سامي بن عامر اسم تونسي عامر بالفن والثقافة، فهو ذاك الرّسام الذي يواجه بياض القماشة بشجاعة الفرسان فتأتي الأعمال جريئة كالبيان تلهب النقد وتعيي الرّائي لرونقها ونقلها لمشاعر لم تتعوّدها العين. وهو أيضًا الجامعي الحصيف في مجال الجماليات بمعاهد الفنون الجميلة بتونس، والباحث الذي يتدبر عقله أوجه التفلسف حول الفنّ التشكيلي التونسي والعالمي.
أدار أمجد المؤسسات الجامعية التي تدرّس الفنون الجميلة بتونس وهو المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس الذي تأسس إبان الاحتلال الفرنسي لتونس في ثلاثينيات القرن العشرين، كما ترأس اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين لدورتين متتاليتين بين 1999 و2006.
سامي بن عامر هو رسّام وجامعي أدار المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس وترأس اتحاد الفنانين التشكيليين لدورتين متتاليتين
فضلاً عن كل ما ذكرناه، يرسم سامي بن عامر مشاريع وطنية استراتيجية تتعلق بالفنون التشكيلية في مستوى هندسة ندوات التفكير الكبرى والبيناليات والمهرجانات وكومسارية المعارض الكبرى وآخرها وضعه تصورًا لإنشاء المتحف الوطني للفن المعاصر في مدينة الثقافة بالعاصمة، لكن تم إبعاده مؤخرًا من إدارة هذا المشروع بعد وضعه كل التصورات اللازمة حتى ينطلق في العمل ويستقبل التونسيين والأجانب.
التقى "ألترا تونس" سامي بن عامر وتنافذ معه بخصوص إزاحته من مشروع المتحف الوطني للفن المعاصر وحول الحياة التشكيلية التونسية، فكان هذا الحوار:
- ما هو تفسيرك للإزاحة الفجئية من إدارة المتحف الوطني للفن المعاصر وأنت الذي وضعت التصور العام لانطلاقة هذه المؤسسة المستحدثة التابعة لوزارة الشؤون الثقافية التونسية؟
بداية لا بدّ من الإشارة بأن المتحف الوطني للفن المعاصر هو مطلب كل الأجيال التشكيلية منذ الاستقلال إلى اليوم بل هو مطلب المجتمع التونسي لأن كل المجتمعات في العالم لديها متاحفها التي تؤرخ للفن والثقافة وللحضارة.
وبعد الثورة، تحقق هذا المطلب وُحدد مكانه بمدينة الثقافة والهدف منه هو التواصل مع الجمهور المختص وغيره بالاعتماد على أدوات بيداغوجية خصوصية تساعد على فهم مضامين المعارض والتعاطي مع اللغة التشكيلية. ومُنح المتحف جناحًا كاملًا بالمدينة يتكون أساسًا من قاعتين مساحة الواحدة منهما 970 متر مربع وقاعة متوسطة مساحتها 400 متر مربع ومخازن لتأمين الأعمال الفنية وإدارة بمساحة جملية تقدر بـ1500 متر مربع. كما صدر قانون بالرائد الرسمي ينص على بعث لجنة إقتناءات خاصة بالمتحف من أجل دعم الرصيد الوطني بالأعمال الفنية.
سامي بن عامر: في غمرة الاستعداد لافتتاح المتحف الوطني للفن المعاصر ما راعني إلا إزاحتي وزير الشؤون الثقافية بطريقة فجئية ومهينة ومن دون سابق إعلام
اقرأ/ي أيضًا: الفنان التشكيلي لمجد النّوري: الحروفية أعادت الرّوح لسبّورات المدارس (حوار)
وتمّ تكليفي من طرف وزير الشؤون الثقافية الذي تجمعني به صداقة وزمالة فوضعت تصورًا كاملًا للعمل وبدأنا بتكوين ثلة من الشباب في المهن المتحفية، كما حددنا قائمة اللوحات التي ستوضع على ذمة المتحف والتي سيتم جلبها من الرصيد الوطني المخزّن بقصر السعيد واخترنا 700 عملًا بين نحت ورسومات.
