11-فبراير-2022

وسام غرس الله: نتعرّض إلى انتقادات مجانبة للحقيقة، تندلع في مواعيد بعينها وهي قبيل المؤتمرات الانتخابية (الترا تونس/ رمزي العياري)

 

وسام غرس الله، أمين عام اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين، هو أستاذ باحث بالجامعة التونسية وتحديدًا بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس بقسم الفنون التشكيلية، وحاصل على الدكتوراه سنة 2017 تحت عنوان "مفهوم الفن التشكيلي في التراث العربي الإسلامي"، وهو عضو مجلس إدارة المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، وباعث للمجلة الإلكترونية لاتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين "رؤى تشكيلية"، ومؤسس لمخابر التصوير الفوتوغرافي بكل من المعهد العالي للفنون الجميلة بنابل وبالمعهد العالي لفنون الملتيميديا بمنوبة، وباعث أول ماجستير مهني في الفوتوغرافيا الرقمية وفنون تحريك الصورة بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس.

أمين عام اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين لـ"الترا تونس": الفترة الممتدة من 2016 إلى 2022 في اعتقادي هي أهم فترة في تاريخ الفنون التشكيلية في تونس من حيث الإصلاحات الجوهرية التي أسهم فيها اتحاد الفنانين التشكيليين

نشر غرس الله، عدة بحوث جامعية فكرية وفلسفية بمنصات نشر محكّمة، وأشرف على جميع ندوات اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين من 2011 إلى 2022، ومن عناوين هذه الندوات نذكر: المسكوت عنه في تاريخ الفنون التشكيلية التونسية، سؤال الفن المعاصر سؤال المتحف، نقد النقد: دور النقد في تنمية الفن الصانع للمعرفة.. وغيرها، كما أنّ للأستاذ وسام غرس الله أنشطة فنية متعدّدة حيث كانت له مشاركات في العديد من المعارض الفنية والتشكيلية الجماعية داخل تونس وخارجها، بالإضافة إلى أنه متحصل على مجموعة من الجوائز تقديرية. 

ومنذ توليه الأمانة العامة لاتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين نهاية 2015، رفقة مجموعة من الفنانين والأساتذة الجامعيين، قام بتغييرات ملحوظة في المشهد التشكيلي التونسي، حيث كثّف أنشطة الاتحاد ضمن ما سمي بالشهر الوطني الذي فتح أبوابه أمام كل الأجيال التشكيلية وكل الاختصاصات الفنية وكسر جدار الإقصاء، مما ضاعف عدد المنتسبين لهذا الهيكل القطاعي الذي أسسه الرسام الزبير التركي سنة 1968، كما أقام شراكات فاعلة مع مؤسسات وبلديات ومنظمات وجمعيات ودافع على قانون الفنان.

أمين عام اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين وسام غرس الله (الترا تونس/ رمزي العياري)

لكن رغم ذلك، وُجهت لاتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين وأمينه العام وهيئته المديرة، عدة انتقادات حول الأداء وحول التصورات المستقبلية.

"الترا تونس" تواصل مع الأستاذ الفنان وسام غرس الله، أمين عام اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين، وتنافذ معه في عدة محاور تهم دور الاتحاد والحياة التشكيلية بشكل عام، فكان الحوار الآتي:

  • وُصفت فترة إدارتكم لاتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين بأنها خروج عن المعهود من حيث الانفتاح وتكثيف الأنشطة الفنية، الأمر الذي جعل بعض منتسبي الاتحاد والمتابعين للشأن الثقافي التونسي يتهمونكم بالفوضويين الجدد؟

أعتقد جازمًا أن الفترة الممتدة من 2016 إلى 2022 في اعتقادي هي أهم فترة في تاريخ الفنون التشكيلية في تونس من حيث الإصلاحات الجوهرية التي أسهم فيها اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين وليس من جهة عدد التظاهرات والأنشطة.

