27-مايو-2019

إنجاب من أجل إرضاء الأهل والمجتمع (Getty)

 

"المال والبنون زينة الحياة الدنيا لكن يا حبذا لو يعجّل الله بهذه الزينة منذ السنة الأولى للزواج حتى نتجنّب الأسئلة التي تزعجنا في كلّ لقاء يجمعنا بالأهل والأصحاب. هو إنجاب حتى لو على حساب الفقر والحاجة، وحتى إن كانت الظروف المادية لا تسمح به. ففي بعض المناطق الريفية أو القروية، تبدأ الأسئلة عن الإنجاب بعد مرور شهر فقط من الزواج"، هكذا حدثتنا فايزة اللطيفي من منطقة تالة بالقصرين عن تجربتها في الحمل.

تضيف محدثتنا أنّها زارت عيادة الطبيب بعد ثلاثة أشهر فقط من زواجها تفاديًا للأسئلة المتكرّرة عن سبب عدم إنجابها. لم تصحب زوجها إلى عيادة الطبيب، ولم يبادر بنفسه بمراجعة أيّ عيادة على اعتبار أنه في مجتمعنا العربي دائمًا ما تتجه الأنظار للمرأة في حالة تأخر حدوث حمل بعد الزواج ولو لفترة بسيطة، وتكون غالبًا هي المتهم الأول رغم أنّ تأخر الحمل أمر مشترك بين الزوجين.

فائزة: المال والبنون زينة الحياة الدنيا لكن يا حبذا لو يعجّل الله بهذه الزينة منذ السنة الأولى زواج حتى نتجنّب الأسئلة التي تزعجنا في كلّ لقاء يجمعنا بالأهل والأصحاب

فايزة عاطلة عن العمل رغم شهادتها في التعليم العالي، فيما يعمل الزوج موظفًا بسيطًا لا يتجاوز أجره الشهري 700 دينار ناهيك عن ديون حفل الزفاف التي لا يزال يدفعها بالتقسيط. "لكن رغم هذه الظروف علينا أن ننجب في أسرع وقت"، هكذا تشدد فايزة في حديثها لـ"ألترا تونس". تقول إنها وزوجها لم يخططا للإنجاب ولا يرغبان في "الخلفة" في الوقت الحاضر، ولكن بات الأمر وكأنّه ضرورة عائلية أو اجتماعية لتفادي أيّ حرج كان ولتجنّب الأسئلة المتكررة حتى وإن كانت ظروفهم المادية لا تسمح بالإنجاب، كما تؤكد.

الأمر الذي يدفع إلى التساؤل، هل أنّ استعجال الإنجاب من قبل البعض ليس إلا مجرّد رغبة في الإنجاب وحنين إلى الأمومة، أو أنّ الأمر كان وللا يزال في بعض المجتمعات ضرورة فقط لإرضاء الأهل والمجتمع؟

اقرأ/ي أيضًا: التونسيّات يهجرن وسائل منع الحمل.. الرجوع إلى الطبيعة؟

اضطرار للحمل من أجل إرضاء العائلة

تقول سامية رابحي (32 سنة) لـ"ألترا تونس" إنّها تزوجت في سن الثلاثين وهي سن باتت عادية للزواج اليوم لكن لا تزال العديد من العائلات ترى أنّ الزواج في هذا السنّ متأخر كثيرًا. الأمر الذي جعلها تواجه انتقادات وأسئلة عديدة عن "الخلفة" بعد مرور أربعة أشهر من زواجها إذ يُرى أنّ زواجها في "سنّ متأخرة" قد يكون السبب في عدم حصول الحمل منذ الشهر الأول.

سامية رابحي (32 سنة): تراجعت عن تأجيل الإنجاب واضطررت إلى الحمل في أول سنة زواج من أجل إرضاء الأهل والمجتمع فقط 

ورغم أنّ تأجيل الإنجاب أمر يعود إلى الزوجين فقط إذا تمّ الاتفاق على ذلك، وإقرار ما هو أنسب لهما إلى حين استقرار علاقتهم الزوجية، إلاّ أنّهما سرعان ما يواجها انتقادات لعدم مراجعة الطبيب للكشف المبكر والإنجاب. تضيف سامية أنّها تراجعت عن تأجيل الإنجاب واضطرت للحمل على حساب دراستها لاسيما وأنّها كانت تتابع دراسة الماجستير وذلك من أجل إرضاء الأهل والمجتمع فقط كما تقول.

