05-أبريل-2021

المدير الوطني للجمعية التونسية لقرى الأطفال SOS فتحي المعاوي



كشف آخر تقرير إحصائي سنوي لنشاط مندوبي حماية الطفولة في مختلف الجهات أن العدد الجملي للإشعارات التي تم تلقيها حول أطفال مهددين بلغ 17506 إشعارًا سنة 2019، مسجلًا تطورًا بما يقارب الضعف في ظرف 10 سنوات. ولعلّ أبرز ما يلفت الانتباه في هذا التقرير أن المنزل يشكّل مكان التهديد الأبرز من بين أماكن التهديد بـ9432 إشعارًا، أي أن المنزل وحده يحوز أكثر من نصف الإشعارات بنسبة 53.88 %. 

ومن بين وضعيات التهديد الأكثر أهمية من حيث عدد الإشعارات، وفق ما جاء في التقرير، "التقصير البيّن في التربية والرعاية" ويقدر عدد الحالات التي تم تسجيلها 4740 حالة بنسبة 27.08 % ، يليه "اعتياد سوء معاملة الطفل" بـ3919 حالة وبنسبة 22.39 % . يعقب ذلك "عجز الأبوين أو من يسهر على رعاية الطفل والإحاطة به وتربيته" بـ3912 حالة وبنسبة 22.35 % ، و"فقدان السند العائلي" بـ1138 حالة وبنسبة 6.5 % . 

ويتم التعهد بالأطفال الذين وردت في شأنهم إشعارات حول تهديدات معرضين إليها، إثر القيام بإجراءات التقصي والتحري بشأنهم، من خلال اعتماد مختلف التدابير، من بينها إيواء الأطفال الذين تتعذر الإحاطة بهم في كنف عائلاتهم لدى الجمعيات التي تعنى بالأطفال فاقدي السند، لعلّ أبرزها الجمعية التونسية لقرى الأطفال SOS. 

كشف آخر تقرير إحصائي لنشاط مندوبي حماية الطفولة أن العدد الجملي للإشعارات التي تم تلقيها حول أطفال مهددين بلغ 17506 إشعارًا سنة 2019، مسجلًا تطورًا بما يقارب الضعف في ظرف 10 سنوات

"الترا تونس" كان له لقاء مع المدير الوطني للجمعية التونسية لقرى الأطفال SOS فتحي المعاوي للحديث عن نشاط الجمعية، والمخطط الذي تنتهجه للإحاطة بالأطفال وتكوينهم، وعن مختلف البرامج والتدابير التي تعتمدها الجمعية، فكان الحوار التالي: 

  • ما هو عدد الأطفال الذين تتعهد بهم الجمعية التونسية لقرى الأطفال SOS ؟ 

لدينا 4 قرى للأطفال؛ قرية قمرت (تأسست في 1983) تضمّ 12 منزلًا، قرية سليانة (تأسست في 1984) تضم 12 منزلًا، قرية محرس (تأسست في 2001) تضمّ 13 منزلًا، وقرية أكودة (تأسست في 2010) تضم 14 منزلًا، وكل منزل يضمّ بين 7 و8 أطفال، يكونون من الجنسين من أجل خلق التوازن. أيّ أن العدد الجملي للأطفال الذين تتكفل بهم الجمعية في القرى يبلغ حوالي 400 طفل.

اقرأ/ي أيضًا: الاستغلال الاقتصادي.. آفة الطفولة في تونس

كما انطلقنا، منذ جوان/يونيو 2006، في برنامج عمل جديد، فبالإضافة إلى تبني الأطفال فاقدي السند في القرى، تقوم الجمعية بدعم العائلة والأسرة والوقاية من الإهمال: إذا كانت العائلة هشة وظروفها الاجتماعية صعبة وتُهدد بإهمال أطفالها نظرًا لعدم قدرتها على كفالتهم، نقوم بدعمها ماديًا من أجل مواصلة احتضانهم، وفي ظرف 4 سنوات، نقوم بخلق مشروع بسيط مدرّ للدخل لها، تتراوح كلفته بين 8 و12 ألف دينار، حينها يصبح لديها دخل قار، فتخرج بذلك من البرنامج، ونقوم بدعم عائلة أخرى، وهكذا دواليك.  في هذا البرنامج لدينا حاليًا 420 عائلة تضمّ 1100 طفل.

  • كيف تتم عملية تبني الأطفال؟ 

الجمعية تستقبل أيّ طفل في حاجة إلى الرعاية والإحاطة مهما كان جنسه ودينه وجنسيته، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، تكفلت قرية الأطفال بمحرس بطفل من إفريقيا جنوب الصحراء دخل إلى تونس عن طريق الهجرة غير النظامية.

