والتسويقية. وباتت هذه المواقع على تنوّعها اليوم، جزءًا لا يتجزأ من نجاح المشاريع التجارية في مختلف القطاعات لاسيما وأنّها توفّر خاصية عرض المنتوجات والبيع المباشر مثل المواقع المتخصّصة في البيع الإلكتروني.

ورغم إيجابياتها المتمثلة خاصة في ربح الوقت وتوفير الجهد، تخفي التجارة عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعض العيوب بدورها على غرار عدم إمكانية فحص البضائع قبل الشراء، إذ غالباً ما يكتفي المستهلك برؤية صورة المنتج فقط دون إمكانية تقليبه إلا عند الاستلام مع الدفع المسبق وأيضًا دفع معاليم التوصيل وذلك دون التثبت بالقدر المطلوب من البضاعة.

 تخفي التجارة عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعض العيوب على غرار عدم إمكانية فحص البضاعة وتقليبها قبل الشراء والدفع المسبق

وإن نجحت تجارب عديد المستهلكين في شراء منتجات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقع مستهلكون آخرون ضحية لعمليات الغش التجاري الإلكتروني، وهو ما كشفته عديد التقارير الإعلامية وشهادات مباشرة لهؤلاء الضحايا، خاصة من النسوة، ممن لا يتردّدون في نشر تجاربهم الفاشلة وعمليات الغش أو التحيّل التي تعرضوا لها عند شراء بضاعة ما على مواقع التواصل الاجتماعي.

اقرأ/ي أيضًا: شركات الزواج في تونس.. خطّابة العصر لزواج مسكوت عنه

مفيدة عيسى تقول لـ"ألترا تونس" إنّها كانت تبحث عن فستان مميّز لحفل خطوبتها وقد عرجت على العديد من المحال التجارية لكنها لم تقتنع بما تعرضه لتعود كل مرة خالية الوفاض من السوق. جلست ذات مرة تقلب صفحات فيسبوك وتنظر في الإعلانات العرضية إلا أن عثرت على ضالتها، فستان وردي له تصميم ضيق على الخصر مثل تلك الفساتين التي تشاهدها في الأفلام، وقالت ضاحكة: "لم أصدّق أنني سأحصل على ما أريده. سارعت بطلب الفستان عبر مراسلة الصفحة واتفقت على تزويدي بالفستان مع خدمة التوصيل".

وأضافت عارضة تجربتها في الشراء الإلكتروني: "مر أسبوعان في انتظار وصول فستان رسمته في مخيلتي وكيف سأبدو به إلى أن وصل إلى البيت لكن لم يكن إلا ثوبًا عاديًا مختلفًا تمامًا عن الفستان الذي شاهدته على صفحة فيسبوك". تقول محدثتنا إنّها حاولت عبثًا رفض الفستان واسترجاع المال لكن ذلك لم يكن ممكنًا لأنه لا يوجد مقرّ معيّن لصاحب الإعلان يمكن مراجعته، وفق تأكيدها.

مفيدة عيسى (ضحية غش تجاري إلكتروني): حاولت عبثًا رفض الفستان واسترجاع المال لكن ذلك لم يكن ممكنًا لأنه لا يوجد مقرّ معيّن لصاحب الإعلان يمكن مراجعته 

شفيق قدور مواطن آخر وقع ضحية عملية غش، يقول لـ"ألترا تونس" إنّه أراد شراء إحدى الصالونات المعروضة للبيع على فيسبوك، وكان شرط صاحب العرض دفع نصف المبلغ قبل التوصيل على أن يدفع باقي المبلغ لاحقًا، إلاّ أنّه بعد إكمال كافة الإجراءات ووصول بضاعته التي تمّ تغليفها جيدًا بأوراق المجلات والصحف، اكتشف أنّه اشترى صالونًا قديمًا تمّ تغليفه فقط ببعض الأقمشة الجديدة ليبدو كأنّه حديث الصنع. فقد كان خشبه قديمًا ذو خدوش كبيرة تؤكد أنّ الصالون الذي اقتناه قديم جدًا لا يعدو أن يكون سوى بضاعة اقتنيت من سوق الخردة وتمّ تغليفها.

وأضاف محدثنا أنّه لم يتمكّن من التشكي أو رفع دعوى على اعتبار أن صاحب الإعلان لا يملك محلًا أو أي موقع يمكن من خلاله إثبات عملية الشراء التي تمت عبر الهاتف بعد الاطلاع على العرض في صفحة فيسبوك.

منظمة الدفاع عن المستهلك تحذّر

توجه "ألترا تونس" حول هذا الموضوع إلى منظمة الدفاع عن المستهلك ليخبرنا رئيسها سليم سعد الله أنّ المنظمة شاركت في عديد اللقاءات حول التجارة الإلكترونية وخاصة في علاقة بدعمها للمعاملات التجارية وتسهيل التعامل بالنسبة للحرفاء، مشيرًا إلى الدعوة الدائمة في هذه اللقاءات لضرورة التعامل مع مواقع إلكترونية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تعود لشركات معروفة.

سليم سعد الله (رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك): التجارة الالكترونية لا تختلف عن التجارة العادية وقد تشوبها عمليات تحيّل كبيرة 

وأفاد أن البيع الإلكتروني خاصة عبر مواقع التواصل أصبح غالبًا يتم عبر تجار عاديين ليسوا من أصحاب الشركات أو المحلات التجارية وهو ما قد يؤدي إلى حصول عمليات غش في المعاملات التجارية، مشيرًا في هذا الجانب، إلى تلقي المنظمة لعديد التشكيات من متضررين تعرضوا للغش والتحيل خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وأكد سليم سعد الله، في ختام حديثه معنا، أن منظمة الدفاع عن المستهلك دائمًا ما تعمل بصفة مستمرة على توعية المستهلكين على اعتبار أن التجارة الالكترونية لا تختلف عن التجارة العادية قد تشوبها عمليات تحيّل كبيرة وفق تعبيره، متحدثًا بالخصوص على المواد مجهولة المصدر أو المقلّدة وتسليم البضاعة دون تمكين الحريف من التثبت منها قبل الدفع.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"أي دوك" مشروع تونسي ينافس مواقع التواصل.. والدولة في سبات

تونسيون... ومواطنون افتراضيون في إستونيا!