على الرغم من تطوّر الحياة التي أصبح فيها سنّ الانجاب لدى النساء متأخرًا، وبالنظر إلى عدّة عوامل مثل دراسة المرأة أو عملها، ومع ارتفاع نسبة الطلاق بين الشباب في الشهور الأولى من الزواج ما يدقع بعض حديثي الزواج إلى تأجيل مسألة "الخلفة"، إلاّ أنّ بعض الموروثات الاجتماعية مازالت راسخة لدى العديد من العائلات لاسيما الريفية وبعض المناطق الداخلية لقناعتهم بأنّ الأطفال وسيلة لتوطيد العلاقة الزوجية بين الطرفين. وظلت بعض العائلات محافظة على النسق الأسري بمفهومه المعتاد من زوج وزوجة وأطفال، ودونهم لن يكتمل الزواج.

مفيدة العياري: واجهت الطلاق بسبب عدم حملي رغم مرور 6 أشهر فقط على الزواج وقد تغيّرت كثيرًا معاملة عائلة زوجي معي

اقرأ/ي أيضًا: قصص عن "الزواج العرفي" في تونس..

تقول مفيدة العياري التي حدّثتنا هي الأخرى عن تجربتها حول الإنجاب، إنّها لم تقرر الحمل منذ السنة الأولى بعد زواجها، ولكنّها واجهت الطلاق بالفعل بسبب تأخر "خلفتها" وعدم حصول الحمل رغم أنّها لم تتجاوز ستة أشهر فقط عن زواجها. فقد بدأت الأسئلة تحاصرها منذ الشهر الثاني من زواجها وانتابتها حالة من الإحباط واليأس كما تقول.

أضافت: "في قريتنا الصغيرة يجب على المرأة أن تنجب منذ السنة الأولى حتى أنّ معاملة عائلة زوجي تغيّرت كثيرًا وانطلقت مشاكلي مع قريني بسب عدم رغبتي في إنجاب طفل خلال ذلك الوقت نظرًا لظروفنا المادية وحاجتي إلى العمل".

تقول مفيدة إنها اضطرت لإنجاب طفل فقط لإرضاء عائلة زوجها "وحتى لا يقال عني غير قادرة على الإنجاب" وفق تعبيرها. وأكدت أنّ شعور الأمومة جميل فعلًا وأنها سعيدة بوجود ابنها في حياتها لكن تقول: "كنت أتمنى أن أوفر له ظروفًا أفضل وأن أواصل في مرحلة أولى البحث عن عمل يضمن مستقبلنا لكن للأسف قد تفرض علينا بعض الموروثات الاجتماعية أمورًا لم نتوقعها، فمازال يُنظر إلى الزواج على أنّه بالضرورة إنجاب وأبناء".

ماذا يقول الطب عن عدم الإنجاب في السنة الأولى للزواج؟

غالبًا ما يؤكد الأطباء أنّ عدم حدوث الحمل منذ العام الأول من الزواج ليس دليلًا على تأخر الإنجاب أو عجز أحد الزوجين على "الخلفة"، إلاّ أنّ العديد من النسوة لا يصبرن على هذه النصيحة الطبية حتى تنطلق رحلتهنّ في العلاج والأدوية ومراجعة الطبيب منذ الأشهر الأولى من الزواج.

هاشمي زياني (طبيب نساء وتوليد): تدفع الضغوطات من العائلة بعض الزوجات إلى استعجال الإنجاب منذ الأشهر الأولى بعد الزواج 

إخصائي طب النساء والتوليد هاشمي الزياني يتحدث لـ"ألترا تونس" أنّ عديد النسوة يقبلن على أطباء النساء والتوليد منذ الأشهر الأولى بعد الزواج مخافة أنّ تكنّ بالفعل غير قادرات على الإنجاب، مشيرًا إلى أن أغلبهنّ ممن يتلقين انتقادات أو أسئلة من الوسط العائلي عن عدم إنجابها.

وأكد محدثنا أنّ بعض النسوة لا يحتجن لأي علاج للإنجاب لأنّهنّ في صحة جيدة، ولكن تدفع الضغوطات العائلية بعضهنّ إلى استعجال الإنجاب مخافة انتقادات الناس أو ربّما مخافة النعت بعدم القدرة على الانجاب، على الرغم من أنّه لم يمرّ سوى بضع أشهر على الزواج. وشدّد إن التأخر عن الإنجاب خلال السنة الأولى هو أمر طبيعي ووارد ولا يعني وجود مشاكل صحية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المنشطات الجنسية.. البحث عن الفحولة في دكاكين العطارين

زوجتي أكبر مني.. السرّ الذي أهرب منه