وقبل كل شيء، نحن فريق من الشباب الجامعي ومن الفنانين الكبار، لنا أدوارنا الفردية في الساحة التشكيلية من خلال مشاريع إبداعية متعددة الاختصاصات، لنا تصورات مختلفة قد تبدو متباينة أحيانًا، لكن الأحلام المشتركة كانت واحدة.

أمين عام اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين لـ"الترا تونس": رغم عدم الاستقرار السياسي، والتغيرات المتتالية على رأس وزارة الشؤون الثقافية، دافعنا عن إحداث المتحف الوطني للفن المعاصر، وأيام قرطاج للفن المعاصر، ومشروع إنقاذ الرصيد الوطني للفنون التشكيلية

 هذا الفريق تقدم لتحمل المسؤولية التاريخية في المشهد الثقافي التونسي في فترة اتهم فيها الشباب بالتقاعس عن القيام بدوره، تحدونا في ذلك الإرادة والحلم بالتغيير وكان لنا ذلك.. كانت رغبتنا شديدة في تكثيف التظاهرات وعدم الاكتفاء بتظاهرة وحيدة وهي "المعرض السنوي"، إيمانًا منّا بأن العمل يكون على مدار السنة بما يسمح بمشاركة أوسع للفنانين التشكيليين التونسيين وخصوصًا الشباب الذين تم إفرداهم بتظاهرة الصالون التونسي للتشكيليين الشبان للصعوبة التي كانت تواجههم سابقًا من أجل المشاركة في المعرض السنوي.

ومن التظاهرات التي أحدثناها أيضًا، نجد "بينالي تونس للفن العربي المعاصر"، وذلك في سنة 2013 وهو بالشراكة مع وزارة الشؤون الثقافية، و"الصالون الدولي للخزف المعاصر"، وهو موعد سنوي أعطى للخزف الفني رواجًا لم يكن يتمتع به في وقت آخر. وبالشراكة مع بلدية تونس العاصمة، أحدثنا منذ ثلاث سنوات "صالون الحروفية"، هذا إلى جانب الندوات العلمية التي يشارك فيها النقاد والجامعيين والفنانين التشكيليين والتي نُعدّ لنشر محتواها في منشور لائق في القريب العاجل.

اقرأ/ي أيضًا: كتاب "فنانو تونس".. محاولة أنطولوجية لرسم معالم الفنون التشكيلية التونسية

ورغم عدم الاستقرار السياسي، والتغيرات المتتالية على رأس وزارة الشؤون الثقافية التي نعتبرها شريكنا الأساسي في الإصلاحات والتغييرات الجذرية التي ترنو إليها العائلة التشكيلية التونسية، يمكن أن أذكر هنا بعض العناوين الجوهرية التي دافع عنا الاتحاد واعتبرها أساسية، وهي إحداث المتحف الوطني للفن المعاصر، وأيام قرطاج للفن المعاصر، ومشروع إنقاذ الرصيد الوطني للفنون التشكيلية الذي اعتبرناه مشروع القرن.. كما حرصنا أن تكون للفنون التشكيلية المكانة اللائقة في المشهد الثقافي.

  • "أيام قرطاج للفنون التشكيلية" والتي تحولت إلى "أيام قرطاج للفن المعاصر"، يبدو أنها ولدت ضمن سياق سياسي دعائي لا غير، ومصيرها قد يكون الزوال كما زالت أسباب انبعاثها؟  

لا أعتقد ذلك، فأيام قرطاج للفن المعاصر نحن من دفع الوزارة لإحداثها سنة 2015، والدورة الأولى كانت تحمل اسم "أيام قرطاج للفنون التشكيلية" وكان ميلادها عسيرًا، وقد نظمنا ندوة دراسية بخصوص هذه التظاهرة من أجل تقديم تصور نهائي، لكن الوزارة حينها كان لها تصور مغاير.. ووافقنا اضطرارًا من أجل بعث التظاهرة. وعمومًا، نجحت الدورة الأولى وكانت هناك مشاركة عربية مهمة. أما الدورة الثانية فكانت سنة 2019 بتصور مختلف بعد أن تغيرت الهيئة المديرة وعُيّنت المرحومة الفنانة سماح الحباشي ورأينا وجهًا آخر للتظاهرة.