المعاوي: جمعية قرى الأطفال SOS هي الوحيدة التي تأخذ على عاتقها مسؤولية الأطفال فاقدي السند على المدى الطويل منذ تبنيهم إلى غاية إدماجهم مهنيًا واجتماعيًا

عمومًا، تتبنى الجمعية الأطفال من عمر يوم إلى 6 سنوات، وذلك من أجل أن يتمكن من التأقلم في عائلته البديلة في القرية، لأنه إذا كان أكبر سيكون من الصعب عليه التأقلم، لكن إذا ما كان قد تجاوز سن الـ6 سنوات وكان لديه أخ أو أخت، يتم قبوله من أجل عدم قطع الصلة بينهما.

  • ما هو المسار الذي تعتمده الجمعية في رعاية الأطفال والإحاطة بهم في مختلف المراحل العمرية؟

يعيش الأطفال في المنزل العائلي بالقرية حتى يصل سنهم إلى 14 سنة غالبًا، ثم يقع تحويلهم فيما بعد إلى المبيتات المخصصة لهم: البنات يُحوّلن إلى مبيت الفتيات الشابات المتواجد وسط القرية لأن البنات في حاجة إلى إحاطة أكثر، والأولاد يقع تحويلهم إلى مبيت الفتيان الشبان المتواجد خارج القرية، لكنه قريب منها من أجل المرافقة والمتابعة والتأطير.

اقرأ/ي أيضًا: بائع الورد الصغير.. طفل يبيع الحب ويشتري "الموت"

عندما يصل الأطفال إلى سن الـ18، ينتقل إلى مرحلة السكن المؤطر، وهي مرحلة تكون عمومًا بين سن الـ18 والـ21 عامًا، تتمثل في خروج شابين أو ثلاثة شبان لكراء مسكن مشترك، وتظل القرية تتابعهم وتقدم لكل واحد منهم منحة شهرية بـ400 دينارًا.

عندما يبدأ الشاب في العمل، سواء أكان قد اتبع منهاج التكوين المهني أو المنهاج الجامعي. بعد 3 أو 4 أشهر من التأكد من أنه استقرّ في مهنته، حينها يتوقف دور الجمعية، لكن تظلّ الـSOS عائلته التي يعود إليها في المناسبات والأعياد ليشارك إخوته أفراحهم واحتفالاتهم. كما يظلّ في تواصل مع أمه التي اعتنت به في القرية.

  • على ذكر "الأم البديلة"، ماهي المعايير التي تضعها الجمعية لانتداب الأمهات في قرى الأطفال؟

في الأول، كانت المعايير مشددة قليلًا، إذ يجب أن تكون قد تجاوزت الـ35 سنة، كما يجب أن تكون مطلقة أو أرملة أو عزباء وليست لها نيّة الزواج، لأنها ستعيش 24 ساعة/24 ساعة مع الأطفال في منازل القرية، وتعمل طيلة 3 أسابيع في الشهر، وتكون لها إجازة بأسبوع كل شهر.

وفي الأسبوع الذي ترتاح فيه، تعوضها "الخالة البديلة"، إذ توضع على ذمة كلّ 3 منازل في القرية خالة، لتعوّض أمهات هذه المنازل خلال أسابيع إجازتهن، وترتاح بدورها لمدة أسبوع شهريًا.

كما أنه من الضروري أن يكون مستواها الدراسي لا يقلّ عن البكالوريا، لأننا نعوّل كثيرًا على تعليم أطفالنا باعتباره مفتاح نجاح الأطفال وإدماجهم اجتماعيًا ومهنيًا، فنحن نتحمل مسؤولية الطفل منذ قبوله في القرية إلى غاية إدماجه اجتماعيًا ومهنيًا. نحن الجمعية الوحيدة التي تأخذ على عاتقها مسؤولية الأطفال فاقدي السند على المدى الطويل. 

المعاوي: من الضروري ألّا يقلّ المستوى الدراسي لـ"الأم البديلة" عن البكالوريا لأننا نعوّل كثيرًا على تعليم أطفالنا باعتباره مفتاح نجاح الأطفال وإدماجهم اجتماعيًا ومهنيًا

بعد اختيار الأمهات، يقع وضعهن في فترة اختبار في المنازل العائلية، كي يرون ويتابعون عن كثب تفاصيل وحيثيات المهنة التي تنتظرهم، ونحن نقيمهم بذلك عمليًا.

وإذا تم تجاوز فترة الاختبار بنجاح، نمر إلى مرحلة تكوين تدوم سنتين، تضم تكوينًا نظريًا وعمليًا (تربية الطفل، الصحة، فنون الطبخ...).