لكن ما راعني ونحن في غمرة الاستعداد للافتتاح إلا والسيد وزير الشؤون الثقافية يزيحني بطريقة فجئية ومهينة ومن دون سابق إعلام وتم استبدالي بإدارية من صلب الوزارة وإلى حد هذه اللحظة لا أعلم السبب الحقيقي ويبدو أنه أمر دبّر بليل.
- وأنتم تعدّون للمتحف من المؤكد أنك تنقلّت لمخازن وزارة الشؤون الثقافية بقصر السعيد بضاحية باردو بالعاصمة أين كانت تُحفظ مقتنيات الدولة من أعمال فنية. كيف هو حال هذا الرصيد الحضاري؟
أولًا لابدّ من الإشارة بأن رصيد مقتنيات الدولة التونسية من رسومات ومنحوتات ومنسوجات الموجود بمخازن قصر السعيد تناهز 12.500 عملًا تم اقتناء النصيب الأوفر منها عن طريق لجان الشراءات التي تتميز بها تونس عن باقي الدول العربية.
سامي بن عامر: الرصيد الفني بمخازن القصر السعيد في وضعية سيئة ورثّة والصيانة تبدو منعدمة
ومن خلال زياراتي المتكررة للقصر، اكتشفت عدم وجود جرد واضح للرصيد. كما تبدو الصيانة تبدو منعدمة فالعديد من الاعمال وضعها رثّ. وأذكر أنه عندما أردنا جلب أعمال النحات التونسي الكبير الهادي السلمي لتظاهرة "نحت ومنحوت"، وجدنا صعوبة كبيرة في الولوج لأعمال الفنان من فرط الفوضى والأعمال المكدسة في إحدى قاعات التخزين. وقد أشرت لذلك في العديد من المناسبات والاجتماعات مما حدا بوزارة الشؤون الثقافية لاتخاذ قرار بنقل 1000 عمل فني لقاعة تخزين جديدة ولائقة بالمكتبة الوطنية التونسية.
- هل يوجد في تونس مختصون في الترميم وصيانة الأعمال الفنية والرسومات خصوصًا؟
لا تقدّم المدارس والجامعات التونسية تكوينًا في هذه المهن المتعلقة بالفن التشكيلي، وحتى من ذهب لدراسة هذا الاختصاص بالخارج بمفرده يبقى هناك قلة قليلة التي تظل تشتغل في تونس. مازالت تعوّل الدولة التونسية في هذا المجال على مؤسسة المعهد الوطني للتراث في حين أنه لا يملك مختصين في صيانة وترميم اللوحات والمنحوتات.
- عندما تم إقصاؤك من إدارة المتحف الوطني للفن المعاصر صرحت في أكثر من منبر بأنك تعرضت للخذلان، من خذلك؟
لقد خذلني الجميع وخاصة اتحاد الفنانين التشكيليين والرابطة التونسية للفنون التشكيلية ونقابة مهن الفنون التشكيلية حيث لم أسجّل موقفًا واضحًا لهذه المنظمات بخصوص ما تعرضت له من قبل وزارة الثقافة.
الرسام والجامعي سامي بن عامر
اقرأ/ي أيضًا: النّحات حافظ المساهلي: السياسة الثّقافية في تونس لم تتغيّر وأنا أباغت جماليًا
- المتحف ومنذ تدشينه في نهاية السنة الفارطة، هل يقوم بما يجب القيام به؟
المتحف هو وجه من وجوه السيادة الوطنية، وبقوم بعدة أدوار منها الدور الحضاري وهو حفظ الذاكرة للأجيال وربط الصلة بالماضي وقراءة محتواه قراءة جمالية واجتماعية وسياسية. كما يتولى المتحف إقامة التظاهرات العلمية والفنية على غرار بقية متاحف العالم، وكذلك إقامة اللقاءات الدولية و التنسيق مع المتاحف المثيلة في إطار التثاقف والتبادل الحضاري بين الشعوب والأمم. وفي اعتقادي أنّ هذا لم يتحقق بعد في تونس والخوف كل الخوف أن تتحول هذه المؤسسة إلى قاعة عرض عادية.