أما الدورة الثالثة فقد واجهتها جائحة كورونا، لكننا سنطلب من الوزارة تنظيمها إيمانًا منا بأن هذه التظاهرة هي مكسب للفنانين التشكيليين التونسيين، وأيضًا هي محطة إشعاع مهمة للثقافة التونسية.

  • العديد من التظاهرات السنوية التي أحدثتموها اعتبرت دخولًا بلا استئذان على أنشطة مؤسسات وطنية أخرى مثل المركز الوطني للخزف المعاصر والمركز الوطني لفنون الخط.

ما ذكرته هو قراءة ظاهرية لهذه التظاهرات الفنية، لكن ما نقوم به نحن هو في صميم دورنا وليس فيه تعدٍ على أنشطة مؤسسات أخرى، فهذه المؤسسات التي ذكرت، لها دورها التكويني، ولها ورشاتها وتظاهراتها المختلفة عما نقدّم. نحن شركاء بطريقة غير مباشرة، وفي النهاية، إن همّ القطاعات الفنية واحد، وأيادينا مفتوحة لكل المؤسسات والمنظمات من أجل التواصل والتنسيق وتكثيف الجهود الثقافية.

اقرأ/ي أيضًا: الرسام والجامعي سامي بن عامر: وزير الثقافة أقصاني والنقابات خذلتني (حوار)

  • إذا كان اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين يقوم بالأدوار التي يجب أن يقوم بها، فلماذا وجدت في المشهد الثقافي التونسي منظمات ونقابات جديدة تهتم بالفن التشكيلي في تونس؟

اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين تأسس سنة 1968 على يد الفنان الكبير زبير التركي، وكان له دوره التاريخي في تأسيس قطاع الفنون التشكيلية، وكانت له مواقفه السياسية التي يعلمها الجميع في جميع المراحل التاريخية. وهذا التاريخ هو للنقاش وللدرس لكن لا يمكن أن يمّحي.

أما بخصوص ظهور نقابات وجمعيات جديدة تهتم بالفن التشكيلي في تونس، فإننا نعد ذلك ظاهرة صحية، بل إن الديمقراطية في وطننا تقتضي ذلك، وشخصيًا أنا مع مبدأ التعددية لما فيه من إثراء للمشهد التشكيلي، والاتحاد أبوابه مفتوحة لكل تعاون، علمًا أننا سجلنا على مر تاريخ هذا الهيكل العتيد، عشرات اتفاقيات التعاون مع بلديات وجمعيات ومؤسسات مستقلة ونقابات.

أمين عام اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين لـ"الترا تونس": نعد ظهور نقابات وجمعيات جديدة تهتم بالفن التشكيلي في تونس ظاهرة صحية، بل إن الديمقراطية في وطننا تقتضي ذلك

ونحن أيضًا ندافع عن استقلاليتنا منذ 2011 إلى اليوم، فلا نخضع لأحزاب أو لسياسيين أو لأصحاب نفوذ مالي، ومنذ توخينا هذا المبدأ، استعاد الاتحاد العديد من أبنائه، وعادوا للنشاط فتضاعف عدد المنخرطين خلال العشر سنوات الأخيرة ليصبح 1300 بعد أن كان المنخرطين لا يتجاوز 500 منخرطًا سنة 2010، وليعلم القاصي والداني أن الاتحاد ليس فضاء لممارسة السياسة.. نحن همّنا ثقافي وفني وحضاري صرف لا غير.

