قال رئيس الغرفة الوطنية لتجار المصوغ حاتم بن يوسف إنّ أسعار الذهب في تونس شهدت ارتفاعًا لافتًا في السنوات الأخيرة، ما دفع التونسيين إلى التخلي عن شرائه واللجوء لاقتناء المجوهرات المقلّدة أو الفضيّة. كما أوضح أنّ تجارة المصوغ في تونس تأثرت بتراجع سعر صرف الدينار التونسي أمام الدولار.
هذه المواضيع وغيرها تقرؤونها في حوار خاص لحاتم بن يوسف مع "الترا تونس".
- تشهد أسعار الذهب ارتفاعًا لافتًا في السنوات الأخيرة، إلى أين وصلت أسعاره في تونس؟
أولاً، يجب الإشارة إلى أنّ تجار المصوغ في تونس يشترون الغرام الواحد من الذهب عيار 24 من البنك المركزي بـ 85 دولارًا أي بـ 260 دينارًا، ويكون هذا النوع من الذهب خامًا، أي في شكل سبائك.
رئيس غرفة تجار المصوغ حاتم بن يوسف لـ"الترا تونس": تجار المصوغ في تونس يشترون الغرام الواحد من الذهب الخام من عيار 24 من البنك المركزي بـ 85 دولارًا أي بـ 260 دينارًا وكلفة التصنيع تصل لـ195 دينارًا إضافة لكلفة اليد العاملة والأداءات
وبعد شرائه من البنك المركزي يقوم الحرفيون بالعمل على تصنيعه داخل ورشات مخصصة لصناعة وطباعة الذهب، وعادة ما تصل تكلفة التصنيع إلى نحو 195 دينارًا، وعند عرضه للبيع يتم إضافة تكلفة اليد العاملة والأداءات.
وباحتساب تكلفة اليد العاملة مع كميات الذهب الضائعة أثناء التصنيع، يمكن أن تناهز التكلفة الجملية حواليْ 240 دينارًا، ثم عند عرضه للبيع يتمّ الوضع بعين الاعتبار نسبة ربح التجار، وبالتالي فإنّ سعر الغرام الواحد من الذهب عيار 18 يعرض للبيع في المحلات بسعر يتراوح بين 250 و280 دينارًا.
رئيس غرفة تجار المصوغ لـ"الترا تونس": سعر الغرام الواحد من الذهب عيار 18 يعرض للبيع بسعر يتراوح بين 250 و280 دينارًا وهناك أنواع من الحليّ يتم تصنيعها حسب الطلب وتكون ذات جودة عالية وبنقوش فريدة ويصل سعر الغرام الواحد منها إلى 300 دينار
وفي تجارة المصوغ، هناك أنواع من الحليّ يتم تصنيعها حسب الطلب وتكون ذات جودة عالية وبنقوش فريدة ويتم بيعها بأسعار أغلى من السعر المتعارف عليه. وهذا يعني أنّ أسعار الذهب في تونس تتراوح بين 250 و280 دينارًا وتصل في الحالات الخاصة إلى 300 دينار على أقصى تقدير.
هذا النوع من الذهب يمكن أن تصل تكلفة تصنيعه إلى 270 دينارًا كي يتم بيعه بعد ذلك بـ 300 دينار، باعتبار أنّ تصنيعه يتم بطريقة خاصة، وهذا يفسر أنّ ربح تاجر المصوغ محدود جدًا.
رئيس غرفة تجار المصوغ لـ"الترا تونس": تكلفة خاتم خطوبة من عيار 18 تصل إلى ما بين 650 و700 دينار ونفس السعر ينطبق على خاتم الزواج، أما شراء طقم يزن 15 غرامًا من الذهب فيكون في حدود 4 آلاف دينار
وللتوضيح أكثر، مثلاً يمكن أن تصل تكلفة خاتم ذهب للخطوبة من عيار 18 ما بين 650 و700 دينار ونفس السعر ينطبق على خاتم الزواج، أما شراء طقم (صياغة) يتكون من 15 غرامًا من الذهب فيكون في حدود 4 آلاف دينار، بينما تصل تكلفة قلادة تزن من 13 غرامًا من الذهب إلى ما بين 2.500 و3 آلاف دينار.
- ما هي أسباب هذا الارتفاع؟
صحيح أنّ سعر الذهب في العالم يتراوح بين الارتفاع والتراجع الطفيف في بعض الأحيان، لكن السبب الرئيسي وراء ارتفاع سعر الذهب في تونس هو تراجع الدينار التونسي أمام الدولار.
حاتم بن يوسف لـ"الترا تونس": سعر الذهب أصبح مكلفًا للتونسيين فقط وليس لكل سكان العالم، فمثلاً أسعار الذهب في المغرب مستقرة لأنّ الدرهم المغربي حافظ على استقراره أمام الدولار بينما الدينار التونسي في تراجع مستمر
وباعتبار أنّ شراء الذهب يكون بالدولار، فإنّ سعره في تونس سيرتفع آليًا، فمثلاً لو كان الدينار مستقرًا مثل ما كان عليه قبل سنة 2011 فإنّ سعره كان سيكون بين 95 و100 دينار.
