22-أبريل-2019

يقول إنه يميل إلى اللون الأزرق وتدرّجاته وذلك لما يحمله من دلالات مفعمة بالطمأنينة

 

زاده ريشة وألوان وفن وتمرّد، هو الفنّان التشكيلي الحروفي صفوان ميلاد، أصيل القيروان التي شهدت بدايات عشقه للحروف، وكانت فضاء توحّدت فيه ذاته وحرفه وتحرّرًا من الأغلال، كل تلك الأغلال التي تبدو على شكل ضوابط وقواعد أكاديمية. وأنت تتأمّل الجداريات التي خطّتها أنامله، تغوص عيناك في انسيابية حرفه وفي طريقة اختياره للألوان، وتخال لوهلة أن الحروف تحوّلت إلى ذوات ترقص وتتمايل لتنتهي إلى عناق في كل الاتجاهات، حروف تتخذ ألوانًا نابضة بالحياة تمامًا كمن خلق منها لوحة لا تؤمن بالسائد والمألوف.

جداريات صفوان ميلاد تخلّد رؤيته للفن التشكلي الحروفي وتتوفر في أماكن مختلفة على غرار المدينة العتيقة في القيروان والمدينة العتيقة في تونس وفي الحمامات والقصرين وغيرها

هي لوحات جدارية، يسكب فيها صفوان ميلاد بعضًا من تمرّده وإصراره على أن يشق لنفسه طريقًا مختلفًا يلوّنه بألوان اصطفاها دون أخرى، هو الذي يرجّح كفّة الأزرق والأصفر على اللونين الأخضر والأحمر، ويضيف إليهما قيمًا ضوئية أو يولّد منهما تدرّجات لونية، هو "المايسترو" الذي يرسم معزوفة صامتة. تماهت حروفه المتحرّرة مع ذاته المنعتقة وجابت أماكن مختلفة من الجمهورية التونسية، آخرها قصور الساف من ولاية المهدية حيث أضفى لمسته الحروفية على معلم أثري آيل إلى السقوط لولا مبادرة من أبناء الجهة لإعادة الحياة إليه، وجدارياته تخلّد رؤيته للفن التشكلي الحروفي في أماكن أخرى على غرار المدينة العتيقة في القيروان والمدينة العتيقة في تونس وفي الحمامات والقصرين أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: عندما ينبض الفنّ من رفراف...

 

هي لوحات جدارية يسكب فيها صفوان ميلاد بعضًا من تمرّده 

 

واللافت في تجربة الفنّان التشكيلي صفوان ميلاد، أنّ مسيرته ليست نتاجًا لتكوين أكاديمي بحت في مجال الفنون، وهو التلميذ الذي لم يكن موفّقًا في دراسته ولكنّه في المقابل كان مهووسًا بالفن التشكيلي ويرافق والده الفنان التشكيلي خالد ميلاد الذي نهل منه الموهبة، وفق حديثه لـ"ألترا تونس".

وفي حديثه عن بدايات عشقه للفن التشكيلي الحروفي، يؤكّد ميلاد أنّه كان منذ الصغر يطّلع على دروس الفنون الجميلة ممن سبقوه إلى الجامعة، ولكنّه رغم ذلك لم يدرس في معهد الفنون الجميلة واعتمد على ما تعلّمه من والده ومن تكوينه الخاص الذي أراده أن يكون مشابهًا له، مشيرًا إلى أنّ المعالم الأثرية في القيروان حيث ترعرع والتي كانت تزخر بالجداريات والنقائش الحروفية القديمة والتي كان لها أثر في تكوينه.

صفوان ميلاد لـ"ألترا تونس": اللوحة التي أخطّها تعطيني طاقة إيجابية فهي ترجمة لروحي من حيث اختيار الألوان وتدرجها الضوئي

وقد درس محدّثنا في المعهد الوطني للخطّ العربي ولكنّه لم ينه دراسته لأنه كان يرفض أن يكون أسيرًا للأسلوب والنمط الأكاديمي، وهذا لم يمنعه من الإطلاع على كل ما هو أكاديمي في علاقة بالفن التشكيلي الحروفي والتعامل معه بطريقته وأسلوبه وإضفاء لمسته المتمرّدة عليه، وفق تعبيره. وسواء تعلّق الأمر بالجداريات أو القماشيات، فإن قاعدة رسم الحروف وتلوينها تنطلق من روحه، وهي ارتجالات مدادها التمرّد في علاقة بالمفهوم الشامل للخط العربي والألوان والتناسق يسعى من خلالها صفوان ميلاد إلى الخروج عن القواعد الأكاديمية والقطع والنمطية والتكرار ليخلق خطًا حرًّا وحروفًا فيها انسيابية ولا تخضع لأية قاعدة، هي فقط تتناغم مع حركات اليد، هكذا تحدّث سفيان ميلاد عن علاقته بالحروف.

 

يعتبر صفوان ميلاد لوحاته مولوده

اقرأ/ي أيضًا: عن نساء خلقن من الألوان حيوات..

وعن كيفية تعامله مع المساحة التي سيكسوها بألوانه وحروفه، يجدّد تأكيده أنّ لوحاته قائمة على الارتجالات وأنّها قطعة موسيقية صامتة ترتكز على رؤية أساسها الإبداع دون إطار أو حدود، إبداع يثير أفكار ومشاعر مُشاهد اللوحة ويجعله يتأرجح بين الحروف الصاخبة حينًا والهادئة حينًا آخر، وهو ما يجعله يتعامل مع لوحاته وكأنّها طفله الذي يرى النور بعد برهة من التأمّل لينمو يومًا بعد يوم متجرّدًا من القواعد، على حدّ قوله. وهو يتحدّث عن لوحته التي يعدّها مولودًا، يشير صفوان ميلاد إلى أنّه يتعامل مع المساحة البيضاء وكأنّه لا يعرف أية قاعدة عن الفن التشكيلي الحروفي، مضيفًا " اللوحة التي أخطّها تعطيني طاقة إيجابية فهي ترجمة لروحي من حيث اختيار الألوان وتدرجها الضوئي، وأنا أميل كثيرًا إلى اللون الأزرق وتدرّجاته وذلك لما يحمله من دلالات مفعمة بالطمأنينة، الأمر الذي يجعله حاضرًا  في كل أعمالي".

وصفوان ميلاد يرفض أن يشارك فنانين آخرين في رسم جدارية أو قماشية لأنه يؤمن بأن لكل فنان رؤيته الخاصة للألوان والحروف وأنّ هذه الرؤى المختلفة قد تترجم أحيانًا على شاكلة نشاز وقد تعيق انسيابية الحروف، كما أنّه يرفض أيضًا أن تطلق عليه صفة الخطّاط، وفق حديثه.

ولأن لوحاته تكتسي مسحة من التفرّد التي أنشأها تصوّره للفن التشكيلي الحروفي فإن ألوانه وحروفه عابرة لحدود الوطن من خلال دعوته من المركز الثقافي الألماني بميونخ لإقامة معرض هناك. وتظل تجربة الفنان التشكيلي الحروفي صفوان ميلاد مميّزة على اعتبار أنّها تقوم على التمرّد ولا يخضع صاحبها إلا لما تمليه عليه روحه وهو في حلّ من كل القواعد الأكاديمية.

 

تقوم تجربة صفوان ميلاد على التمرد

اقرأ/ي أيضًا:

النقش على النحاس: تاريخ محفور بالمسامير يواجه الاندثار

صناعة الحلفاء في القصرين.. كنز مكنون ينتظر عناية جادّة