  • هل يفكر اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين في الإشعاع جهويًا بتركيز مكاتب جهوية أو تنسيقيات تسهم في نشر الفنون التشكيلية في مناطق الحرمان الثقافي؟

منذ 2012 بدأ الاتحاد يفكر بكل جدية في بعث مكاتب جهوية له، ووضع تصورًا لذلك، لكن العملية فشلت لأن أغلب النشاط التشكيلي متمركز في العاصمة والمدن الكبرى، حتى أن بعض الجهات لا تجد فيها ما يكفي من الأعضاء لبعث مكتب جهوي، فقمنا بمراجعة هذا التصور وشرعنا منذ 2016 في بعث تنسيقيات جهوية ونجحنا إلى حد اليوم في بعث 9 تنسيقيات جهوية شرعت في العمل، ونجحت في تأسيس تظاهرات فنية جهوية بسيدي بوزيد ونابل وصفاقس والقصرين والقيروان والمهدية، وسنسعى في مرحلة قادمة إلى إبرام اتفاقيات عمل مع المندوبيات الجهوية للثقافة ومع البلديات حتى تكون سندًا لمكاتب التنسيقيات الجهوية.

اقرأ/ي أيضًا: "سيني ريف".. أنموذج لدمقرطة الثقافة في تونس

  • عادة ما يخلق موضوع المجسمات التزويقية والمنحوتات الموجودة بمداخل المدن والساحات العامة بتونس نقاشًا جماليًا وحضاريًا وفكريًا.. ما رأي الاتحاد في ذلك؟

ما نراه الآن من أعمال فنية في مداخل المدن ومن أعمال نحتية في الساحات العامة، وما نراه من تخطيطات للحدائق العمومية، هو لا يرقى جماليًا وفنيًا لمستوى الذائقة السليمة التي ترفع من معنويات الشعب وتبعث على الأمل والحلم. والاتحاد له تصور لذلك، وناقشه مع البلديات التي أبرم معها اتفاقيات شراكة وطالب بتشريك منسبيه في هذه المسائل الجمالية. وضمن هذا الإطار، ساهم الاتحاد ضمن شراكة مع بلدية رادس في وضع تصور منحوتة الزعيم فرحات حشاد الموضوعة في إحدى ساحات المدينة.

  • الشطرنج والفنون التشكيلية علاقة قديمة وهي موضوع كلاسيكي في الفن، وقد ترجمت في تونس في علاقة الشراكة التي جمعتكم كاتحاد بالمهرجان الدولي للشطرنج بجربة؟

المهرجان الدولي للشطرنج بجربة أسّسه الأستاذ شكري السّعيدي سنة 2018 وهو شخصية تونسية ريادية تهتم بلعبة الشطرنج ليس في تونس فقط بل وفي العالم. وقد كانت لنا معه جلسة عمل طلب من خلالها بناء شراكة والنهوض معًا بالدورة الثانية التي كان من المزمع إقامتها سنة 2021 وذلك إلى جانب شركاء آخرين كالجامعة التونسية للشطرنج والاتحاد الدولي للشطرنج، حيث تمت برمجة دورة عالمية للشطرنج بمشاركة ما يناهز الألف ضيف من كبار لاعبي الشطرنج في العالم، وحضور لأهم الفرق المعروفة في العالم العربي. 

أمين عام اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين لـ"الترا تونس": ما نراه الآن من أعمال فنية في مداخل المدن ومن أعمال نحتية في الساحات العامة.. هو لا يرقى جماليًا وفنيًا لمستوى الذائقة السليمة التي ترفع من معنويات الشعب وتبعث على الأمل والحلم

وكان من المتوقع أن نسهم في البرنامج الموازي بملتقي دولي موضوعه الفن والشطرنج، وهو موضوع قديم في تاريخ الفن، ووضعت الهيئة المديرة للاتحاد تصورًا لهذا الملتقى سيشمل لقاءات وورشات فنية ومعارض ستخصص نسبة من عائداتها لبعث مشاريع بيئية بجزيرة جربة، وبعث حديقة النحت والشطرنج وذلك بمشاركة الفنانين التونسيين من جميع الاختصاصات. لكن جائحة كورونا حالت دون ذلك وتم تأجيل الدورة، لكننا عازمون على المضي قدمًا في هذا المشروع الذي سيعود بالنفع على الفنان التونسي وعلى السياحة الثقافية والبيئية بالجزيرة.