وبالتالي فإنّ سعر الذهب أصبح مكلفًا للتونسيين فقط وليس لكل سكان العالم، فمثلاً أسعار الذهب في المغرب مستقرة لأنّ الدرهم المغربي حافظ على استقراره أمام الدولار، ونفس الشيء ينطبق على عديد الدول الأخرى.
- كيف تطورت أسعار الذهب في تونس في السنوات الأخيرة؟
تونس دولة تقوم بتوريد الذهب بالعملة الصعبة وسعره تضاعف 3 مرات في السنوات الأخيرة، وقبل نحو 4 سنوات كان سعر الذهب العالمي يبلغ نحو 60 دولارًا للغرام الواحد وبالتالي كان يُباع في الأسواق التونسية بعد تصنيعه بأسعار تتراوح بين 190 و200 دينار. اليوم أسعار الذهب ارتفعت كما أشرت سابقًا وارتفعت معها أسعار اليد العاملة.
حاتم بن يوسف لـ"الترا تونس": تونس تقوم بتوريد الذهب بالعملة الصعبة وسعره تضاعف 3 مرات في السنوات الأخيرة، فقبل نحو 4 سنوات كان سعر الذهب العالمي يبلغ نحو 60 دولارًا للغرام الواحد
وبالمناسبة أودّ التوضيح أنه لا فرق بين الذهب الأصفر والأبيض، فالفرق بين أنواع الذهب هو العيار فقط، والذهب الأبيض يتمّ تزيينه ببعض الأحجار من قبل الحرفيين وبذلك يكون أغلى من الأصفر.
وفي تونس، يتم تصنيع 3 أصناف فقط من العيارات وهي 18 وهو الأغلى سعرًا، ثم عيار 14 ويأتي العيار 9 في آخر الترتيب، ويبلغ سعر الغرام الواحد منه نحو 200 دينار، بينما يكون سعر اليد العاملة هو نفسه بالنسبة لجميع أعيرة الذهب، وحتى لو تراجعت أسعار الذهب فإن أسعار اليد العاملة لا تتراجع أبدًا وهي تتراوح بين 30 و40 دينارًا.
- بعد هذا الارتفاع، هل لا يزال هناك إقبال على شراء الذهب مثل السابق؟
مع الأسف، التونسي لم يعد بإمكانه شراء الذهب مثل السابق، وأكبر دليل على ذلك هو تراجع مبيعات أسواق الذهب في تونس بشكل لافت حتى أنّ الحركية في سوق "البركة" باتت شبه معدومة.
في السابق، كانت الطبقة الوسطى هي المحرك الرئيسي لأسواق الذهب والحركية التجارية بصفة عامة، لكن اليوم المقدرة الشرائية للتونسيين تراجعت وبالتالي لم يعد بإمكانهم شراء الذهب.
حاتم بن يوسف لـ"الترا تونس": التونسي لم يعد بإمكانه شراء الذهب مثل السابق، وأكبر دليل على ذلك هو تراجع مبيعات أسواق الذهب في تونس بشكل لافت حتى أنّ الحركية في سوق "البركة" باتت شبه معدومة
ونحو 75% من التونسيين كانوا حتى سنة 2011 يقبلون على شراء المصوغ بجميع أنواعه خصوصًا في مواسم الأعراس، لكن اليوم تراجعت هذه النسبة بشكل كبير، وتجار الذهب خسروا ملايين الحرفاء، وكل من يزور البركة يلاحظ الركود في ذلك السوق القديم والعريق.
للأسف، الحركية اليوم في سوق الذهب في تونس العاصمة وكل الأسواق الأخرى ضعيفة جدًا، على عكس الحركية التي كان عليها إلى حدود سنة 2008، حيث كان هناك إقبال كبير على شراء الذهب وحينها طبعًا كانت الأسعار مقبولة وفي متناول جميع الطبقات بما فيها الطبقة الوسطى.
- طالما أنّ التونسي لم يعد بإمكانه شراء الذهب والمصوغ، ما هو بديله اليوم؟
يؤسفني القول إنّ التونسيين باتوا يقبلون على شراء المجوهرات المقلدة والفضة أكثر من الذهب، حتى أنّ الشباب المقبلين على الزواج أصبحوا بدورهم يتزوجون دون مصوغ حقيقي.
فحفلات الزواج التي كانت في السابق لا تخلو من الذهب الأصفر والأبيض أصبحت اليوم تُقام بالذهب المزيف والمجوهرات المقلدة التي تكون أسعارها منخفضة جدًا وتباع على قارعة الطريق وفي الأسواق الأسبوعية.