  • ألا تعتبر هذه المعايير عسيرة نوعًا ما خاصة وأنها تفرض على "الأم" نظام عيش محدد لاسيما فيما يتعلق بالزواج والإنجاب؟

أجل، لذلك انطلقنا، منذ 2015، في تجربة جديدة، تتمثل في انتداب "أم بديلة" متزوجة، وذلك بعد أن رأينا أن الشروط الموضوعة مشددة نوعًا، إنسانيًا. فنحن نهتم بمجال اجتماعي إنساني، لكننا في المقابل نحرم الأم البديلة من حقها الطبيعي في الزواج والإنجاب، وهو أمر غير عادل، ومن شأنه أن يؤثر على التوازن النفسي للأم التي تُعنى بتربية ورفاه أطفال لأجيال عديدة. فارتأينا أن نخفف من الشروط المفروضة، وأن نسمح للأم بأن تتزوج، لكن على شرط أن يتقبل زوجها نظام العمل المفروض عليها طيلة 24 ساعة/24 ساعة لمدة 3 أسابيع في الشهر.

 اقرأ/ي أيضًا: الطفل التونسي يتيم ثقافيًّا..

وطرح السماح بالزواج مسألة جديدة تتمثل في الإنجاب، ومع درس المسألة سمحنا بأن تنجب الأم البديلة ابنًا واحدًا، وأن يعيش معها ابنها في القرية حتى سن العامين مع إخوته في القرية.

هذه التجربة من المنتظر أن نقيّمها على جل الأصعدة هذه السنة، بمرور 5 سنوات على انطلاقها، ونرى إيجابياتها وسلبياتها ثم نقرر إثر ذلك ما إذا كنا سنواصل اعتمادها أم لا. 

تجربة من هذا النوع تتطلب على الأقل 5 سنوات لنتمكن من تقييم مدى نجاعتها، ولنقيم كيفية تفاعل الابن الحقيقي للأم البديلة مع أبنائها في القرية ومدى تقبله لهم وتقبلهم له.

المعاوي: يقدر دعم الدولة بـ30% من ميزانية الجمعية، وبقية الميزانية تموّل من التبرعات والأنشطة التي تقوم بها الجمعية بالشراكة مع منظمات ومؤسسات ومختلف الداعمين

على اعتبار أن معايير مهمة الأم البديلة محددة جدًا فيما يتعلق بدقة المعايير، أصبحنا نجد صعوبات في انتداب أمهات بديلات في قرى الأطفال، فدخلنا في شراكة مع وزارة التكوين والتشغيل من أجل تخصيص تخصص "أمهات بديلات" مثل تخصص منشطات رياض الأطفال، حتى تصبح مهنة الأم البديلة مؤطّرة كـمهنة. هو اقتراح قيد الدرس حاليًا.

  • هل من الممكن تبني أطفال من الجمعية؟ 

بالطبع لا، ليس من الممكن تبني أطفال من جمعيتنا، فنحن أسرتهم بعد عائلتهم البيولوجية.

لكن في المقابل، بالتوازي مع برنامجنا التربوي والتكويني للأطفال، انطلقنا في تجربة العمل على إعادة الطفل إلى أسرته البيولوجية. فنقوم بالبحث عن أمهات وعائلات الأطفال ونحاول ربط الصلة، وإذا نجحنا في ربط الصلة بين الطفل وعائلته ورأينا أنها قادرة على احتضان طفلها نقوم بإرجاعه إليها. ونظل في متابعة دائمة له وتقوم بزيارات ميدانية، وفي اليوم الذي نرى فيه أن عائلته غير قادرة على احتضان طفلها، نعيده إلى قرى الأطفال لأنه مسؤوليتنا قبل كل شيء.

  • من أين تتحصل الجمعية على موارد لتمويل ميزانيتها؟ 

فيما تعلق بتمويل قرى الأطفال، يقدر دعم الدولة بـ30 % من ميزانية القرى في 2021، وبقية الميزانية تمول من التبرعات والأنشطة التي تقوم بها الجمعية بالشراكة مع منظمات ومؤسسات ومختلف الداعمين.

خلال العام الجاري، من المنتظر أن نتبنى 500 طفل جديد، بالنظر إلى أن آخر تقرير لنشاط مندوبي حماية الطفولة الصادر في 2019 كشف أن أكثر من 1700 طفل في حاجة إلى الرعاية بعد تلقي إشعارات تفيد بأنهم مهددون، فضلًا عن أن 4780 عائلة تهدد بالاستغناء عن أطفالها. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

أطفال في العراء المجتمعي.. من المدرسة إلى الرصيف

عمالة الأطفال في تونس: تصاعد الظاهرة وقصور القوانين