مراسل "الترا تونس"يحاور أمين عام اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين
  • النقد المجاني والاتهامات التي توجه للاتحاد وهيئته المديرة وتشويه الجهد المبذول من قبل بعض الغاضبين، في اعتقادكم ما هي أسبابه؟ وهل يمكن مردّه إلى غياب الخطة الاتصالية الواضحة؟

نحن نعترف أن نقطة ضعف الاتحاد طيلة الخمس السنوات الأخيرة هي غياب الخطة الاتصالية التي تُبرز المجهود المبذول أمام الرأي العام الوطني وخصوصًا الأنشطة التي يجسّمها البرنامج السنوي ونتائج الشراكات، وإبراز السياسة الجديدة المتمثلة في عدم إقصاء أي فنان تشكيلي من كل التظاهرات وجعلها مفتوحة للجميع.

ولا يفوتني أن أحيط الرأي العام التونسي علمًا، أن الانتقادات المجانية والمجانبة للحقيقة، تندلع في مواعيد بعينها وهي قبيل المؤتمرات الانتخابية، وإثر خروج لجنة الشراءات للعمل من أجل اقتناء أعمال فنية لصالح الشعب التونسي وتعزيز الرصيد الوطني، علمًا وأن هذه اللجنة الوطنية هي مكسب هام لقطاع الفن التشكيلي، ولا يملك فيها الاتحاد سوى صوت واحد من جملة 11 صوتًا ممثلًا لبقية الهياكل المعنية من نقابات وجمعيات. ورغم ذلك، نُتهم بالتأثير لأن ممثل الاتحاد في هذه اللجنة عادة ما يتوخى الموضوعية والحرفية والحياد عند التصويت أثناء عمليات الاقتناء، هذا وسنتوجه إلى القضاء بخصوص كل من تهجّم على الاتحاد أو ثلب أحد أعضاء هيئته المديرة.

أمين عام اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين لـ"الترا تونس": نعترف أن نقطة ضعف الاتحاد طيلة الخمس السنوات الأخيرة هي غياب الخطة الاتصالية التي تُبرز المجهود المبذول أمام الرأي العام الوطني

  • رغم عراقته، لماذا لم يفكر اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين في بعث جائزة تقديرية خاصة يسندها لتجربة فنية أو شخصية أشعّت وتميّزت؟

فكرنا فعلًا في ذلك وناقشنا الفكرة مع المنخرطين فاستحسنوها واتفقنا جميعًا على مجانبة التكريم المالي لأنه عادة ما يخلق خلافات وجدلًا عقيمًا معيقًا للتواصل واستمرار العمل، فكان أن ذهبنا إلى منطقة أخلاقية بالمعنى الفلسفي للكلمة، وهي الاعتراف بمسيرات فنية كان فيها الفنان متفانيًا وخلاقًا ومعطاء.. ونجحنا في تكريم عدة أسماء خلال "الشهر الوطني"، وسنواصل في نهج التكريم وخاصة بالنسبة للأجيال التي أسست هذا القطاع وأثرته، علمًا وأن هذا التمشي قد لاقى استحسانًا كبيرًا في الوسط التشكيلي، حتى أن البعض اعتبره التتويج الأعلى لأنه يأتي من قبل الهيكل الممثّل للفنانين.

اقرأ/ي أيضًا: رسم مائة شخصية في تاريخ تونس.. مشروع وطني بريشة شباب مبدع

  • هل توجد منظومة نقدية تُسند المشهد التشكيلي التونسي وتتفاعل معه فكريًا؟

ليس لدينا منظومة نقدية علمية، نحن لدينا جامعيون يقومون بأعمال بحثية تساعد على الترقيات المهنية أو تساعد على المشاركة في المسابقات العربية المختصة في النقد الفني من أجل حصد الجوائز المالية الضخمة. في حين أن ما يحدث في الساحة التشكيلية لا يتعرض إلى النقد المساعد على التطوير، والذي يقدّم القراءات العميقة التي تستنطق الأعمال أو التجارب. ومن أجل تطوير المشهد النقدي وتطوير سوق الفن، فكّر اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين في إنجاز مشروع دورات تكوينية لفائدة الصحفيين الثقافيين يشرف عليها مختصون وربما تكون بالشراكة مع معهد الصحافة وعلوم الإخبار أو المركز الإفريقي لتدريب الصحفيين والاتصاليين.