- هل يمكن اعتبار "أيام قرطاج للفن المعاصر" فعالية مضيفة للمشهد التشكيلي والثقافي التونسي؟
قد تكون الفكرة طيبة لكن طريقة تنفيذها هي التي نريد مناقشتها. وفرت وزارة الشؤون الثقافية اعتمادات بقيمة 500 ألف دينار لهذه التظاهرة وهو مبلغ ضخم لكنّ المدة الزمنية للتظاهرة كان وجيًزا ولا يفي بأن تتحول إلى سوق للفن كما هو مبرمج لها وأن يأتيها العدد الكافي من الزوار لمشاهدة الأعمال.
- كنت رئيسًا لاتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين من 1999 إلى 2006، ما الذي قمت به وما تقييمك لأداء الاتحاد في الوقت الحاضر؟
في السبع سنوات التي ترأست فيها هذه المنظمة العريقة قمت بأدوار لا مرئية في المستوى التواصلي والعلائقي سواء داخل العائلة التشكيلية التونسية أو في علاقاتها الخارجية أو مع الإعلام. كما حاولت مأسسة الاتحاد بإنشاء إدارة خاصة به في مقره الدائم بدار الثقافة المغاربية بن خلدون. كما أعدت للمعرض السنوي بريقه بالحرص على موعده واختيار الأعمال الجديرة بالرائي التونسي وإصدار "الكاتالوغ" الموثق لكل دورة.
سامي بن عامر: الخوف كل الخوف أن تتحول مؤسسة المتحف الوطني للفن المعاصر إلى قاعة عرض عادية
أمّا ما يقوم به الاتحاد الأن فهو تنويع عما حدث سابقًا مع زخم التظاهرات داخل شهر الفنون التشكيلية وهو ما يشتت تركيز المتلقي مع عدم القدرة على تجميع المختلفين من الرسامين. كما أعيب على الاتحاد الآن عدم وضع تصورات ومشاريع خاصة به واشتغاله على مشاريع الوزارة حيث كان شريكًا تابعًا في تظاهرة "أيام قرطاج للفن المعاصر".
إحدى لوحات الرسام والجامعي سامي بن عامر
- لماذا تنادي دائمًا بتقليص عدد الكليات والمعاهد العليا التي تدرس الفنون الجميلة بتونس؟
نحن لدينا الآن في تونس 14 مؤسسة تعليم عالي تدرس الفنون الجميلة والحرف وهو مؤشر غير صحي لأن التكوين في مثل هذه المؤسسات يتطلب إمكانيات مادية مهولة تتعلق بإنتداب الأساتذة والتعاقد مع الخبراء وتوفر اللوجستيك اللازم والتربصات وهذا المنعدم حاليا بأغلب المؤسسات المذكورة. وبالتالي، ستكون النتائج وخيمة فيما بعد على المجتمع فكثرة المؤسسات وضعف التكوين يسهمان بصفة آلية في الترفيع من نسبة البطالة في تونس.
سامي بن عامر: نحن الآن في وضعية تشكيلية أقل ما يقال عنها إنها سيئة ويجب تقليص عدد كليات ومعاهد الفنون الجميلة في تونس
- حسب وجهة نظرك، ماذا ينقص الحياة التشكيلية التونسية حتى تكون أجمل؟
نحن الآن في وضعية تشكيلية أقل ما يقال عنها أنها سيئة وتنقصنا عدة أشياء منها قانون ينظم سوق الفن وخاصة فيما يتعلق بالبيع والشراء بالخارج، وقاعات مزادات محترمة والعناية أكثر بالجانب الاجتماعي لبعض الفنانين التشكيليين سواء من جانب الدولة أو المنظمات والهيئات الناشطة. ويجب تعيين شخصية إعتبارية من قطاع الفنون التشكيلية على رأس المتحف الوطني للفن المعاصر.
- ماذا يفعل الآن سامي بن عامر؟
عدت لأهتم أكثر فأكثر بمشروعي الإبداعي، عدت للرسم والبحث في الجماليات. وحاليًا أعد مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لندوة دولية كبرى عنوانها "الفنون التشكيلية بتونس: مسيرة أجيال ورهانات إستيتيقية وثقافية".
اقرأ/ أيضًا:
كمال الرياحي: الثورة الثقافية لامرئية وما حصل لـ"بيت الخيال" عمل داعشي (حوار)
آمال المثلوثي: نيويورك أوسع فضاء للحرية والشيخ العفريت يغريني (حوار)