حاتم بن يوسف لـ"الترا تونس": التونسيون باتوا يقبلون على شراء المجوهرات المقلدة والفضة أكثر من الذهب، حتى أنّ المقبلين على الزواج أصبحوا بدورهم يتزوجون دون مصوغ حقيقي في ظل ارتفاع الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية
وشراء المجوهرات المزيفة من أجل الزواج أصبح يتمّ بعلم العائلات وموافقتها، وهذا التوجه لم يكن يحدث في العائلات التونسية التي كانت تقبل على شراء ذهب الأعراس بكميات كبيرة وتتباهى به أمام الجيران والأقارب.
لكن اليوم لا خيار أمام العائلات والشباب المقبلين على الزواج سوى اللجوء إلى الذهب المزيف للزواج، وذلك بسبب ارتفاع أسعار المصوغ في تونس وبسبب تراجع المقدرة الشرائية للتونسيين في السنوات الأخيرة.
- كيف أثّر ارتفاع أسعار الذهب وتراجع الإقبال على تجارة المصوغ في تونس وعلى وضعية التجار خصوصًا؟
مما لا شكّ فيه فإن ارتفاع أسعار الذهب في تونس أثر على الجميع دون استثناء، فالمواطن التونسي تضرر بفعل هذا الغلاء لأنه لم يعد قادرًا على شراء الذهب وفي حال أقدم على شرائه فإنه سيدفع الكثير من الأموال مقابل أجرته الشهرية الضعيفة، وبالتالي سيتضرر.
وأنا كتاجر ذهب، أظلّ أحيانًا لأكثر من 3 أشهر دون أن أبيع قطعة ذهب واحدة. لقد تراجعت مبيعات وأرباح التجار بصفة لافتة بالتزامن مع ارتفاع أسعار الذهب وتراجع الدينار التونسي.
حاتم بن يوسف لـ"الترا تونس": مبيعات وأرباح تجار الذهب في تونس تراجعت بصفة لافتة وباتت تجارة الذهب تعاني من الركود وهو ما يدفع التاجر إلى البيع حتى بأسعار مرتفعة عن العادة لتغطية الخسارة
ولا بدّ من الإشارة إلى أن مرابيح تجار الذهب كانت مرتفعة في السنوات السابقة، أي عندما كانت أسعار الذهب مستقرة، فمثلاً عندما كان سعر الغرام الواحد من الذهب يتراوح بين 70 و80 دينارًا، كان هناك إقبال كبير، وكان التونسيون يشترونه بشكل كبير.
أما اليوم للأسف، فإنّ تجارة الذهب تعاني من الركود، وهذا الركود بدوره يدفع التاجر إلى البيع حتى بأسعار مرتفعة عن العادة لتغطية الخسارة.
- هل يمكن أن يكون ارتفاع أسعار الذهب سببًا في ازدهار تجارة الذهب المغشوش في تونس؟
مما لا شكّ فيه، فإنّ الذهب المغشوش موجود في الأسواق التونسية ويتم بيعه وشراؤه، على الرغم من وجود آليات رقابة صارمة تفرضها القوانين التونسية وأعراف المهنة.
وأنصح التونسيين بالحذر أثناء شراء الذهب وأدعوهم للابتعاد عن شرائه من الباعة المتجولين ومن الأسواق الأسبوعية والتوجه للأسواق الكبرى المخصصة لبيعه، وذلك لضمان عدم تعرضهم للغشّ.
حاتم بن يوسف لـ"الترا تونس": الذهب المغشوش موجود في الأسواق التونسية ويتم بيعه وشراؤه، على الرغم من وجود آليات رقابة صارمة تفرضها القوانين التونسية وأعراف المهنة
ومثلًا عندما يشتري الحريف المصوغ من سوق البركة بتونس العاصمة، فإن بإمكانه التوجه إلى أمين حرفة المصوغ والحلي للتثبت من عيار الذهب الذي قام باقتنائه والتأكد من أنه ذهب أصلي وغير مزيف أو مغشوش.
قبل نحو 4 سنوات كنت في أحد الأسواق الأسبوعية في ولاية سوسة وتفاجأت بوجود بائع متجول يبيع الذهب في صندوق على قارعة الطريق، وللأسف هناك من يشتري من هؤلاء الباعة، وفي حال تفطنه بأنه تعرض للغش فإنّ القانون لا يحميه.
وفي المقابل، فإن الحريف الذي يشتري من الأسواق المقننة فإنه يتحصل على شهادة وفاتورة، وبالتالي يمكنه مقاضاة صاحب المحل واسترجاع حقوقه في حال تعرض للغش.
- كم هو عدد مواطن الشغل التي يوفرها قطاع المصوغ في تونس؟
يوجد في تونس نحو 2400 تاجر ونحو 1200 حرفي معترف بهم، ولو احتسبنا التجار والحرفيين والكفاءات المهنية العاملة في مجال المصوغ في تونس، فيمكن القول إنّ هذا القطاع يشغل نحو 15 ألف شخص تقريبًا.