أمين عام اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين لـ"الترا تونس": ليس لدينا منظومة نقدية علمية، نحن لدينا جامعيون يقومون بأعمال بحثية تساعد على الترقيات المهنية أو تساعد على المشاركة في المسابقات العربية المختصة في النقد الفني من أجل حصد الجوائز المالية الضخمة

  • وضع الأروقة الفنية في تونس سيء وفي تراجع، وقاعة الأخبار ماتت، وتُنظَّم فيها معارض لا علاقة لها بالفنّ، ما رأيك؟

عندما نتحدث عن الأروقة فنحن نتحدث عن سوق الفن في تونس، لأن الرواق هو من يقوم بالوساطة بين الفنان والمتلقّي، ونحن لدينا نوعان من الأروقة: الخاصة والعمومية، فبالنسبة للأروقة الخاصة فإنها في تناقص، وهو ما يشي بأزمة في سوق الفن، أما الأروقة العمومية فإنها تفتقد لمقومات الرواق لأن أغلبها يوجد في بهو دور الثقافة، وقد طالبنا وزارة الشؤون الثقافية في إطار تواصلنا معها، ببعث أروقة خاصة بالفنون التشكيلية، فكما يتم بعث قاعات للمسرح وفنون الفرجة أو قاعات للسينما أو للكوريغرافيا والرقص، فإنه من حق الفنانين التشكيليين أن تكون لهم قاعات خاصة بهم بالمواصفات المتعارف عليها في العالم، وأكدنا في عديد اللقاءات مع إدارة الفنون التشكيلية بوزارة الشؤون الثقافية على بعث أروقة بالجهات لأنه من حق العديد من الولايات أن تكون لها أروقة للفنون التشكيلية.

اقرأ/ي أيضًا: "خوضة" للفوتوغرافية منى الجمل.. ثورة "البيكسال" لإدراك التاريخ واليومي التونسي

  • لماذا سوق الفن في تونس مغلقة؟

القوانين في تونس تمنع منعًا باتًا أن تغادر الأعمال الفنية حدود الوطن، وحتى عند المشاركات الثقافية الخارجية، فإن مصالح الديوانة تراقب جيدًا عودتها، وكل مخالف للفصل الخامس من مجلة التراث مُعرّض للعقوبات، وهو ما أثّر سلبًا على نماء سوق الفن، وجعل نشطاء ومافيات مسالك التهريب تنشط بكثافة وتستغل الفنانين وتسلبهم حقوقهم بالتحيّل الموصوف. ومن أجل تنشيط السوق التونسية وتفادي التجاوزات القانونية وفك الحصار على الفنان التشكيلي التونسي والدفع إلى التحام السوق التونسية بالسوق العالمية، فإن الاتحاد يُعدّ حاليًا لمشروع قانون يسعى من خلاله إلى مراجعة التشريعات القوانين المنظمة لعمليات البيع والشراء الخاصة بالأعمال الفنية.

  • هل يوجد في تونس سجلّ للأعمال الفنية؟

لا يوجد، وهي من الهنات التي نعمل على تفاديها لأنها عملية توثيقية قانونية ضرورية ضامنة لحقّ الفنان وحق مقتني العمل الفني في الوقت نفسه.

اقرأ/ي أيضًا: "الرجل الذي أصبح متحفًا".. حينما تحتفي السينما بالتشكيلي علي عيسى



  • لماذا تعطّل قانون الفنان؟

مسودة القانون أو النسخة الصفر التي ناقشها ممثلو القطاعات الفنية والثقافية مع وزيرة الثقافة سنية مبارك، وصلت إلى مصالح مجلس نواب الشعب منقوصة لأسباب نجهلها، فما كان منّا نحن كهيكل ممثل لقطاع ثقافي حيوي، إلا أن اعترضنا على ما تم نشره على صفحة المجلس حينها، وطالبنا بجلسة استماع وكان لنا ذلك، وقدمنا وجهة نظرنا بخصوص قطاع الفنون التشكيلية وتفاعلت معنا وزارة الثقافة وسحبت مسودة مشروع القانون من أجل التنقيح والمراجعة وعرضها مجددًا على ممثلي القطاعات الثقافية، وهو ما حصل بالفعل، ونوقش مجددًا ضمن لجنة الثقافة والإعلام في انتظار عرضه على الجلسة العامة مجددًا أو خروجه للنور عبر مرسوم رئاسي.  

  • تفاجأت الساحة الثقافية بميلاد تنسيقية هياكل ثقافية جديدة وهو "اتحاد الهياكل الثقافية والفنية المستقلة" وكنتم من المؤسسين، ما هو الداعي لذلك؟

نحن خمسة هياكل ثقافية: اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين، واتحاد الكتاب التونسيين، والنقابة التونسية للمهن الموسيقية، والنقابة المستقلة للفنون الدرامية، ونقابة المخرجين والمنتجين السينمائيين، وقد اجتمعنا من أجل توحيد الجهود في مختلف هذه القطاعات ورصّ صفوفهم وتوحيد كلمتنا نحو إزاحة كل تهميش تتعرض له الثقافة والمثقفين التونسيين، والدفع نحو تحسين المشهد الثقافي وخاصة المسائل المشتركة على غرار قانون الفنان.

بيان تأسيس "اتحاد الهياكل الثقافية والفنية المستقلة"
  • يبدو أن لديكم موقفًا من سلوك وزارة الشؤون الثقافية فيما يتعلق بالمتحف الوطني للفن المعاصر والتصرف في الرصيد الوطني، وقد عبرتم عن ذلك في أكثر من منبر.. لو توضح لنا أكثر؟

أريد أن أوضح أمرًا ضروريًا وهو: أنه يجب الفصل بين مشروعين ثقافيين وطنيين وهما: "إنقاذ الرصيد الوطني للفنون التشكيلية" الموجود بالقصر السعيد، وبعث "المتحف الوطني للفن المعاصر" واتحاد الفنانين التشكيليين كان من الدافعين الأساسيين نحو إرساء المشروعين.

لكن ما يروج له من دمج للمشروعين، أمر خطير ومخالف للقانون وللتاريخ، لأن الرصيد الوطني والذي يناهز 13 ألف عمل فني، هو ملك للشعب التونسي. ووزارة الثقافة لها دور الصيانة والحماية فقط، ومن حق المتحف كمؤسسة ثقافية وطنية أن يستغل أعمال الرصيد ضمن برامجه، لكن دون تملّكها، ومن حق متاحف وطنية أخرى أن تستغله، تمامًا كما يحدث في الدول المتقدمة، ومن حق المدارس والمؤسسات التعليمية أن تستغله.

أما بخصوص المتحف الوطني للفن المعاصر، فإننا إلى حد اللحظة لا نعلم عنه شيئًا، ولم تتم دعوتنا كاتحاد للفنانين التشكيليين التونسيين للاطلاع على تقدم الأشغال والتصورات والمواعيد التي سيشتغل على أساسها، لقد قامت الإدارة بإقصائنا وكسرت أحلامنا وأدارت شأنه في السرية التامة بعيدًا عن المعنيين، في حين أننا من الهياكل الشريكة التي تبنّت فكرة بعثه ودافعت عنها، وحتى إن كان هناك تشريك لرسامين أو فنانين، فهو شكلي وشرفي وانتقائي من أجل ذرّ الرماد على العيون.

مراسل "الترا تونس"يحاور أمين عام اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد إغلاقه منذ 25 جويلية.. السياسة تحتجز متحف باردو العريق

"الهاشمي مرزوق".. نحّات فذّ سَجنه تمثال الزّعيم

فنان إيكولوجي يحوّل ما يلفظه البحر من حطام مراكب إلى لوحات فنية